ماذا يعني اعترافُ ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل بالنسبة إلى مستقبل فلسطين والفلسطينيين، وماذا يخبرنا عن السياسة الأمريكية؟ يتناول محللو الشبكة هذه التساؤلات ويقترحون على المجتمع المدني الفلسطيني والقادة الفلسطينيين سبلًا لحماية الحقوق الفلسطينية من هذه النكسة.1
تقول نور عرفة إن إعلان ترامب يرسخ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وسياسات التهويد في القدس، وتدعو السلطة الفلسطينية إلى إنهاء التنسيق مع إسرائيل وإلغاء اتفاقات أوسلو. وترى دانا الكرد أن الخطوة الأمريكية تستحدث إطارين قانونيين للقدس، أحدهما يتبع القانون الدولي والآخر يخضع للمصالح الإسرائيلية، وتقول إن “[إعلان ترامب] يشكل سابقةً لمزيد من الاعتراف القانوني في المستقبل” وإنه “ينبغي للفلسطينيين أن يفكروا في طرق جديدة لمقاومة الاستعمار الإسرائيلي.” أما منير نسيبة فيرى أن التطور الحاصل يؤكد انحياز الولايات المتحدة في وساطتها، ويقول إن “النتيجة الإيجابية الوحيدة لخطوة ترامب تكمن في أنها أنهت وهم شرعية “عملية السلام”.
يقترح فيكتور قطان وطارق بقعوني على السلطة الفلسطينية سُبلًا للرد والمضي قدمًا. فيعرض قطان عددًا من الاستراتيجيات على القيادة الفلسطينية، بما فيها دعوة المزيد من الدول للاعتراف بفلسطين وتكريس جهود أكثر لإخراج رؤية واقعية لماهية الدولة التي تريد إقامتها، ويدعو بقعوني إلى إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية كي تدعم إعادة توجيه الكفاح الفلسطيني – ولكن بطريقة تخفف وطأة الضرر الاقتصادي الذي سينجم عن انهيارها.
نور عرفة
يُرسِّخ إعلان ترامب نظامَ الفصل العنصري الإسرائيلي وسياسات ” التهويد ” في القدس، ويسرِّع وتيرة الجهود الإسرائيلية في طرد الفلسطينيين وانتزاع ممتلكاتهم. التزمت إسرائيل منذ بدء الاحتلال في العام 1967 بتحويل القدس من مدينة متعددة الأديان والثقافات إلى مدينة يهودية “موحدة من جديد” تحت سيطرتها الحصرية. وسرَّعت وتيرة تهويد المدينة بواسطة سياسات تُغير المشهد الجغرافي والمادي وتهدف إلى إنهاء “التهديد الديمغرافي” الذي يشكله الفلسطينيون. اشتملت تلك السياسات على بناء الجدار في العام 2002، وإلغاء إقامة المقدسيين الفلسطينيين تحت ذريعة “خرق الولاء”، وفرض القيود على لم شمل الأسر الفلسطينية، وتطبيق سياسات عمرانية وتقسيمية تمييزية، وإغلاق مؤسسات فلسطينية كبرى في القدس الشرقية. واقترنت تلك السياسات بانهيار اقتصادي مُهندَس في القدس الشرقية، كما يتجلى في تدهور قطاع السياحة وركود الأسواق التجارية في البلدة القديمة.
ينبغي للسلطة الفلسطينية أن توقفَ التنسيق مع إسرائيل وأن تلغي اتفاقات أوسلو Share on Xوإذ تعترف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمةً لإسرائيل، فإنها تُعطي الحكومة الإسرائيلية صلاحيةً مطلقةً للمضي في التهويد من خلال توسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وتكثيف تدابير الضم الإسرائيلية والسياسات التمييزية ضد الشعب الفلسطيني. فعقب إعلان ترامب، أعلن وزير الإسكان الإسرائيلي يواف غالانت عن خطةٍ لبناء 14,000 وحدة استيطانية جديدة في القدس المحتلة.
يُشجِّع إعلان ترامب اليهود اليمينيين الإسرائيليين كذلك على زيادة اقتحاماتهم لحرم المسجد الأقصى، الأمر الذي يتسبب في اشتباكات مع الفلسطينيين. ومن المرجح أن تؤدي تلك الاقتحامات إلى اندلاع أعمال عنف وقتل على نطاق واسع، كما حدث في عام 2000، عندما أدت زيارة آرييل شارون الاستفزازية إلى الحرم القدسي إلى اندلاع الانتفاضة الثانية. وعلاوةً على ذلك، سوف يُشعِل أي تهديد للأقصى – الذي يريد المتطرفون الإسرائيليون نقله إلى مكة لكي يبنوا معبدًا مكانه – انتفاضات كبرى في العالم العربي والإسلامي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الاستقطاب الديني في صراعٍ سياسي متأصلٍ في التهجير القسري، والتشريد، والتطهير العرقي، والتهميش الاقتصادي للفلسطينيين.
ينبغي أن تردَّ السلطةُ الفلسطينية على إعلان ترامب بإلغاء اتفاقات أوسلو لوضع حدٍ لِما يسمى عملية السلام والدور المريب الذي تلعبه الولايات المتحدة “كوسيط للسلام”.
دانا الكرد
لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية يومًا وسيطًا نزيهًا في قضية فلسطين. واعترافها بالقدس عاصمةً لإسرائيل يؤكد هذه الحقيقة. سيكون لهذه الخطوةِ الأمريكية آثارٌ عميقة من حيث السابقة القانونية التي ترسخها، وعلى حياة الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال.
يستحدث إعلان ترامب إطارين قانونيين متعارضين بشأن مسألة القدس – أو على الأقل هذا ما ستحتج به إسرائيل. فالقانون الدولي لم يتغير، والغالبية العظمى من دول العالم ملتزمة بفكرة العاصمة المشتركة. ولكن حين تتخذُ القوة العظمى في العالم، العضوة في مجلس الأمن الدولي، والمسيطرة على قواعد عسكرية في بقاع مختلفة من الأرض قرارًا أُحاديًا بأن ملكية أرضٍ مختلفٍ عليها تعود لطرفٍ في الصراع دون آخر، فإن هذا يشكل سابقةً لمزيد من الاعتراف القانوني في المستقبل. وقد أظهرت البحوث أنه بالرغم من قشرة التعددية، تستطيع الولايات المتحدة أن تؤثر تأثيرًا كبيرًا في مواقف المنظمات الدولية وسياساتها. وهكذا فإن الإجماع الحالي في الأمم المتحدة حول قضية القدس ليس كافيًا لأن الولايات المتحدة إذا قررت على موقف، فلنا أن نتوقع بأن يحذوا حلفاؤها حذوها ويستخدموا القرار الأمريكي كمبرر.
سوف يوفر الإعلان غطاءً قانونيًا أكبر لمواصلة الاستعمار الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المتبقية من القدس. فقد دأبت إسرائيل، بالإضافة إلى سرقتها الأراضي الفلسطينية في القدس الغربية في العام 1948، على توسيع المستوطنات – مثل معاليه أدوميم وبسغات زئيف – في قلب القدس الشرقية. واستخدمت إسرائيلُ الجدارَ الفاصل كذلك لإخراج أحياء فلسطينيةٍ، مثل أبو ديس، من حدود بلدية القدس الرسمية. يعيش سكان المناطق الباقية من القدس الفلسطينية في مشقة اقتصادية، ويدفعون الضرائب للحكومة الإسرائيلية مقابل خدمات لا يحصلون عليها أبدًا. وهم مهددون دائمًا بخطر هدم منازلهم أو إخراجهم منها في منتصف الليل على يد المستوطنين ورفقتهم من الجنود المسلحين.
يتسبب إعلان ترامب في وجود إطارين قانونيين متعارضين بشأن مسألة القدس Share on Xتأتي خطوة ترامب في خضم استقطابٍ شديد بين الحكومات العربية، وهي ظرفٌ أدركته الإدارة الأمريكية ومدبروها الإسرائيليون واستغلوه. كما استغلوا حقيقة أن عددًا من الأنظمة العربية انضمت إلى معسكر ترامب – كوشنر في السياسة الأمريكية على الرغم من أن إدارة ترامب وعائلته يخضعون للتحقيق، وشعبيتهم آخذةٌ في التناقص عند الأمريكيين. وعلاوة على ذلك، أتت هذه الخطوة رغم أن الغالبية العظمى (88%) من العرب يعتبرون القضية الفلسطينية قضيةً تعنيهم شخصيًا – لدرجة أن الاحتجاجات خرجت من تونس إلى قطر. ولكن كالعادة، يبدو أن الأنظمة العربية الاستبدادية تعتقد أن القمع على المدى القصير سيتغلب على رغبات مواطنيها وولائهم.
وردًا على هذا المستوى غير المسبوق من الغطرسة الأمريكية وتواطؤ النظام العربي، يجب أن يكون الفلسطينيون مستعدين للنظر في طرق جديدة لمقاومة الاستعمار الإسرائيلي. ويجب أن يشمل ذلك تقييمًا جديًا لتحديد ما إذا كان نموذج حل الدولتين الذي فرضته اتفاقات أوسلو قد انتهى أخيرًا.
منير نسيبة
يُرسل ترامب، باعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل، رسالةً مفادها أنه مهما بلغت انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، فإنها لا تحتاج إلا إلى وقت كي تحظى بالاعتراف والشرعية. فما برحت إسرائيل تستعمر القسم الغربي من القدس منذ العام 1948 وقسمها الشرقي منذ العام 1967، ودأبت طوال هذا الوقت على تهجير السكان الفلسطينيين الأصليين لزيادة نسبة السكان اليهود. وهذه السياسات تنتهك القانون الدولي، ولا يزال المجتمع الدولي يمتنع عن الاعتراف بشرعيتها. غير أن ترامب خرقَ هذا الإجماع في سابقةٍ خطيرة تعزز الافتراض عند إسرائيل بأن مَن يملك القوة يملك الحق.
أعلنَ الرئيس الفلسطيني محمود عباس عقب خطاب ترامب أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطًا موثوقًا به في “عملية السلام”. بيد أن خطوة ترامب تؤكد ببساطة ما كان معروفًا بالفعل وهو أن الولايات المتحدة ليست وسيطًا محايدًا، وهذا أحد الأسباب الرئيسية لفشل عملية السلام. حتى أوباما، الذي بدا وكأنه يريد فرض بعض الضغوط على إسرائيل لتوقف بناء المستوطنات في الضفة الغربية، عجزَ عن فعل ذلك بسبب نفوذ إسرائيل الهائل في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية. إذن، ترامب ليس المشكلة الوحيدة.
يعزز اعتراف ترامب افتراضَ إسرائيل بأن مَن يملك القوة يملك الحق Share on Xالنتيجة الإيجابية الوحيدة لخطوة ترامب تكمن في أنها أنهت وهم شرعية “عملية السلام”. وهي تجبر منظمة التحرير الفلسطينية على إعادة النظر في القضية الفلسطينية برمتها، بما في ذلك إمكانية حل الدولتين. غير أن المنظمة لا تملك بديلًا استراتيجيًا على ما يبدو للوضع الراهن. وسيتعين على المجتمع المدني الفلسطيني أن يضطلع بدور أكبر في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية محليًا وإقليميًا ودوليًا.
فيكتور قطان
كان رد السلطة الفلسطينية على إعلان ترامب بشأن القدس متوقعًا، حيث أصدر قادتها بيانات غاضبة. ودعت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى عقد مؤتمرات قمة طارئة. وأُعلِن عن ثلاثة “أيام غضب”.
لكن من غير المجدي أن تقوم الدول العربية أو المنظمات الدولية بإصدار قرارات غير ملزمة تدعو الولايات المتحدة إلى التراجع عن موقفها. فترامب لن يسحب تصريحه. وإذا كان إبهار الجماهير بالخطابات سوف يشتري بضعة أيام أو أسابيع للسلطة الفلسطينية، فإن الناس سيريدون رؤية النتائج في نهاية المطاف. وإلى الآن، لم تستدع أي حكومة عربية السفير الأمريكي أو القائم بالأعمال لديها للاحتجاج على القرار. وقد أعلن الرئيس عباس إن فلسطين سوف “تُحيل ملف الصراع كاملًا إلى الأمم المتحدة،” ولكن ماذا عسى الأمم المتحدة أن تفعل. فطالما أن الضغوط لا تُمارَس على إسرائيل، لن يتغير سوى القليل. وبالرغم من خطاب الرئيس أردوغان الجريء أمام منظمة التعاون الإسلامي، فإن تركيا لا تفعل إلا القليل لمساعدة الفلسطينيين عمليًا. وبدلًا من تعليق العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل كما توعَّد أردوغان، تعكف أنقرة على توطيد العلاقات مع تل أبيب، كما تعكف على ذلك دولٌ عربية عديدة.
ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تتبنى نهجًا أكثر تعقيدًا. وعليها أن تقول صراحةً إن الاعتراف بالقدس كعاصمة مشتركة لدولة فلسطينية تعيش في سلام مع إسرائيل هو المعيار للتعاطي مستقبلًا مع الولايات المتحدة. وينبغي للقيادة الفلسطينية أن تبادرَ بدعوة المزيد من الدول للاعتراف بفلسطين، ولا سيما الدول الأوروبية الواقفة على الحياد. وعلى السلطة الفلسطينية أن توضح للاتحاد الأوروبي أنها غير راضية عن التصريحات التي تتكرر كل سنة. وينبغي أن ينظر الاتحاد الأوروبي في إمكانية توجيه بيانٍ مماثل لترامب، يعترف فيه بالقدس عاصمةً لفلسطين، ويوضح أن هذا الاعتراف لا يؤثر في الوضع النهائي للقدس أو الحدود أو الأماكن المقدسة. ولكن بما أنه من المستبعد أن يوافق الاتحاد الأوروبي على ذلك على مستوى مجلسه، فإنه ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تشجع الدول الأوروبية منفردة على شق الصف والاعتراف بفلسطين كما فعلت آيسلندا والسويد والفاتيكان. وينبغي للسلطة الفلسطينية أن تنشئَ فريقَ عمل وأن تحددَ الدول التي قد تستجيب لهذه المبادرة، وأن تتواصل معها.
تستطيع السلطة الفلسطينية أيضًا أن تطلبَ من الدول الأوروبية التي لديها قنصليات في القدس الشرقية أن ترفعَ مستواها إلى سفارات إلى دولة فلسطين. ومن الدول التي فعلت ذلك بالفعل السويد وتركيا والفاتيكان. وعلى السلطة الفلسطينية أن تطلبَ من بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة أن تفعلَ الشيء نفسه. وعليها كذلك أن تسألَ إدارة ترامب عمَّا تريد أن تفعله بالقنصلية الأمريكية في القدس. ولمنع إسرائيل من تخفيض مستوى القنصليات، يمكن لبلجيكا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة أن تُدلّي جزرة الاعتراف بالقدس الغربية كعاصمة لإسرائيل وبالقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين تمامًا كما فعلت روسيا في وقت سابق من هذا العام. وفضلًا على ذلك، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يشترط لنقل سفارات دوله الأعضاء الأخرى من تل أبيب إلى القدس الوقفَ التام للنشاط الاستيطاني الإسرائيلي.
يجب على السلطة الفلسطينية أن تبلور رؤية واقعية للدولة التي تريد إقامتها Share on Xمن الممكن أن يدعو بعض الوزراء الإسرائيليين حكومَتهم إلى ضم المنطقة (ج) من الضفة الغربية. ولكن من المشكوك فيه أن يُقدِم نتنياهو على ذلك طالما أنه رئيس الوزراء. ومع ذلك، ينبغي للسلطة الفلسطينية، كإجراء احترازي، أن تطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تستفتي محكمة العدل الدولية بشأن العواقب القانونية المترتبة على اعتراف ترامب في ضوء قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة السابقة والتي تعتبر ضم إسرائيل للقدس “باطلًا ولاغيًا”.
ينبغي للسلطة الفلسطينية أن توجِّه قسمًا أكبر من طاقتها نحو بلورة رؤية فلسطينية واقعية للدولة التي تريد إقامتها في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة، وأن تُعلن رؤيتها للعالم بوضوح وعلى نحو فعال. وأفضل سبيل لفعل ذلك هي أن تنشر القيادة الفلسطينية مخططًا تفصيليًا محدَّثًا لحل الدولتين يتجاوز مبادرة السلام العربية التي يمكن أن تشكِّل عندئذ الأساسَ لمحادثات بناءة مع إسرائيل. إن إشراك الدول العربية في محادثات السلام مع إسرائيل ليس بالضرورة أمرًا سيئًا، ولكن ينبغي أن توضح السلطة الفلسطينية حدها الأدنى وما هي مستعدة للتفاوض عليه. ويجب على السلطة الفلسطينية أن تتولى زمام المبادرة وألا تسمح للدول العربية الأخرى بوضع مقترحاتها للسلام بالنيابة عن الفلسطينيين. فهذه الدول لا تملك الخبرة أو الدراية المتوفرة لدى الفلسطينيين بشأن وضعهم. وبعد أن تخبو العواطف ويسكت الغضب، سوف تجد السلطة الفلسطينية نفسها أنها لا تزال مضطرة إلى التعامل مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل ومع حقيقة أن القدس ما تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي.
يجب على السلطة الفلسطينية أن تواصل التأكيد بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس قضية دينية. وينبغي أن تستعين بالزعماء الدينيين المسيحيين واليهود والمسلمين لإرسال رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأن القدس مقدسة لجميع الأديان وأن الفلسطينيين لا يرغبون في رؤية المزيد من الاضطرابات.
يجب على السلطة الفلسطينية أن تضمن سلمية الاحتجاجات الجارية في الضفة الغربية، ويجب على حماس أن تتوقف عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل. ويجب أن يظل الفلسطينيون في القدس صامدين وأن يُعلوا صوتهم. ويجب على الناشطين الفلسطينيين أن يُوصِلوا أصوات القادة المجتمعين والكَنسيين، وأن يعملوا مع وسائل الإعلام. وينبغي أن يستمر التعاون الأمني مع إسرائيل، ولكن ينبغي أن تعلمَ الدول المموِّلة للأجهزة الأمنية الفلسطينية جيدًا أن هذا التعاون سيصبح أكثر صعوبة إذا لم تعترف تلك الدول بدولة فلسطينية عاصمتها في القدس.
طارق بقعوني
باعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، أصبح مستقبل السلطة الفلسطينية الآن أكثر غموضًا من أي وقت مضى. ثمة حجةٌ قوية توجِبُ على القيادة الفلسطينية الحالية أن تستقيل، وأن تُفكَّكَ السلطةُ الفلسطينية لأنها حرصت على استدامة تمثيلية الحكم الذاتي المقترن بالمفاوضات والتي كان يؤمل أن تُفضي إلى التحرر وإقامة الدولة.
غير أن السلطة الفلسطينية توفر شبكة أمان ضرورية للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال، وسيكون لانهيارها تأثيرٌ بليغ على المعتمدين عليها في سبل عيشهم. لذا يجب أن يَشرع أفراد المجتمع المدني والقادة الفلسطينيون في اتخاذ تدابير تُعيد هيكلة السلطة الفلسطينية على نحو يخفف من وطأة الضرر الاقتصادي الناجم عن انهيارها مع ضمان ألا تستمر في العمل كمقاول من الباطن للاحتلال الإسرائيلي.
تشمل التدابير التي لا بد من اتخاذها فورًا إنهاءَ التنسيق الأمني في المقام الأول. فبدلا من قمع فعاليات العصيان المدني وجهود المقاومة، يجب على السلطة الفلسطينية أن تمكِّن هذه الأعمال وتُعين عليها وفقًا لمبادئ توجيهية واضحة تُصاغ بطريقة ممثِّلة. والأهم من ذلك أنه يجب إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية لكي تدعم إعادة توجيه النضال الفلسطيني. وينبغي لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تقود هذه العملية، ويجب عليها أن تبتعد عن المفاوضات وتتحول إلى الكفاح المناهض للفصل العنصري. وينبغي للناشطين الفلسطينيين والقادة وأعضاء المجتمع المدني أن يتصدروا عملية إعادة التوجيه هذه بشتى الطرق.
يجب أن يَشرع المجتمع المدني والقادة الفلسطينيون في اتخاذ تدابير تُعيد هيكلة السلطة الفلسطينية Share on Xومن تلك الطرق توطيد التحالفات الرامية إلى تعزيز التضامن الدولي مع النضال الفلسطيني، وتوسيع نطاق حركة المقاطعة العالمية وتمكينها، والمضي قدمًا في تدابير المحكمة الجنائية الدولية، والاستفادة من الأدوات التي تم تأمينها في المحافل الدولية كالأمم المتحدة (ثم وُضعت على الرف للمفارقة) من أجل زيادة الضغط على أعضاء المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي.
يجب على الفلسطينيين في الأرض المحتلة أن يواصلوا أفعال العصيان المدني ضد قادتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة لإخفاقهم في إبرام مصالحة حقيقية وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وضد الاحتلال في القدس الشرقية أيضًا، رغم أن من المرجح أن يعاني هؤلاء الفلسطينيون الوطأةَ الكبرى جراء ردة الفعل اللاحقة. وفي الشتات الإقليمي، يجب على المجتمع الفلسطيني أن يحشد ضد القادة العرب الذين باتوا اليوم متمكنين من التواطؤ مع إسرائيل وإدارة ترامب أكثر من أي وقت مضى. وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يجب على الشتات الفلسطيني أن يواصل خطاه نحو تمكين حركة التضامن الدولي بالتزامن مع تطوير قوة الشعب الفلسطيني استراتيجيًا للنهوض بالصراع على أساس الحقوق.
- تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.