Article - Restructuring the Palestinian Authority: It’s Now or Never

نظرة عامة

لم تكن السلطة الفلسطينية يومًا أكثر عزلةً واستقطابًا وتشرذمًا من الداخل كما هي الآن. ففي الأرض الفلسطينية المحتلة، عزلت السلطة الفلسطينية نفسها عن غزة، وما تزال المصالحةُ تائهةً بين حماس وفتح. وإقليميًا، لم تكن السلطة الفلسطينية يومًا أبعدَ عن حلفائها العرب من اليوم. فالقيادات الجديدة في الدول المؤثرة، مثل السعودية، المتلهفة إلى التزلُّف إلى إدارة ترامب وإيجاد أرضية مشتركة مع إسرائيل حيال الأزمة مع إيران، تسببت في تحولات كارثية في السياسة العربية والخطاب العربي إزاء فلسطين. وصارت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر تجرؤًا بسبب التهافت على التطبيع مع إسرائيل. أمّا القمع المتزايد في تلك الدول المطبِّعة فيوحي أيضًا بحملةٍ قمعية شبه منهجية على مستوى الدولة لإسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين.12

ودوليًا، تناقصت حظوظُ السلطة الفلسطينية في ممارسة الضغط على إسرائيل بسبب صعود العناصر الفاشية اليمينية في عدد من البلدان. فضلًا على أن تهمة معاداة السامية المعتادة، وهي ادعاء كاذب مُضلل في الغالب، أضحت أداةً فعالة في إسكات الأصوات المعارضة للاحتلال الإسرائيلي، وتقود إلى هجمات غير مسبوقة على حرية التعبير وحرية التجمع في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وأماكن أخرى. وهكذا بالرغم من الاستياء المتنامي لدى العامة من الاحتلال الإسرائيلي، تؤدي الاستراتيجيات كتلك التي تروجها مدونة “lawfare” إلى تثبيط النشاط المناصر لفلسطين، بما في ذلك النجاح أحيانًا في سن تشريعات ضد حركة المقاطعة.

إن التحول المتزايد باتجاه اليمين في الولايات المتحدة فيما يتعلق بإسرائيل-فلسطين، مع تولي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر الحكم، هو أبرز الظروف الراهنة. فقد قوَّضا معًا دور المؤسسات الدولية، ومنحا إسرائيلَ حصانةً وملاذًا للتهرب من العقاب أكثر حتى من السابق.

ومع اشتداد الاعتداءات على الفلسطينيين، خسرت السلطة الفلسطينية مكامن الدعم والتأييد الرئيسية. غير أن السلطة الفلسطينية، رغم كل التحديات المتعددة، لم تسعَ إلى إصلاح العلاقات أوتوطيدها بشعبها أو بأولئك المناصرين لهم والمدافعين عنهم؛ وإنما ازدادت استبدادية، ما أضرَّ بالفلسطينيين وعلاقتهم بمَن يدَّعون تمثيلهم.

ومع أن السلطة الفلسطينية قد تواصل عملها، وقد تظل السلطةَ الفعلية المعترف بها في الضفة الغربية المحتلة رغم التحولات الجيوسياسية المحلية والإقليمية الدولية المبينة أعلاه، إلا أنها قد تخسر، إذا ما استمرت هذه الحال، كلَّ أسباب القوة في العملية التفاوضية وكممثل للشعب الفلسطيني.

يتناول هذا التعقيب القطيعة بين السلطة الفلسطينية والمواطنين الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها، وكيف أن التدخل الدولي، ولا سيما السياسة الأمريكية المتزايدة الضرر، ساعد في تعزيز هذه القطيعة لأنه جعل السلطة الفلسطينية أكثر قمعًا وتسببًا في الخلاف والشقاق. وازدادت بسبب ذلك صعوبةُ النشاط السياسي في الأرض الفلسطينية المحتلة.

غير أن هذه اللحظة، التي تقف فيها السلطةُ الفلسطينيةُ عند مفترقٍ حاسم وصعب، يمكن تسخيرها لإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمجتمع، أي بين السلطة الفلسطينية والفلسطينيين سواء القاطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة أو الشتات. وهي فرصة أيضًا للمجتمع المدني الفلسطيني لكي يتوحد في محاربته ضد الفساد والقيادات الفاسدة داخل السلطة الفلسطينية. وبخلاف ذلك، فإن ديناميات الجمود والسياسة العقيمة سوف تستمر على الأرجح.

القطيعة بين الطبقة السياسية والمجتمع

من الواضح أن السلطة الفلسطينية لا تملك استراتيجية متماسكة في الوقت الراهن، وهي تتصرف في الغالب على أساس رد الفعل فقط إزاء التغيرات في السياسة الإسرائيلية أو الأمريكية. وتهديداتها المتكررة بقطع العلاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل لم تُنفذ قط، ولذلك ما عادت تُؤخذ على مَحمل الجد.

ومن أسباب غياب الاستراتيجية استمرارُ حكم “الحرس القديم” في حركة فتح مقابل “الحرس الجديد”، والانقسام الناجم عن ذلك داخل الحركة. وبالرغم من أن خطوط الانقسام كانت دائمًا حاضرةً داخل حركة فتح، إلا أن الحركة اكتسبت سمعةً في عهد ياسر عرفات بأنها الفصيل الوحيد الذي لا يضع عراقيل أمام انضمام الأعضاء، ولذلك كان يُعتبر أكثر الفصائل تمثيلًا وشمولًا، وكان ذلك يُعطي انطباعًا بتمتعه بوحدة داخلية. وهذا لا يعني أن فتح لم تواجه توترات في أوقات حرجة مثل حرب المخيمات في عقد الثمانينات، ومع ذلك فإن الحركة تمتعت بمستوى عالٍ إجمالًا من الشرعية لدى أعضائها وعموم المجتمع الفلسطيني.

تغير الوضع في عهد محمود عباس، حيث باتت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية أقل أهمية من أي وقت مضى بعد العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على السلطة الفلسطينية في أعقاب انتخابات 2006 التي صعدت بحماس إلى سدة الحكم. وأدت محاولة فتح المدعومة أمريكيًا من أجل قلب نتائج الانتخابات إلى فصل الضفة الغربية، بعد نجاحها هناك، عن قطاع غزة وإلى نشوء حالة طوارئ بحكم الأمر الواقع في شقي الأرض الفلسطينية المحتلة. وهذه هي الخلفية التي تستند إليها رئاسة عباس المنتهية مدتها منذ زمن بعيد، وهو ينوي أن يظل في منصبه إلى ما لا نهاية. وقد فشلت محاولات “الحرس الجديد” في الانخراط في مؤسسات فتح وإعادة تقييم قيادتها، كما حصل من خلال مؤتمري الحركة العامَّين السادس والسابع.

يُعزى التباين بين السلطة الفلسطينية والشارع الفلسطيني إلى جملةِ أسبابٍ منها دور التدخل الدولي Click To Tweet

وكنتيجة لذلك، تواجه حركة فتح والسلطة الفلسطينية أزمة شرعية في المجتمع الفلسطيني، حيث أظهرَ استطلاع أُجري مؤخرًا بأن 80% من الفلسطينيين المستطلَعة آراؤهم يعتقدون بوجود فساد داخل السلطة الفلسطينية، ويشعر قرابة 50% منهم بأن السلطة الفلسطينية عبء على الشعب الفلسطيني. وأعرب نحو ثلثي المشاركين في الاستطلاع عن رغبتهم باستقالة عباس وعن عدم رضاهم عن أدائه.

وهناك تباين جلي في الآراء والرغبات بين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة وبين قياداتهم. فحين سنَّت السلطة الفلسطينية، على سبيل المثال، تدابيرَ عقابيةً ضد نظام حماس في غزة مثل الامتناع عن أداء دفعات الكهرباء ورواتب الموظفين الحكوميين هناك، أفاد 82% من الفلسطينيين المستطلَعة آراؤهم عن تأييدهم لإلغاء تلك التدابير العقابية.

يحتوي كتابي الذي سيصدر قريبًا بعنوان “Polarized and Demobilized: Legacies of Authoritarianism in Palestine” [مستقطب وغير معبأ: تراث الاستبداد في فلسطين] براهينَ أكثر تشير إلى هذا التباين القائم. فعند سؤال القيادات الفلسطينية عن الديمقراطية والمساءلة، تُسارِع بالقول إن المجتمعَ غير مناسب لتطبيق نظام للمساءلة السياسية، رغم أن 81% من الفلسطينيين المستطلَعة آراؤهم في إطار هذه الدراسة المسحية الممثلة وطنيًا قالوا إن الديمقراطية والمساءلة أمران مهمان.3

تأثير التدخل الدولي

يُعزى هذا التباين بين السلطة الفلسطينية والشارع الفلسطيني إلى جملةِ أسبابٍ منها دور التدخل الدولي، أي المعونة المستهدَفة وأشكال الضغط الدبلوماسي والمادي. فهذه التدخلات تُحفز القيادة الفلسطينية على تجاهل الرأي العام، لأنه عادة ما يكون مناقضًا لرغبات المانحين المؤثرين من أمثال الولايات المتحدة.

يأخذ التدخل الدولي أشكالًا عديدة، حيث أفاد مسؤولون في السلطة الفلسطينية، كما أذكر في بحثي، بأن الولايات المتحدة تفرض شروطًا على نوع ومضمون التدريب المتاح لموظفي السلطة، ولا سيما موظفي وزارة الداخلية، وتُقصي من تلك البرامج المسؤولين الفلسطينيين الذين سَبَق لهم الاحتجاج على الولايات المتحدة أو الذين يخالفونها الرأي أو الذين لديهم تاريخ من المقاومة ضد إسرائيل. وتظهر الوثائق التي وجدتها بان إحالة هؤلاء المعارضين على التقاعد قسرًا كانت أسلوب منهجي ومستهدَف أثناء صعود سلام فياض المدعوم أمريكيًا إلى السلطة. وأفاد مسؤولون في السلطة الفلسطينية كذلك بأن مصدر التمويل لا يهم في معظم الأحيان لأن المانحين الآخرين يتبنون السياسات الأمريكية في الغالب. ولهذا فإن دول الاتحاد الأوروبي وغيرها تحذو حذو الولايات المتحدة في معظم القيود التي تفرضها.

يتسبب التدخل الدولي أيضًا في تغير التصورات والرغبات لدى النخب على المستوى الفردي. فأثناء مقابلاتي مع مسوؤلين بيروقراطيين في السلطة الفلسطينية، أفادوا جميعهم بأن التدخل الدولي – وتهديده بزعزعة الاستقرار – يدفعهم للإصرار على سياسات السلطة الفلسطينية النافذة، بما فيها اعتقال الشخصيات المعارضة والتنسيق الأمني مع إسرائيل. وكانت هذه هي الحال حتى مع الموظفين الذين لم يكونوا على اتصال مباشر بالمسؤولين والمؤسسات الأمريكية.

بالفعل، أصبح المسؤولون الفلسطينيون يتجنبون أية مسائل قد تهدد مواقف الولايات المتحدة وتمويلها. وغالبًا ما يُردد البيروقراطيون في السلطة الفلسطينية بأن المجتمع الفلسطيني رجعي، ولا تناسبه الممارسات الديمقراطية، ويُدلِّلون على ذلك بأن الفلسطينيين انتخبوا تنظيمًا إسلاميًا. ويبرر هؤلاء البيروقراطيون استخدامَ الممارسات الاستبدادية بأنها تخدم “الاستقرار،” ولا يمكن إذن اعتبارها “قمعًا”. وعلاوةً على ذلك، يشير مسؤولو السلطة الفلسطينية إلى خصومهم السياسيين بمسمى “الإرهابيين،” على غرار سياسة مكافحة الإرهاب الأمريكية ولغة إدارة جورج بوش الابن.

يمكن للسلطة الفلسطينية أن تحاول إعادة هيكلة أهدافها وعلاقتها بالمجتمع الفلسطيني أو يمكنها أن تظل ساكنة وتتصرف على أساس رد الفعل وتقعَ في فشل جديد Click To Tweet

وعلى النقيض، لم يؤثر عامل التدخل الدولي في آراء الفلسطينيين المشاركين في الدراسة المسحية من غير العاملين لدى السلطة الفلسطينية، وحتى عند إخبار المستطلَعين بأمثلة للتدخل الدولي، لم تتأثر إجابات غير المرتبطين بالسلطة الفلسطينية، ولكن إجابات العاملين لدى السلطة الفلسطينية أو المؤسسات التابعة لها تأثرت بالفعل.

عندما ذُكِّر المستجيبون المرتبطون بالسلطة الفلسطينية بالتدخل الدولي في العالم العربي فيما يتعلق بما يُسمى مساعي نشر الديمقراطية، تراجعت احتمالية أن يفيدوا بأن الديمقراطية والمساءلة عاملان مهمان بالنسبة إليهم. فالتدخل الدولي – حتى المؤيد للديمقراطية – كان يعني النفاق وعدم الاستقرار بالنسبة إلى أولئك المستجيبين. وهكذا فإن التدخل الدولي لا يتسبب في التباين بين القيادة الفلسطينية والشارع العام وحسب، وإنما بين العامة أنفسهم أيضًا.

مجتمع مدني متجزئ

يفتقر المجتمع المدني الفلسطيني اليوم إلى قيادة قابلة للاستمرار ويعاني شعورًا عامًا بالفرقة بسبب السياسات والممارسات الاستبدادية التي تنتهجها السلطة الفلسطينية فضلًا على الانقسام الحاد بين غزة والضفة الغربية. وقد أدى القمع المستهدف الذي تمارسه السلطة الفلسطينية على منظمات معينة في المجتمع المدني إلى مظالم شبه مستعصية لدى تلك المنظمات ككل، وإلى زيادة تقوقع مؤسسات المجتمع المدني على نفسها وتراجع فرص عملها الجماعي أو تحقيق الحد الأدنى المطلوب من الدعم.

وجدت أثناء بحثي، مثلا، أن الناشطين اليساريين يشكون من أن السلطة الفلسطينية تستهدفهم في الغالب بسبب أنشطتهم، أو تحاول أن تتحكم بأجندتهم واستراتيجيتهم. وكنتيجة لذلك أُعيقت قدرة هؤلاء على التواصل مع خارج محيطهم المباشر. وإذا أرادوا الانخراط في العمل السياسي، كان عليهم أن يحرصوا ألا يثيروا انتباه السلطات. ومع أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تفادي القمع والاضطهاد، إلا أنها أيضًا تحدُّ كثيرًا من قدرة الناشطين على العمل الجماعي واسع النطاق.

وعلى نحو مشابه، اشتكى الناشطون في اللجان الشعبية في القرى التي شملتها الدراسة الاستطلاعية من تدخل السلطة الفلسطينية واستراتيجيتها في استيعاب المعارضة. ففي قرية بلعين الواقعة شمال غرب رام الله مثلًا، تشكلت لجنة للاحتجاج على الجدار العازل الذي اقتطع مساحةً كبيرة من أرض القرية. وضمّت اللجنة مجموعةً من القرويين بصرف النظر عن خلفياتهم السياسية، وجرى تنظيمها عمدًا خارج إطار مؤسسات السلطة الفلسطينية (كالمجلس القروي المحلي مثلًا).

أفاد الناشطون أن السلطة الفلسطينية ترسل مندوبيها في أحيانٍ كثيرة إلى احتجاجات بلعين لإضفاء “الشرعية” عليها، وفي المقابل تدعو صراحةً إلى حصر الاحتجاجات في المنطقة (ب)، وحصر مطالب المحتجين في مطالبات محددة متعلقة بالجدار. وقد حدث ذلك رغم أن أهالي القرية أعربوا مرارًا وتكرارًا عن رفضهم الوضعَ الراهن، والتعاونَ بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وعلاوةً على ذلك، عملت السلطة الفلسطينية على استيعاب القرويين كموظفين في مؤسسات تابعة لها، لتضمن بذلك نقل مركز التنظيم من القرية إلى رام الله. ومع الوقت ضعفت الحركة بسبب استراتيجيات السلطة هذه.

أظهرت استطلاعات شملت طلاب جامعة بيرزيت على اختلاف انتماءاتهم السياسية بأن القمع الذي تمارسه السلطة الفلسطينية يقلل فرص الطلاب المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي/الفصائل الإسلامية في العمل مع طلاب آخرين على المسائل ذات الاهتمام المشترك. فقمع السلطة الفلسطينية يوجه تحديدًا ضد الطلاب المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي/الفصائل الإسلامية والطلاب المنتمين إلى اليسار السياسي/الأحزاب اليسارية. وكنتيجة لذلك، أضحت كلتا المجموعتين متمترسةً خلف أفكارها وأقل انفتاحًا على العمل البيني الذي يتجاوز التقسيمات السياسية. غير أن الدراسة أظهرت أن الطلاب المنتمين إلى حركة فتح لا يتأثرون بقمع السلطة الفلسطينية، حيث لا يشعرون أنهم هدف لهجمات أجهزة السلطة، ولا غرابة في ذلك.

وهكذا فإن قمع السلطة الفلسطينية يؤثر في الفئات التي ترى نفسها أكثر استهدافًا أو عرضةً للاستهداف. ولهذا القمع تأثيرٌ مباشر على رغبة تلك الفئات في العمل مع الآخرين المنتمين لتيارات سياسية أخرى. وعلى هذا النحو، تحدُّ سياسات السلطة الفلسطينية وإجراءاتها فعليًا من العمل الجماعي في الأرض الفلسطينية عمومًا.

تُظهر المواد التي جمعتها توثيقًا للاحتجاجات في الفترة ما بين 2007 و2016 أن التعبئة تحدث بوتيرة أكبر في المناطق غير الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية المباشرة. فعلى الرغم من أن عدد الفلسطينيين القاطنين في المنطقة (أ) أكثر بكثير مقارنةً بعددهم في المنطقتين (ب) و(ج)، تُظهر البيانات أن الاحتجاجات ملجومة في المنطقة (أ) ولكنها في ازدياد في المنطقتين (ب) و(ج) بما لا يتناسب وأعداد السكان في المناطق تلك.

إذا امتنعت السلطة الفلسطينية عن فرض التعقيدات والعراقيل، فإن الحِراك الفلسطيني سيكون أكثر كفاءةً وفاعليةً على الأرجح Click To Tweet

وكمثال، هناك بعض الحركات الاحتجاجية التي تخرج بقوة ولفترات قصيرة كما في القدس، حيث تحظر إسرائيل أي عمل رسمي للسلطة الفلسطينية. ففي تلك المناطق، تجري الاحتجاجات في الأغلب في أوقات حرجة رغم أنها غير مستدامة في معظم الأحيان لأنها ارتجالية وتفتقر إلى القيادة. وفي الكثير من تلك المناطق، ولا سيما القدس، دمَّر الاحتلال الإسرائيلي فعليًا المؤسسات الفلسطينية التي لطالما كانت وسيلةً وأداةً للتنظيم، ولذلك صارت الاحتجاجات تندلع بعفوية، عندما تطرأ الظروف التي تستدعي ردًا فلسطينيًا، ولكنها تندلع لتحقيق أهداف آنية ولا تقوى على الاستمرار.

ومن الأمثلة أيضًا الاحتجاجات التي ثارت على القيود المفروضة على الحرم القدسي في تموز/يوليو 2017، حيث اندلعت بسرعة، وركَّزت على أهداف محددة، ونجحت لدرجة ما، ثم تلاشت بسرعة. إن فرصة تحويل هذه الجهود التعبوية إلى حملات أكثر استدامة هي فرصة محدودة بسبب القمع الإسرائيلي. وفي المناطق التي يتمتع فيها الفلسطينيون “نظريًا” بحرية أكبر في الحركة والتنقل، تعمل السلطة الفلسطينية على إخماد العمل الجماعي برمته.

ما الذي يمكن فعله؟

القيادة الفلسطينية

قاومت السلطة الفلسطينية لغاية الآن الضغوط الممارسَة عليها للانخراط في مبادرات مضرة مثل مؤتمر “السلام من أجل الازدهار” الذي ترأسه جاريد كوشنر في البحرين، أو التوقف عن دفع مخصصات أسر الشهداء. غير أن المواقف المبنية على ردود الفعل ليست كافية. إن الجانب المشرق لتجاهل إدارة ترامب التام للقانون الدولي والاتفاقات السابقة المبرمة ضمن عملية السلام يكمن في أنه يتيح الفرصة للسلطة الفلسطينية لكي تُعيد هيكلة العلاقة بين الدولة والمجتمع لأول مرة منذ سنوات عديدة. فالولايات المتحدة خفَّضت دعمها بالفعل، وقوَّضت بهجماتها وهجمات حلفائها على السلطة الفلسطينية أيَّ قوةٍ تفاوضية كانت لدى السلطة على الصعيد الدولي. وهكذا لم يعد لدى القيادة الفلسطينية ما تخسره في المفاوضات.

يمكن للسلطة الفلسطينية، بدلًا من الاكتفاء برد الفعل، أن تغتنم هذه الفرصة لإعادة توجيه أهدافها وإعادة بناء علاقتها بالمجتمع الفلسطيني. وهذا يقتضي إشراك الفصائل السياسية الفلسطينية، بما فيها الإسلامية، التي هُمِّشت بسبب التدخل الأمريكي والإسرائيلي. ولا بد لحركتي فتح وحماس من أخذ جهود المصالحة على مَحمل الجد. وهذا يقتضي أيضًا تسخير منظمة التحرير الفلسطينية كمؤسسة، وإعادة تفعيلها من جديد بهدف تنشيط دور فلسطيني الشتات الذين ظلوا مُهمَلين.

لقد أُفرغت منظمة التحرير الفلسطينية من جوهرها كمؤسسة وحركة تحرير بسبب اتفاقات أوسلو، وحلَّ مكانها مشروع بناء الدولة الذي تقوم عليه السلطة الفلسطينية. غير أن إيجاد مساحة أكبر للقيادة الفلسطينية وتسخير قدرات المجتمع الفلسطيني داخل الضفة الغربية وخارجها يُحتِّم إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بطريقة مجدية. أما تعيينات المجلس الوطني الفلسطينية الأخيرة واجتماعه فلم تحقق هذا الهدف بأي حالٍ من الأحوال. ولعل أفضل ما يمكن البدء به هو الدعوة إلى عقد انتخابات مجدية لا تقتصر على المجلس الوطني الفلسطيني بل وايضًا ضم الفصائل الإسلامية في منظمة التحرير الفلسطينية. وينبغي أن تشمل تلك الانتخابات، انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني والانتخابات الرئاسية.

تستطيع قيادة السلطة الفلسطينية فعلَ كل ذلك دون خشية العواقب من جانب الولايات المتحدة، فترامب تنازلَ بالفعل عن القدس للإسرائيليين، ووافقت إدارته ضمنًا على فكرة الضم التام للضفة الغربية. وهذه اللحظة هي فعلًا إمَّا الآن وإمَّا فلا، حيث يمكن للسلطة الفلسطينية أن تحاول إعادة هيكلة أهدافها وعلاقتها بالمجتمع الفلسطيني، وتستعيد أهميتها بذلك، أو يمكنها أن تظل ساكنة وتتصرف على أساس رد الفعل وتقعَ في فشل جديد.

المجتمع المدني الفلسطيني

يجب على المجتمع المدني الفلسطيني في الوقت نفسه أن يعي الآثار التي خلفتها السلطة الفلسطينية على مدار 25 عامًا، ولا سيما تداعيات القمع المستهدف والمظالم المتنامية عند المنظمات. وهذا الفهم هو الخطوة الأولى لمحاربة تلك الآثار. وبوسع الناشطين الفلسطينيين أن يبدأوا بإعادة بناء العلاقات فيما بينهم وعبر التقسيمات السياسية، ومن ثم الاعتراف بأن حالة الاستقطاب الراهنة يمكن إنهاؤها. ويمكنهم الاستفادة من الدروس السابقة المستمدة من الدراسات التي تتناول الحشد والتعبئة والاستفادة أيضًا من تجاربهم هم أنفسهم في التعبئة من أجل إشهار تحديات فعالة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

يقتضي ذلك تطويرَ وسائل جديدة للعمل الجماعي الممثل للحركات السياسية المختلفة الحاضرة في المجتمع الفلسطيني دون أي استثناءات. تُعد حركة المقاطعة، على سبيل المثال، نموذجًا مفيدًا لأنها توالف بين الفلسطينيين بغض النظر عن معتقداتهم السياسية، وتوحدهم حول أهداف مشتركة.

وعلى نحو مماثل، توحِّد الحركات الاحتجاجية التي نشأت في القرى، مثل بعلين، الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية حول أهداف مشتركة. وتشهد بعض الأماكن إحياء اللجان الشعبية لهذه الغاية. وبالطبع لا ينبغي الاستهانة في التحديات التي تواجه التنظيم في ظل الاحتلال، ولا سيما أن إسرائيل تسعى جاهدة من خلال القمع إلى إخماد أي تحدٍ محتملٍ لها.

لقد تفتَّقَ المجتمعُ المدني الفلسطيني عن طُرقٍ مبتكرة للتنظيم في السابق من خلال المنظمات المهنية ولجان الأحياء الشعبية وغيرها. وإذا امتنعت السلطة الفلسطينية عن فرض التعقيدات والعراقيل، كما في احتجاجات القرى المشار إليها أعلاه، فإن الحِراك الفلسطيني سيكون أكثر كفاءةً وفاعليةً على الأرجح.

إن تفتيت المجتمع المدني الفلسطيني لا بد وأن يتوقف لكي يواجه الشعب الفلسطيني الوضعَ الراهن بفاعلية. فحين تكون الجبهة أكثر توحدًا، يستطيع الفلسطينيون مواجهةَ الاحتلال بقدرةٍ أكبر ومساءلةَ قادتهم على نطاق أوسع.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. تفيد التقارير باعتقال ناشطين مؤيدين للفلسطينيين في المملكة العربية السعودية، ومنهم محمد الربيح وعبد العزيز العودة. ويفيد ناشطون في دول خليجية أخرى بأن الحيز المتاح لأنشطتهم آخذ في التضاؤل، بحسب مقابلات أجرتها الكاتبة.
  3. أَجريت هذا الاستطلاع في 2016 بالتعاون مع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. لمزيد من المعلومات في هذا الشأن، طالعوا كتابي الذي سيصدر قريباً.
عضوة الشبكة دانا الكرد حاصلة على درجة الدكتوراه في الحوكمة والعلوم السياسية من جامعة تكساس في أوستن. وهي متخصصة في السياسة المقارنة والعلاقات الدولية. تتحرى...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

وفي حين لا يزال من غير الواضح كيف ومتى سترد إسرائيل على العملية الإيرانية، إلا أن من المؤكد أن الوضع الجيوسياسي قد تغير بالفعل. في هذه الحلقة النقاشية، يعرض محللو الشبكة، فادي قرعان وفتحي نمر وطارق كيني الشوا ويارا هواري، رؤاهم بشأن التأثير الإقليمي للمناورة الإيرانية الأخيرة ويضعون الإبادة الجماعية الجارية في غزة ضمن هذا السياق الأوسع.
 السياسة
تكشفُ تغطيةُ وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب لمجريات الإبادة الجماعية في غزة تحيزَها الشديد للنظام الإسرائيلي، وتُبرزُ أيضًا سهولةَ نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين. تتناول يارا هواري في هذا التعقيب استراتيجيةَ إسرائيل في نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين في المجال العام، ودور وسائل الإعلام الغربية في تحقيق أهداف إسرائيل. وتبين أنماطَ التقصير الصحفي المستمرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتخلُص إلى أنّ وسائل الإعلام الغربية متواطئة حتمًا في الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 03 أبريل 2024
لعبت كل من مصر والأردن عبر التاريخ أدواراً جيوسياسية مهمة في القضية الفلسطينية، حيث شكلت حدودهم مع قطاع غزة والضفة الغربية على التوالي المنفس الوحيد للعمق العربي وخاصة بعد حرب 1967. تزايدت وتضاءلت نفاذية هذه الحدود مع اختلاف الحكومات والظروف في المنطقة، لكن يمككنا الجزم أن مع مرور الزمن أصبحت هذه الحدود بشكل تدريجي جزءاً من الحصار على الشعب الفلسطيني وأداة ضغط على الفلسطينيين.
Skip to content