المواضيع
طالعوا تحليلاتنا بخصوص المجتمع المدني وسُبله في رسم ملامح المشهد الثقافي والسياسي والسياساتي.
طالعوا استشرافاتنا بخصوص تغيرات المشهد السياسي وتداعياتها على فلسطين
استزيدوا معرفةً بالسياسات والممارسات التي تحدد شكل الاقتصاد الفلسطيني
تعرَّفوا أكثر على الأوضاع الفريدة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في الشرق الأوسط
التحليلات
تحليلات متعمقة للسياسات الحالية أو المتوقعة التي تؤثر في إمكانيات التحرير الفلسطيني.
رؤى ووجهات نظر حول المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتعلقة بفلسطين والفلسطينيين حول العالم.
تحليلات موجزة لسياسات محددة وخلفياتها وآثارها.
تعقيبات تضم رؤى متنوعة من محللين متعددين.
تجميعات لأعمال سابقة أنجزتها الشبكة حول موضوع محدد.
مشاريع مطوَّلة ومخصصة تسعى إلى الإجابة عن أسئلة بحثية تقع خارج نطاق تحليلاتنا المعتادة.
مبادرة بحثية معنية بالسياسات أطلقتها الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية.
سلسلة ندوات شهرية عبر الإنترنت تجمع خبراء فلسطينيين.
متميز
اشتركوا في نشرة الشبكة البريدية الآن لتصلكم أحدث التحليلات السياساتية الفلسطينية على بريدكم الإلكتروني:
فلسطين وكوفيد-19: دروس للقيادة في زمن الأزمة
نظرة عامة
حظيت السلطة الفلسطينية بالإشادة والثناء على طريقة تعاملها مع الموجة الأولى من كوفيد-19 التي اجتاحت الأرض الفلسطينية المحتلة في ربيع 2020. وبالرغم من أن العديد من التحديات التي واجهتها السلطة الفلسطينية كانت بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على حياة الفلسطينيين وأراضيهم وحقوقهم، إلا أن هناك تحديات أخرى تُعزى إلى عقودٍ من سوء الإدارة المحلية وسوء استخدام الموارد بالإضافة إلى تنامي النزعة الاستبدادية.12
فكيف ستتصرف السلطة الفلسطينية والفلسطينيون الآن بعد دخول الموجة الثانية من كوفيد-19 بقوة، وفي خضم الأزمة الاقتصادية الحالية، والتهديد الإسرائيلي الوشيك بضم المزيد من الأراضي؟ يتناول محللا السياسات في الشبكة، فادي قرعان وتهاني مصطفى، استجابةَ السلطة الفلسطينية الحالية في ضوء التداعيات الدائمة الناجمة عن سياسات الماضي الإشكالية.
استجابة أولية قوية
استجابت السلطة الفلسطينية فور اكتشاف الإصابات الأولى بفيروس كورونا في بيت لحم بتاريخ 5 آذار/مارس استجابةً صارمةً، حيث أعلن رئيسُ الوزراء، محمد اشتية، في غضون ساعات حالةَ الطوارئ وأَغلق بموجبها جميع الأماكن العامة وقيَّد حركة الداخلين والخارجين من بيت لحم. وما لبثت السلطة الفلسطينية أن فرضت حظر تجول شامل على الضفة الغربية وأصدرت تعليمات للسكان بالبقاء في منازلهم لمدة 14 يومًا.
صاغت السلطة الفلسطينية استجابتها بناءً على مجموعة التدابير العالمية المتبعة في إدارة الوباء. وحدَّدت معايير القياس بناءً على معدلات الإصابة ومدى امتثال السكان للتعليمات. وشرحت قراراتها غير الشعبية شرحًا وافيًا عبر التواصل مع المجتمع وبيان المخاطر من خلال تدابير فاعلة وواضحة، شملت على سبيل المثال لا الحصر نشرَ مواد باللغة العربية حول النظافة والعادات الصحية وتدابير الوقاية من كوفيد-19. وعمَّمت وزارة الصحة الفلسطينية النصائح بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف وبدعم من مؤسسات القطاع الخاص مثل بنك فلسطين ومن الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي. واشتملت النصائح على معلومات حول أسلوب الحجر المنزلي ولبس الكمامة وعما ينبغي فعله وما لا ينبغي فعله في سياق كوفيد-19 بالإضافة إلى تفنيد المعلومات المغلوطة المتداولة. واشتملت أيضًا على نصائح للنساء للحوامل والمرضعات وعن العنف القائم على النوع الاجتماعي. وأُذيعت الإعلانات والتعميمات الحكومية عبر اللوحات الإعلانية، ومحطة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، والرسائل النصية عبر مزودي خدمة الهاتف المحمول.
تقتضي القيادة في وقت الأزمات صنعَ القرار بسرعة ودقة، وقد برهنت السلطة الفلسطينية في المرحلة الأولى على قدرتها في هذا الصدد Share on Xوفي الوقت نفسه، أطلقت وزارة التربية والتعليم ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى (الأونروا) حملتهما الإرشادية لتثقيف الأهالي ومقدمي الرعاية حول العناية بالطلاب أثناء فترة الحجر. وأُنشئت العديد من الهيئات التنسيقية الحكومية المؤقتة، كان أبرزها لجنة الطوارئ الوطنية التي تضم مكتب رئيس الوزراء ووزارة الصحة والعديد من الأجهزة الأمنية. وحتى الأحياء الفلسطينية الواقعة ضمن المنطقة (ب) شهدت إغلاقات وحظر تجول.3 وأُنشئت كذلك لجان الطوارئ المحلية في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية. وبما أن إسرائيل تمنع السلطة الفلسطينية من العمل خارج المنطقة (أ)، قامت مجموعات محلية يتألف معظمها من ناشطين فتحاويين مقربين من السلطة الفلسطينية بإنشاء نقاط تفتيش ولجان طوارئ في القرى خارج تلك المنطقة. وحظيت تلك المجموعات بدعم السلطة الفلسطينية التي وفرت المشورة الفنية والموارد. وبالرغم من أن بروتوكولات صنع القرار حُدِّدت على المستوى الرفيع، إلا أن تنفيذها كان من صلاحية المحافظين في كل منطقة.4
يقول الفلسطينيون، على سبيل التندر في معظم الأحيان، إن تجربتهم مع حظر التجول وتقييد الحركة على مدار عقود من الاحتلال الإسرائيلي قد أعدتهم لمثل هذه اللحظة “التاريخية.” والحقيقة أن المجتمع الفلسطينية امتثل فورًا وبفاعلية لأوامر الإغلاق، ونجَح في الحد من الانتشار الأولي للفيروس. وبحسب الإحصاءات الحكومية الرسمية، سُجِّلت في الموجة الأولى من التفشي 1588 إصابة مؤكدة و3 وفيات مقارنةً بما يزيد على 22,000 إصابة و309 وفيات في إسرائيل في الفترة ذاتها.
ومن الجدير بالذكر أن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية طلبت في آذار/مارس 2019 مساعدةً دولية لإجراء تمرين محاكاة لإدارة احتمالية حدوث أزمة صحية عامة في حال تفشي وباء مثل ميرس (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية).5 وقد شارك في ورشة العمل ممثلون لأفرع الأجهزة الأمنية المختلفة، افترضوا فيها وقوع مشاكل محتملة واقترحوا إنشاء هيئات متعددة الوكالات. وبفضل هذا التمرين، كانت الاستجابة الأولية في فلسطين أكثر استعدادًا وفاعليةً نسبيًا، ولاسيما بالمقارنة بالاستجابة العالمية المتخبطة وغير المنظمة في التعامل مع كوفيد-19. فالقيادة في وقت الأزمات تقتضي صنعَ القرار بسرعة ودقة، وقد برهنت السلطة الفلسطينية في المرحلة الأولى على قدرتها في هذا الصدد، حيث أثنى على استجابتها الفلسطينيون والرعاة الدوليون مثل منظمة الصحة العالمية.
سياسات سابقة لم تترك خيارًا سوى الإغلاق
لم تمتلك السلطة الفلسطينية سوى خيارات محدودة بخلاف الإغلاق الفوري والتام. فالقطاع الصحي في حالة انهيار أصلًا، وقد تبين في ورشة عمل المحاكاة أن أي تردد أو تأخر في الاستجابة قد يعود بنتائج وخيمة. ولغاية 6 آذار/مارس من هذا العام كانت نقابة الأطباء الفلسطينيين والعاملون في القطاع الصحي في فلسطين مضربين عن العمل للمطالبة باستثمارات حكومية أكبر في القطاع. وفي مؤتمر صحفي في الأسبوع السابق لتفشي كوفيد-19 في فلسطين، بيَّن المتحدث الرسمي باسم الحركة، الدكتور شوقي صبحة، النقصَ اللوجستي الحاد في القطاع الصحي بما فيه نقص عدد الأَسرَّة والمعدات والطواقم الطبية: “في 2012، كان هناك 3,300 طبيب. وفي 2019، كان لدينا 2,550، ولم يُعيَّن أي موظف جديد لغاية الآن.” ومن أجل التعامل مع تفشي كوفيد-19، علَّق الأطباء إضرابهم.
إن النقص الذي يعانيه القطاع الصحي ليس مفاجئًا، فحاله حال القطاعات الاجتماعية-الاقتصادية العامة والخاصة الأخرى في فلسطين التي أعاقت تطورها سياساتُ الاحتلال العسكري الإسرائيلي. ويُعزى هذا النقص إلى جملة أسباب منها الحيلولة دون وصول المستلزمات والإمدادات للقطاع الطبي، وفرض قيودٍ شديدةٍ على حرية الحركة الضرورية لمواكبة المستجدات على صعيد التدريب والتطور في المجال الطبي. وتسببت السياسات الإسرائيلية أيضًا في هجرة العقول حيث اضطّرَّت أطباءَ فلسطينيين كثيرين إلى العمل في الخارج نظرًا لقلة الفرص وتدني الأجور في فلسطين. وعلى المستوى المحلي، ثمة نقص حاد في استثمارات السلطة الفلسطينية في تشييد المؤسسات الصحية الفلسطينية، حيث رصدت السلطة الفلسطينية على مدار العقدين الماضيين مبلغا زهيدا للقطاع الصحي، مقارنة مثلا بما أنفقته على القطاع الأمني الفلسطيني والذي راكم سجلًا من انتهاكات حقوق الإنسان واستشراء الفساد والذي حظي بموازنة تضاهي الموازنات المخصصة لقطاعات التعليم والصحة والزراعة مجتمعة.
لم يكن في فلسطين عند بدء الأزمة سوى 375 سريرًا للبالغين في أقسام العناية الحثيثة و295 جهاز تنفس لخدمة ما يناهز 5 ملايين نسمة. وهذا يفسر لماذا أقدمت منظمة الصحة العالمية على تصنيف الأرض الفلسطينية المحتلة كواحدةٍ من أكثر المناطق تعرضًا لخطر كوفيد-19، رغم قلة الحالات المسجلة فيها. ولهذا اضطرت السلطة الفلسطينية إلى التعامل مع الوباء باتباع تدابير احتوائية صارمة. وكما يبين إضراب نقابة الأطباء الفلسطينيين، فإن السلطة الفلسطينية لم تولِ الأولوية لصحة السكان أو تخصص الميزانية المطلوبة. وأي تدبير دون الإغلاق وتعليق حركة المجتمع كان سيُعرِّي إخفاقات السلطة الفلسطينية، ويُعرض حياة المئات للخطر.
وفي حين لا يسعى تحليلنا بأي حالٍ من الأحوال إلى الانتقاص من تأثير سياسات الاحتلال الإسرائيلي، فإن من الجدير بنا أن نبحث في قرارات السلطة الفلسطينية ونبينَ كيف زادت سوء الأوضاع المحلية للفلسطينيين، وجعلت التقلبات الشديدة وعدم اليقين جزءًا من حياة السكان اليومية في الأرض الفلسطينية المحتلة. وفي حالات كثيرة، تفاعلت مصالح السلطة الفلسطينية ومصالح الاحتلال الإسرائيلي، وغالبًا على حساب المواطن الفلسطيني، بالرغم من قدرة السلطة الفلسطينية على اتباع سياسات بديلة أفضل.
وبدلًا من التكيف بجرأةٍ مع التغيرات الجديدة كأَمارة من أَمارات القيادة وقت الأزمة، ركّزت جهود السلطة الفلسطينية على العودة إلى الوضع الراهن. وفي المحصلة، لم تستطع السلطة أن تطور استجابةً متعددة الجوانب مع بدء الموجة الثانية بخلاف الإغلاقات السريعة، وهذا يُبرز قلة الموارد المتاحة لها. وبالتالي أخذت فاعليتها تقل، وصارت تَتكِلُ بوضوح على الجوانب الأمنية في إدارة الحياة اليومية، وتعتمد بإفراط على المساعدات الدولية، وتعوِّل على عامة الشعب ليحملَ الأعباء التي تواجهها.
ينبغي أن يعود الفضل الحقيقي في القيادة إلى المجتمعات المحلية المتنوعة والمتناثرة في فلسطين Share on Xولا يبدو أن هناك اليوم ما يمنع المسؤولين السياسيين والأمنيين على حدٍ سواء من الاستفادة من حالة عدم اليقين الناجمة عن الأزمة. وعلى سبيل المثال، واجهت السلطة الفلسطينية اتهامات في الضفة الغربية وقطاع غزة بأن مسؤوليها يوزعون تبرعات القطاع الخاص بانتقائية، حيث يعطون الأولوية للمقربين من الشخصيات رفيعة المستوى في السلطة. ففي حين تقطعت السُبل بآلاف الطلاب الفلسطينيين حول العالم وفقدوا القدرة على العودة إلى وطنهم، استشاطت عائلات العالقين في الخارج غضبًا حين وردت تقارير تفيد بعودة أشخاص مرتبطين بالسلطة الفلسطينية. وبعد حملة “رجعونا ع بيوتنا” التي قادها الفلسطينيون العالقون في الخارج، تدخلت الحكومة الأردنية ومن ثم تحرَّكت وزارة الخارجية الفلسطينية لمتابعة القضية.
تجلت قلة فاعلية السلطة الفلسطينية أيضًا في تعاملها مع فئات أخرى مهمة من الشعب الفلسطيني، وتحديدًا الأسرى السياسيون واللاجئون. ومن بين هؤلاء الأسرى في السجون الإسرائيلية نحو 350 طفلًا يعاني الكثيرون منهم ظروفَ احتجاز قاسية. وفي الوقت نفسه، لا تزال السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلُ الشعب الفلسطيني بأسره، عاجزةً عن توفير الدعم لقاطني مخيمات اللاجئين في الدول العربية المجاورة.
التعويل على القيادة المجتمعية
تدرك السلطة الفلسطينية، مع بدء الموجة الثانية من التفشي والزيادة المستمرة في الإصابات المسجلة في الخليل خصوصا، أنها عاجزة عن احتواء الفيروس للأبد. وفي الوقت نفسه، أخذَ المجتمع الفلسطيني، الذي كان في البداية مؤازرًا ومتعاونًا مع استجابة رئيس الوزراء السريعة، يفقدُ ثقتَه الآن لأسباب عدة منها فشل السلطة الفلسطينية في الوفاء بالعديد من الوعود التي قطعتها في بداية الأزمة. ومن ناحيةٍ أخرى، أخذ الوضع الاقتصادي يزداد سوءًا أيضًا، حيث أشار البنك الدولي في تقريره المنشور في حزيران/يونيو: “سوف يكون انخفاض معدل دخل الفرد وارتفاع معدل البطالة والفقر ملحوظًا.” وما كان للتوقيت أن يكون أسوأ، إذ تواجه فلسطين أصلًا أزمةً مالية خانقة ومعدلَ بطالة مرتفع بلغ 26% في الأشهر الاثني عشر التي سبقت تفشي الوباء.
إن محك القيادة في زمن الأزمة يكمن في كيفية اعتنائها بشعبها ومجتمعاتها المحلية. ويغدو بناء الثقة وتعزيز التماسك في مواجهة الصدمات السياسية مصدرًا للقدرة على التعافي واستعادة القوة.
وعلى هذا الصعيد، يعود الفضل الحقيقي في القيادة إلى المجتمعات المحلية المتنوعة والمتناثرة في فلسطين. فقد أفرزت عقود الاحتلال – عن غير قصد – شعبًا صامدًا لا يزال يمتلك احتياطات مجتمعية ينهل منها بالرغم من استنزاف موارده نتيجة الاحتلال الإسرائيلي. بل إن البحوث أظهرت أن أنجح الحالات في احتواء بؤر التفشي وإخمادها على مستوى العالم اقتضت مقاربةً محلية، وأن “المجتمعات المحلية المهددة والمتضررة من تفشي الوباء يجب أن تكون عنصرًا محوريًا في هذه المقاربة.”6 وفلسطين ليست استثناءً، حيث إن اعتمادها على هياكل الدعم المجتمعية قد شفع لها في مواجهة كوفيد-19.
ألقت السلطة الفلسطينية جزءًا معتبرًا من المحنة والمسؤولية الاقتصادية إبان تفشي الوباء على المواطنين الفلسطينيين الذين أثبتوا أنهم على قدر المسؤولية برغم الظروف والأوضاع. فأُنشئت شبكات الدعم الاجتماعي المحلية في غضون أيام، وأُنشئ العديد منها على يد ناشطي فتح المقربين من السلطات الرسمية. وفي حين أن جهودها ظلت محدودة وضمن نطاقات محلية، إلا أنها باتت أساسية في توفير الموارد لعشرات الآلاف من الأسر المتضررة والمحتاجة. واتخذت شبكات التضامن تلك مقراتٍ في الأحياء والبلدات والقرى وتقاسمت الموارد المحلية والخبرات فيما بينها. ومن ناحية أخرى، تلقت العديدُ من الأُسر مساعداتٍ من خلال التحويلات المالية القادمة من الخارج.7
يُفاقم كوفيد-19 الحاجة إلى وجود قيادةٍ أكثر تجاوبًا وتفاعلًا، قادرةٍ على تحويل الأزمة الى فرصة... للنهوض بالأهداف الفلسطينية المتمثلة في التحرير وإحراز العدالة Share on Xأنشأ القطاع الخاص أيضًا صندوق وقفة عز الذي جمع 17 مليون دولار بحلول منتصف أيار/مايو، وبدأ يرصد المخصصات في الضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران/يونيو، إلا أن الحكومة واجهت انتقادات لاحقًا على خلفية منح الأولية لأفراد مُعينين دون غيرهم، فضلاً على أن التبرعات المتأتية من القطاع الخاص اعتُبرت غير كافية مقارنةً بالأرباح التي يجنيها هؤلاء المتبرعون.
وهكذا، أُوكل للمنظمات المجتمعية والأفراد دورٌ في الجائحة عن غير قصد، ما ساعد في تعزيز مدى الامتثال للقواعد والتعليمات، وإنْ أثناء الموجة الأولى من تفشي الفيروس على الأقل. إنّ استعداد المجتمع للامتثال على هذا النحو ساعةَ الأزمة يتناقض وما شهدته الدول التي اعتمدت أنماطَ التنفيذ المسيَّسة والمركزية ولكن افتقرت إلى المشاركة المدنية القائمة على الثقة مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة والبرازيل وحتى الأردن المجاور، حيث جوبهت السياسات المشابهة للسياسات المطبقة في فلسطين بمعارضةٍ عارمة ساهمت في زيادة أعداد الإصابات وفي زيادة التعنت الحكومي.8
امتحان للفلسطينيين كافة
لقد تجنَّب الفلسطينيون الأسوأ في الموجة الأولى من تفشي الجائحة، إلا أن الأزمة لم تنته بعد. ففي ظل الضم الوشيك واستشراء ممارسات الفصل العنصري الإسرائيلي العنيفة والدائمة، يُفاقم كوفيد-19 الحاجة إلى وجود قيادةٍ أكثرِ تجاوبًا وتفاعلًا، قادرةٍ على تحويل الأزمة الى فرصة لتعبئة الشارع العام وإحداث التغيير الجذري للنهوض بالأهداف الفلسطينية المتمثلة بالتحرير والعدالة.
لقد فشلت قيادة السلطة الفلسطينية الحالية في السير على هذا الدرب، وعقدت عزمها على استدامة الوضع الراهن الجامد بأي ثمن. وبدلًا من البحث عن مقاربةٍ للتعامل مع الأزمة السياسية والصحية الراهنة بناءً على تمكين المجتمع والتعاون معه، أسرعت تلك القيادة إلى تبني المقاربة الأمنية بإقامة نقاط التفتيش المؤقتة وفرض التواجد الأمني المكثف في الشوارع والطرقات الفلسطينية. أضف إلى ذلك أن معاملةَ السلطة الفلسطينية التفضيلية لأفراد معينين من النخبة السياسية كان له آثارٌ وبيلة، ولاسيما انهيار ثقة العامة. وقد ساهم غياب الامتثال العام لإجراءات السلامة الأساسية في تفشي الموجة الثانية من الإصابة بالفيروس. ومع ذلك، وبدلًا من التعاطي بإيجابية مع الانتقادات والشكاوى إزاء المصاعب الاقتصادية التي يواجهها الناس، اتبعت السلطة الفلسطينية سياسة الغصب والإكراه، فاعتقلت مَن تجرأ على انتقادها علانية في وسائل الإعلام أو على شبكة الإنترنت أو في الشارع.
فضلًا على أن غياب الرؤية والاستراتيجية الواضحة أدى إلى سوء تفاهم كبير داخل السلطة الفلسطينية نفسها. وخيرُ مثال لذلك ما حدث حين أعلنت السلطة الفلسطينية مجموعةً من الإغلاقات، ليقوم المحافظون بعد بضع ساعات بسحب الإعلان وإلغاء الإغلاقات في مناطقهم.
غير أن هذه اللحظة ليست امتحانًا لكبار القادة السياسيين في السلطة الفلسطينية وحسب، بل امتحان لجميع الفلسطينيين. فهل يستطيع الشعب الاستفادةَ من الأزمة ليزداد قوة، ويبني شبكات جديدة للصمود، ويغير شكل الاقتصاد، ويرمِّمَ جسور الثقة؟ وهل بوسعه أن يفعل ذلك ليس فقط للصمود في وجه العاصفة التي تسبب بها هذا الفيروس، وإنما لإعداد العدة أيضًا لمقاومة خطط الضم والسلب الإسرائيلية وانتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني، واستيقادًا للنضال من أجل الحرية؟ يُظهر التاريخ الفلسطيني أن الفلسطينيين تمكنوا على الدوام من اغتنام الفرص المتاحة لهم مهما كانت محدودة ومهما كانت المعوقات، وثمة فرصة في الأزمة الحالية لفعل ذلك.
فادي قرعان
تهاني مصطفى
أحدث المنشورات
تصور جديد لفلسطين بعد عام من الإبادة الجماعية
محور سياساتي: عام من الإبادة الجماعية في غزة
المملكة المتحدة وحظرها الوهمي على الأسلحة
نحن نبني شبكةً من أجل التحرير.
ونحن نعمل جاهدين، باعتبارنا المؤسسة الفكرية الفلسطينية العالمية الوحيدة، للاستجابة للتطورات السريعة المؤثرة في الفلسطينيين، بينما نحافظ على التزامنا بتسليط الضوء على القضايا التي قد يتم تجاهلها لولا تركيزنا عليها.