مقال - تجريم النشاط التضامني مع فلسطين في المملكة المتحدة

ملخص تنفيذي

يتعرض النشاط المتضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة لهجمةٍ متنامية في السنوات الأخيرة. تتناول هذه الورقة السياساتية جهود الحكومة البريطانية الأخيرة الرامية إلى منع الهيئات العامة من ممارسة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وإلى الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. وتضع هذه الإجراءات القمعية في سياق الدعم البريطاني التاريخي المعهود للنظام الإسرائيلي، وفي سياق تشريع مقترح الذي من شأنه أن يجرِّمَ طائفةً واسعة من الحركات السياسية وحركات العدالة الاجتماعية. وتُبرز الجهود الناجحة في مقاومة هذا القمع الممارس ضد المعارضة، وتختتم باقتراح استراتيجيات لمواجهة هذا القمع وتعزيز الروابط بين الحركات المستهدفة.

لم تتوقف الحكومة البريطانية عن دعمها للصهيونية منذ ما يزيد على قرنٍ من الزمن. فبالإضافة إلى وعد بلفور للصهاينة سنة 1917 بإنشاء "وطن قومي" لليهود في فلسطين، دأبت بريطانيا على تقديم المساعدة العسكرية للنظام الإسرائيلي، اشتملت على تطوير الأسلحة النووية ومبيعات الأسلحة وغيرها من أشكال المساعدة. تتخذ الحكومة البريطانية موقفًا رسميًا معارضًا للمستوطنات الإسرائيلية منذ 1967، ولكنها ترفض محاسبة إسرائيل، بل وتكافئ النظام الإسرائيلي بتوطيد العلاقات التجارية والدبلوماسية معه. وهذا ناجم بوضوح عن التوافق الأيديولوجي التاريخي بين بريطانيا والصهيونية، وعن أولويات السياسة الخارجية البريطانية في الشرق الأوسط.

وانسجامًا مع تلك السياسات، ما انفكت الحكومة البريطانية تتخذ تدابير لقمع النشاط المتضامن مع فلسطين. غير أن المناورات الأخيرة تمثل حقبة جديدة في القمع الذي تمارسه الدولة البريطانية ولها تداعيات خطيرة على نشاط التضامن مع فلسطين والحركات المتحالفة معها. يتمثل أحد الأساليب المفضلة لدى الحكومة في ربط النضال الفلسطيني من أجل التحرير بالإرهاب. وفي عام 2003، وفي إطار هذا النهج، استحدثت الحكومة البريطانية استراتيجية "المنع (بريفينت)" للتعامل مع "التطرف." واستراتيجية المنع هذه تستهدف الأفراد قبل ارتكابهم أي جريمة، وتقتضي من العاملين في قطاعي التعليم والصحة تحديد المتطرفين المحتملين الذين لم يرتكبوا جريمةً بعد.

وبالرغم من أن غالبية البلاغات التي يرفعها العاملون في هذين القطاعين عارية عن الصحة، إلا أن لها عواقب وخيمة على المبلَّغ عنهم، فضلًا على أن المسلمين مستهدفون أكثر من غيرهم. يُعد التعاطف مع فلسطين أو الاهتمام بشأنها، بموجب استراتيجية المنع، أمارةً محتملة للتطرف. وتتجلى آثار ذلك بوضوح، حيث تعرض تلاميذ للاستجواب من الشرطة، وتعرض طلاب جامعيون للمراقبة والمضايقة.

بالإضافة إلى ربط النشاط المتضامن مع فلسطين بالإرهاب والتطرف، كثيرًا ما يُخلَطُ بينه وبين معاداة السامية. في عام 2018، تبنت الحكومة البريطانية تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، والذي يخلط عمدًا بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. ومنذ عام 2020، تعرضت الجامعات في المملكة المتحدة لضغوط لاعتماد ذلك التعريف، حيث هددتها الحكومة بإيقاف تمويلها إذا لم تنصاع إلى تعليماتها. وقد أذعنت جامعات كثيرة لتلك الضغوط، وأخذ أكاديميون فلسطينيون يواجهون خطر فقدان وظائفهم على نحو متزايد بسبب ذلك.

بالإضافة إلى تبني تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، اتخذت الحكومة البريطانية خطوات تشريعية لتقييد الحق في المقاطعة، وهو تهديد مباشر لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وفي عام 2016، أصدرت الحكومة "توجيهات" تندد بمقاطعة المشتريات في الهيئات العامة باعتبارها "غير مناسبة." وقد تصاعدت وتيرة هذه الهجمات في السنوات الأخيرة، ومن المزمع أن يُعرض مشروع القانون المناهض للمقاطعة على البرلمان - وهي خطوة من شأنها أن تهدد عمل طائفة واسعة من حملات العدالة الاجتماعية.

يواجه نشاط التضامن مع فلسطين أيضًا قمعًا من المناورات القانونية التي تستهدف حركات العدالة الاجتماعية والمجتمعات المستضعفة. ولعل أكثر ما يُثير القلق هو مشروع قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم الذي يمنح وزارة الداخلية ومسؤولي الشرطة سلطةَ تقديرية واسعة لاعتبار الاحتجاجات غير قانونية واعتقال واتهام المشاركين فيها ومنظميها.

يواصل الناشطون مقاومتهم لهذه الموجة الجديدة من قمع الدولة، وقد نجحوا في مسعاهم في حالات كثيرة حتى الآن. وعملهم يشكِّل وصفةً تُتَّبع لمقاومة القمع الحكومي المستمر، وإرساء الأرضية للنضال المستقبلي.

  • تكوين التحالفات الطلابية وتحالفات الأكاديميين عنصرٌ أساسي في مقاومة السياسات القمعية في الجامعات. يستطيع الأكاديميون، ويجب عليهم، أن يرفضوا رفضًا جماعيًا بأن يشاركوا في التجسس الذي تسنّه الحكومة على الطلاب، وأن يضغطوا على الجامعات لكي ترفض تبني تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
  • تُعد المعارضة القانونية ضد نزع الشرعية عن حركة المقاطعة فعالةً على نحو خاص. في المملكة المتحدة، قاومت حملة التضامن مع فلسطين وحلفاؤها محاولات الحكومة البريطانية لإسكات حركة المقاطعة في المحاكم، بالتزامن مع نجاحات مشابهة حققتها تدخلات قانونية في أنحاء مختلفة من أوروبا. وينبغي للناشطين وحركات العدالة الاجتماعية أن يستفيدوا من هذه الأسبقيات القانونية الجديدة.
  • ينبغي للناشطين المتضامنين مع فلسطين أن يواصلوا التعبئة من خلال المجموعات المتداخلة ضد مشروع قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم وغيرها من المناورات الحكومية. فهذه المجموعات قادرة على ممارسة ضغط أكبر على الحكومة، وتعتقد اعتقادًا راسخًا بترابط النضالات، وتؤمن بمقاومة القمع والاضطهاد.

مقدمة

في كانون الثاني/يناير 2022، ادعى وزير التعليم البريطاني ناظم الزهاوي أن مقولة “من النهر إلى البحر، فلسطين سوف تتحرر” هي مقولة معادية للسامية، وألمح إلى أن ترديدها ينبغي أن يُعدَّ مخالفة جنائية. أتت تصريحاته على خلفية القمع المتزايد الذي تمارسه الحكومة البريطانية ضد النشاط المتضامن مع فلسطين، بما في ذلك جهودها المبذولة لمنع الهيئات العامة من استخدام أساليب المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، ومسعاها للخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.1

وفي حين أن حملة القمع تعكس السياسة الخارجية البريطانية المعهودة تجاه النظام الإسرائيلي، إلا أنها أيضًا جزءٌ من موجة تشريعية تهدف إلى تجريم طائفة واسعة من حركات العدالة الاجتماعية والحركات السياسية، مع تركيزها على المظاهرات والنشاط السياسي. استهدفت الحكومة البريطانية حركات مثل “حياة السود مهمة” التي تتحدى عنف الدولة، مما حدا بالمنظمات المنضوية تحت راية تلك الحركة إلى قيادة الجهود المقاوِمة لهذه الحملة القمعية. واستنهض هذا القمع نشاطًا تضامنيًا جديدًا عابرًا للحركات في أوساط المنظمات المستهدفة، وهو نشاط يتجلى على نحو متزايد في المظاهرات والنشاطات السياسية في مختلف أنحاء المملكة المتحدة. وفي هذه المساحات، أخذ ناشطو التضامن مع فلسطين ونظراؤهم في حركة “حياة السود مهمة” والناشطون من المهاجرين واللاجئين والناشطون في مجال المناخ وغيرهم من الناشطين يتقاربون ويتضافرون ضمن نضال مشترك.

بالرغم من أن هذه الحملة القمعية تطال مساحاتٍ وجهاتٍ مختلفة، إلا أن هذه الورقة السياساتية ستركز على البيئة القمعية المتنامية التي تواجه العاملين والمنظمين في مجال التضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة. وتُبين كيف أن هذه الحملة ليست سوى نسخة أخرى من مساعٍ متجددة لقمع الاحتجاج والتعبير السياسي، وتُبرز المحاولات الناجحة التي تتصدى لهذه الحملة المسلطة على المعارضين. وتختتم باقتراح استراتيجيات لمواجهة هذا القمع، وتعزيز الروابط بين هذه الحركات.2

سياسة خارجية متسقة للمملكة المتحدة تجاه الصهيونية

لم تتوان بريطانيا قط عن دعم المشروع الصهيوني منذ بداياتها الاستعمارية، وما تزال سياستها الخارجية تعكس هذه الحقيقة. بل إن النخبة السياسية في بريطانيا كانت تتألف من مسيحيين متصهينين متحمسين، مثل رئيس الوزراء لويد جورج، الذي قاد الحكومة الائتلافية إبان صدور وعد بلفور سنة 1917. وكان هذا التعهّد للصهيونية، الذي استلزم إنكار التطلعات الوطنية الفلسطينية، عنصرًا أساسيًا في الحكم البريطاني طوال فترة احتلاله لفلسطين على مدى ثلاثين عامًا، من 1917 إلى 1948، حيث يسَّرت السلطات الاستعمارية البريطانية هجرة عشرات الآلاف من يهود أوروبا إلى فلسطين، ودعمت إقامة المؤسسات الصهيونية، بينما ظلت تقمع مقاومة الفلسطينيين بالحكم البريطاني والاستعمار الصهيوني.

واصلت بريطانيا دعمَ المشروع الصهيوني حتى بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 على أكثر من 80% من مساحة فلسطين التاريخية. ففي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، ساعدت النظام الإسرائيلي سرًا في تطوير أسلحة نووية. ولم تتوقف المملكة المتحدة عن بيع الأسلحة للنظام الإسرائيلي على مدار العقود – وبلغت المبيعات ذروتها في 2018 – بالرغم من جرائم الحرب المستمرة وانتهاكات حقوق الفلسطينيين. ويُستخدم العديد من تلك الأسلحة والتقنيات في عدوان النظام الإسرائيلي المدمر والمتكرر على غزة المحاصرة عسكريًا منذ ما يزيد على 15 عامًا. 

بالرغم من أن حكومة حزب العمال البريطاني أدانت احتلال النظام الإسرائيلي لِما تبقى من أرض فلسطين التاريخية سنة 1967، بما فيها القدس الشرقية، إلا أنها حافظت على علاقة قوية مع حزب العمل الإسرائيلي، الذي كان مشاركًا في الحكومة آنذاك. وكان رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ويلسون مدافعًا “غير مفهوم” عن الصهيونية، وكان يَنظر إلى النظام الإسرائيلي باعتباره “تجربةً فذة في السياسة الاشتراكية.”

ما انفكت الحكومة البريطانية تتخذ تدابير لقمع النشاط المتضامن مع فلسطين. غير أن المناورات الأخيرة تمثل حقبة جديدة في القمع الذي تمارسه الدولة البريطانية Click To Tweet

ومن المفارقات أن حزب العمل الإسرائيلي هو الذي حمل راية المشروع الاستيطاني غير القانوني في الضفة الغربية وغزة والجولان السوري المحتل. ومنذئذ، ظلت الحكومة البريطانية تردد مقولتها الرسمية بأن “المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي” وأن على النظام الإسرائيلي أن “يتوقف فورًا” عن بنائها. غير أنها ترفض محاسبة إسرائيل عن جرائم الحرب هذه، بل وتكافئ النظام الإسرائيلي بتوطيد العلاقات التجارية والدبلوماسية معه. ويوجد اليوم ما يزيد على 620000 مستوطن إسرائيلي موزعين على أكثر من 200 مستوطنة في الضفة الغربية. وتحتل هذه المستوطنات والبنى التحتية المساندة لها معظم أراضي الضفة الغربية، وتؤثر في كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية.

يتجلى تأييد بريطانيا المستمر للمشروع الصهيوني في سياستها الخارجية الحالية أيضًا. وقد عبَّر عن ذلك وزير الدفاع البريطاني السابق، جافين ويليامسون، حين قال في 2018 إن العلاقة بين المملكة المتحدة وإسرائيل هي “حجر الأساس لكثير مما نقوم به في الشرق الأوسط.” أي أن النظام الإسرائيلي يحمي مصالح المملكة المتحدة في المنطقة، بينما تقوم المملكة المتحدة، في المقابل، بحماية النظام الإسرائيلي. وهكذا، فإن التوافق الأيديولوجي التاريخي بين بريطانيا والصهيونية يساعد في تفسير موجة الإجراءات القمعية الحالية ضد النشاط المتضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة، ولكن من الأهمية بمكان أن نؤكد أن ذلك ينسجم أيضًا مع مصالح المملكة المتحدة الإستراتيجية.

مناورات قمعية تمارسها حكومة المملكة المتحدة

ما انفكت الحكومة البريطانية تتخذ تدابير لقمع النشاط المتضامن مع فلسطين. غير أن المناورات الأخيرة تمثل حقبة جديدة في القمع الذي تمارسه الدولة البريطانية ولها تداعيات خطيرة على نشاط التضامن مع فلسطين والحركات المتحالفة.

يتمثل أحد الأساليب المفضلة لدى الحكومة في ربط النضال الفلسطيني من أجل التحرير بالإرهاب، وهي محاولة متعمدة تهدف إلى نزع الشرعية عن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. وقد تسارعت وتيرة هذا الربط في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر و”الحرب على الإرهاب” الأمريكية، التي دعمتها الحكومة البريطانية وتبنتها. وفي عام 2003، وفي إطار هذا النهج، استحدثت الحكومة البريطانية استراتيجية “المنع (بريفينت)” للتعامل مع “التطرف” والحيلولة دون أن يتحول الأشخاص إلى “إرهابيين” أو داعمين “للإرهاب.” وأصدرت في 2015 تشريعًا يُمأسس “واجب المنع” في الهيئات التعليمية والصحية، حيث يتطلب من العاملين في هذين القطاعين “إيلاء الاهتمام الواجب للحاجة إلى منع الناس من الانجرار إلى الإرهاب.”

تتسبب هذه الاستراتيجية، وفقًا للعديد من الخبراء ومنظمات حقوق الإنسان، في إمكانية وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، ولا سيما بسبب دعوتها إلى الاستهداف الاستباقي قبل “ارتكاب الجرم”، حيث تحث العاملين في هذه القطاعات على تحديد المتطرفين المحتملين الذين لم يرتكبوا جريمةً بعد. تحدد التوجيهات والتدريبات ضمن هذه الاستراتيجية مجموعةً من الأمارات التي قد توحي بإمكانية تطرف الأفراد، ومنها “التعرض للظلم على خلفية سياسات الحكومة.” وليس مستغربًا أن يكون المسلمون مستهدفين أكثر من غيرهم، بل ويُبلَّغ عنهم في كثير من الحالات فقط لإظهارهم علامات الالتزام بتعاليم الإسلام. وبالطبع، فإن غالبية البلاغات التي يرفعها العاملون في هذه القطاعات عارية عن الصحة. ومع ذلك، يكابد المبلَغ عنهم في الغالب عواقب وخيمة جدًا، بما فيها انتهاكات الخصوصية واستجوابات الشرطة والوصمة الاجتماعية.

يُعد التعاطف مع فلسطين أو الاهتمام في الشأن الفلسطيني، بموجب استراتيجية المنع، أمارةً ممكنة أخرى على التطرف، حيث تتضمن قائمة المظالم المحتملة التي ينبغي للعاملين في تلك القطاعات الانتباه إليها “الدعم الصريح لفلسطين” و”معارضة المستوطنات الإسرائيلية.” ومن المفارقات أن هذا يتعارض مع السياسة الرسمية للحكومة البريطانية نفسها، التي تدَّعي معارضة المستوطنات الإسرائيلية. فبحسب المنطق نفسه، ينبغي الإبلاغ عن وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية البريطانية بسبب تطرفها المحتمل.

إن الآثار الضارة المترتبة على شيطنة النشاط المتضامن مع فلسطين بموجب استراتيجية المنع جلية. ففي عام 2014، ورد إلى شرطة مكافحة الإرهاب بلاغ عن تلميذٍ من معلميه لارتدائه شارة “فلسطين حرة” وتوزيعه منشورات مناهضة للقصف الإسرائيلي على غزة. استجوبت الشرطة الصبي في منزله وقيل له ألا يتحدث عن فلسطين في المدرسة مرة أخرى. وهناك العديد من الحالات لطلاب جامعيين تعرضوا للمراقبة والمضايقة بسبب دعمهم الصريح لفلسطين.

بالإضافة إلى ربط النشاط المتضامن مع فلسطين بالإرهاب والتطرف، كثيرًا ما يُخلَطُ بينه وبين معاداة السامية. وقد غدت استراتيجية الخلط هذه ظاهرةً عالمية انبرت لقيادتها في السابق وزارةُ الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية – وهي وزارة تأسست بالأساس للتصدي لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) وحركات التضامن مع فلسطين، ودُمجَ عملها فيما بعد في وزارة الخارجية.

في عام 2018، تبنت الحكومة البريطانية تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، والذي يخلط عمدًا بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. وينص على أن “إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير، من خلال الادعاء، مثلًا، بأن وجود دولة إسرائيل بحد ذاته هو مسعى عنصري”، هو مثال لمعاداة السامية. وهكذا استُخدِم تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست بشكلٍ غير متناسب في استهداف مجموعات التضامن مع فلسطين التي تنتقد النظام الإسرائيلي بحكم طبيعتها، بينما لم تلقَ الجماعات الأوروبية القومية العنصرية واليمينية المتطرفة اهتمامًا يُذكَر.

تتعرض الجامعات في المملكة المتحدة منذ عام 2020 لضغوط لاعتماد تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، لدرجة أن وزير التعليم البريطاني السابق، جافين ويليامسون، هدَّد في تشرين الأول/أكتوبر 2020 بأن الجامعات قد تخسر مصادر تمويلها إذا لم تعتمد التعريف. وقد خضعت الجامعات لتلك الضغوط في حالات كثيرة أفضت إلى عواقب مقلقة. ففي جامعة شيفيلد هالام، على سبيل المثال، أُوقفت الأكاديمية الفلسطينية شهد أبو سلامة عن العمل حتى الانتهاء من التحقيق في شكاوى واردة من جهات خارجية تُفيد بأنها خرقت تعليمات الجامعة بشأن التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. وسرعان ما أُلغي التحقيق في أعقاب حملة واسعة النطاق لدعم أبو سلامة، وبعد أن فشلت الجامعة في إثبات صحة الشكاوى.

تشكل هذه المناورات القانونية (البريطانية) جهدًا واضحًا لبث الخوف وردع الناشطين المتضامنين مع فلسطين والحركات المتحالفة معها وثنيهم عن التنظيم Click To Tweet

مثَّل تعريفُ التحالف أيضًا الأساس الذي بُنيت عليه العديد من الهجمات الموجهة ضد حركة المقاطعة، قبل أن تطرح الحكومة البريطانية مشروع قانون يستهدفها مباشرةً. وفي عام 2016، أصدرت الحكومة “توجيهات” تندد بمقاطعة المشتريات في الهيئات العامة باعتبارها “غير مناسبة.” ولاحقًا، وعَد حزب المحافظين في بيانه الانتخابي لسنة 2019، بإدراج تلك التوجيهات كجزء من السياسات النافذة، وتعهَّد “بمنع الهيئات العامة من فرض حملات المقاطعة المباشرة أو غير المباشرة لدول أجنبية أو سحب استثماراتها منها أو فرض عقوبات عليها.”

ومع أن البيان لم يذكر حركة المقاطعة باسمها، إلا أن العديد من السياسيين في حزب المحافظين بيَّنوا أنها هي المقصودة. فمثلًا، ادّعى النائب روبرت جينريك في مؤتمر عبر الإنترنت بأنه “في غضون عام أو عامين… سيكون لدينا حظر مطلق على حملة المقاطعة هنا، وستكون تلك خطوةٌ كبيرة إلى الأمام.” في غضون ذلك، أصرَّ النائب المحافظ والمبعوث الخاص المعيَّن من الحكومة لشؤون ما بعد الهولوكوست، إريك بيكلز، في مؤتمر عُقد في القدس سنة 2019 على أن حركة المقاطعة معادية للسامية، وأن التشريع المقترح لن يسمح للهيئات العامة بمقاطعة النظام الإسرائيلي أو سحب استثماراتها منه.

لقد بات واضحًا الآن أن مشروع القانون المناهض للمقاطعة سوف يُعرض على البرلمان، حيث أكّدت الملكة في خطابها في أيار/مايو 2022 في افتتاح البرلمان أن حكومة المملكة المتحدة سوف تطرح “تشريعات من شأنها أن تمنع الهيئات العامة من المشاركة في حملات المقاطعة التي تقوِّض تماسك المجتمع.” وبالإضافة إلى الحد من عمل الناشطين المتضامنين مع فلسطين، سيؤثر التشريع في الراغبين في ممارسة المقاطعة كشكل من أشكال الاحتجاج ضد القوى الأخرى المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، حيث أصدرت مجموعة من المنظمات غير الحكومية البريطانية بيانًا قالت فيه إن ذلك سوف “يضيِّق على مجموعة واسعة من الحملات المعنية بتجارة الأسلحة، والعدالة المناخية، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، والتضامن الدولي مع الشعوب المضطهدة التي تناضل من أجل العدالة.”

بالإضافة إلى هذه الحملة المقيِّدة لجهود المقاطعة، يواجه نشاط التضامن مع فلسطين قمعًا من المناورات القانونية التي تستهدف حركات العدالة الاجتماعية والمجتمعات المستضعفة، كمجتمعات المهاجرين واللاجئين. وهو ما يصفه النقاد بأنه انحدارٌ إلى مرتبة “الدولة البوليسية.” وتنطوي تلك المناورات على مشروع قانون الجنسية والحدود، الذي يستهدف وقف الهجرة من أجزاء معينة من العالم من خلال تجريم طالبي اللجوء واستحداث مراكز للمهاجرين “خارج الحدود”، وعلى الجهود المبذولة لتعديل قانون حقوق الإنسان وتقييده بما يسمح للحكومة بأن تختار حسب هواها مَن يمكنه التمتع بحقوقه الإنسانية.

لعل أكثر ما يُثير قلق الحملات والحركات السياسية هو مشروع قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم الذي يوسع سلطات الشرطة وسلطات مؤسسات أخرى، حيث يرى الناشطون والمنظمات في مجال حقوق الإنسان أن في ذلك تغوّلٌ من جانب السلطة السياسية ومحاولةٌ لقمع الاحتجاج، و”تَعدٍ على بعض الحقوق الأساسية للمواطنين، ولا سيما المنتمين إلى مجتمعات مهمشة.” يمنح مشروع القانون هذا وزارةَ الداخلية ومسؤولي الشرطة سلطةً تقديرية واسعة لاعتبار الاحتجاجات غير قانونية واعتقال واتهام منظميها والمشاركين فيها. ويمكن اعتبار الاحتجاج غير قانوني إذا تسبب ببساطة في إحداث ضجيج، ويمكن اعتقال أي شخص واتهامه بتنظيم احتجاج أو الترويج له. يُجرِّم مشروع القانون أيضًا “التعدي على أملاك الغير”، وبذلك يقيد المساحات المتاحة للنشاط السياسي، ويستهدف على نحوٍ مباشرٍ أيضًا مجتمعات الغجر الرحَّل والرحالة. 

تشمل العقوبات التي ينطوي عليها مشروع قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم الاعتقالات وعقوبات طويلة بالسجن وغرامات باهظة. ولا شك في أن ذلك سيردع الكثيرين عن المشاركة في الاحتجاجات والمسيرات السياسية. وبحسب منظمة ليبرتي لحقوق الإنسان، ومقرها المملكة المتحدة، فإن بنود مشروع القانون سوف تطال الجميع وستنال من “حقوقنا في التجمع والتعبير عن المعارضة بحرية، وهي حقوق اكتسبناها بشق الأنفس ونعتز بها بشدة.”

مقاومة ناجحة واستراتيجيات دفاعية

تشكل هذه المناورات القانونية جهدًا واضحًا لبث الخوف وردع الناشطين المتضامنين مع فلسطين والحركات المتحالفة معها وثنيهم عن التنظيم. ولكن الناشطين مستمرون في التصدي لقمع الدولة البريطانية – وحققوا نجاحات على هذا الصعيد في كثير من الحالات. وفيما يلي بعض الأمثلة والإمكانيات لاتخاذ المزيد من الإجراءات.

دأب الاتحاد الطلابي الوطني، مدعومًا من حلفائهم في الوسط الأكاديمي وهيئات التدريس، على المقاومة انطلاقًا من استراتيجيته المتمثلة في “منع المنع”، حيث يشجع الجامعات على إطلاق حملات بعنوان “طلاب وليسوا مشتبهين.” يُعارض الاتحاد رسميًا سياسة المنع الحكومية، ويدعم المستهدفين بسببها. وعلى نطاقٍ أوسع، شجب أكاديميون ومهنيون آخرون سياسة المنع علنًا ضمن رسالة عامة موحدة تنتقد الاستراتيجية الحكومية لافتقارها “أساسًا مبنيًا على الأدلة العلمية.”

تُعارض المؤسسات الأكاديمية كذلك تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست معارضةً شديدة. وقد نشرَ أكاديميون في كلية لندن الجامعية تقريرًا يفيد بأن “التعريف المحدد المعمول به لا يناسب البيئة الجامعية وليس له أساس قانوني يبرر إنفاذه.” وبعد صدور التقرير، حثَّ مجلس أكاديمي داخلي الجامعةَ على رفض استخدام تعريف التحالف، وأجبر الجامعة على مراجعة النظر في قرار اعتماده.

المجموعات ليست فقط قادرة على ممارسة ضغط أكبر على الحكومة، بل وتعتقد اعتقادًا راسخًا بترابط النضالات، وتؤمن بمقاومة القمع والاضطهاد Click To Tweet

وفي الوقت نفسه تقريبًا، نشرت الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط بيانًا أكّدت فيه أن التعريف يُستَخدم لنزع الشرعية عن الداعمين للحقوق الفلسطينية، ولا يُسهم فعليًا في مكافحة العنصرية. وتلت البيان تصريحاتٌ وتحركات أخرى، بما فيها رسالة موقعة من مجموعة تضم 135 أكاديميًا إسرائيليًا يرفضون التعريف، ورسالة من أكاديميين ومثقفين فلسطينيين وعرب نُشرت في صحيفة الغارديان. وقد دفعت هذه المعارضة المناوئة للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست العديدَ من الجامعات إلى الصمود أمام ضغوط الحكومة لتبني التعريف.

إن تكوين التحالفات الطلابية وتحالفات الأكاديميين عنصرٌ أساسي في مقاومة السياسات الجامعية القمعية، حيث يتمتع كلا الطرفين بقوة جماعية كبيرة. فبوسع الأكاديميين، بل ويجب عليهم، أن يرفضوا رفضًا جماعيًا بأن يشاركوا في التجسس الذي تسنّه الحكومة على الطلاب. فلطالما كانت المؤسسات التعليمية مواقعَ لرفض السياسات القمعية ومقاومتها، بما فيها سياسات إسكات النشاط المتضامن مع فلسطين، ولا بد لتلك المؤسسات أن تستمر كذلك.

تُعد المعارضة القانونية ضد نزع الشرعية عن حركة المقاطعة فعالةً على نحو خاص. فمنذ عام 2017، قاومت حملة التضامن مع فلسطين، إلى جانب ائتلاف من الحلفاء، محاولات الحكومة البريطانية لإسكات حركة المقاطعة في المحاكم. وفي نيسان/أبريل 2020، كسبت حملة التضامن قضيةً تاريخية ضد حكومة المملكة المتحدة أمام المحكمة العليا، التي حكَمت ضد التوجيهات الحكومية المذكورة أعلاه والتي قيدت قدرة برامج التقاعد الحكومية المحلية على سحب استثماراتها من الشركات المتواطئة في الانتهاكات التي يرتكبها النظام الإسرائيلي ضد حقوق الفلسطينيين الأساسية.

يتزامن نجاح حملة التضامن مع نجاح تدخلات قانونية أخرى في أنحاء مختلفة من أوروبا سعيًا لتأكيد الحق في ممارسة المقاطعة. ففي عام 2020، حكمت محكمة دستورية إقليمية ألمانية ضد التماس مناهض لحركة المقاطعة، ونصت في حكمها على أن الالتماس يتعدى على الحقوق الأساسية. وفي أيار/مايو 2021، أقرَّت محكمة جنائية فرنسية في ليون بشرعية نداء المقاطعة.

وبالإضافة إلى حملة المقاطعة، يعكف مركز الدعم القانوني الأوروبي، وهو منظمة مستقلة تأسست للدفاع عن المدافعين عن الحقوق الفلسطينية وتمكينهم في جميع أنحاء أوروبا، على تعزيز حركة التضامن مع فلسطين من خلال المزج بين “جهود المراقبة، والاستراتيجيات الدفاعية، والتقاضي المؤثر، والتدريب والدعوة والمناصرة.” ويعمل أيضًا على تطوير “الأدوات القانونية وينخرط في التقاضي الاستراتيجي دعمًا لحملات المجتمع المدني وجهوده في الدعوة والمناصرة.”

تُنشئ هذه التدخلات مجتمعة أسبقيات قانونية يمكن أن يستخدمها الناشطون والحركات حول العالم. وقد أشارت حملة التضامن إلى أهمية ذلك بعدما كسبت قضيةً في المحكمة:

ما برحت إسرائيل وحلفاؤها منذ عدة سنوات يشنون حربًا من أجل نزع الشرعية عن النشاط الحقوقي الفلسطيني، ولا سيما لتجريم العمل الداعم للنداء الفلسطيني من أجل المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. ولا بد من قراءة محاولات حكومة المملكة المتحدة لسنّ اللوائح التنظيمية في إطار هذا السياق، حيث أعلنت الحكومة في خطاب الملكة عزمَها على إصدار المزيد من التشريعات المناهضة للمقاطعة. وينبغي أن يكون انتصارنا في المحكمة العليا اليوم بمثابة تحذير أولي لهم.

ترى حملة التضامن إن قضيتها لا تقتصر على الدفاع عن حقوق الناشطين المتضامنين مع فلسطين، وإنما تتصدى أيضًا للتهديدات العامة التي تواجه حرية التعبير وتجاوزات الحكومة ضمن الديمقراطية المحلية. فحركة التضامن مع فلسطين ليست المستهدفة الوحيدة بقمع الدولة البريطانية، كما يتضح من مشروع قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم. وبما أن مشروع القانون يستهدف مجموعةً كبيرة من الناشطين والحركات، فقد انبرى ائتلاف عريض، بقيادة حركة “حياة السود مهمة”، إلى التعبئة ضده.

منذ مطلع 2021، خرج الآلاف إلى الشوارع في جميع المدن الكبرى في المملكة المتحدة في احتجاجات تدعو إلى “رفض مشروع القانون.” وساعدت التعبئة الجماهيرية في دفع مجلس اللوردات إلى رفض مشروع القانون مرتين بسبب المخاوف الجسيمة إزاء طابعه القمعي. غير أن البرلمان أقرَّ مشروع القانون بتاريخ 28 نيسان/أبريل 2022 في تطورٍ مقلق للحملات السياسية وحركات العدالة الاجتماعية.

تؤكد حملة “ارفضوا مشروع القانون” والتدخلات القانونية المدافعة عن حركة المقاطعة الحاجةَ إلى مقاومة هذه المناورات الأخيرة من خلال مجموعات عريضة متداخلة. فهذه المجموعات ليست فقط قادرة على ممارسة ضغط أكبر على الحكومة، بل وتعتقد اعتقادًا راسخًا بترابط النضالات، وتؤمن بمقاومة القمع والاضطهاد.

وفي هذا الصدد، كتبَت نائبة مدير حملة التضامن مع فلسطين، ريفكا بارنارد، أن القوة الجماعية “هي التي تخيف حكومتنا المتواطئة والشركات التي تتمتع بحرية مطلقة في التربح من الموت والدمار.” ومع تبني الحكومة البريطانية سياسات الدولة البوليسية، فإن هذه الاستراتيجية الجماعية هي الأجدى في مقاومة القمع الحكومي المستمر، ووضع أساس للنضال المستقبلي.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. تود الكاتبة أن تشكر كل من حسين الخالدي وريفكا بارنارد على مشاركتهما لخبرتهما وآرائهما الثاقبة في هذا الموضوع.
يارا هواري هي مديرة الشبكة بالمشاركة. عملت سابقًا كزميلة سياساتية للشبكة في فلسطين وكمحللة رئيسية في الشبكة. نالت درجة الدكتوراه في سياسة الشرق الأوسط من...

أحدث المنشورات

 السياسة
تكشفُ تغطيةُ وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب لمجريات الإبادة الجماعية في غزة تحيزَها الشديد للنظام الإسرائيلي، وتُبرزُ أيضًا سهولةَ نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين. تتناول يارا هواري في هذا التعقيب استراتيجيةَ إسرائيل في نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين في المجال العام، ودور وسائل الإعلام الغربية في تحقيق أهداف إسرائيل. وتبين أنماطَ التقصير الصحفي المستمرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتخلُص إلى أنّ وسائل الإعلام الغربية متواطئة حتمًا في الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 03 أبريل 2024
لعبت كل من مصر والأردن عبر التاريخ أدواراً جيوسياسية مهمة في القضية الفلسطينية، حيث شكلت حدودهم مع قطاع غزة والضفة الغربية على التوالي المنفس الوحيد للعمق العربي وخاصة بعد حرب 1967. تزايدت وتضاءلت نفاذية هذه الحدود مع اختلاف الحكومات والظروف في المنطقة، لكن يمككنا الجزم أن مع مرور الزمن أصبحت هذه الحدود بشكل تدريجي جزءاً من الحصار على الشعب الفلسطيني وأداة ضغط على الفلسطينيين.
تعكف المصادر الإسرائيلية الرسمية على تضليل العالم إعلاميًا على نطاق واسع لتبرير الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة. وقد أجَّجَ الصحفيون ومحللو استخبارات المصادر المفتوحة الحملةَ المسعورة لشيطنة الفلسطينيين بنشرهم الأنباء الكاذبة دون تدقيقها كما ينبغي. يتناول طارق كيني الشوا، في هذا الموجز السياساتي، أساليبَ الحرب الإعلامية الإسرائيلية، ويبيِّن كيف أسهمت هذه الجهود في تآكل الحقيقة وإعاقة الجهود الرامية إلى تنظيم استجابة عالمية. ويقدم توصيات للصحفيين والمحللين وعامة الجمهور للاستفادة من الأدوات مفتوحة المصدر لدحض الدعاية الإسرائيلية والمعلومات المضللة السائدة.
Skip to content