مقدمة
رغم هول الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ السابع من تموز/يوليو 2014، فإن ما سببته من دمار قد يكون أكثر هولًا. يجري حالياً الإعداد لعقد مؤتمر مانحين بخصوص غزة في النرويج مطلع شهر أيلول/سبتمبر المقبل بإشراف السلطة الفلسطينية. ولكن إذا اتبعت السلطة الفلسطينية والجهات المانحة الأسلوب نفسه الذي اتبعته في المؤتمرات السابقة، فإن معاناة سكان قطاع غزة ستطول وتتفاقم. يتناول المستشار السياساتي للشبكة عمر شعبان في هذه الورقة حجمَ وأنواع الدمار الذي سببته الحرب، ويستعرض بعض الأخطاء التي شابت عملية إعادة الإعمار في السابق مطالبًا بضرورة تجنبها حيث ستكون عملية إعادة الاعمار في هذه المرة أكثر تعقيدًا.1
الحرب الراهنة أكثر قسوةً من سابقاتها
قطاعُ غزة هو من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض، وقد تعرَّض لثلاثة حروب في سبع سنوات فقط وهي فترةٌ زمنية قصيرة جداً. وتشير المؤشرات المبدئية أن الحرب الحالية قد تكون الأسوأ من الحربين السابقتين: الأولى التي استمرت 22 يومًا في أواخر 2008 وأوائل 2009، والثانية ذات الأيام الثمانية والتي اندلعت عام 2012. وأتحدث في هذا المقام من تجربتي الشخصية حيث عايشت هذه الحروب جميعها. ومع دخول الحرب يومها الثالث والثلاثون في العاشر من آب/أغسطس، فإن العملية العسكرية الإسرائيلية المتواصلة برًا وبحرًا وجوًا قد تسببت في مقتل 1914 فلسطينيًا وإصابة 9861 آخرين حسب إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية، مقارنةً بعدد الشهداء الذين سقطوا إبان الحرب الأولى 2008-2009 والبالغ 1400 فلسطيني تقريبًا. وتقدِّر إحصائية الأمم المتحدة أن 73% من الذين قضوا في الحرب الراهنة كانوا مدنيين، منهم 448 طفلًا. أمّا الجرحى، فكثيرون منهم أصيبوا إصابات بالغة لن يتعافوا منها تمامًا، ومن المرجح أن يصبحوا من ذوي الإعاقة الدائمة.
هذه الحرب ليست الاسوأ لكثرة عدد ضحاياها وحسب، وإنما بسبب الصعوبات والتحديات المتوقع أن تواجهها عملية إعادة الإعمار. فالدمار الناجم من العملية العسكرية الحالية يُضاف إلى ما سببته الحربين السابقتين والذي لا يزال كثيرٌ منه ماثلًا للعيان، حيث ما زالت 500 عائلة ممن تدمرت بيوتهم في الحربين السابقتين في قائمة الانتظار لإعادة بناء منازلهم. ولم يتم بعد إصلاح الكثير من هياكل البنية التحتية وآبار المياه وغيرها ممّا دمرته الحربان السابقتان. فقد تسببت الحرب الإسرائيلية الأولى 2008-2009 بخسائر قُدِّرت بنحو1.7 مليار دولار طالت المساكن والمزارع والمصانع والمرافق العامة والمقار الحكومية والأمنية والطرق وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والهواتف وغيرها.
الحرب الراهنة هي الأقسى كذلك بسبب الظروف التي جاءت فيها حيث يواجه قطاع غزة أزمةً اقتصادية وسياسية واجتماعية هي الأقسى منذ عقود. فالحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ حزيران/يونيو2007 لا يزال قائمًا وإنْ كان قد شهدَ بعضَ التسهيلات في الأيام الأولى من حزيران/يونيو 2010 بُعيد حادثة أسطول الحرية بتاريخ 31 أيار/مايو 2010 والتي خلقت ضغطًا دوليًا أجبر حكومة نتنياهو على زيادة عدد وكمية البضائع المسموح بدخولها لقطاع غزة.
ومع تواصل الحملة المصرية لتدمير الأنفاق والتي بدأت في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي وتصاعدت بدرجة محمومة بعد عزله، فقدت حكومة حماس أحد أهم مصادر الإيرادات وحُرِم الاقتصاد الغِزي من المواد الخام والسلع الوسيطة والنهائية. أدى هذا الوضع إلى أزمة مالية خانقة كبحت قدرتها على دفع رواتب موظفيها البالغ عددهم 50,000 لعدة شهور سابقة.
وعلى الرغم من توقيع اتفاق المصالحة يوم 23 نيسان/إبريل 2014 وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، فإنها لم تعمل بالحد الأدنى المتوقع منها، حيث لم تدفع رواتب الموظفين من حماس، مما يُعمِّق حالة عدم الاستقرار التي تعانيها حكومة الوفاق الوطني في خضم هذه الأزمة المتفاقمة. ويُعزى السبب الرئيس في هذا الوضع إلى رفض إسرائيل الاعتراف بهذه الحكومة ومنع وزرائها من التواصل بين قطاع غزة والضفة الغربية.
تقدير الأضرار الأولي
يمكن تقدير حجم الدمار الناجم عن العملية العسكرية الإسرائيلية من خلال المؤشرات المبدئية التالية، وهي ليست نهائية نظرًا لاستمرار العملية العسكرية حتى تاريخ 11 آب/أغسطس 2014:
- تدمير 8800 منزلٍ تدميرًا كليًا، وتدمير 7900 منزلٍ تدميرًا جزئيًا بحيث بات غير صالحٍ للسكن. أسفرت العملية العسكرية أيضًا عن تدمير أحياء سكنية بأكملها خاصة في حي الشجاعية في شرق مدينة غزة ومناطق بيت حانون وبيت لاهيا في شماله ومناطق خزاعة وعبسان ورفح في الجنوب الشرقي لقطاع غزة وهي جميعها مناطق محاذية للحدود.
- إجبار ما يقارب 475000 نسمة من السكان على ترك منازلهم واتخاذ مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والمدارس الحكومية والحدائق العامة والكنائس ملاجئ مؤقتة، ولن يكون بوسع هؤلاء العودة إلى منازلهم لأنها باتت غير صالحة للسكن. وهم لم يخسروا منازلهم وحسب، بل فقدوا معها كل ممتلكاتهم من أثاث وملابس وسيارات وفراش وأوراق ثبوتية.
- تدمير مخازن الوقود الصناعي المخصص لمحطة التوليد الوحيدة في قطاع غزة وبداخلها 300,000 لتر من الوقود مما أوقف العمل في المحطة وأدخل قطاع غزة كله في ظلام دامس. ومن دون الكهرباء، فسدت الأغذية، وانقطعت إمدادات المياه للمنازل، وتوقفت معالجة مياه الصرف الصحي، واضطرت المستشفيات إلى الاعتماد على مولدات لا يمكن التعويل عليها. وإضافةً إلى ذلك، انقطعت ثمانية خطوط من بين الخطوط العشرة التي تزود قطاع غزة بالكهرباء من إسرائيل ممّا خفض حجم التيار الكهربائي المستورد من إسرائيل من 120 ميجاوات إلى أقل من 30 ميجاوات.2
- أضرار هائلة أصابت مرافق البنية التحتية بما فيها الطرق وشبكات الكهرباء والمياه والمجاري، حيث يصعب تقدير حجم الأضرار في الوقت الراهن بسبب تواصل العملية العسكرية. وقد تدمَّرت العشرات من آبار المياه ومحطات الصرف الصحي، ممّا يهدد بحدوث كارثة بيئية وصحية في قطاع غزة.
- تدمير عشرات المصانع والمنشآت التجارية من محلات ومحطات وقود ومصانع الباطون الجاهز في المنطقة الحدودية وفي المنطقة الصناعية لمدينة بيت حانون. وكذلك تجريف آلاف الدونمات الزراعية والبيوت البلاستيكية الجاهزة في المناطق الحدودية تحت ذريعة تدمير الأنفاق.3
- تعرُّض عشرات المباني الحكومية والأهلية والجمعيات الخيرية مثل وزارة المالية والداخلية والأوقاف وديوان الموظفين وعشرات المساجد للدمار، إضافة إلى تلف وثائق وأوارق وسجلات رسمية يصعب أو يستحيل استرجاعها لاحقًا.4
يتوجب التنويه إلى أن هذه المؤشرات هي مؤشرات أولية حتى تتوقف الحرب وتبدأ عملية الجرد والتقييم، حيث يتوقَع أن يكون حجم الدمار والخسائر أعلى من المذكور بكثير، ولربما تكاد مهمة معالجة نتائج الحرب تكون مهمةً مستحيلة.
تجنب أخطاء الماضي
لا شكَّ أن طبيعة التدخل وحجمه وفاعليته ستحددها بنود اتفاق وقف إطلاق النار. ومن السيناريوهات المطروحة لنهاية الحرب تكرارُ ما حدث في الحرب الإسرائيلية الأولى 2008-2009 عندما قررت إسرائيل أحاديًا أن توقف عملياتها العسكرية وتنسحب من غزة، وينطوي سيناريو آخر على توقف الحرب مع تجديد اتفاق التهدئة المبرم في كانون الأول/ديسمبر 2012 والذي نصَّ على رفع الحصار، وإلغاء المنطقة العازلة على الحدود بين غزة وإسرائيل، وتوسيع مساحة الصيد إلى ستة أميال بدلًا من ثلاثة مع موافقة الطرفين على وقف الأعمال “العدائية”. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الإسرائيلية نفذَّت هذه البنود جزئيًا ولفترة محدودة ثم تراجعت عنها. السيناريو الثالث لتوقف الحرب هو الأفضل ويتمثل في اعتراف إسرائيل بحكومة الوفاق الوطني، وفي رفع الحصار كليًا تحضيرًا للتفاوض على اتفاق السلام العادل والشامل.
تُثار الكثير من الأسئلة في سياق الجهود الدولية المبذولة لإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد النزاع، إذ تنتقل تلك الجهود من مرحلة الإغاثة الإنسانية والإنعاش المبكر إلى مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة. ومن تلك الأسئلة، على سبيل المثال، هل ينبغي التركيز على إعادة البناء والترميم أم التركيز على البناء والتنمية؟ ففي اليابان الخارجة من الحرب العالمية الثانية: كان السؤال: هل نوجه المجهود نحو إصلاح ما دمرته الحرب أم نحو البناء والتأسيس؟ العبقرية تكمن في كيفية الجمع بينهما. وبالإضافة إلى الاستفادة من التجارب الدولية، ثمة دروس محددة ينبغي تعلمها من الجهود السابقة في غزة، ولا سيما أنها لم تنجح في استنهاض غزة من جديد، وهذا مِن أقلِّ ما يمكن أن يُقالَ في حقها.
يتمثل الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الجهات المانحة في الماضي في استبعاد ممثلين من قطاع غزة وحركة حماس من عملية إعادة الإعمار. كما كانت الحال في مؤتمر المانحين المنعقد في شرم الشيخ في الثاني من آذار/مارس 2009 بُعيد الحرب الأولى 2008-2009 لحشد الدعم لإعادة إعمار قطاع غزة، حيث شارك في المؤتمر ممثلون من 70 دولة و16 منظمةً دولية لكن دون مشاركة مؤسسات قطاع غزة أو ممثلين لحركة حماس الحاكمة في القطاع. وفضلًا على ذلك، قدمت السلطة الفلسطينية خطةَ إعادة الإعمار باللغة الإنجليزية فقط (لم تتوفر النسخة العربية إلا بعد شهور)، ممَّا يدلُّ على قلة اهتمام السلطة الفلسطينية بمفهوم الشراكة والتشاور مع المجتمع المدني والوسط الأكاديمي والمؤسسات الفلسطينية الأخرى.
وفي المؤتمر، قدمت الحكومة الفلسطينية برئاسة سلام فياض خطةً بقيمة 2.8 مليار دولار تخصص أكثر من نصفها (52%) لدعم موازنة السلطة الفلسطينية وسدّ عجزها. وفي حادثةٍ تاريخية نادرة، تعهدت الدول والجهات المانحة بتقديم 4.48 مليار دولار، أي أكثر بنسبة 167% ممّا طلبته الحكومة الفلسطينية في خطتها. غير أن الوضع المزري الذي تعيشه غزةَ اليوم، حيث لا يزال البشر والحجر يعانون من الأضرار التي سببتها تلك الحرب، يثير التساؤلات عن حجم المبالغ التي استُلمت، إنْ استلمت أصلًا، وعن أوجه إنفاقها. بل إنه لا يوجد حتى هذا اليوم كشفٌ مفصل بهذه المعلومات. ولا بد لأولئك الملتزمين حقًا بعملية إعادة الإعمار الحقيقية وطويلة الأجل أن يسألوا اليوم هذه الأسئلة في المناخ الراهن كيلا يعيد التاريخ نفسه.
وحتى لو لم تحضر حماس مؤتمر المانحين المزمع عقده في شهر أيلول/سبتمبر في النرويج – وهي لا تتوقع أن تُدعى إليه أصلًا، بحسب مصادر موثوقة – فإن هناك مؤسساتٍ وأصواتًا أخرى من غزة يمكنها أن تشارك. غير أن حركة حماس ستكون على الأرجح مستعدةً وراغبةً في تقديم جميع المعلومات التي تحتاجها السلطة الفلسطينية للإشراف على عملية إعادة الإعمار لأن ذلك يصب في مصلحة الحركة. وفي الوقت نفسه، تريد حماس أن تظل مطلعةً ومشاركةً في العملية، حتى وإنْ كان دورها ثانويًا، لكي تحرص على أن تسير عملية إعادة الإعمار كما ينبغي. وهي تحرصُ، بالطبع، على أنْ يراها أهل غزة كجزءٍ من العملية، وتحرص على الاستمرار في تعزيز شعبيتها.
الاحتياجات الإغاثية والتنموية الطارئة
على صعيد الإغاثة العاجلة للسكان، الاحتياجات التالية هي الأكثر إلحاحًا:
- إصلاح شبكات المياه والكهرباء بما يسمح للمتضررين خاصةً، والمجتمع الغزي عامةً، من الحصول على مياه آمنة بهدف مواجهة التداعيات الخطيرة المتوقعة من نقص المياه الصالحة للشرب على الصحة العامة.
- إصلاح خطوط الكهرباء التي تجلب الكهرباء من إسرائيل مع بحث إمكانية مضاعفة الكميات المشتراة من 120 ميجاوات لتصل إلى الضعف أو أكثر بُغية تعويض النقص الناتج عن توقف محطة التوليد، والمساعدة في تلبية الاحتياجات المتوقعة.
- الاستيراد والتصنيع المحلي لآلاف الكرفانات الجاهزة للسكن والتي تحتوي على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية من أجل تسكين آلاف العائلات التي فقدت منازلها أثناء الحرب، وتفعيل النشاط الاقتصادي. يتضمن هذا الإجراء تقديم مساعدات نقدية لبعض تلك العائلات لتستأجر وحدات سكنية من تلك الشاغرة في قطاع غزة لتخفيف الضغط الاجتماعي والسياسي الذي يمكن أن يحدث في حال بقيت العائلات دون مأوى مناسب.
- دعم القطاع الصحي الذي تعرضت الكثير من منشآته للتدمير الكلي والجزئي بما يمكِّن من معالجة آلاف الجرحى الذين خلفتهم الحرب، وتطوير الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة والأيتام الذين فقدوا أسرهم في الحرب. ويتطلب ذلك بالضرورة الاستعانة بكفاءات بشرية من الخارج وإقامة مستشفيات ميدانية في مناطق مختلفة من قطاع غزة.
- تكثيف وتطوير خدمات الدعم النفسي للعناية بعشرات آلاف المواطنين، ولا سيما الأطفال، الذين تعرضوا لصدمات نفسية سواء بسبب فقدان أسرهم أو بسبب الحرب ذاتها.
ينبغي للجهود الإنمائية، في المدى المتوسط، أن تركز على ما يلي:
- تنفيذ مشاريع كثيفة اليد العاملة في مجالات الإسكان والبنية التحتية والزراعة والثروة السمكية بما يعمل على خلق فرص عمل سريعًا لتعزيز النشاط الاقتصادي.
- إصلاح الأراضي الزراعية في المناطق الحدودية بما يمكِّن القطاع الزراعي من العودة للمساهمة ليس في خلق فرص العمل وحسب، وإنما أيضًا في توفير الغذاء اللازم للإنسان والحيوان.
- تنظيف بعض مناطق الدمار لتمكين الأسر من العودة إلى منازلها، إنْ كانت صالحة للسكن، والحيلولة دون حدوث مكاره صحية في تلك المناطق التي دمرت في الأيام الأولى للحرب وبقيت على حالها.
- تكنيس الشوراع وإزالة الركام من الشوارع والمؤسسات العامة بما يساعد في خلق فرص عمل جديدة ويعزز النشاط الاقتصادي ويكافح حالة العوز والفقر التي تواجهها أُسرٌ كثيرة بسبب الحرب والحصار المستمر.
سُبل إحياء غزة
تُحتِّم الأهداف المنشودة المذكورة آنفًا على المجتمع الدولي أن يمارس الضغط على إسرائيل لرفع الحصار عن قطاع غزة للسماح بدخول المواد الخام اللازمة، وإلا فإن معاناة قطاع غزة ستمتد لسنوات طويلة.
ولا بد كذلك، كما أُشير أعلاه، من عدم تكرار أخطاء الماضي. وينبغي للسلطة الفلسطينية والمانحين الإقليميين والدوليين أن ينخرطوا في عملية تشاورية دورية ومكثفة مع قادة حماس ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات قطاع الأعمال والجامعات في غزة لتقدير حجم الأضرار، وتصميم التدخلات وتنفيذها. وينبغي التركيز على الاستعانة بالشركات والمؤسسات المحلية قدرَ الإمكان لكي تكون عملية إعادة الإعمار عملية وطنيةً لا دولية، ولكي يحصل المجتمع الفلسطيني على القدر الأكبر من حصة التمويل المتوقع.
ثمة حاجة ماسّة أيضًا للتنسيق بين حملات الإغاثة وجمع الأموال المحلية والإقليمية والدولية المتنوعة العاملة لصالح غزة، ويجب إدارة العمل على الأرض بطريقة مناسبة لتجنب الازدواجية في تقديم الخدمة. ولا بد من إرساء آلية شفافة لمراقبة هذه التبرعات ومتابعتها وتوجيه المستحقين إلى كيفية الاستفادة منها. ولا بد أن تكون عمليات الهيئة المنشأة لإدارة هذه الأموال، والمعايير التي ستطبقها، معلنةً ومتاحة لاطلاع عامة الجمهور.
بوسع فلسطيني الشتات أن يضطلعوا بدورٍ مهم كذلك، ولا سيما من حيث مساهمتهم بالمال والخبرة، ولكن لا بد من مخاطبتهم وإشراكهم في العملية في مرحلة مبكرة. فمساهمتهم لا تقتصر على تعزيز عملية المصالحة بين حماس وفتح، بل إن من شأنها أيضًا أن تخلق إحساسًا بالأهمية ووجود الغاية في أوساط المشتتين الحريصين على تقديم دعمهم. وبوسعهم أيضًا توطيد الروابط بينهم وبين أهالي غزة ومؤسساتها.
إن من الأهمية بمكانٍ البحثَ في سُبل الاستفادة من الودائع المتراكمة لدى القطاع البنكي، أي كافة البنوك العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة، والتي بلغت ودائعها 8 مليارات دولار. فيمكن للسلطة الفلسطينية، مثلًا، أن تأخذ قروضًا من هذه البنوك وتستخدمها في تمويل الرهن العقاري لشراء الشقق السكنية لصالح الأسر التي خسرت بيوتها في الحرب. وتجدر الإشارة إلى أن هناك بضعة آلاف من الشقق السكنية في القطاع، ولا سيما في مدينة غزة، فارغة لأنها كلفتها تفوق مقدرة المستأجرين والمشترين. فيمكن إطلاق برامج الرهن العقاري لتوظيف تلك الودائع ومعالجة أزمة السكن. وعلى مستوى أعلى، يمكن توظيف آليات الاستثمار وأدواته المعروفة دوليًا من قبيل الفرانشيز والشراكات الاستراتيجية والمشاريع المشتركة، ولا سيما في مجال الطاقة والكهرباء وبناء الميناء والمطار ومشروعات التنمية الإقليمية.
ليست هذه سوى بعض طُرق التدخل المقترحة للمساعدة في إعادة الحياة الطبيعية والكرامة للإنسان الفلسطيني في غزة. ويجب التذكير هنا بالتقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 2012 والذي قدَّر بأن القطاع سيكون غير صالح للحياة بحلول العام 2020 في حال استمرت الاتجاهات الحالية على ما هي عليه، وكان ذلك قبل الحرب الإسرائيلية الراهنة. وإذا ما أردنا حماية سكان غزة البالغ عددهم 1.8 مليون فلسطيني من العيش في مكان غير صالح للحياة، فيجب البدء في عملية إعادة الإعمار الصحيحة في أسرع وقت ممكن.
- تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
- مقابلة أجراها الكاتب مع مدير سلطة الطاقة في غزة، آب/أغسطس 2014.
- مقابلة أجراها الكاتب مع وزارة الزراعة في غزة، آب/أغسطس 2014.
- بيان صحفي صادر من وزارة الإعلام في غزة، آب/أغسطس 2014.