تزداد الصورة في المشهد الفلسطيني قتامة يوما تلو الآخر، ولا سيّما في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي أكدت استمرارية انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف، وفوز بنيامين نتنياهو بفترة ولاية خامسة. إعادة انتخاب نتنياهو جاءت لتخدم مسعاه في استكمال دوره التاريخي في تصفية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر متوالية النقاط التي نجح في تسجليها خلال فترات حكمه السابقة منذ العام 1996، مستفيدا هذه المرة من تماهي الإدارة الأميركية اللامحدود مع تطلعاته، وخصوصا على ضوء ما يرشح إعلاميا عن مقاربات جديدة لإنهاء الصراع ضمن صفقة القرن.يعي المتابع لمسيرة التسوية منذ انطلاقها في العقد الأخير من القرن الماضي، أن المساعي الإسرائيلية لفرض تسوية على الفلسطينيين، كانت انتقائية تستهدف أساسا؛ تحقيق مصالحها على حساب الحقوق الفلسطينية.
أساس هذه التسوية يعود إلى ادعاء إسرائيل أن الأرض التي استحوذت عليها في سنة 1967، لم تكن خاضعة قبل ذلك لسيادة معترف بها، الأمر الذي يعني أنه لا يمكن اعتبارها محتلة من إسرائيل، وإنما هي أرض متنازع عليها، أي أن لإسرائيل الحق في التصرف فيها. بُني هذا التصرف على قاعدة عدم التعامل مع الأرض كوحدة واحدة، بل تفتيتها إلى ثلاثة أقسام، لكل واحد منها رؤية ومعاملة إسرائيلية خاصة به، بهذه الطريقة تم ضمُّ القدس قسرا وجاري العمل على قدم وساق لتهويدها. أما قطاع غزة فلقد تم عزله بهدف إخراجه من سياقه الوطني عبر الخطوة الدراماتيكية بالانسحاب أحادي الجانب وما تلاها من حصار باعتباره كيانا معاديا، وإعطاء إشارات بالموافقة على أن يكون القطاع الدولة الفلسطينية. أما الضفة الغربية فالتوجه الإسرائيلي واضح في ما يتعلق بتعويم سيادة تستأثر فيها إسرائيل بحصة الأسد من خلال سياسة الأمر الواقع التي تفرضها عبر الاستيطان والجدار العازل والطرق الالتفافية.

تُعد الضفة الغربية المعضلة الحقيقة أمام إسرائيل باعتبارها الهدف الرئيس لجمهور اليمين والمستوطنين في إسرائيل، خصوصا أن جميع السياسات الإسرائيلية غير قانونية وتفتقد لشرعية القانون الدولي فيها. الخطوات الإسرائيلية المتوقعة خلال الفترة الخامسة لنتنياهو، مرتبطة بما يمكن أن نطلق عليه “توطين المستوطنات” أو قوْنَنة الاستيطان في الضفة الغربية، وهو ما يرشح بين الحين والآخر حول ضم المنطقة C والتي تشكل 60% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، وهذا ما أشار إليه نتنياهو نفسه في العام 2017، خلال احتفالية حكومة بريطانيا في معهد “تشاتهام هاوس” بمئوية وعد بلفور حين قال: “يتوجب التفكير في نماذج جديدة للسيادة الفلسطينية على الأرض بما فيها الحدود المفتوحة (…) كما يتوجب القيام بحل سلمي يضمن بقاء المستوطنين في بيوتهم”.

النماذج الجديدة والحدود المفتوحة مكيدة إسرائيلية جديدة تقوم على مقاربات جديدة تُشرعن من خلالها المستوطنات في الضفة الغربية، وتتطابق كليا مع ما صرح به الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأنه لا بد من مقاربات جديدة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بدلا من المقاربات القديمة التي كانت تقوم على قرارات الشرعية الدولية وخصوصا قرارَي مجلس الأمن 242 و338. نحن مقبلون على مقاربة جديدة تعطي إسرائيل مبتغاها من التسوية الانتقائية، وتشرعن مستوطناتها، كما شرّعنت أوسلو وجودها على فلسطين التاريخية، فالمقاربة الأميركية الجديدة للصراع في الشرق الأوسط، تقوم على التخلي عن فكرة أن صنع السلام يتطلب قيام العرب والإسرائيليين على حدّ السواء بتضحيات متبادلة، والقبول بصيغة تتضمن أن إسرائيل قوية بما فيه الكفاية لترفض تقديم أي تنازل.