مقال - اقرأ شفاههم: خطط القادة الإسرائيليين للفلسطينيين

يبدو أن التاريخ في الأرض المقدسة عالقٌ في حلقة، ففي العام 2000 زار رئيسُ الوزراء الإسرائيلي السابق وزعيم المعارضة آنذاك، آرييل شارون، الحرمَ القدسي الشريف في استفزازٍ متعمد تسبَّبَ في اندلاع الانتفاضة الثانية، التي شنَّت إسرائيلُ في إثرها عمليةَ “الدرع الواقي” لسحق الاحتجاجات، والقضاء على المقاومة الفلسطينية. وفي المحصلة، قضى ما يزيد على 3000 فلسطيني ونحو 1000 إسرائيلي بين عامي 2000 و2004، وخرجت عملية السلام عن مسارها بلا رجعة.1
وبالنظر إلى العام 2015، نجدُ أن عملية السلام قد ماتت، وكلُ ما أمِلَه الفلسطينيون في سنوات أوسلو الأولى تحوَّل إلى يأس وخيبة أملٍ مريرة. فقد توسّعت المستعمرات اليهودية، غير القانونية بموجب القانون الدولي، على الأرض الفلسطينية طوال سنين المفاوضات، حتى باتت تحيط بالمجتمعات الفلسطينية من كل جانب. ولا يزال الفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال، ويُحرَمون حقوقَهم الإنسانية الأساسية، ويتعرضون يوميًا لمضايقات من الجيش الإسرائيلي والمستوطنين المتطرفين المسلحين. وعلى سبيل المثال، قتلَ الجنودُ والمستوطنون الإسرائيليون 1951 طفلًا فلسطينيًا منذ العام 2000، حسبما تفيد الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين.

وفي هذا السياق، لا يمكن النظر إلى زيارة وزير الزراعة الإسرائيلي، أوري آرييل، إلى المسجد الأقصى، ثالثِ أقدس مكان في الإسلام، بصحبة عُصبة من اليهود اليمينيين المتطرفين وبحماية القوات الإسرائيلية المسلحة، إلا كاستفزازٍ متعمدٍ لربما يهدف إلى إتاحة الفرصة للمتطرفين والمتشددين الإسرائيليين في الحكومة لإتمام المهمة التي بدأها شارون. والتصريحات الصادرة من الحكومة الإسرائيلية باللغة العبرية تؤيد هذه النظرية.

تحدَّث نتنياهو في مؤتمرٍ صحفي مؤخرًا بالعبرية حول الوتيرة الحثيثة التي شهدها بناء المستوطنات في سنوات قيادته. وفي المؤتمر نفسه، أكّد وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، للصحفيين أن الاستيطان لم يتوقف ولو لدقيقة واحدة، وأن إسرائيلَ ظلت في موقع الهجوم منذ عملية الدرع الواقي، موضحًا بأن إسرائيل ما كانت تستطيع دخول المنطقة (أ) في العام 2000، وهي المنطقة التي استلمها الفلسطينيون في المرحلة الأولى من اتفاقات أوسلو، في حين أن إسرائيل تشن عملياتها الآن في أي منطقة تشاء داخل الضفة الغربية (وكان بوسعه أن يُضيف هنا: “بدعم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ومساندتها”).

وفي المؤتمر، دعا يعلون القوات الإسرائيلية إلى التيقظ إزاء هجمات الطعن الفلسطينية، وإلى تصفية الطاعن الإرهابي، وقاذف الحجارة الإرهابي، وأمثالهم على الفور. غير أن الخطاب لم  يكن موجهًا للأجهزة الأمنية وحسب، حيث نقلت صحيفةُ جيروزالم بوست عن يعلون دعوتَه المدنيين إلى حملِ السلاح، على غرار دعوة رئيس بلدية القدس نير بركت. وهناك أيضًا مِمن يسمَّون بالوسطيين، من أمثال يائير لبيد، يدعمون سياسة القتل والتصفية.

إسرائيلُ ماضيةٌ بوضوح في تنفيذ هذه الخطط، رغم احتجاج منظمات حقوق الإنسان، إذ قالت منظمة العفو الدولية إن بعض الحوادث المسجَّلة ترقى لدرجة الإعدام الخارج عن القانون، في حين أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش عن قلقها إزاء إطلاق النار الإسرائيلي المتعمد على المتظاهرين الفلسطينيين. وثمة لقطات مروعة تُظهِر الرعاع اليهود الإسرائيليين يهاجمون فلسطينيين عُزَّل، مثل فادي علون، ويقتلونهم. وخلافًا لادعاءِ إسرائيلَ بأن تحريضَ السلطةِ الفلسطينية هو السببُ الرئيس في الانتفاضة، فإن الواقعَ على الأرض يحكي روايةً مختلفة.

أولاً، المحتجون لا يقتصرون على الفلسطينيين القابعين تحت الحصار والاحتلال العسكري في الأرض الفلسطينية المحتلة، بل بينهم أيضًا فلسطينيون بارزون يحملون الجنسية الإسرائيلية. ومنهم أيمن عودة، عضو الكنيست والقيادي في القائمة المشتركة، حيث يتهم حكومة إسرائيل بأنها تعمل “في خدمة المستوطنين فيما يبدو كمحاولةٍ متعمدة لتحريض المنطقة برمتها كي تدخلَ في حربٍ دينية”.

يجب ألا نستهين بما قاله أيمن عودة. فإسرائيل، بتأطير الصراع على أنه حربٌ دينية، تُخفي جهودها الرامية لفرض سيطرتها التامة على فلسطين التاريخية كاملةً، بموافقةِ وتفهم المجتمع الدولي ودول مجاورة مثل مصر والأردن.

إن من الأهمية بمكان ألا نتجاهل تداعيات الإجراءات الإسرائيلية على جانبي الخط الأخضر الذي يفصل بين إسرائيل وبين الأرض الفلسطينية المحتلة. فقد شهدت الأيام الأخيرة احتجاجات واسعة ومظاهرات في عدد من المدن الفلسطينية داخل إسرائيل. وفي إحداها، ألقى المتظاهرون الحجارة والمفرقعات على الشرطة الإسرائيلية. وهؤلاء جيلٌ من الفلسطينيين ولدَ في كنف العلم الإسرائيلي، ويتكلم العبرية بطلاقة، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، وها هو يقود الاحتجاجات. فلعقودٍ من الزمن عاش هؤلاء كمواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من حقوقٍ عديدة لا تُمنَح سوى للإسرائيليين اليهود. لذا فإنهم محبَطون بسبب التمييز المنهجي الممارس بحقهم، ويقفون صفًا واحدًا مع الفلسطينيين على الجانب الآخر من الخط الأخضر.

فقَدَ الفلسطينيون الخاضعون للاحتلال العسكري الإسرائيلي أيَّ أملٍ في دولةٍ ذات سيادة. وثمة رسالةٌ واضحةٌ يرسلها الشباب الفلسطيني لمحتليهم وقادتهم على حد سواء، وهي أنهم عاكفون على أخذِ حقِّهم بأيديهم والمطالبةِ بحقوقهم الإنسانية الكاملة بأي ثمن.

ولا يتورع الشبان الفلسطينيون، حتى حيثما قد تعني المواجهة مع الجنود الإسرائيليين الموتَ الفوري، كما في غزة، أن يتظاهروا احتجاجًا على الهجمات التي تستهدف مقدساتهم وإخوانهم الفلسطينيين. وثمة إقرارٌ واسع بأن إسرائيلَ قد حوَّلت غزة إلى معسكر اعتقال، بحسب وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قبل خمس سنوات. فشباب غزة حين يقتربون من الحدود ويلقون الحجارة على الجنود يحلمون بالتحرر من هذا السجن أو الموت وهم يحاولون. ولغاية منتصف تشرين الأول/أكتوبر، لقي تسعة شبان فلسطينيين حتفهم في غزة في هذه المحاولة اليائسة.

وفي حين لم يتدخل القادة الفلسطينيون، قالت إسرائيل بوضوح إنها تتوقع من أجهزة الأمن الفلسطينية أن تتعاون مع الجيش الإسرائيلي لسحق الاحتجاجات، وقد ظلت السلطةُ الفلسطينية برئاسة محمود عباس لغاية الآن منصاعةً في الغالب.

أمّا حكومة حماس، حكومةُ الأمر الواقع في غزة، فصرَّحت بأنها تفضلُ عدم الانجرار إلى الثورة، حيث عارضَ نائبُ رئيس مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق إطلاقَ الصواريخ على إسرائيل بشدة لأن من شأن ذلك أن “ينقلَ الحملةَ إلى جبهةٍ مختلفة،  ويُخمِد الانتفاضة الشعبية.” ومع ذلك، أقدمت بعض الجماعات المسلحة الأخرى في غزة على إطلاق بضعةِ صواريخ على إسرائيل لم تُسفِر عن إصابات. وردّت إسرائيل بغارةٍ جوية راحت ضحيتها امرأةٌ حامل وابنتها ذات الأعوام الثلاثة. وقد انتشرَ مقطعٌ مصور للأب وهو يبكي ابنته الميتة، ويرجوها أن تستيقظ، ممّا حفَّز المزيد من الدعوات للثورة ضد القمع والوحشية الإسرائيلية.

الشباب الفلسطينيون اليائسون الذين عاشوا في ظل الاحتلال والحصار طوال حياتهم، بلا أملٍ في المستقبل، يخاطرون بأرواحهم في قتالهم من أجل الحرية. ولكن ما الذي يقاتل الإسرائيليون من أجله؟ فبعد أن بددت إسرائيلُ كل الفرص لإقامة دولة فلسطينية، تقاتلُ إسرائيلُ لإدامة احتلال الشعب الفلسطيني وإخضاعه، وتُقيم دولةَ فصلٍ عنصري على الأراضي الخاضعة لسيطرتها.

  1. تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
سماح سبعاوي مؤلفة وكاتبة مسرحية وشاعرة مناصرة لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وهي عضو مجلس إدارة للمجلس الوطني للعلاقات العربية الكندية (NCCAR). وللسيدة سماح أنشطتها على...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

وفي حين لا يزال من غير الواضح كيف ومتى سترد إسرائيل على العملية الإيرانية، إلا أن من المؤكد أن الوضع الجيوسياسي قد تغير بالفعل. في هذه الحلقة النقاشية، يعرض محللو الشبكة، فادي قرعان وفتحي نمر وطارق كيني الشوا ويارا هواري، رؤاهم بشأن التأثير الإقليمي للمناورة الإيرانية الأخيرة ويضعون الإبادة الجماعية الجارية في غزة ضمن هذا السياق الأوسع.
 السياسة
تكشفُ تغطيةُ وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب لمجريات الإبادة الجماعية في غزة تحيزَها الشديد للنظام الإسرائيلي، وتُبرزُ أيضًا سهولةَ نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين. تتناول يارا هواري في هذا التعقيب استراتيجيةَ إسرائيل في نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين في المجال العام، ودور وسائل الإعلام الغربية في تحقيق أهداف إسرائيل. وتبين أنماطَ التقصير الصحفي المستمرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتخلُص إلى أنّ وسائل الإعلام الغربية متواطئة حتمًا في الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 03 أبريل 2024
لعبت كل من مصر والأردن عبر التاريخ أدواراً جيوسياسية مهمة في القضية الفلسطينية، حيث شكلت حدودهم مع قطاع غزة والضفة الغربية على التوالي المنفس الوحيد للعمق العربي وخاصة بعد حرب 1967. تزايدت وتضاءلت نفاذية هذه الحدود مع اختلاف الحكومات والظروف في المنطقة، لكن يمككنا الجزم أن مع مرور الزمن أصبحت هذه الحدود بشكل تدريجي جزءاً من الحصار على الشعب الفلسطيني وأداة ضغط على الفلسطينيين.
Skip to content