Article - A Reset for U.S. Policy? Not Now, But Watch the Base

يُقيِّم مستشار الشبكة لشؤون السياسات رشيد الخالدي موقف الولايات المتحدة إزاء فلسطين-إسرائيل في أعقاب المسعى الفلسطيني الهادف لعضوية الأمم المتحدة. رشيد الخالدي هو أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا ومدير معهد الشرق الأوسط في كلية الشؤون الدولية والعامة في الجامعة، وهو أيضًا رئيس تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية.

يوجّه الأستاذ الخالدي، في هذه المقابلة الموسَّعة مع مدير برامج الشبكة فكتور قطان، كلمات قاسية للرئيس الأمريكي باراك أوباما، واصفًا خطابه أمام الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر بأنه أسوأ خطاب يلقيه رئيسٌ أمريكي على الإطلاق. كما يستعرض الخالدي كيف تبدلت السياسة الأمريكية اتجاه الصراع على مر العقود، بما في ذلك على يد دنيس روس، ويناقش لماذا باتت لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (آيباك) أكثر فعاليةً اليوم ممّا كانت عليه في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. ورغم أن الخالدي لا يرى أملًا في الوقت الراهن في ظهور سياسة أمريكية عادلة، فإنه يرى أن ذلك قد يتغير إنْ عُبِّر عن الرأي العام – الذي هو أكثر استنارةً من رأي صانعي السياسات الأمريكيين – في وسائل الإعلام وعلى المستوى السياسي.

فكتور قطان: ما رأيك في الاستراتيجية الفلسطينية الساعية لأنْ تصبح فلسطين دولةً عضوًا في الأمم المتحدة؟ فبعض الفلسطينيين يعتقدون أنه كان من الخطأ الذهاب مباشرةً إلى مجلس الأمن.

رشيد الخالدي: أنا أقول إن ذلك يعتمد على الهدف الذي تسعى لتحقيقه. فإذا كان الهدف دبلوماسيًا ضيقًا يسعى إلى إحراز النفع الأكبر بأقل التكاليف، وهو مقاربةٌ منطقية تمامًا، فلربما كان من المستحسن تجنب مجلس الأمن والذهاب مباشرةً إلى الجمعية العامة. أمّا إذا كان ذلك جزءًا مما أسميه إعلان الاستقلال عن الولايات المتحدة، وأن الهدف كان لتوضيح حقيقةِ موقف الولايات المتحدة كعقبةٍ أمام إيجاد حلٍّ عادلٍ للصراع، فإني أرى أن الهزيمة في مجلس الأمن، سواءً بالفيتو الأمريكي أو لقلة الأصوات اللازمة، تخدم تلك الغاية، ومن ثم يتسنى إتباعُ تلك الهزيمة بالذهاب إلى الجمعية العامة وتحقيق الهدف ذاته. فمن الواضح أنك لا تريد مقاساة الهزيمة ما لم تكن مضطرًا لذلك، وهناك القول الآخر وهو لماذا ينبغي للفلسطينيين إبراز خلافاتهم مع الولايات المتحدة؟

فكتور قطان: ما رأيك في خطاب أبو مازن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؟

رشيد الخالدي: أعتقد أنه كان خطابًا جيدًا خلافًا لِما كان متوقعًا. وأعتقد أن معاودة فتح القضايا التي تم تجاهلها، ولا سيما في الولايات المتحدة، إنما هي نتيجةٌ لمسعى العضوية لم تحظ بتقديرٍ كامل.

فقد تمخض عنها قدرٌ هائل من الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ولا أعتقد أن السلطة الفلسطينية/منظمة التحرير الفلسطينية قد استفادتا منها بالمرة، بقدر ما كان ينبغي لهما ذلك، وبقدر ما كان بوسعهما ذلك. غير أن التغطية الإعلامية المحمومة لمسعى الانضمام لعضوية الأمم المتحدة قد أثارت مسائل تتعلق بدور الولايات المتحدة، وعملية السلام المحتضرة، والعودة إلى قرارات الأمم المتحدة والقرارات الدولية كأساسٍ لحلّ النزاع، والتناقض بين إجازة إسرائيل كدولة في عام 1947 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة [الجمعية العامة 181، خطة التقسيم الصادرة من الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر] ورفض إقامة دولة فلسطين. فكل هذه القضايا قد أثيرت وأعتقد أن النقاش برمته قد أحرز تقدمًا طفيفًا.

والمطلوب الآن، كما هو واضح، هو الاستفادة من ذلك. وأنا آسَف على الدوام لغياب جهدٍ فلسطيني رسمي جادٍ يسعى للدفاع عن القضية بفاعلية. فلو أن كل وفدٍ فلسطيني يجيء إلى نيويورك يُسخِّر عُشرَ الوقت الذي يمضيه في صالة وفود الأمم المتحدة للتحدث على شاشات التلفزة الأمريكية، وفي الجامعات والمعاهد الأمريكية، وإلى الناس، فسيُسدي للقضيةِ بذلك أيّما معروف.

فكتور قطان: ما رأيك في موقف العديد من الفلسطينيين والمنظمات الفلسطينية، بمن فيهم الكثير في الولايات المتحدة، المعارِض للاستراتيجية الفلسطينية المتمثلة في الذهاب إلى الأمم المتحدة بسبب مسألة حقوق اللاجئين وقضايا أخرى؟

رشيد الخالدي: أعتقد أنها كانت مخاوف غير مبررة. فأنا لا أرى كيف أن مواصلة استراتيجيةٍ ما فتئت منظمة التحرير الفلسطينية تتبعها منذ أمد بعيد في الأمم المتحدة سوف يُهدد بالضرورة وضع اللاجئين. فباعتقادي، يمكنك القول إن حل الدولتين إشكالي لأنه لا يأخذ قضية اللاجئين في الحسبان بشكل كامل. غير أن هذه مشكلةٌ ظل بعض الناس يتحدثون عنها منذ العام 1974 عندما طرحت منظمة التحرير الفلسطينية هذا الحل لأول مرة. وتلك هي مشكلةٌ جوهرية تَسِمُ حل الدولتين. أمّا بالنسبة إلى كيفية مواءمة حل الدولتين مع حلٍ عادلٍ لقضية اللاجئين على أساس قرار الجمعية العامة رقم 194، فلا أعتقد أن إثارة ذلك تكون بالذهاب إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2011، وإنما باستراتيجية متبعة منذ 1974. وهذا باعثٌ مشروعٌ على القلق. سُئلت في مقابلة أجرتها معي صحيفة هآرتس مؤخرًا عن سبب معارضتي لحل الدولتين، فأجبت بأن إحدى المشكلات مع حل الدولتين هي أنه لا يعالج قضية اللاجئين، ولا يعالج قضية الفلسطينيين داخل إسرائيل. فلا بد من معالجة القضيتين هاتين.

فكتور قطان: ما رأيك في خطاب الرئيس باراك أوباما إلى الأمم المتحدة؟

رشيد الخالدي: حسبما أذكر، هو من أسوأ الخطابات، إنْ لم يكن أسوأ خطاب على الإطلاق يلقيه رئيس أمريكي أمام الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية.

فكتور قطان: الخطاب أمامي ولكن لن أقتبس لك منه إذن…

رشيد الخالدي: بإمكانك أن تقتبس إنْ أردت. لقد مثّل الخطاب تنصلًا من المواقف الأمريكية القديمة وتبنيًا للموقف الإسرائيلي الذي كانت الولايات المتحدة في السابق غير راغبة في تبنيه. لقد سجّل الماضي خطابات وبيانات أصدرها رؤساء ساعون للترشح مرةً أخرى أو مرشحون جددٌ للرئاسة في إطار حملاتهم الانتخابية، وكان مِن مرشحي الرئاسة في الماضي مَن تمسّح بآيباك وتملّق لها ولغيرها من منظمات الضغط، وكانت هناك الخطابات الرئاسية الفظيعة والبغيضة، بحسب ما أذكر، ومنها خطابات ألقاها الرئيس الحالي. بيد أنني لا أذكر أن رئيسًا أمريكيًا ألقى خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة انحط فيه إلى هذا القدر.

فكتور قطان: باعتقادك، لماذا ألقى أوباما خطابًا مؤيدًا لإسرائيل؟

رشيد الخالدي: حسنًا، أنا لا أعرف التفاصيل، ولكن مَن يفهم صناعة السياسة الخارجية الأمريكية وتفاعلها مع المشهد الداخلي يعي بأن رئاسة أوباما اشتملت في الحقيقة على فترتين رئاسيتين، فترةِ ما قبل تشرين الثاني/نوفمبر 2010 عندما خسر الديمقراطيون سيطرتهم على مجلس النواب، وفترةِ ما بعد ذلك التاريخ – ولا زلنا نحيا هذه الفترة. ففي العامين الأوليين، توهمت إدارة أوباما بأن لديها الوقت الكافي لتفعل ما يحلو لها وأطلقت عددًا من المبادرات: خطاب اسطنبول، وخطاب القاهرة، والمطالبة بتجميد الاستيطان وما إلى ذلك، في حين أنها كانت في واقع الأمر تُهدر وقتًا كبيرًا حينما اعتقدت بأنها منيعةٌ سياسيًا. ما حصل في تشرين الثاني/نوفمبر 2010 هو أن الإدارة أدركت بأنها لم تكن حصينةً سياسيًا قط – وأن الجمهوريون لم يتوانوا عن استخدام القضية الفلسطينية-الإسرائيلية للهجوم على الإدارة. والإدارة لم تتعاف منذ ذلك الحين. ولا تزال ترتعد جُبنًا بشأن هذه المسألة. وبصراحة، فإن نتنياهو يجد دعمًا في واشنطن أكثر ممّا يجده الرئيس نفسه. فهو يعي ذلك، والإدارة تعي ذلك.

فكتور قطان: هل تعتقد أن شيئًا سيتغير إنْ فاز أوباما بولاية ثانية؟

رشيد الخالدي: ليست لدي أدنى فكرة. ولكني أقول إنه ما لم تتغير البُنية الأساسية للسياسة الأمريكية إزاء هذه القضية، فإنك لن ترى إدارةً أمريكيةً تفعل شيئًا مختلفًا. فقد ولّت تلك الأيام التي ترى فيها رئيسًا أمريكيًا يفرض تجميدًا على ضمانات القروض المقدمة لإسرائيل أو يدعو إلى إعادة تقييم السياسة أو المعونة الأمريكية لإسرائيل أو يُنفِّر الإسرائيليين ويستعديهم – وأنا أتحدث هنا عن نيكسون، وفورد، وكارتر، وبوش الأب. إن ما لدينا اليوم في الولايات المتحدة هو بيئة سياسية مختلفة كثيرًا. وما لم تتغير هذه البيئة السياسية، فإنني، صِدقًا، لا أرى تغييرًا يلوح في الأفق. وبصراحة، ما انفك الرئيس الحالي يُمثّل استمراريةً جسيمةً لسَلَفه. فبالأمس فقط وفي نيويورك، طمأن الرئيس مؤيديه اليهود بأن إدارته ملتزمة اتجاه إسرائيل ولن تساوِم…

فكتور قطان: ما الذي تسبب بتغيير السياسة بعد بوش الأب باعتقادك؟

رشيد الخالدي: بل وحتى كلينتون، حتى كلينتون تراه يقاوم نتنياهو في مواضيع معينة على نحو أحسَبُ أنه ساهم في هزيمة نتنياهو في انتخابات عام 1999.

فكتور قطان: إذن ما الذي تسبب بهذا التغيير في السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية؟

رشيد الخالدي: أنا لا أعرف العوامل بالضبط ولكني سأقول شيئًا واحدًا: لقد أصبح اللوبي أكثر فعاليةً حتى من ذي قبل. فهو لم يكن كما كان الظن به في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حقًا لم يكن. بل كان نتيجة تراكم الظروف التي كان من بينها تزامن الحرب الباردة مع الصراع العربي الإسرائيلي منذ عقد الستينات وحتى نهاية ثمانينات القرن الماضي. فلم يكن أحدٌ يعلم تمامًا بأن الكثير من الدعم المقدم لإسرائيل كان موجهًا لدعم عميلٍ للولايات المتحدة يعمل ضد عملاء الاتحاد السوفيتي ولم يكن دعمًا مخصصًا لإسرائيل بصفتها إسرائيل. وفي غضون ذلك، اكتسب اللوبي نفوذًا هائلًا وأنشأ فرعًا آخر له هو الفرع المسيحي الإنجيلي. وهكذا، فإني أقول إن اللوبي مختلف حقًا من حيث الآلة السياسية المهولة التي تدور رحاها في كابيتول هيل، فلجنة آيباك لم تعد تلك التي عهدها جيل أبيك. فهذا اللوبي لا يعتمد على دوائر انتخابية تحوي أعدادًا كبيرة من الناخبين اليهود، ولا يعتمد كذلك على أعضاء الكونغرس أو مجلس الشيوخ أو غيرهم ممَّن يحتاج هذا النوع من الدعم السياسي أو المالي أو الانتخابي. فهو يقوم على ذلك وأيضًا على القاعدة المسيحية الإنجيلية التي أقول إنها تتسم، على الأقل، بالأهمية ذاتها. فلا شك في أن العديد من الناخبين في الحزب الجمهوري مؤمنون بتفسير يميني إنجيلي لدولة إسرائيل والذي، كما تعرف، يتسق تمامًا مع وجهة نظر حزب الليكود. وهكذا فإن هذه عوامل جديدة لم يوجد أيٌّ منها في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته. فحينئذٍ كانت الحرب الباردة.

فكتور قطان: هل تقول إذن أن المجتمع الأمريكي، أو قطاعات من المجتمع الأمريكي، غدت أكثر تدينًا، ولا أعرف إنْ كان التدين هو الكلمة الصحيحة هنا؟

رشيد الخالدي: إنما أصبح إقحام الدين في السياسة أكثر علانية. فالمجتمع الأمريكي هو مجتمعٌ متدينٌ على الدوام. ولكن الإنجيليين هم من أصبحوا أكثر نشاطًا على الصعيد السياسي، وصاروا يُعبأون على يد اللوبي الإسرائيلي. وذلك يتعلق بالمواقف ووجهات النظر الموجودة عندهم من قبل والتي تتفق مع نظرة اللوبي الإسرائيلي ولا سيما تيار اليمين فيه، جناح جنكيز خان إن أردت، ومن أمثاله المنظمة الصهيونية الأمريكية التي هي أكثر يمينيةً من الليكود نفسه.

فكتور قطان: إلى أي مدى يستطيع الكونغرس تقييد الرئيس حينما يتعلق الأمر بمسائل مثل العلاقة بإسرائيل؟

رشيد الخالدي: يعتمد ذلك على مقدار رأس المال السياسي الذي يكون الرئيس قادرًا على إنفاقه ومستعدًا لإنفاقه، وعلى قدر رغبة الرئيس في منافسة الكونغرس والدفاع عن قضيته أمام الرأي العام.

دستوريًا، الكونغرس هو من يمتلك السلطة على الميزانية، ويتحكم في أمور مثل الاعتمادات المالية والإنفاق، فلا بد لجميع مشاريع قوانين الإنفاق أن تنشأ في مجلس النواب. ويمتلك مجلس الشيوخ صلاحيات أخرى في المعاهدات والتعيينات وما إلى ذلك. وذلك يعني أن صلاحيات الكونغرس الدستورية تمنحه نفوذًا بدرجة معينة – ولكننا لا نتحدث عن ذلك بالضرورة. وباستطاعة الكونغرس أن يُقرّ القوانين مثل القانون الذي أوقف فعليًا تمويل منظمة اليونسكو، وهو بالمناسبة قانون قديم أُقرِّ من قبل أن يعتقد أحدٌ بأهمية هذه المسألة. ولكن لا ينبغي للرئيس أن يقلق من الكونغرس إلا، بصورة رئيسية، في إطار المنافسة من أجل التفوق خطابيًا أو بلاغيًا. ما أعنيه هو أن الكونغرس إذا ما ألحّ في إصراره على المطالبة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أو الإعراب عن وقوفه إلى جانب المستوطنات، أو القول إن ما تفعله إسرائيل ينبغي أن يُمثِّل مقصد السياسة الأمريكية، فسيشُقُّ على الرئيس حينها أن يخالفه ما لم يكن مستعدًا للتضحية برأس ماله السياسي من أجل أن يخرج رأسًا لرأس مع الكونغرس ويدافع عن موقفه أمام الشعب الأمريكي. وسجّل التاريخ أن قِلةً من الرؤساء الأمريكيين كانوا مستعدين لفعل ذلك. ومنهم بوش الأب، بالمناسبة، ورئيسين آخرين في السابق. أما اليوم، فقد غدا ذلك المسعى أكثر صعوبةً وتعسرًا.

فكتور قطان: كتبتَ مؤخرًا مقالًا في ذي هيلز كونغرس بلوق بشأن دور دنيس روس في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية اتجاه إسرائيل والفلسطينيين. هل لك أن تتوسع في ذلك؟

رشيد الخالدي: لعب دنيس روس دورًا منذ إدارة ريغان عندما كان في وزارة الدفاع. وكان حينها يتعامل مع الشرق الأوسط ولكن فيما يخص قضايا الخليج في المقام الأول. ولكن منذ ذلك الحين، أخذ يتضطلع بدورٍ رئيسي متنامي النفوذ في صياغة السياسة الأمريكية [اتجاه إسرائيل والفلسطينيين] مرورًا بإدارتي كلينتون ووصولًا لإدارة أباما (الإدارة الوحيدة التي لم يعمل فيها كانت إدارة جورج بوش الأب). وينطوي هذا الدور على المساعدة في التأثير في صناعي السياسة الأمريكية لكي يقبلوا بسقفٍ تضعه إسرائيل لِما يمكن أن تكون عليه السياسة الأمريكية، بحيث تصبح رؤية بيغن للحكم الذاتي في كامب ديفيد مع مرور الوقت هي ما تراه الولايات المتحدة باعتباره النتيجة الوحيدة القابلة للتحقيق بالنسبة للفلسطينيين. وهي تُعبّر في جوهرها عن صيغة أوسلو، والتي هي بالأساس سلطة الحكم الذاتي المؤقتة التي طرح بيغن فكرتها في العام 1978. ولعب روس دورًا كبيرًا في إقناع صانعي السياسات بأن الولايات المتحدة لا تقوى على تحقيق أكثر من ذلك بالنسبة للفلسطينيين.

كما حاول أن يقنع صانعي السياسات بأن إسرائيل لن تتفاوض أبدًا مع منظمة التحرير الفلسطينية ولن تقبل بها كشريك كامل. فكان متفاجئًا أيّما تفاجئ عندما توصل رابين وعرفات من وراء الأمريكيين إلى تفاهم مثّل الأساس لاتفاقات أوسلو. إذ كان يُخبر رؤساءه السياسيين بأن ذلك كان مستبعدًا جدًا. وهكذا ساعد روس في خفض سقف السياسة الأمريكية لحد ما تكاد في جوهرها تتفق والسياسة الإسرائيلية. وأعانه على ذلك أشخاصٌ آخرون مثل مارتن إنديك الذي استهل مشواره كحاشدٍ للدعم والتأييد لصالح إسرائيل في آيباك. ولقد عمل روس وإنديك كلاهما في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى الذي أسّسه اللوبي الإسرائيلي.

إنه لتحولٌ ملحوظ. فبعد أن كان يهيمن على صناعة السياسات ودوائر الاستخبارات والبنتاغون أشخاصٌ لم يكونوا متعاطفين مع إسرائيل وكانت لدى الكثير منهم خبرةٌ في العالم العربي، أمست جميع المناصب المهمة تقريبًا في الإدارات الأمريكية في الوقت الراهن بيد أناسٍ لا يتحرجون البتة من أن تكون السياسة الأمريكية منسجمةً تمام الانسجام مع السياسة الإسرائيلية. وأنا أعتقد أن دنيس روس هو رمز ذلك التحول. كما إنه نفسه قد مارس تأثيرًا كبيرًا. ومن الواضح بأن ذلك التأثير لم يكن خيِّرًا ولا في صالحنا. فماذا جلبت لنا أفكارٌ من قبيل المرحلة الانتقالية، وسلطة الحكم الذاتي الانتقالية، وتأجيل قضايا الحل النهائي، والحد من التمثيل الفلسطيني بحسب رغبة إسرائيل؟ إن ما جلبته علينا هو 20 سنةٍ بِتنا في آخرها أبعد ممّا كنا عليه في أولها إلى التوصل إلى حلٍ من أي نوعٍ لهذا الصراع، وازداد عدد المستوطنين المتواجدين في الأراضي المحتلة بمئات الأولوف بعد أن تقاطروا إليها منذ مطلع التسعينات من القرن المنصرم.

فكتور قطان: هل أخطئ لو قلت إنك متشائم إزاء حدوث تغير في السياسة الأمريكية؟

رشيد الخالدي: لا، فأنا أرى احتمالًا ضيئلًا لحدوث تغيرٍ جذري في المستقبل القريب. وبالطبع، فإن ذلك يعتمد كثيرًا على نتائج الانتخابات، وعلى مدى تأثر المستوى السياسي بالرأي العام. فالرأي العام في الولايات المتحدة في الواقع هو أكثر تطورًا ممّا تسوقه وسائل الإعلام أو الخطاب السياسي. فحدوث تغيير يعتمد على تسخير الرأي العام والتعبير عنه في وسائل الإعلام وعلى الصعيد السياسي، وطالما ظل الرأي العام غير مُسخَّرٍ ولا مُعبَّرٍ عنه كما هي الحال في الوقت الحاضر، فإني سأظل على تشاؤمي. انظر إلى نتائج استطلاعات الرأي العام الأمريكي وآراء اليهود الأمريكيين. فستجدها تتخذ موقفًا يساريًا مقارنةً باللوبي والكونغرس وسياسة هذه الإدارة وسياسة سابقتها. وبالرغم من كل التعاطف المتأصل لإسرائيل، والعداء للمسلمين والشرق أوسطيين والعرب ولا سيما الفلسطينيين، وكل الحديث الدائر عن الإرهاب، تظل الاستطلاعات الفعلية تُظهر لك مرةً تلو المرة بأن الناس يمتلكون فهمًا لهذا الصراع أكثر استنارةً ممّا يدفعك ما تعرضه وسائل الإعلام وما يحويه الخطاب السياسي للاعتقاد.

فكتور قطان: باعتقادك، ما هو تأثير الربيع العربي أو الشتاء العربي، والصراع في سوريا، وليبيا، والنصر الذي حققه الإخوان المسلمون في الانتخابات في مصر وتونس…

رشيد الخالدي: المغرب أيضًا، حيث جرت انتخابات وفاز فيها الإسلاميون.

فكتور قطان: صحيح. إذن ما هو التأثير المحتمل لذلك من حيث الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين وفيما يتعلق بالسياسة الأمريكية اتجاه إسرائيل والمنطقة؟

رشيد الخالدي: حسنًا، إذا حصل ما يريده بعض الإسرائيليين والأمريكيين، فسيكون ذلك هو البعبع الذي سيُستخدم في تخويف الناس من أجل تعزيز الرابطة بين إسرائيل والولايات المتحدة – إنْ كان ذلك ممكنًا. ويمكن للمرء أن يرى ذلك وهو يحصل الآن. فثمة من يحاول ذلك بالفعل. أمّا في الواقع، فثمة نتيجةٌ مرجحةٌ لهذه الانتخابات وهو أن الحكومات في العالم العربي سوف تضطر لأنْ تُولي اهتمامًا أكبر لدور الرأي العام في صياغة السياسة الخارجية ممّا كانت تولي في السابق. فما فتئت معظم الحكومات العربية، وهي حكومات سلطوية، تولي اهتمامًا لا يكاد يُذكر لِما تقوله شعوبها. ولقد أسهبت في الحديث عن الاستماع إلى شعوبها ولكنها لم تُتبع قولَها فعلًا ولم تعمل بما قالت. وباعتقادي أن ذلك قد يتغير. وأرى أن أي عمليةٍ لنشر الديمقراطية، والتي لا تزال في مهدها في العالم العربي، سوف تحقق ذلك التغيير على الأرجح مع مرورو الوقت.

ومن الواضح أن ذلك سيؤثر في إسرائيل تأثيرًا مباشرًا لأن الشعوب في العالم العربي متعاطفةٌ مع الفلسطينيين، بصرف النظر عن عدم تعاطف الكثير من حكوماتهم، وبصرف النظر عن انشغالهم بالكثير من القضايا الأخرى. فهو عامل ثابت تقريبًا يسود مختلف أنحاء العالم العربي ويتمثل في وجود تعاطفٍ عميقٍ مع الفلسطينيين وقلقٍ إزاء المعاملة التي يتلقونها على يد إسرائيل، ويتمثل أيضًا في امتلاك الشعوب العربية لشيء من المعرفة والدراية بِالوضع القائم في فلسطين المحتلة. ويبدو على الراجح أن تعاظم التأثير الذي يمارسه الرأي العام على حكوماته سوف يعكس ذلك التعاطف والقلق.

فكتور قطان: هل تعتقد أن هذا بدوره سيؤثر في طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الفلسطينيين؟

رشيد الخالدي: أنا لا أرى بصراحة من العلامات ما يشير بقوةٍ إلى تأثيره في الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة للأسف لا تُعير اهتمامًا كبيرًا للرأي العام العربي عند صياغة سياستها الخارجية.

فكتور قطان: هل أنت مندهش من ردة فعل إسرائيل… لأنها تعارض بوضوح التغيرات الجارية في مصر؟

رشيد الخالدي: لست مندهشًا تمامًا. بل آسى لأنها كانت على الأرجح فرصةً لإسرائيل لتُعيد تصور علاقتها مع العالم العربي بأسره. فالبدء في علاقة جديدة هو الاستجابة الذكية والسمحَة والمفتوحة من الإسرائيليين التي تنطوي على التأمل في ماضي إسرائيل وفي علاقتها بالفلسطينيين وفي دعمها (ودعم الولايات المتحدة وأوروبا) لأنظمةٍ سلطويةٍ مقيتةٍ.

ثمة معلقون إسرائيليون فطناء يقولون إن هذه لفرصةٌ، في واقع الأمر، ولا ينبغي أن نخشاها. غير أن معظم استجابات السّاسة والكثير من المعلقين هي من قبيل: يا إلهي، ماذا سنفعل الآن، رحل مبارك، كنا نحب مبارك، ماذا سنفعل بدون مبارك، الأنظمة السلطوية هي أملنا الأفضل الأخير. وها هم الآن يندبون نظام الأسد، حتى قبل أن يزول. فلقد عشقوا كرهَه حينما كان قائمًا، ولكنهم لا يطيقون فكرة أن يعيشوا دونه.

فكتور قطان: هناك كمٌ كبير من مشاريع القوانين المعروضة حاليًا على الكنيست، مثل قانون قسم الولاء وقانونٍ من شأنه أن يقيِّد التمويل الأجنبي المقدَّم لمنظمات حقوق الإنسان في إسرائيل وهو في الواقع ما يحدو برؤساء منظمات أمريكية، مثل أبرهام فوكسمان من رابطة مكافحة التشهير، إلى القول إن إقرار مشاريع القوانين تلك سوف يجعل إسرائيل أقل ديمقراطية. ألا تعتقد بأنه لو أقرت إسرائيل تشريعات أكثر استبدادًا فإنها سوف تفقد الدعم في الولايات المتحدة؟

رشيد الخالدي: لا أعتقد أن ذلك سيؤثر على المستوى السياسي في المدى القريب لأن أعضاء الكونغرس يجهلون واقع ما يجري جهلًا مطلقًا. فهم يعيشون حالةً من فقدان الوعي فيما يتعلق بحقائق ما يجري في إسرائيل وفلسطين. غير أني أعتقد أن ثمة درجةً من الرعب تسود أوساط شريحةٍ مهمةٍ من الرأي العام الأمريكي –الشباب والناس الأكثر دراية ومعرفة – وحتى في صفوف المؤيدين لإسرائيل بسبب هذا المنعطف في الخطاب الداخلي الإسرائيلي المتجه نحو توطين نظام الحكم على المزيد من الاستبداد والقومية والشوفينية والتدين والعنصرية المعلنة. فهذا الانعطاف في الخطاب ليس قولًا وحسب. بل هو محاولةٌ لإعادة تأطير المواطنة والانتماء والقواعد الدستورية وما إلى ذلك بطريقة أكثر استبدادًا وشوفينية. ومن الواضح أن الجميع، ولا سيما أولئك المتعاطفين أكثر مع إسرائيل والذين يدركون ماهية هذا التغير، يشعرون بالرعب.

فكتور قطان: كما إن ذلك يُصعِّب عليهم الدفاع عن قضيتهم.

رشيد الخالدي: ليست المسألة مسألة الدفاع عن قضيتهم وحسب، وإنما مدى ما يجدون في هذا الموقف من انعدام التعاطف. فهم مضطرون بوتيرة متزايدة للتعامل مع أشخاصٍ عنصريين متزمتين في إسرائيل، أشخاصٍ ما كانوا هم أنفسهم ليرحبوا بهم هنا في الولايات المتحدة. إنها وجهة نظرٍ يصعب جدًا التوفيق بينها وبين وجهة النظر الليبرالية إلى حد كبير التي يعتنقها معظم الأفراد الأصغر سنًا والأكثر تعليمًا في المجتمع اليهودي.

فكتور قطان: هل تجد عندما تُحاضِر أو يُحاضر غيرك في الولايات المتحدة ردةَ فعل عدائية اتجاه الأشخاص الذين يتبنون الموقف الإسرائيلي؟

رشيد الخالدي: ثمة صعوبةٌ متزايدةٌ تواجه الجهود المبذولة للدفاع عن حجة إسرائيل، ولا سيما حجة الحكومة الإسرائيلية والموقف الإسرائيلي المتشدد، ويُستثنى من ذلك على ما يبدو الدعوة الموجهةُ للمؤمنين أصلًا بقضيتها. وهذا يحدث رغم الجهود الهائلة المبذولة لتجميل صورة إسرائيل، والمبذولة على صعيد السياسة العامة، والدعاية الإسرائيلية، وليّ الوقائع للتأثير في الرأي العام، والعلاقات العامة، وإدارة الصورة، والأموال الطائلة، والمنظمات التي لا تحصى، والمتحدثين الذين يَقدمون إلى هنا بأعدادٍ كبيرةٍ. فقد بات واضحًا جليًا أنه من الصعب جدًا في العديد من الجامعات أن يحظوا باستقبالٍ يتعاطف معهم. فهل ما يقومون به إذن يعدو أكثر من كونه دعوةً للمؤمنين أصلًا بقضيتهم، وهم قِلة؟ وهذه ليست حال الذين يتحدثون بموضوعية أكبر أو يتخذون موقفًا مؤيدًا للفلسطينيين. فلهؤلاء، كما يبدو، جماهير عريضة وحاشدة. وهناك بعض المُشكِّكين الذين قد يكونون متعاطفين أو غير متعاطفين، ولكنهم يجدون من يستمع إليهم. يشهد الوقت الراهن حوارًا مفتوحًا لم يكن قائمًا عندما كنت طالبًا في الجامعة أو عندما بدأت التدريس في الولايات المتحدة في عقد الثمانينات.

فكتور قطان: هل لاحظت تغيرًا في أوساط طلابك على مرّ العقدين الماضيين؟

رشيد الخالدي: ألاحظ عمومًا عندما ألقي محاضرات عامة أو في الفصول التي أدرسها بأن المواقف قد تطورت بالتأكيد بمرور الزمن. لقد بات الطلاب يتمتعون بعلمٍ ودراية أوسع ولذلك فهم الآن أقل تعصبًا بكثير. فالمواقف القديمة التي كانت تمنح الدعم الأعمى لإسرائيل كانت متجذرةً إلى حد كبير في الجهل. أما الآن فتجد فهمًا أعمق حتى في أوساط الداعمين لإسرائيل. كما غدت الجماهير أكثر استنارةً وأفضل اطّلاعًا. فلقد بِتّ أتلقى أسئلة ذكية أكثر بكثيرٍ من ذي قبل، وأتلقى أسئلةً غبيةً أقل وأقل تكون مأخوذةً من كتب توزعها منظمات مؤيدة لإسرائيل. فقبل عقدين من الزمن، كانت تُطرح علي أسئلة غبية كثيرة، أمّا اليوم فأقل بكثير.

رشيد الخالدي يشغل كرسي الأستاذ الراحل إدوارد سعيد للدراسات العربية في قسم التاريخ بجامعة كولومبيا. عملَ في السابق رئيساً لرابطة دراسات الشرق الأوسط، وكان مستشار...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
تكشفُ تغطيةُ وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب لمجريات الإبادة الجماعية في غزة تحيزَها الشديد للنظام الإسرائيلي، وتُبرزُ أيضًا سهولةَ نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين. تتناول يارا هواري في هذا التعقيب استراتيجيةَ إسرائيل في نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين في المجال العام، ودور وسائل الإعلام الغربية في تحقيق أهداف إسرائيل. وتبين أنماطَ التقصير الصحفي المستمرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتخلُص إلى أنّ وسائل الإعلام الغربية متواطئة حتمًا في الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 03 أبريل 2024
لعبت كل من مصر والأردن عبر التاريخ أدواراً جيوسياسية مهمة في القضية الفلسطينية، حيث شكلت حدودهم مع قطاع غزة والضفة الغربية على التوالي المنفس الوحيد للعمق العربي وخاصة بعد حرب 1967. تزايدت وتضاءلت نفاذية هذه الحدود مع اختلاف الحكومات والظروف في المنطقة، لكن يمككنا الجزم أن مع مرور الزمن أصبحت هذه الحدود بشكل تدريجي جزءاً من الحصار على الشعب الفلسطيني وأداة ضغط على الفلسطينيين.
تعكف المصادر الإسرائيلية الرسمية على تضليل العالم إعلاميًا على نطاق واسع لتبرير الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة. وقد أجَّجَ الصحفيون ومحللو استخبارات المصادر المفتوحة الحملةَ المسعورة لشيطنة الفلسطينيين بنشرهم الأنباء الكاذبة دون تدقيقها كما ينبغي. يتناول طارق كيني الشوا، في هذا الموجز السياساتي، أساليبَ الحرب الإعلامية الإسرائيلية، ويبيِّن كيف أسهمت هذه الجهود في تآكل الحقيقة وإعاقة الجهود الرامية إلى تنظيم استجابة عالمية. ويقدم توصيات للصحفيين والمحللين وعامة الجمهور للاستفادة من الأدوات مفتوحة المصدر لدحض الدعاية الإسرائيلية والمعلومات المضللة السائدة.
Skip to content