في غمرة التخاصم الانتخابي، والانشقاقات والتشرذمات والمحاصصات المتولدة، وتزاحم القوائم للانتخابات التشريعية الفلسطينية المزمع عقدها في أواخر مايو/ أيار المقبل، يتولّد انطباع لدى مراقبين ومحللين كثيرين بأنّ الانتخابات، بشكلها الحالي والبيئة المحيطة بها، ستقود إلى التغيير. ويذهب بعضهم إلى ما هو أبعد من ذلك، ليحاجج بأنّها الطريق إلى الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني. إلاّ أننا لا نملك أيّ معطيات أو مؤشرات تدلّ على ذلك، ففي أفضل الأحوال، قد تُسفِر هذه الانتخابات المزعومة عن “ديمقراطية صورية”، لا تغير هياكل القمع والاستبداد والتشرذم المتجذّرة. لكن، ألا يمكن استثمار “اللحظة الديمقراطية” الراهنة من أجل الانخراط في عملية تغييرية لما بعد هذه اللحظة الانتخابية؟ أحاجج هنا أنّ مثلث “المعاقبة، والرفض، والفعل” يمكن أن يوفر بعض الإجابات والخيارات لهذا التساؤل.

الضلع الأول من هذا المثلث معاقبة صارمة لحركتي فتح وحماس، بعدم التصويت لأيّ منهما في الانتخابات التشريعية المزعومة المقبلة، فحجم الضرر والأذى الذي تسببت فيه الحركتان، بكلّ أذرعهما وتشققاتهما وتمثلاتهما السياسية، قد أصاب الحركة الوطنية الفلسطينية في مقتل، وأنهك المشروع الوطني التحرّري الفلسطيني، وزاد من الشرذمة العمودية والأفقية على مدار الأعوام الخمسة عشر الماضية. وعليه، آن الأوان لمعاقبة صارمة للحركتين، لعبثهما بالحياة الآنية والمستقبلية للفلسطينيين والفلسطينيات.

أسوأ ما يمكن أن تفرزه الانتخابات المزعومة المقبلة هو إعادة إعطاء “الشرعية الانتخابية” لكلتا الحركتين بانتخابهما، لأنّ ذلك سيقوّي شوكتهما وسلطويتهما، وسيرزح الفلسطينيون في مأزقهم الحالي سنوات مقبلة. الفرصة مواتية للمعاقبة، وعدم انتخاب أيّ منهما (أو أفرعهما) في خطوة محورية في المعاقبة والمساءلة والمحاسبة الشعبية لكلتا الحركتين. بالطبع، ستلجآن إلى كلّ الأساليب لإقناع الفلسطينيين بأنّهما “حماة المشروع الوطني” بالاستناد إلى “خطاب المقاومة” أو “خطاب بناء الدولة”، لكنّ الفرصة مواتيةٌ لتعرية كلا الخطابين ومَشكلة فكرة “حماة المشروع الوطني” لأنّها لا تشكل سوى غطاء بائس ومفلس لكلّ الضرر والأذى الذي أصاب الفلسطينيين، بسبب أفعال الحركتين. الإدلاء والتصويت بـ”لا” واضحة وعالية أمام الحركتين، عبر صندوق الاقتراع على الرغم من كلّ علاّته، فعل مقاوم حقيقي من أجل المساهمة في العملية التغييرية الإيجابية.

لا يقتضي المضي في خطوة المعاقبة أعلاه بالضرورة أن يصوّت الفلسطينيون والفلسطينيات لقوائم أخرى في الانتخابات المزعومة؛ “فالأوراق والأصوات اللاغية” يمكن أن تشكل الضلع الثاني من هذا المثلث التغييري، وتشكل خطوة هامة لبناء فعل سياسي قادم تغييري، وديمقراطي في جوهره. وكلّما كثرت هذه “الأوراق والأصوات اللاغية” تعزّز ثقل النهج التغييري.