نكسة (يوم النكسة) في غزة
فكرت كثيراً ,بل أكثر من المعتاد , قبل كتابة هذه المقالة . و للأمانة، فإن الفكرة كانت قد بدأت يوم احياء ذكرى النكبة 15-5 حيث تم دعوتنا كنشطاء, وكجزء من هذا الشعب المحاصر في قطاع غزة والذي ذنبه الوحيد أنه لم يولد لأمهات يهوديات ، لنشارك في هذه الفعاليات المخطط لها لتخليد ذكرى الذين ذهبوا ،والذين سيذهبون, في حرب الإبادة الجماعية و التطهير العرقي المتواصل منذ عام 48 حتى يومنا هذا.وكان المخطط له أن يتم التجمع أمام محطة حمودة في شمال القطاع التي تبعد 3 كم عن حاجز ايرز/بيت حانون. وفي حدود علمي فإن التنسيق كان قد تم مع فصائل العمل الوطني والاسلامي على أن تبدأ الفعاليات في تمام الساعة 11 صباحاً، وكنت أتوقع تجييش مئات الآلاف لسببين رئيسيين اولهما : أن هذه هي المرة الأولى التي يتم تخليد ذكرى النكبة في ظل الربيع الثوري. والسبب الثاني هو أنني رأيت بأم عيني قدرة فصائلنا الوطنية والإسلامية على حشد الجماهير في ذكرى تأسيسها .
ولكن ,ومن منطلق النقد الذاتي المغيب منذ فترة طويلة, فإن (الإحتفال) اقتصر على بعض الكلمات من الساعة 11حتى الساعة 12 ومن ثم انفض السامر ! وكان العدد أقل مما كنا نتوقع بكثير. ولكن قلة العدد وانفضاض المجموع الفصائلي لم يمنع مجموعات الشباب المتحمس للعودة من الوصول للحائط الصهيوني وأبراج المراقبة والإشتباك مع جنود الإحتلال.كان ذلك اليوم تاريخياً بسبب تحرير الجولان مؤقتاً من قبل المتظاهرين على الجانب السوري الذين استطاعوا كسر أسطورة تعايشنا معها لفترة طويلة من عدم امكانية اجتياز الحدود السورية الفلسطينيةو هي أسطورة روج لها النظام السوري القمعي وقوات الاحتلال. و تكمن تاريخية ذلك اليوم أيضاً من تمكن جموع اللاجئين الفلسطينيين الذين تجمعوا في قرية مارون الراس اللبنانية للتذكير بأن بعض الكبار قد ماتوا ولكن الصغار لم ينسوا.
ان تلك الأحداث كانت قد أعطت قليلاً من الأمل من أن ما سيحصل في ذكرى النكسة 5-6 لن يكرر أخطاء ما حدث يوم النكبة 15-5 في قطاع غزة ، وأن القوى الوطنية والاسلامية (ستحشد) أعضاءها وأنصارها في قطاع غزة وضرب 4 عصافير بحجر واحد:
1- التذكير مرة أخرى أن ثلثي القطاع هم لاجئون يحق لهم العودة للقرى والمدن التي طردوا منها تبعا لقرار الأمم المتحدة 194.
2- تذكير العالم بأن قطاع غزة محتل عسكرياً من قبل إسرائيل مما يخالف القانون الدولي
3-التذكير بأن غزة محاصرة منذ عام 2006
4- البناء على زخم ما تم انجازه في ذكرى النكبة على الحدود السورية واللبنانية حيث أماكن وجود العدد الأكبرمن اللاجئين الفلسطينيين.
وبما أن هذه الأسباب باتت ولا شك واضحة للقيادات التنظيمية ، فإننا قد توقعنا أن تخرج الجماهير(الهادرة) باتجاه الحدود الزائفة .كان المنطق أن كبرى فصائل منظمة التحرير في أول احتفال لها بذكرى انطلاقتها بعد سيطرة حماس على القطاع عام 2007 قالت انها قد حشدت ، بين 750 ألف ومليون متظاهر. ونحن بدورنا نشكك في هذا الرقم ونفرض انه كان ما بين 100 و150 الف متظاهر و هو عدد هائل. ولكن في نفس العام ,والسنوات اللاحقة, استطاعت كل من حركة الجهادالاسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذكرى انطلاقتيهما حشد ما بين 50 – 100 ألف محتفل. و لكن كان أكبر تجمع هو في تنظيم احتفال انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية حمــاس ..وكثيراً ما قيل أن العدد في تلك الذكرى فاق ال300 ألف. وبالتالي و تبعا لهذه الاحصاءات فإن إجتماع كل هذه التنظيمات, وبالذات بعد الإعلان عن المصالحة (دائمة الانزلاق) من الضروري أن يعني خروج نصف سكان قطاع غزة على الأقل الى معبر بيت حانون يوم 5-6-2011!!
ولكن ,للأسف, فان الواقع يشير في اتجاه آخر! فقد تم التجمع بالقرب من محطة حمودة للبترول على بعد 3 كم من معبر بيت حانون ..كان هناك مجموعة من ممثلي فصائل العمل الوطني والاسلامي وبالطبع العشرات من المتظاهرين نصفهم الإعلاميين والصحفيين الذين كانوا في حالة شديدة من الإحباط لأسباب واضحة عبر عنها مراسل الجزيرة بقوله : إن هذا تواجد هزيــل! وقد تم نصب خشبة المسرح لمدة تقل عن نصف ساعة ألقي فيها متحدث هيئة العمل الوطني والإسلامي كلمة ردد فيها كلاماً سئمنا سماعه عن الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ....إلخ....,وكفى الله المؤمنين شر القتال..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!
من الواضح أن الغالبية الساحقة من الفصائل المشاركة, و بالذات الكبرى منها, كانت قد تبنت حل الدولتين الذي يقوم على أساس استجداء المجتمع الدولى بالاعتراف بدويلة على حدود 1967 بشكل يتناقض مع القانون الدولي, و ان كان النقاش السائد هذه الأيام لا يعترف بذلك. أن المطالبة ببانتوستان, معزل عرقي, لا شك يتناقض جذريا مع المطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين. و هنا تكمن المشكلة: فمن ناحية أنت تطالب بدولة (مستقلة ذات سيادة و عاصمتها القدس الشريف) و في نفس الوقت تعترف بحق اسرائيل في الوجود تبعا لالتزاماتك الدولية و الاتفاقيات الموقعة, أو انت تقبل بذلك الحل و لكن, و بفذلكة غير مفهومة, لا تعترف باسرائيل و ترضى بهدنة طويلة الأمد! و في كلا الحالتين فان الخاسر هو اللاجئ. و هذا يفسر هبة اللاجئين في كل من لبنان و سوريا بعيدا عن التوجهات النخبوية.
و لكن السؤال ,المصحوب بنكهة من الإحباط ,هو عن قرار الفصائل التي تستطيع ان تحشد الأعداد (الهائلة) في ذكرى انطلاقاتها ألا تفعل نفس الشيء ذلك اليوم! أحد المعلقين تساءل إن كانت المنافسة أصبحت الآن بين الوطن والفصيل؟ وهل تغلب الأخير على الأول؟وهل أصبح من الصعب على الجيل الذي أسس هذه الفصائل فهم حركة التاريخ وطبيعة الأدوات النضالية الحديثة؟ وقدرة الجماهير على إحداث التغيير المنشود؟ أم أن هناك خوف وجودي يسيطر على القيادات التي تعودت على استنساخ تجارب الحكومات العربية القمعية؟ و الا فما هو تفسير قمع المسيرات التي خرجت تأييدا للثورة المصرية في بداياتها في كل من الضفة و القطاع و عدم انضمام اي من القيادات الفصائلية لتلك المظاهرات؟ أم أن هناك تناقضا بين البنية الأيديولوجية السلطوية لبعض التيارات و الأدوات الكفاحية التي لا تشكل جزءا من تلك البنية؟ و هل الكفاح الشعبي بالضرورة يتناقض مع الأساليب النضالية التي أتبعت من معظم الفصائل؟ و هل بطرحنا هكذا أسئلة (محرجة) نكون (مغرضين) و نحمل أجندة خارجية كثوار مصر و سوريا و البحرين؟ أم خارجين عن الصف الوطني بما أن كل الفصائل كانت متواجدة في تلك (الاحتفالات؟)
أسئلة صعبة تحتاج لإجابات حتى لا تتكرر نكسة يوم النكسة! ..
حيدر عيد: أستاذ مشارك في أدب ما بعد الاستعمار و الدراسات الثقافية. و مستشار "شبكة السياسات الفلسطينية"