ملخص تنفيذي
الأبوية الجديدة والفساد والسلطة الفلسطينية: سُبل الإصلاح الحقيقي
صنَّف الفلسطينيون الفساد مؤخرًا كثاني أكبر مشكلة تواجههم بعد الأزمة الاقتصادية - متفوقًا على الاحتلال الإسرائيلي. وهذا ينسجم ونظرة الفلسطينيين عمومًا لمسؤولي السلطة الفلسطينية كمجموعة نخبوية تخدم ذاتها ومنسلخة عن النضال الفلسطيني والمعاناة اليومية لأبناء الشعب الفلسطيني. وبالرغم من هذا الاستياء، لم تطرأ سوى تغيرات طفيفة. فلم يطل الحرسَ القديم أيُّ تغيير، إذ ظلَّ قابضًا على السلطة، يستديم الفسادَ المستشري والمنظم، ويستبعد الفلسطينيين من المشاركة في القرارات التي تمس حياتهم ومستقبلهم.
إن الواقع الحالي للسلطة الفلسطينية لا يشبه بأي حال من الأحوال الحكومةَ الفلسطينية التي بشَّرت بها السنوات الاولى لأوسلو. هذا التناقض بين القيادة الديمقراطية المرجوة وبين الواقع يمكن أن يُعزى جزئيًا إلى الطبيعة الأبوية الجديدة للنظام السياسي الفلسطيني - وهي نموذج هجين تتوفر بموجبه هياكل الدولة وقوانينها وأنظمتها رسميًا لكنها تظل معطلةً بسبب السياسات غير الرسمية وشبكات المحسوبية وعلاقات القرابة والنسب والعلاقات القبلية.
وفي سياقٍ مؤسسي يفتقر فيه الفلسطينيون إلى آلياتٍ لمحاسبة قادتهم، أفرزت الأبوية الجديدة الفلسطينية حالة منيعة ضد التغيير في القيادة أو النظام السياسي.
أخفقت منظمة التحرير الفلسطينية في الاضطلاع بدورها باعتبارها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني." ويتجلى ضعف المنظمة في حقيقة أن ذراعها التشريعي، المجلس الوطني الفلسطيني، انعقد في أيار/مايو 2018 بعد 22 عامًا من التعطل. وتُبين سنوات الغياب كيف تسببت القيادة الفلسطينية في تعطيل منظمة التحرير الفلسطينية عن تأدية واجبها كممثل للفلسطينيين كافة.
أمّا السلطة الفلسطينية فقد تجاوزت دورها كحكومة مؤقتة، وأصبحت بشكل متزايد قوةً حاكمة سلطوية في الضفة الغربية. ثم حذت حماس حذوها في قمع المعارضين السياسيين في قطاع غزة.
وكنتيجة لسيطرة فتح على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، أخذت الأجهزة الإدارية والسياسية تعمل على أساس الإشراك مقابل الاقصاء والمكافأة مقابل العقاب وفقًا لمقياس الولاء في المقام الأول.
تهيمن القيادة الفلسطينية على المفاوضات وتوقع على اتفاقات سرية. وتضرب اتفاقات أوسلو مثالًا بارزًا لإقدام تنفيذية منظمة التحرير الفلسطينية على احتكار المفاوضات مع إسرائيل واتخاذ قرارات ثبتت كارثيتها باسم الشعب الفلسطيني. إن قيام السلطة الفلسطينية سرًا بتوقيع اتفاقات مع إسرائيل في قطاعات الطاقة والكهرباء والمياه والاتصالات يبين كيف أن القيادة ماضية في تجاهل الآليات الرسمية والتشاور مع الرأي العام.
ويتسبب اعتماد السلطة الفلسطينية على المساعدات الدولية في إضعاف النظام السياسي الفلسطيني إذ يغدو مساءلًا أمام المانحين الدوليين وليس الفلسطينيين.
توصيات سياساتية:
لكسر احتكار فصيل أو حزب ما، لا بد من توفر نظام صحي يحقق التوازن بين السلطات. إن تطبيق اللامركزية في السلطة أمرٌ ضروري من خلال تمكين القواعد الشعبية وقيادات المجتمع المحلي.
لا بد أن يتمتع الفلسطينيون بالقدرة على المساءلة الرأسية التي تمكِّنهم من مساءلة قادتهم ومن المشاركة في عملية صنع القرار. وهم بحاجةٍ أيضًا إلى المساءلة الأفقية من خلال وجود برلمان مستقل ومنظمات تدقيق مستقلة.
لاستعادة ثقة الشعب الفلسطيني في القيادة، لا بد من إنهاء إفلات الفاسدين من العقوبة. ولا يمكن لهذا أن يتبلور إلا بوجود قوانين مُحكَمة لمحاربة الفساد وقضاء مستقل يستطيع محاسبة الفاسدين بصرف النظر عن مكانتهم السياسية والمالية والاجتماعية.