لمحة عامة
تُعتبر نسبة مشاركة المرأة الفلسطينية في القوى العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة من أدنى النسب في العالم. تشير المستشارة السياساتية للشبكة سامية البطمة إلى إشكالية هذا الواقع، ولا سيما في ظل الاستعمار الاستيطاني كما الحال في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولأن مشاركة المرأة في القوى العاملة تُعدُّ مؤشرًا تنمويًا حاسمًا تسعى البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء لوضع استراتيجيات من أجل تعزيزه باعتباره من القوى المحرِّكة للنمو الاقتصادي. فضلاً على أن مشاركة المرأة في القوى العاملة في الكثير من البلدان النامية تشير إلى قدرة المجتمع على تحمل الصدمات الاقتصادية مع إبقاء التفكك الاجتماعي في حدوده الدنيا. وكلما ارتفعت نسبة مشاركة المرأة وتشغيلها في ظروف “عملٍ لائقة”، سادت العدالة بين الجنسين داخل ذلك المجتمع.1
وباختصار، فإن ضعف المخرجات الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها ركود النمو الاقتصادي والتفكك الاجتماعي والتحيز ضد المرأة، قد يقوض قدرة المستعمَرين على الصمود في وجه المستعمِر ومقاومته. تستهل سامية البطمة مقالتها بوصف اتجاهات مشاركة المرأة في سوق العمل، ومن ثم تتناول العوامل التي تحدد تلك الاتجاهات. 2 وترفع في الختام توصيات سياساتية تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتتصدى في الوقت نفسه لجهود إسرائيل الرامية إلى إضعاف الاقتصاد الفلسطيني.
حصة متناقصة في القطاعات الإنتاجية وفصل متزايد
بلغت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة 19.4% في العام 2014 مقارنةً بنسبة 25% في المنطقة العربية، و51% في بقية دول العالم.3 وهذا يثير الاستغراب ولا سيما أن المرأة الفلسطينية تتمتع بمعدلات تعليمية عالية، حيث سجلت الفتيات الفلسطينيات بحلول العام 2000 معدلات أعلى في الالتحاق بالمدارس ومعدلات أقل في التسرب منها مقارنةً بالبنين. بل إن الفتيات الفلسطينيات يلتحقن بالمدارس الابتدائية والثانوية بمعدلات تفوق معدلات البنين المسجلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قاطبةً.
ارتفعت نسبة مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل من 11.2% في 1995 إلى 19.4% في 2014، وهو ارتفاعٌ ملحوظ رغم أنه ما يزال أقل من المعدل الإقليمي. ولكن هذا الاتجاه التصاعدي تُرجِمَ إلى ارتفاعٍ في معدل البطالة لا العمالة. أي أنه على الرغم من زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، كانت النساء أكثر عرضةً ليصبحن عاطلات عن العمل مقارنةً بالرجال.
وكما هي الحال في أماكن أخرى من العالم العربي، يواجه الشباب الفلسطيني معدلات بطالة أعلى بكثير من العمال الأكبر سنًا. فقد يصل معدل بطالة الشابات إلى أربعة أضعاف ما هو عليه لدى النساء الأكبر سنًا، وإلى قرابة ضعفي ما هو عليه لدى الرجال في الفئة العمرية ذاتها.
وفي الوقت نفسه، تتركز المرأة العاملة الفلسطينية بشدة في قطاعي الزراعة والخدمات، وتكاد تغيب عن قطاعين آخرين هما الإنشاءات والنقل. فبحلول العام 2014، استأثر قطاع الزراعة بنسبة 21% من عمالة المرأة مقارنةً بنسبة 67.3% في قطاع الخدمات. ويعني هذا التركيز أن المرأة لا تملك فرصةً متساويةً في ولوج القطاعات كافة كما الرجل. ومع أن هذه ظاهرةٌ عالمية، فإن الحالةَ الفلسطينية أكثرُ استفحالًا؛ ولذلك تعاني النساء الفلسطينيات من التهميش في سوق العمل أكثر من نظيراتهن في الاقتصادات الأخرى.
الأهم من ذلك هو أن حصة المرأة من فرص العمل في القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة) استمرت في الانخفاض على مدى السنوات العشرين الماضية، في حين ارتفعت حصتها من فرص العمل في قطاع الخدمات والتجارة. ويكتسب ذلك أهميةً خاصةً لأن القطاعات الإنتاجية هي التي تولد النمو طويل الأجل في الاقتصاد. استأثر قطاع الصناعة بنسبة 16.2% من العمالة النسائية في العام 1995، وقد انخفضت هذه النسبة بحلول 2014 إلى 9.9%. ويشير هذا الانخفاض إلى استمرار فصل النساء وحصرهن في بعض القطاعات (الفصل الأفقي). وهكذا فإن فرصَ تشغيل النساء قد تتضرر أكثر في المستقبل. أمّا قطاع الخدمات الذي شهدَ التوسع الأوسع منذ العام 1995، فقد بلغ منتهاه في استيعاب النساء. تعاني النساء الفلسطينيات أيضًا من الفصل العمودي، وهو الفرق فيالأجور بين الرجال والنساء بسبب مكانة المرأة الدونية في سوق العمل، فلطالما تقاضت المرأة أجرًا أقل من أجر الرجل بحوالي 20% في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تمثلُ ريادة الأعمال مؤشرًا اقتصاديًا مهمًا للإبداع وفرص التشغيل المستقبلية، ولكن لا تزال نسبتها متدنيةً جدًا في الأرض الفلسطينية المحتلة بحسب البيانات المتاحة. فعلى سبيل المثال، حاول 14% فقط ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة إقامةَ أنشطةٍ مدرة للدخل، منهم 6% فقط من الإناث. وبحسب مسح القوى العاملة السنوي الذي يجريه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن ريادة الأعمال في أوساط النساء قد كسدت، حيث استأثرت الفئتان اللتان تمثلان ريادة الأعمال (فئة العاملين لحسابهم الخاص وفئة أرباب العمل) بقرابة 15% من العمالة النسائية في أحسن الأحوال ولم تشهد أي زيادة كبيرة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية. ومن ناحية أخرى، فإن 65% من النساء الفلسطينيات أعربن عن استعدادهن لإطلاق أعمالهن التجارية، ممّا يشير إلى تباين واضح بين ريادة الأعمال الممكنة والمخرجات الفعلية. ومن الأسباب الكامنة وراء ذلك نقصُ التدريب المهني العملي، وقلةُ مصادر التمويل، والسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تنتهجها السلطة الفلسطينية ولا توفر أي حماية للسوق المحلية من المنافسة غير العادلة، ولا سيما من السلع والبضائع الإسرائيلية التي تُغرق السوق المحلية وتَقضي على القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني المحلي.
خلاصةُ القول هي أن نسبةَ مشاركةِ المرأة لا تزال متدنيةً جدًا رغم اتجاهها التصاعدي في السنوات الخمس عشرة الأخيرة. وتعاني النساء من البطالة أكثر من الرجال، ممّا يثير تساؤلات حول دور العوامل السياسية والمؤسسية التي تُبقي معدلات مشاركة المرأة أقل بكثير من المعدل الإقليمي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استبعاد الشابات من سوق العمل، وانخفاض نسبة رائدات الأعمال يشير إلى عقبات في جانب الطلب.
جهود إسرائيل الرامية إلى إضعاف الاقتصاد، وعوامل أخرى
ثمة عوامل عديدة تقف وراء الاتجاهات غير المواتية على صعيد مشاركة المرأة في سوق العمل. وفي هذا الصدد، يلعب الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي دورًا رئيسيًا، فالشروخ الجغرافية والمادية والاجتماعية التي أحدثتها نقاط التفتيش الإسرائيلية والإغلاقات الدائمة لمداخل المناطق السكنية ومخارجها تؤثر تأثيرًا بالغًا في قدرة الفلسطينيين، ولا سيما النساء، على التنقل. فعدم التيقن بشأن الزمن الذي ستستغرقه الطريق والمواصلات بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على الحركة يجعل من الصعب على المرأة أن تبحث عن عملٍ خارج مجتمعها المحلي، وبالتالي تحد من فرص عملها، حتى بالمقارنة بالرجال.
لقد ساهم الاستعمارُ الإسرائيلي أيضًا في ارتفاع معدلات البطالة عند النساء مقارنةً بالرجال. فالعمال الفلسطينيون في إسرائيل والمستوطنات هم في الغالب من الذكور، حيث كان 12% من العمال الذكور الفلسطينيين يعملون في إسرائيل في 2014، مقارنةً بأقل من 1% من العاملات. وهذا يعني أن الاقتصاد في الأرض الفلسطينية المحتلة أصبح تنافسيًا أكثر بالنسبة للنساء، وهو ما يفسر جزئيًا سبب ارتفاع معدلات البطالة ارتفاعًا كبيرًا في أوساط النساء بعد الانتفاضة الثانية.
ومن العوامل الأخرى المؤثرة في المشاركة في القوى العاملة، ولا سيما مشاركة المرأة، الطلبُ على العمل، وتوافرُ فرص العمل، وهيكلُ العمالة، والحوافزُ التي تقدمها سوق العمل.4 نشأ تقلص الطلب بسبب تآكل القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني جراء التدمير الإسرائيلي المنهجي لقطاعي الزراعة والصناعة فضلًا على كثير من البنية التحتية. إنّ تقلص الطلب في سوق العمل وما استتبعه من غياب فرص العمل مثَّل عاملًا محوريًا في تشكيل مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل في القرن الماضي.5 وقد ساهم التقويض المستمر لهذين القطاعين وقدرتهما على تشغيل النساء في تشويه الحوافز المقدمة للنساء وإبعادهن عن سوق العمل. ولأن لهذين القطاعين أهميةً خاصة في تشغيل النساء في أي مكان في العالم، فكونهما لا يوفران فرص العمل المطلوبة يعني أن المرأة الفلسطينية لا ترى لها مكانًا في سوق العمل. وبعبارة أخرى، قد تفقد المرأة الفلسطينية عزمها مع مرور الزمن وتفتر همتها عن الالتحاق بسوق العمل.
إن تقلص الطلب على العمل بسبب التدمير الإسرائيلي المنهجي لقطاعات الاقتصاد الفلسطيني الإنتاجية المتمثلة في الزراعة والصناعة التحويلية هو العامل الأهم الذي يفسر انخفاض معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة. وقد أصبح هذا جليًا في فترة ما بعد الانتفاضة الثانية حين انكمش الاقتصاد الوطني أكثر. إن ارتفاع معدلات البطالة في أوساط النساء مقارنةً بالرجال في هذه الفترة يعني أن جانب الطلب في سوق العمل يضع عقبات كبيرة أمام مشاركة المرأة رغم معدلاتها التعليمية العالية.
قلةُ الائتمان، ولا سيما للاستثمارات الجديدة، قد تعرقل ريادة الأعمال – إضافةً إلى اعتبارات جانب الطلب – وبالتالي تحد من المشاركة في سوق العمل. وكما هي الحال في أماكن أخرى في المنطقة، تواجه سيدات الأعمال عقبات في الحصول على الائتمان التجاري مقارنة بالرجال لأسباب عديدة، مثل افتقارهن إلى الضمانات الضرورية للحصول على القروض التجارية، والطابع الأسري والحجم الصغير للمؤسسات التي تديرها الغالبية العظمى من النساء في الشرق الأوسط.6
وبالرغم من زيادة الإقراض المصرفي إلى حدٍ كبير في الضفة الغربية وقطاع غزة في السنوات القليلة الماضية، حتى بلغ 3.3 مليار دولار في 2013 مقابل 300 مليون دولار في عام 1996، فإن هذا الإقراض موجهٌ في الغالب نحو الاستهلاك. فقد صُرفت قرابة 2 مليار دولار على القروض الاستهلاكية، و1.2 مليار دولار على التطوير العقاري، بينما استأثرت برامج الاستثمار وتطوير الأراضي بمبلغ 146 مليون دولار فقط. وهكذا رغم أن الائتمان الرسمي متوفر بكثرة في الأرض الفلسطينية المحتلة، فإنه لا يساهم في ريادة النساء للأعمال أو زيادة فرص عملهن، ولا سيما أن النساء لا يعملن في تطوير العقارات وقطاع الانشاءات.
وبخلاف الائتمان الرسمي، أصبحت المشاريع النسائية عمومًا تستفيد بشكل رئيسي من برامج التمويل البالغ الصغر. وهذا ينطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث أخذ التمويل البالغ الصغر يتوسع منذ عقد الثمانينات وينحاز باتجاه المرأة. وكثيرًا ما يقال إن التمويل البالغ الصغر يخلق حيزًا للتمكين الاقتصادي حيث يوفر للمؤسسات النسائية الصغيرة والفقراء إمكانيةَ الحصول على الائتمان. وفي حين أن التمكين من الحصول على الائتمان أمرٌ ذو أهمية بالغة، فإن مشاريع التمويل البالغ الصغر تُلام في بلدان أخرى باعتبارها فخًا يوقِع في الفقر، حيث تتسبب في تشبع الاقتصاد غير الرسمي بمؤسسات صغيرة غير مستدامة تتنافس فيما بينها وليس أمامها سوى آفاق اقتصادية محدودة في المنظور البعيد.
وفيما يتعلق بمساهمة التعليم في مشاركة المرأة في سوق العمل، فإن التفرع الدراسي يتجه إلى تخصصات لا تساعد المرأة في سوق العمل. ينقسم التعليم الثانوي في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى تعليم أكاديمي (علمي وأدبي) وتعليم مهني. يستأثر الفرع الأدبي بأكبر نسبة طالبات، 70% في 2010/2011 مقارنة بنسبة 23% فقط في الفرع العلمي. ولهذا تداعيات خطيرة على مهارات الطلاب، والطلب لاحقًا على التعليم ما بعد الثانوي، وعلى سوق العمل حيث تتركز الفتيات في الوظائف التي جرت العادة على أن تشغلها النساء، كالتدريس والتمريض.
إن اختلال التوازن المتنامي في معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي لصالح الفرع الأدبي أدى إلى زيادة نسبة الطلاب الذين يتركون التعليم الثانوي دون اكتساب مؤهلات أو مهارات. وتزداد هذه المشاكلُ خطورةً على اعتبار أن التعليم المهني ليس خيارًا واقعيًا لطلاب المدارس الثانوية، ويلتحق بالفرع المهني عدد فتيات أقل من الفتيان. وبالتالي، فإن فرص الفتيات لا تزال تتركز في الفروع التجارية مثل السكرتاريا.
وفي الوقت نفسه، لا يبدو أن ارتفاع معدلات التحاق الإناث بالتعليم التالي للثانوي – سواء في الفرع المهني أو الأكاديمي – يساعد هؤلاء الفتيات في سوق العمل لأسبابٍ منها أن تعليمهن يقتصر على عدد قليل من المجالات النمطية. وهذا يعني أن خيارات المرأة ومهاراتها في سوق العمل محددةٌ مسبقًا من خلال طبيعة التحاقهن في المدارس ومؤسسات التعليم العالي. وهذا مجالٌ مهم يتطلب تدخلات سياساتية لتوسيع نطاق التخصصات التي تنخرط فيها المرأة من أجل تعزيز مشاركتها في مختلف قطاعات سوق العمل.
تساهم العوامل القانونية والمؤسسية أيضًا في الحد من مشاركة المرأة في سوق العمل، حيث يستثني قانون العمل الفلسطيني رقم 7 (الذي دخل حيز التنفيذ في 25 كانون الأول/ديسمبر 2001) شرائحَ عريضةً من القوى العاملة الفلسطينية ومنها العاملون لحسابهم الخاص، والعمال الموسميون، وأفراد الأسرة العاملون دون أجر، والعاملون بالمنازل، والعاملون في مجال الرعاية المنزلية والإنجابية غير المدفوعة. وغالبًا ما تعمل النساء في هذه المجالات. وعلى الرغم من أن قانون العمل ينص بوضوح على المساواة في المعاملة بين الرجل والمرأة، فإنه لا يحدد عقوبات على أرباب العمل الذين ينتهكون هذه المادة من القانون. ولا يشترط القانون كذلك على أماكن العمل أن توفر حضانة أطفال للأمهات العاملات أو حتى الآباء الذين لديهم أطفال في سن ما قبل المدرسة.
نقاط الضعف والفجوات هذه وغيرها تبين أن القانون لا يراعي الفروق بين الجنسين بما يكفي، ولا يحمي حقوق المرأة أو يعززها. ولأن غالبية النساء لسنَ منضويات ضمن نقابات ولأن الحركة النسوية الفلسطينية ليست موحدة ولا جيدة التنظيم بما يؤهلها للدفاع عن حقوق العاملات فقد خرَجَ القانون قاصرًا في التصدي لحقوق المرأة. 7
يشتكي أرباب العمل في القطاع الخاص الفلسطيني على الدوام من إجازة الأمومة الإلزامية. ويعتبرون أن مدة 10 أسابيع هي إجازة طويلة جدًا، في ظل غياب الدعم الحكومي، ويزعمون أنها تؤثر سلبًا في أرباحهم. ونتيجةً لذلك، فإن أرباب العمل إمّا يوظفون عددًا أقل من النساء المتزوجات أو يفصلون العاملات لديهم حالما يتزوجن. 8
ناقشنا آنفًا عددًا من عوامل العرض والطلب والعوامل المؤسسية التي تعوق مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل. ورغم أن النقاش ليس شاملًا، فإن هذه الورقة السياساتية تخلص إلى أن تقلص الطلب على اليد العاملة النسائية بسبب التدمير الإسرائيلي المنهجي للقطاعات الإنتاجية الفلسطينية منذ العام 1967 هو العامل الرئيسي في تقويض مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل. وهذه هي السمة الفريدة التي تميز السياق الفلسطيني عن بقية بلدان العالم العربي، وأدت إلى بقاء مشاركة المرأة الفلسطينية أقل من المعدل الإقليمي. وهكذا بالرغم من الأعراف الاجتماعية المشتركة بين الأرض الفلسطينية المحتلة والدول العربية المجاورة، وارتفاع معدلات التعليم في الأرض الفلسطينية المحتلة، لا تزال معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة الفلسطينية من أدنى المعدلات في العالم، وأقل من المعدل الإقليمي.
تركيز السياسات على جانب الطلب والتصدي للجهود الإسرائيلية الرامية إلى تقويض الاقتصاد
تركز معظم السياسات والإجراءات المعنية بمشاركة الإناث في سوق العمل في الأرض الفلسطينية المحتلة على جانب العرض في سوق العمل. وهي تشمل إكساب النساء التعليم والمهارات اللازمة لزيادة فرصهن في المنافسة في سوق العمل، وإطلاق الحملات لتذليل بعض العراقيل المؤسسية التي تواجهها المرأة في سوق العمل مثل قانون العمل. ورغم أهمية هذه المبادرات، فلا بد من أن تركز التدخلات السياساتية أيضًا على الروابط المشتركة بين جانبي العرض والطلب في سوق العمل، وأن تتضمن تدخلاتٍ عمليةً تعزز الطلب على العمالة النسائية.
وبما أن الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي هو عاملٌ أساسي يعوق زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة بسبب تآكل القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني، يجب على السياسات أن تتصدى للجهود الإسرائيلية المستمرة الرامية إلى تقويض الإنتاج. وكما أُشير آنفًا، يُعتبر تعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد أمرًا مهمًا لاستحداث فرص عمل دائمة، ولا سيما للنساء. ومن شأن تعزيز القدرة الإنتاجية في السياق الفلسطيني أن يقوي الصمود الفلسطيني من خلال تقليل الاعتماد الاقتصادي على إسرائيل، وبالتالي قدرة إسرائيل على تركيع الفلسطينيين متى ما شاءت. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق الربط بين سياسات الإنتاج والتجارة على النحو الذي سيرد أدناه.
ينبغي للسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى ذلك، أن تنبذ السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي ساهمت في استمرار تآكل القدرة الإنتاجية للاقتصاد الفلسطيني. وهذا ينطوي على نبذ سياسة الامتناع عن حماية الاقتصاد المحلي التي تتذرع بأقوال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عن تعزيز المنافسة والتجارة المفتوحة. وكما هي الحال في أماكن أخرى، ينبغي أن تسبقَ حمايةُ الإنتاج فتحَ الأسواق المحلية للمنافسة الدولية. بيد أن الأرض الفلسطينية المحتلة باتت بسبب السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي تنتهجها السلطة الفلسطينية واحدةً من الاقتصادات الأقل تمتعًا بالحماية في العالم، ممّا يجعلها عرضةً للاستغلال، ولا سيما من طرف إسرائيل. وخلافًا لادعاءات السلطة الفلسطينية بأنها مقيدة بموجب اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي، فإن من الممكن اتخاذ إجراءات وتدابير، كما هو موضح أدناه
زيادة الطلب على العمالة النسائية بالتوازي مع التصدي لإسرائيل
- من أجل إيجاد حل استراتيجي لمشكلة تدني مشاركة المرأة وارتفاع نسبة بطالتها، يجب على السياسات أن تهدف إلى توسيع القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة) كي تستوعب النساء. فالمرأة تهيمن على هذه القطاعات في جميع أنحاء العالم، وإذا زدنا فرص العمل في هذه القطاعات، فإن مستويات عمل المرأة والمشاركة النسائية سوف ترتفع بالضرورة. وفي ظل السياق الفلسطيني الرازح تحت الاستعمار الاستيطاني، ولا سيما أن القيود المفروضة على التجارة مع بقية العالم تعرقل استمرارية المشاريع الاقتصادية، فإن الطريقة المثلى لتوسيع القطاعات الإنتاجية (الزراعة والصناعة) تكمن في استبدال السلع والخدمات المحلية بالإسرائيلية. فقد استورد الفلسطينيون في العام 2014 سلعًا وخدمات من إسرائيل بقيمة 5 مليارات دولار، منها ما يزيد على 600 مليون دولار من المنتجات الزراعية والسلع المصنَّعة البسيطة، والتي يتسنى استبدالها بسهولة بواسطة الإنتاج المحلي. ويمكن للسلطة الفلسطينية من باب المعاملة بالمثل أن ترد على إغلاق إسرائيل اقتصادَها في وجه المنتجات الفلسطينية بحظر دخول السلع والبضائع الإسرائيلية التي يوجد لها بديل فلسطيني.
- بالنظر إلى القيود المفروضة على قدرة السلطة الفلسطينية على تغيير التعريفات لأغراض حماية السوق المحلية (بسبب بروتوكول باريس الاقتصادي)، تستطيع الحكومة أن تستعيض عن ذلك بتأييد حركة المقاطعة لإسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها ودعمها رسميًا كآلية اقتصادية لتعزيز الإنتاج والاستهلاك المحلي دون الاضطرار إلى التحاور مع إسرائيل بشأن التدابير التجارية. ومن خلال الترويج لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وليس فقط منتجات المستوطنات، يتسنى للفلسطينيين أن يعززوا إنتاج البضائع والسلع المحلية، ويقللوا اعتمادهم على الاقتصاد الإسرائيلي، ويوطدوا قدرتهم على البقاء ومقاومة الاستعمار الإسرائيلي.
تعليم المرأة والاقتصاد والإطار المؤسسي
- من الأهمية بمكان أن نتحرى العوامل “الكامنة” في نظام التعليم الأساسي الفلسطيني التي تؤثر في مخرجات التعلم لكلا الجنسين. ومن هذه العوامل: دور الكتب المدرسية كأداة لتغيير القيم والمواقف إزاء أدوار الجنسين ومسؤولياتهما؛ والتفاعلات بين الجنسين في الفصول الدراسية؛ وعلاقة المعلمين بالطلاب. فلا بد من تناول هذه العوامل من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين.
- هناك حاجة إلى زيادة عدد مؤسسات التعليم المهني في الأرض الفلسطينية المحتلة التي تلبي احتياجات الفتيات، وإلى تقديم حوافز للفتيات كي يلتحقن بالتعليم المهني، بما في ذلك ترتيب تنقلاتهن إلى مدارس التعليم المهني، ودفع منح للفتيات اللواتي يدرسن التخصصات غير الشائعة. وينبغي أن يقترنَ هذا بحملات توعوية لرفع مستوى الوعي بأهمية التعليم المهني في تعزيز آفاق سوق العمل.
- يجب توسيع تغطية قانون العمل ليشمل العاملين لحسابهم الخاص والعمال الموسميين وأفراد الأسرة العاملين دون أجر، والعاملين بالمنازل، والعاملين في مجال الرعاية المنزلية والإنجابية غير المدفوعة. وينبغي أن ينص صراحةً وبوضوح على المساواة في المعاملة بين الرجال والنساء، ويفرض عقوبات على أرباب العمل الذين ينتهكون هذه المادة من القانون، ولا بد من التواصل مع وزارة العمل لإصدار لوائح تعالج أوجه القصور هذه. ولهذا أهمية خاصة ولا سيما أن السلطة الفلسطينية وقعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في نيسان/أبريل 2014. ومن بين التدابير الأخرى القادرة على تعزيز الإطار المؤسسي أن تصدر وزارة العمل لوائحَ تحظر على أرباب العمل فصلَ النساء الحوامل بهدف حرمانهن حقَّهن في الحصول على إجازة أمومة لمدة 10 أسابيع.9
تعزيز فرص النساء في الحصول على الائتمان وتلقي التدريب
- لا تراعي معظم سياسات الائتمان البالغ الصغر الفروق بين الجنسين، ولا تعكس الشواغل المحددة لدى كلٍ منهما. فهي مصممة عمومًا على أساس الخبرة الدولية، ولا تأخذ بعين الاعتبار التحديات وأوجه انعدام الأمن السياسي والاقتصادي التي تواجهها السوق الفلسطينية. ولا بد من التصدي لهذا الواقع حتى تصير هذه البرامج أكثر نجاحًا وجدوى.
- إن استحداث أشكال مختلفة من ضمانات الائتمان بوسعه أن يزيد فرص الشركات الصغيرة في الاستفادة من التمويل بالاقتراض، ويمكن وضع برامج تستهدف الشركات المملوكة للنساء. يُعتبر ضمان الائتمان التزامًا من الوكالة الضامنة بتعويض المقرِض عن القرض كلِّه أو جزءٍ منه في حال تخلَّفَ المقترض عن السداد. تختلف معايير الأهلية باختلاف أهداف وكالة الضامنة. وعادةً ما تحصل الشركة المقترضة على الضمان مقابل رسوم. ويمكن أن تكون وكالات ضمان الائتمان حكومية أو خاصة.
- وبالمثل، تعتبر المشاريع الاقتصادية الجماعية، والتعاونيات، وجمعيات التسليف مهمةً في التغلب على المنافسة في السوق، وتمكين الفاعلين الاقتصاديين الأفراد. لذا فإن من الضرورة بمكان أن نتجنب تشبع القطاع غير الرسمي في الأرض الفلسطينية المحتلة، بل علينا أن نستحدث أشكالًا اقتصاديةً من التمكين الاقتصادي أكثر استدامة، ومن تلك الاستراتيجيات الشركات الجماعية باعتبارها وسيلةً لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ككل.
- تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
- See Al-Botmeh, S. (2013) Palestinian Women’s Labor Supply: Towards an Explanation of Low and Fluctuating Female Labor Force Participation, unpublished PhD thesis. See also Botmeh’s 2013 study for the Centre for Development Studies / Birzeit University, 2013.
- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، (2015) إحصاءات التجارة الخارجية، ومؤشرات التنمية العالمية المنبثقة عن البنك الدولي (2013).
- Standing, G. (1978) Labour Force Participation and Development. Geneva: International Labour Organisation.
- Al-Botmeh, 2013, op. cit.
- للاطلاع على مناقشة تتناول هذه العوامل، انظر Chamlou, Nadereh (2008), The Environment for Women’s Entrepreneurship in the Middle East and North Africa, World Bank, Washington D.C., and De Soto, Hernando (1997), “Dead Capital and the Poor in Egypt”, The Egyptian Center for Economic Studies, Distinguished Lecture Series 11, Egypt.
- See Hilal, J, Al-Kafri, S., Kuttab, E. (2008) Unprotected employment in the West Bank and Gaza strip: a gender equality and workers’ rights perspective. ILO.
- Al-Botmeh, S. and Sotnik, G. (2007) Palestinian women’s labour force participation in the West Bank and Gaza Strip. The Palestine Economic Policy Research Institute (MAS). Ramallah: Palestine.
- المعلومات الواردة في هذه الفقرة تستند إلى تقرير أعده هلال وآخرون، مرجع سابق.