أن تقوم بعض الدول العربية وبالتحديد دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، بتعزيز علاقاتها التطبيعية مع إسرائيل في هذا الوقت بالذات، يعني أنّها اختارت الصف المُعادي للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني. وما مقالة السفير العتيبي في «يديعوت»، متبوعة برسالة مرئية، إلا تفسير وشرح وليس تبريراً، لقبول هذه الأنظمة باحتلال الضفة والقطاع، وترسيخ نظام الأبارتهايد ضد فلسطينيي الـ48 وحصار غزة وسياسة التطهير العرقي الممنهج منذ عام 1948. خلاصة مقالة ورسالة العتيبي، الذي كان واحداً من ثلاثة سفراء عرب حضروا حفل الإعلان عن «صفقة القرن» التصفوية في واشنطن، أنّ المشكلة ليست في الاحتلال ومنظومة القمع الاستعمارية، وجرائم الحرب، ومخالفة القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وأكثر من 60 قانوناً أساسياً إسرائيلياً، آخرها قانون القومية، تُعرّف إسرائيل على أنّها دولة تمارس جريمة الأبارتهايد المُمأسس. إلا أنّ المشكلة تكمن فقط في نية إسرائيل ضمّ ما يعادل 30% من أراضي الضفة المحتلّة. ولتأكيد عدم اكتراث الأنظمة الرسمية في العالم العربي بما يحصل، تمّ تسريب خبر عزم رئيس الموساد، يوسي كوهين، إجراء مباحثات مع زعماء ورؤساء دول عربية، في محاولة للترويج لمخطّط الضم الذي تعتزم الحكومة الإسرائيلية تنفيذه في الضفة الغربية المحتلّة. بإيجاز، وكما يقول العتيبي في مقالته التي نشرها بالعبرية، فإن «إسرائيل فرصة» لهذه الأنظمة وليست عدواً.أصبح من الواضح أنّه لا يوجد رادع عربي، خارج منظومة «الحنجوريات» الفارغة، لأي خطوة تقوم بها إسرائيل للقضاء على القضية الفلسطينية بالكامل. ويخرج المتابع للتطوّرات الأخيرة المتسارعة بهذا الخصوص، بأنّ كيفية الإقدام على ضمّ الضفة والأغوار قد أصبحت مشكلة إسرائيلية داخلية بين اليمين واليمين المتشدّد، وفي أحسن الأحوال أميركية ـــــ إسرائيلية. لا أكثر ولا أقل.
فلسطينياً، يبقى سؤال «ما العمل» لمواجهة التحديات الوجودية في ظل حالة الاستعصاء الهائلة بين الفصيلين، المعلّقة في الهواء؟ فتصريحات الطرفين المتناحرين على الرغم من كلّ التهديدات الوجودية التي يتمّ تطبيقها بوتيرة متسارعة، تعني أنّ الانقسام أصبح حالة مرضية مستعصية. كما أنّ هناك عدم تقدير من قبل القوى الوطنية الموجودة خارج ثنائية الانقسام لخطورة ما يحصل منذ البداية، ولأنّها تأخّرت في التحرّك لمواجهته بقدر ينمّ عن فهم جدّي لهذا الخطر الوجودي المحدق بالقضية. سيطرت «أيديولوجيا» الانقسام بشكل مطلق على المؤسسات والمجتمع، حيث أصبحت مواجهة «صفقة القرن» و«خطة الضم» لها مكانة ثانوية. كذلك اجتازت السياسات الفلسطينية مرحلة الانتقال السلس من «سياسة النعامة» إلى سياسة اللافعل في مواجهة الخطة ومن قبلها «صفقة القرن».

في محاولة فهم سياسة سرقة الأرض الفلسطينية، ومن خلال مراجعة للتاريخ الحديث وربط «الصفقة» و«الخطة» بما سبقهما ومهّد لهما من اتفاقيات، تبرز بعض الاقتراحات التي تمّت الموافقة عليها مبدئياً من الجانب الفلسطيني المفاوض، وبالتحديد مبدأ تبادل الأراضي المحتلّة بأراضٍ محتلّة أخرى، وكيف لم تثر هذه السياسة حفيظة الغالبية الساحقة من القوى السياسية بالقدر الذي يتناسب مع خطورتها. بمعنى أنّ الموافقة على التنازل بداية، عن 78% من أرض فلسطين التاريخية، ثم اعتبار المتبقي، أي 22%، «أراضيَ متنازعاً عليها»، بحسب اتفاقيات أوسلو، ومن ثمّ فتح التفاوض لتبادل جزء من هذه النسبة الأخيرة، أعطت الانطباع للمستعمِر أنّ الموقف الفلسطيني ليس مبدئياً في ما يتعلّق بالأرض والحقوق الأساسية الأخرى.