Long Overdue: Alternatives to the Paris Protocol

ملخص تنفيذي

وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في 1994 بروتوكول باريس الذي أسَّس "اتفاقًا تعاقديًا" يُضفي الطابع الرسمي على العلاقات الاقتصادية الرسمية، التي كانت إسرائيلُ قد حددتها سابقًا، في الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة خمس سنوات. ولا يزال البروتوكول رغم انتهاء صلاحيته منذ 19 سنة يشكِّل أساسَ العلاقات الاقتصادية وإطارَ التدابير الاقتصادية والنقدية والمالية في السلطة الفلسطينية.

ومن الناحية النظرية يسمح هذا الترتيب التجاري، الأشبه بالاتحاد الجمركي، بتدفق البضائع بحرية بين الجانبين وبالاتفاق على تعريفة خارجية مشتركة على الواردات. غير أن البروتوكول أنشأ اتحادًا جمركيًا تفرض إسرائيلُ بموجبه سياستها التجارية على الضفة الغربية وقطاع غزة. ولأن الاتحاد الجمركي لا يتطلب ترسيم الحدود أو إلغاءها، فإنه قد مكَّن إسرائيل من تأجيل قضية الحدود والعمل في الوقت نفسه على احتواء الأرض الفلسطينية المحتلة واستعمارها.

تنتهك إسرائيل البروتوكول إذ تسمح فقط بحرية مرور البضائع منها إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، وليس العكس. وتفرض إسرائيل كذلك قيودًا على حركة البضائع داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وتعوق التجارة الخارجية بسياسات الإغلاق والعراقيل غير الجمركية التي تطبقها. وهكذا أضحت الأرض الفلسطينية المحتلة سوقًا أسيرةً للصادرات الإسرائيلية.

يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للأرض الفلسطينية المحتلة كسورَ الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي. إن هيكل التعريفة الجمركية اللازم لبناء الاقتصاد الفلسطيني الواهن يختلف كثيرًا عن هيكل التعريفة الجمركية الذي يلائم اقتصادًا صناعيًا كالاقتصاد الإسرائيلي. لذا، حتى لو طُبِّقَ الاتحاد الجمركي تطبيقًا سليمًا، كما نص عليه البروتوكول، فإنه سيضر بالاقتصاد الفلسطيني لأنه لا يلبي احتياجاته.

أرسى بروتوكول باريس نظامًا رسميًا تجبي إسرائيلُ بموجبه الرسومَ الجمركية المفروضة على مستوردات السوق الفلسطينية من الخارج. وفي حين أن النظام يمكَّن السلطة الفلسطينية من الحصول على موارد مهمة، فإنه يمنح إسرائيلَ سلطةً هائلة في التحكم بالإيرادات الفلسطينية. فتستغلُ إسرائيلُ هذه السيطرةَ باحتجاز الإيرادات كتدبيرٍ عقابي أو للضغط سياسيًا على الفلسطينيين.

توصيات سياساتية

  • المطالبة بنظام تجاري جديد يقوم على منطقة تجارة حرة أو سياسة تجارية غير تمييزية.
  • منطقة التجارة الحرة أفضل لأنها لا تقيد التجارة بين البلدان الأعضاء فيها. غير أن كل بلد عضو سيطبق سياسته التجارية الخاص به إزاء البلدان الثالثة، وهذا يجعل ترسيم الحدود الاقتصادية أمرًا ضروريًا.
  • تستطيع السلطة الفلسطينية بموجب السياسة التجارية غير التمييزية أن تطبِّق سياستها التجارية الخاصة بها أُحاديًا دون الحصول على ميزة الوصول التفضيلي إلى إسرائيل أو منحها هذه الميزة.
  • استحداث هيكل تعريفة جمركية جديد يتماشى والمصالح الإنمائية الفلسطينية إمّا باستمرار الوضع القائم والعمل من خلال بروتوكول باريس أو بسياسة تجارية فلسطينية مستقلة غير تمييزية مبنية على تشجيع التصنيع.
  • إن تحقيق أيٍّ من هذه الخيارات يقتضي صياغة رؤية واستراتيجية اقتصادية فلسطينية واضحة تسترشد برؤية ومصلحة سياسية.

نظرة عامة

إذا كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس جادًا إزاء النأي بنفسه عن الاعتماد على الوساطة الأمريكية وعن التعاون مع إسرائيل، فعليه أن ينظر بجدية في بدائل بروتوكول باريس الاقتصادي الموقَّع سنة 1994 والذي يحدد معالم العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة.1

لقد طلب عباس بالفعل من المستشار الأول للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جاريد كوشنر، تعديلَ البروتوكول في آب/أغسطس 2017، قبل أن تدب الخصومة بين الطرفين. يقوم البروتوكول على افتراض رئيسي مفاده أن التعاون الاقتصادي الإقليمي الفلسطيني-الإسرائيلي سوف يحقق الازدهار الفلسطيني، ولكن المفارقة أنه جعلَ الفلسطينيين أكثر اعتمادًا على إسرائيل من ذي قبل. ويتعرض البروتوكول لغضبٍ شعبي فلسطيني، حتى إن بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية دعوا إلى إبرام اتفاق جديد.

من المستبعد جدًا أن تعمَد إسرائيلُ أو الإدارةُ الأمريكية إلى تغيير هذا الوضع الراهن. فحقيقة أن حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وافقَ مؤخرًا على مشروع قرارٍ يحث على ضم أجزاءَ كبيرةٍ من الضفة الغربية يبين مدى تجاهل إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني. وهكذا يجب على الفلسطينيين أن يدافعوا عن أنفسهم وأن يضعوا استراتيجيةً جديدة بشأن بروتوكول باريس بناءً على رؤية سياسية واضحة تمهد الطريق لإحداث تغيير اقتصادي.

يعرض هذا التحليل السياساتي بروتوكولَ باريس عرضًا ناقدًا موجهاً لعموم القراء غير المتخصصين في هذا الشأن. ويستهل بما نجمَ عنه البروتوكول من سوقِ فلسطينية تعتمد اعتمادًا شديدًا على إسرائيل، ويركز على العلاقات التجارية والترتيبات المالية لإبراز تداعيات البروتوكول على الاقتصاد الفلسطيني. ويختتم التحليل باقتراح ترتيبات اقتصادية مستقبلية ممكنة يستطيع الفلسطينيون دعمها في مسيرتهم نحو تأمين مستقبلٍ اقتصادي وسياسي عادل.2

سوق فلسطينية أسيرة معتمدة على إسرائيل

وقعت منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في 1994 بروتوكول باريس الملحق باتفاق القاهرة واتفاق أوسلو الثاني. أسَّس البروتوكول “اتفاقًا تعاقديًا” لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الاقتصادية التي كانت إسرائيل قد حددتها سابقًا من طرف واحد في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تمتد خمس سنوات. وبالرغم من مرور 19 سنة على انقضاء هذه الفترة، لا يزال البروتوكول يشكِّل أساسَ العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، والإطارَ الرئيس للتدابير الاقتصادية والنقدية والمالية في السلطة الفلسطينية.

تمثَّل الهدف الرئيسي من بروتوكول باريس في أن يشكِّل “الأساس لتقوية القاعدة الاقتصادية للجانب الفلسطيني ولممارسة حقه في اتخاذ القرار الاقتصادي وفقا لخطته الإنمائية وأولوياته.” وهدَف البروتوكول أيضًا إلى تأسيس “قاعدة اقتصادية سليمة” لتقوم عليها العلاقات بين الطرفين على أساس أن المجال الاقتصادي يمثل “حجر أساس في علاقاتهما المشتركة.” يتكون البروتوكول من 11 مادة، تختص مادتان منها بنطاقه وإطار عمله واللجنة الاقتصادية المشتركة، وتختص المواد التسع الأخرى بالتجارة والضرائب والواردات والعمليات المصرفية والترتيبات العمالية والسياسات الخاصة بقطاعات الزراعة والصناعة والسياحة.

ظل الترتيبُ التجاري الفعلي بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ الاحتلال في 1967 وحتى توقيع اتفاقات أوسلو أقربَ إلى اتحاد جمركي. فمن الناحية النظرية، تسمح البلدان المشاركة في الاتحاد الجمركي بتدفق البضائع بحرية فيما بينها، وتتفق على تعريفة خارجية مشتركة تفرضها على الواردات من البلدان الأخرى. غير أن الطرفين المشاركين في “الاتحاد الجمركي” الإسرائيلي-الفلسطيني يطبقان السياسة التجارية الإسرائيلية – أي النسب الجمركية واللوائح الإسرائيلية الأخرى – باستثناء عدد قليل من البضائع المعينة.3 وبعبارةٍ أخرى، أضفى بروتوكول باريس الصفةَ الرسمية على اتحادٍ جمركي يفرض سياسةَ إسرائيل التجارية على الضفة الغربية وقطاع غزة.

بلغ الناتج المحلي الإجمالي للأرض الفلسطينية المحتلة في العام 2016 (13,39 مليار دولار) أي  بنحو 4.2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي الذي بلغَ في العام نفسه (317,7 مليار دولار).4 ويمثل البروتوكول بتجاهله الفجوة بين الاقتصادين مشكلةً كبرى لأن هيكل التعريفة الجمركية اللازم لبناء الاقتصاد الفلسطيني الواهن يختلف كثيرًا عن هيكل التعريفة الجمركية الذي يلائم اقتصادًا صناعيًا كالاقتصاد الإسرائيلي. لذا، حتى لو طُبِّقَ الاتحاد الجمركي تطبيقًا سليمًا، كما نص عليه البروتوكول، فإنه سيضر بالاقتصاد الفلسطيني لأنه لا يلبي احتياجاته على الإطلاق.

لقد تفاقم الاقتصاد الفلسطيني سوءًا بسبب عدم امتثال إسرائيل وأحاديتها في تطبيق الاتحاد الجمركي. فعلى الورق، يسمح برتوكول باريس بحركة المنتجات الزراعية والصناعية بين الطرفين، ويسمح للفلسطينيين بإقامة روابط تجارية مباشرة مع بلدان أخرى. غير أن إسرائيل تنتهك البروتوكول بفرضها قيودًا على حركة البضائع بين إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة منذ عقد التسعينات، حيث تسمح فقط بحرية مرور البضائع من إسرائيل إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، وليس العكس.

الأرض الفلسطينية المحتلة سوق أسيرة للصادرات الإسرائيلية Share on X

تفرض إسرائيل كذلك قيودًا على حركة البضائع داخل الأرض الفلسطينية المحتلة. فما برحت إسرائيل منذ 1997 تسعى إلى فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية. وتعوق إسرائيل بحصارها المفروض على غزة منذ عشر سنين العلاقاتِ التجاريةَ بين غزة والضفة الغربية، كما في حين تعطلت العلاقات التجارية داخل الضفة الغربية نفسها بسبب سياسات الإغلاق الإسرائيلية. إن تجزؤ اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة إلى أسواق صغيرة غير متصلة جغرافيًا بسبب تلك الإجراءات يزيد الوقت والكلفة المطلوبة لنقل البضائع – سواء الوسيطة أو النهائية أو المحلية أو المستوردة – بين المناطق داخل الضفة الغربية.

وعلاوةً على ذلك، تعمل سياسات الإغلاق الإسرائيلية والعوائق غير الجمركية على إعاقة التجارة الخارجية بشدة. ومن الأمثلة للتدابير الإسرائيلية في هذا الصدد الامتناعُ عن الاعتراف بشهادات المعايير الفلسطينية؛ وإطالة مدة اختبار درجة الامتثال للمعايير؛ ووضع قائمة “بالمواد ذات الاستخدام المزدوج،” أي المواد التي تَدّعي إسرائيل أنها قد تُستَخدم في الأغراض العسكرية والمدنية وهي إمّا محظورة أو تتطلب إجراءات أمنية مطوَّلة. وهذه التدابير الإسرائيلية تنتهك البروتوكول الذي يعامل الصادرات/الواردات الفلسطينية معاملةَ الصادرات/الواردات الإسرائيلية.

وفي المحصلة، غدت الأرض الفلسطينية المحتلة سوقًا أسيرةً للصادرات الإسرائيلية. ووفقًا لتقرير أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في 2016، استقبلت إسرائيل في الآونة الأخيرة 85% من الصادرات الفلسطينية وصدَّرت ما يزيد على 70% من الواردات الفلسطينية، بينما لا تزيد نسبة استحواذ الأرض الفلسطينية المحتلة على 3% من مجمل التجارة الإسرائيلية.

وبالرغم من الضرر الذي يُلحقه الاتحاد الجمركي بالمصالح الفلسطينية، من المستبعد استبداله بنظامٍ تجاري آخر إلا إذا تبدلت المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية. فقرار اختيار الاتحاد الجمركي بدلًا من منطقة تجارة حرة، كما طلب الفلسطينيون في بادئ الأمر، لم يسترشد في المقام الأول بمصالح إسرائيل الاقتصادية وإنما بمصالحها السياسية المتمثلة في استدامة وضع “اللادولة.” وكما تشير أمل أحمد في ورقتها السياساتية التي نُشرت سابقاً في الشبكة، لا يتطلب الاتحاد الجمركي ترسيم الحدود ولا إزالة الحدود والاندماج. وهذا مكَّن إسرائيل من تأجيل قضية الحدود جملةً وتفصيلًا بإبقائها حدودًا انتقالية، بينما دأبت على احتواء الأرض الفلسطينية المحتلة واستعمارها. وهكذا فإن الاقتصاد الفلسطيني يئن تحت وطأة نظام متحيز ومشوه، بينما لا تنوي القوة المتفوقة تغيير هذا النظام طالما أنه يخدم مصالحها.

السيطرة الإسرائيلية على الإيرادات المالية الفلسطينية

أرسى بروتوكول باريس نظامًا رسميًا لتحصيل الإيرادات، حيث تجبي إسرائيلُ بموجبه الرسومَ الجمركية المفروضة على مستوردات السوق الفلسطينية من الخارج المطالَبة بالمرور أولًا عبر إسرائيل. وتجبي أيضًا الضرائب غير المباشرة (ضريبة القيمة المضافة وضرائب أخرى) على المنتجات الإسرائيلية المباعة للسوق الفلسطينية، وضريبة الدخل والتحويلات الاجتماعية من الفلسطينيين العاملين في إسرائيل أو المستوطنات الإسرائيلية. ويُفتَرض بإسرائيل أن تحوِّل هذه الإيرادات، المعروفة بإيرادات المقاصة، إلى السلطة الفلسطينية شهريًا بعد خصم 3% منها كرسم تحصيل.

وفي حين أن نظام إيرادات المقاصة مكَّن السلطة الفلسطينية من الحصول على موارد مهمة بعد أن كانت إسرائيلُ تحتفظ قبل توقيع البروتوكول بالضرائب المباشرة وغير المباشرة كلِّها تقريبًا التي كان يدفعها الفلسطينيون في الأرض الفلسطينية المحتلة، فإنه يمنح إسرائيلَ في الوقت نفسه سلطةً هائلة في التحكم بالإيرادات الفلسطينية. وعلى سبيل المثال، شكلت إيرادات المقاصة 66% من صافي الإيرادات في موازنة السلطة الفلسطينية لسنة 2017، أي أن إسرائيل تتحكم بنحو ثلثي إيرادات السلطة الفلسطينية. وهكذا فإن بروتوكول باريس ألغى سيادة السلطة الفلسطينية فعليًا على إيراداتها المالية، شريان الحياة بالنسبة إليها. تستغلُ إسرائيلُ هذه السيطرةَ باحتجاز الإيرادات الضريبية الفلسطينية كتدبيرٍ عقابي أو للضغط سياسيًا على الفلسطينيين (انظر الأمثلة في الجدول رقم 1).

الجدول رقم 1

فترة احتجاز إيرادات المقاصة لدى إسرائيل السياق
2006 الانتخابات التشريعية الفلسطينية وصعود حماس إلى سدة الحكم
تشرين الثاني/نوفمبر 2011 سعي الفلسطينيين لنيل اعتراف دبلوماسي من اليونسكو
كانون الأول/ديسمبر 2012 – كانون الثاني/يناير 2013 نجاح المسعى الفلسطيني في الحصول على صفة دولةٍ مراقبة غير عضوة في الأمم المتحدة
كانون الأول/ديسمبر 2014 – أبريل/نيسان 2015 سعي الفلسطينيين للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية

ومن التداعيات الأخرى لترتيبات بروتوكول باريس التسربُ المالي أو احتجاز إسرائيل الإيراداتِ الماليةَ المستحقة للسلطة الفلسطينية. وكمثال، تحصر إسرائيل الواردات في تلك البضائع المستوردة مباشرةً إلى الأرض الفلسطينية المحتلة عبر المنافذ الإسرائيلية. أمّا الواردات غير المباشرة (البضائع الأجنبية المستوردة أولًا لإسرائيل والمُعاد تصديرها لاحقًا إلى الأرض الفلسطينية المحتلة)، فلا تَعدُّها إسرائيل من الواردات رغم أن وجهتها النهائية واحدة. وبالنتيجة، تجبي إسرائيلُ رسومَ الاستيراد المفروضة على هذه البضائع ولا تحولها إلى السلطة الفلسطينية.

لا تحوِّل إسرائيل للسلطة الفلسطينية الضرائبَ والرسومَ المفروضة على البضائع الإسرائيلية المصدَّرة إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، باستثناء المنتجات البترولية والسجائر والمشروبات الكحولية. فضلًا على أن تحويل ضريبة القيمة المضافة والضرائب الأخرى الناشئة من مشتريات الفلسطينيين المباشرة من السوق الإسرائيلية مشروطٌ بتقديم فاتورة تخليص تثبت بيعَ البضائع أو شراءَها بين السوقين. وتحتفظ إسرائيل بالإيرادات المتحصلة من هذه الضرائب في حالة عدم تقديم فواتير التخليص.

لقد كان لتسرب الإيرادات الشديد تداعياتٍ خطيرةٌ على الاقتصاد الفلسطيني، حيث أكدت دراسة أصدرتها الأونكتاد أن ما يزيد على 310 ملايين دولار من الإيرادات قد تسربت في 2011 بسبب الاستيراد من السوق الإسرائيلية أو عبرها. وتبلغ نسبة الإيرادات المتسربة 17% من مجموع الإيرادات الضريبية وتمثل 4% من الناتج المحلي الإجمالي الضائع ونحو 10,000 وظيفة في السنة.

من المستبعد استبدال الاتحاد الجمركي بنظامٍ تجاري آخر إلا إذا تبدلت المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية Share on X

تجدر الإشارة كذلك إلى أن نظام المقاصة الذي يعطي إسرائيلَ الخيار في تحصيل الإيرادات المالية وتحويلها إلى السلطة الفلسطينية ينسجم وجهود إسرائيل الرامية إلى استدامة “حل اللادولة” في الأرض الفلسطينية المحتلة، مثل الاتحاد الجمركي كما ذُكر آنفًا. فنظام المقاصة لا يسمح للفلسطينيين بالسيطرةِ على حدودهم والانفصالِ بالتالي عن إسرائيل، ولا يسمح بإدماجهم في الاقتصاد الإسرائيلي. ومن هنا ينجم حل اللادولة.

تجاوز البروتوكول

ما الذي يمكن أن يحلَّ محل هذا النظام التجاري المختل الذي يستنزف الاقتصاد الفلسطيني ويُبقي الفلسطينيين رهنَ مصالح إسرائيل الاستغلالية؟ يُطرَح في كثيرٍ من الأحيان مساران رئيسيان. أولهما تحسين الاتحاد الجمركي مع إسرائيل. غير أن النظام التجاري القائم بموجب بروتوكول باريس أثبت أنه مضرٌ بالمصالح السياسية والاقتصادية الفلسطينية لأن المشكلة تكمن في هيكل البروتوكول نفسه، وليس في انتهاكات إسرائيل لبنوده وحسب.

وهذا قاد عددًا متزايدًا من الباحثين ليخلُصوا أنْ لا جدوى من تعديل بروتوكول باريس، وأنه على الفلسطينيين الانسحاب منه. ومن الخيارات البديلة المتاحة للفلسطينيين الدعوةُ إلى تأسيس نظامٍ تجاري جديد، ينطوي على منطقة تجارة حرة (FTA) أو سياسة تجارية غير تمييزية (NDTP).

تسمح منطقة التجارة الحرة بالتجارة الحرة بين البلدان الأعضاء، ولكن بخلاف الاتحاد الجمركي، تتيح لكل بلد عضو أن يطبِّقَ سياستَه التجارية الخاصة من حيث التعامل مع البلدان الثالثة، وهذا يجعل الحدود الاقتصادية ضرورية. إن إنشاء منطقة تجارة حرة، وما تستتبعه من حدود جمركية، سيضع حدًا للتسرب المالي، وسيسمح للسلطة الفلسطينية بتصميم سياستها الاستيرادية الخاصة التي تناسب احتياجاتها الإنمائية. وقد أبدت السلطة الفلسطينية في المفاوضات السابقة تفضيلها الشديد لإنشاء منطقة تجارة حرة لأنها تتيح قدرًا أكبر من الاستقلال السياسي.

يُلغي بروتوكول باريس سيادة السلطة الفلسطينية على إيراداتها المالية، شريان الحياة بالنسبة إليها Share on X

وفي إطار السياسة التجارية غير التمييزية، تستطيع السلطة الفلسطينية أن تطبِّق سياستها التجارية الخاصة بها أُحاديًا دون الحصول على ميزة الوصول التفضيلي الى إسرائيل أو منحها هذه الميزة. وعليه فإن السلطة الفلسطينية بموجب السياسة التجارية غير التمييزية، وبخلاف الاتحاد الجمركي ومنطقة التجارة الحرة التي تُيسر استيراد البضائع من شركاء تجاريين تفضيليين، تستطيع تحديد التعريفة نفسها على الواردات من البلدان كافة، وتضمن بالتالي تكافؤًا أكبر. وغني عن القول إن قدرة السلطة الفلسطينية على اعتماد سياستها التجارية الخاصة تقتضي السيطرةَ على حدودها.

يكمن المسار الثاني فيما طَرحته دراسة أصدرها معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) في 2017، حيث اقترحت هيكلًا فلسطينيًا جديدًا للتعريفات الجمركية يتماشى والمصالح الإنمائية الفلسطينية، إمّا باستمرار الوضع القائم والعمل من خلال بروتوكول باريس أو بسياسة تجارية فلسطينية مستقلة غير تمييزية مبنية على تشجيع التصنيع. سيتطلب هذا النظام التجاري المنفصل سيادةً فلسطينية وحدودًا واضحة المعالم على الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يَعُد الكثيرون هذا النظامَ ضروريًا للدولة الفلسطينية المستقلة المستقبلية واقتصادها، ولا سيما أنه يتيح إنشاء نظامٍ فلسطيني مستقل للتعريفة الجمركية على الواردات كافة يعكس الاحتياجات الاقتصادية والإنمائية الفلسطينية.

وبالإضافة إلى ذلك، ثمة حاجةٌ للبحث أكثر حول سُبل تعزيز مساهمة القطاعين الزراعي والصناعي في النضال المستمر ضد مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطيني، وحول قدرة هذين القطاعين على بناء اقتصادٍ منتج يقلل الاعتماد على إسرائيل. وبما أن مقاطعة البضائع الإسرائيلية يمكن أن ترفع كلفة الاحتلال وتحمي المنتجات الفلسطينية في آن واحد، فإنه ينبغي تركيز الجهود على تشجيع الإنتاج المحلي ودعمه وضمان الجودة العالية للمنتجات المحلية.

إن تحقيق أيٍّ من هذه الخيارات يقتضي رؤيةً واستراتيجية اقتصادية فلسطينية واضحة تسترشد برؤية ومصلحة سياسية. إن السؤال الرئيس المطروح في سياق صياغة الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية هو حول ماهية إطارها السياسي وحول حدود “الاقتصاد الفلسطيني.”

لا بد من صياغة رؤية واستراتيجية اقتصادية فلسطينية واضحة تسترشد برؤية ومصلحة سياسية Share on X

لقد كان الفهم السائد للتنمية الاقتصادية في الأدبيات الاقتصادية والإنمائية السابقة لأوسلو مقتصرًا من الناحية الجغرافية على حدود 1967، وكان الاقتصاد مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالحدود السياسية وإقامة دولة قومية. لذا ركَّز جُلُّ الباحثين على قدرة الدولة الفلسطينية المستقبلية على الاستمرار اقتصاديًا.

غير أن مفهوم النضال الفلسطيني أخذ يتحول في بعض المؤلفات الأكاديمية الصادرة بعد أوسلو (بخلاف الأدبيات الصادرة من المنظمات الدولية) إلى نضالٍ مناهضٍ للاستعمار وقائمٍ على الحقوق وليس كمشروع دولةٍ قومية. وقد بات باحثون كُثر يدعون إلى تجاوز التركيز المحدود المنصب على الضفة الغربية وقطاع غزة بهدف إعادة إدماج أطياف الجسم السياسي الفلسطيني كافة، بما في ذلك الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل والفلسطينيين في الشتات. ولا أحد يعلم كيف ستؤثر إعادة صياغة مفهوم النضال الفلسطيني في فهمنا “للاقتصاد الفلسطيني” ورؤيتنا الاقتصادية المستقبلية.

  1. تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية, باللغة الإيطالية, أو باللغة الأسبانية، اضغط/ي هناهنا أو هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. يستند جزءٌ من التحليل الوارد في هذه الورقة السياساتية إلى عمل الكاتبة عندما كانت باحثةً في معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس).
  3. يسمح بروتوكول باريس للسلطة الفلسطينية بتطبيق سياستها الاستيرادية والجمركية على كميات محدودة من السلع المحددة، مثل الأدوات الصغيرة.
  4. هذه النسبة استخلصتها الكاتبة استنادًا إلى قاعدة بيانات البنك الدولي.
نور عرفة زميلة في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، في واشنطن العاصمة، تركز في عملها على الاقتصاد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى...

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content