What if Peace Talks "Succeed?"

لمحة عامة

يتوقع الكثير من المراقبين فشل المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن ثمة سيناريو آخر أكثر سوءاً من ذلك وهو ماذا لو “نجحت” تلك المحادثات؟ تبدو الولايات المتحدة عازمة على التوصل لاتفاق إطاري في غضون عام واحد وهو ما يسعى إليه كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية في رام الله محمود عباس. وبحسب ما أفاده المبعوث الأمريكي للسلام جورج ميتشل في مؤتمر صحفي عُقد في 2 أيلول/سبتمبر، فإن هذا الاتفاق سيكون أكثر من مجرد إعلان مبادئ ولكنه لن يرقى إلى معاهدة سلام. وفي إطار هذا الاتفاق، سوف يتوصل الطرفان إلى “تنازلات جوهرية” ضرورية لإبرام اتفاق سلام. ولم تتوان إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كسابقتها، عن الإشارة إلى أنه ما يزال يتعين صياغة اتفاق السلام بتفاصيله ودقائقه ومن ثم تنفيذه على مدى عدة أعوام – وهو عملياً ما سيضَمن تأخره، هذا إن لم يخرج عن مساره كما حصل لاتفاقات السلام السابقة.

لقد عجزت منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية عن تأمين الحقوق وإقامة دولة ذات سيادة من خلال المفاوضات التي جرت مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة في الفترة الواقعة بين 1993 و2000 حينما كان موقفهما أكثر قوة مما هو عليه في الوقت الراهن. لذا فإنه من غير المرجح إطلاقاً أن تتمكنا اليوم من تحقيق ذلك في ظل ديناميات القوى غير المتكافئة على الإطلاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين. بل من المرجح أن يشهد العام القادم حفلاً مهيباً حيث يوقع القادة الفلسطينيون على التخلي عن حق العودة وغيره من الحقوق الفلسطينية في إطار اتفاقية من شأنها أن تغير الشيئ اليسير على أرض الواقع. وعن غير قصد، يمكن لخطة رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية، سلام فياض، الرامية لإعلان دولة فلسطينية في عام 2011 أن تسهم في التوصل إلى هذه النتيجة وذلك بإعطاء المظهر الذي يوحي “بانتهاء الصراع” في حين يظل الواقع كما هو دون تغيير. وإذا ما رأى العالم بأن حكومة “فلسطين” راضية باعتراف دولي بها وبمنحها مقعد لدى الأمم المتحدة، فسيكون من دواعي سروره أن يتجه لحل مشاكل أخرى ويترك الفلسطينيين تحت رحمة إسرائيل.

ويمكن لهذا السيناريو أن يدق الناقوس ناعياً حقوق الإنسان الفلسطيني. لقد أظهر الشعب الفلسطيني مقدرة فائقة على تجديد المقاومة وتطوير استراتيجيات جديدة عقب التعرض لنكسات قاسية على مدى القرن المنصرم. غير أن هذه المرة قد لا تشهد تعافياً وانتعاشاً. إن من شأن “اتفاقية السلام” أن تضع حداً لسريان القانون الدولي على حل الصراع؛ وأن تشتت الشعب الفلسطيني للأبد؛ وأن تعطل جهود التضامن العربي والدولي.

ماذا يسع الفلسطينيين أن يفعلوا لإحباط محاولة إلغاء حقوقهم الأساسية ولضمان السلام العادل؟ تتناول هذه الورقة في إطار المساهمة في النقاش الدائر حول هذا السؤال خمسة محاور أساسية للفلسطينيين العازمين على الصمود حتى نيل حقوقهم، وهذه المحاور هي: توحيد الجسم السياسي الفلسطيني؛ تبني الأهداف المشتركة؛ تطبيق القانون الدولي؛ استخدام الأساليب المناسبة؛ تعزيز حركة التضامن العربي والدولي. وتورد الورقة في الخاتمة استراتيجيات مقترحة في إطار كل محور.

توحيد الجسم السياسي الفلسطيني

إن مصدر القوة الأهم للشعب الفلسطيني يكمن ربما في وجود جسم سياسي موحد. ولكن منذ توقيع اتفاقات أوسلو، لم تعد منظمة التحرير الفلسطينية ممثل اللاجئين والمنفيين الفلسطينيين، في حين تُرك المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل ليدافعوا عن أنفسهم. ولم يعد لمنظمة التحرير الفلسطينية وجود بصفتها منظمة فاعلة، وتولت السلطة الفلسطينية فعلياً مهام من قبيل تعيين ممثلين ديبلوماسيين في الخارج. ولا تزال حركة حماس مستبعدة من منظمة التحرير الفلسطينية، كما إن الانقسام بين حركة حماس وحركة فتح يفاقم تشتت الصوت السياسي الفلسطيني ويضعفه.

وبعيداً عن السياسة، تواجه كل شريحة من شرائح الشعب الفلسطيني تحديات صعبة. فقد غدا المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل يواجهون الآن حملة تضييق كبيرة بعد الإعراب عن رؤية لتحقيق المساواة الكاملة داخل إسرائيل.1 ولا يزال الفلسطينيون في غزة المحاصرون منذ أربعة أعوام والمفصولون جغرافيا عن الضفة الغربية والعالم الخارجي مرابطين في وجه الظلم الإسرائيلي. أما الفلسطينيون في القدس فيتعرضون للعزل والطرد وتُهدم منازلهم بينما تواصل إسرائيل سياستها في تهويد المدينة.

وفي الضفة الغربية، يود قسم من السكان المرهقين جراء الهجمات المتكررة أن يعيشوا حياة طبيعية حتى وإن كانت في جيوب صغيرة. وفي الوقت ذاته، تترسخ في الضفة الغربية جذور النضال الشعبي ضد الجدار الإسرائيلي وجذور حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. ولا يتضح أي الفريقين أقوى: أولئك “القابلون للانضواء” أم أولئك المقاومين. أما الأمر الواضح فهو سعي السلطة الفلسطينية إلى “إدارة” النضال الشعبي وحركة المقاطعة على حد سواء، بتوفير التمويل لبعض شرائح النضال الشعبي ورفع راية المقاطعة من خلال حملة محدودة تستهدف بيع منتجات المستوطنات الإسرائيلية.

يواجه اللاجئون الفلسطينيون انتهاكات خطيرة لحقوقهم الإنسانية في العديد من البلدان العربية التي يقيمون فيها. ولقد نجحت محاولات إقامة مجتمعات للمنفيين الفلسطينيين في الدول الغربية بدرجات متفاوتة ولكنها لا ترقى ولا حتى من قريب لذاك اللوبي الذي أوجده اليهود الأمريكيون. إن قدرة المنفيين الفلسطينيين على زيارة فلسطين والتواصل معها حسياً، كما فعل الكثيرون منهم إبان العقدين الماضيين، تخضع حالياً إلى قيود بفعل التدابير التقيدية الإسرائيلية المتزايدة.
وعلى ضوء ما تقدم، فإنه لا يتضح كيف أو متى أو حتى ما إذا كان يتسنى للفلسطينيين إحياء منظمة التحرير الفلسطينية. وحتى لو لم يكن هنالك انقسام بين حركتي حماس وفتح، فإن وجود السلطة الفلسطينية بحد ذاته وولايتها المحدودة وتصميمها على العمل ضمن الفلك الأمريكي يتعارض مع وجود صوت مستقل للفلسطينيين.

هل هناك علامات تشير إلى خيارات قيادية أخرى؟ تخضع حركة المقاطعة التي أطلقها نداء المجتمع المدني الفلسطيني الصادر في عام 2005 إلى توجيه من اللجنة الوطنية للمقاطعة التي تضم ممثلين عن الأحزاب الوطنية والإسلامية والسياسية الأخرى وعن منظمات المجتمع المدني. ولكن ليس من المرجح أن تضطلع اللجنة الوطنية للمقاطعة في المستقبل القريب بذلك النوع من القيادة الذي اضطلعت به، على سبيل المثال، اللجنة الوطنية الموحدة للانتفاضة الأولى. إن الانقسامات السياسية والتسابق على السلطة في الوقت الراهن يسهلان على القوى السياسية والمدنية الفلسطينية أن تلتف حول استراتيجية حقوقية – استراتيجية المقاطعة – لا أن تؤسس قيادة وطنية جديدة.

تبني مجموعة مشتركة من الأهداف

شهدت السنوات التي تلت الاعتراف بالميثاق الوطني الفلسطيني في عام 1968 بوصفه البيان المشترك للأهداف الفلسطينية ضياعاً في الاتجاه فيما يتعلق بالهدف الأسمى للنضال الفلسطيني. 2فقد تحولت منظمة التحرير الفلسطينية تدريجياً عن الهدف المتمثل في إقامة دولة علمانية ديمقراطية على كامل أرض فلسطين إلى تأييد حل الدولتين. واكتسب هذا التحول الطابع الرسمي بعدما قَبِل المجلس الوطني الفلسطيني بحل الدولتين في عام 1988. وكان من “المفهوم” أيضاً، وإن لم يُذكر قط بصفة رسمية، بأن حق الفلسطينيين في العودة سوف يطبق ضمن حدود الدولة الفلسطينية بالنسبة لبعض اللاجئين الفلسطينيين مع تعويض البقية في أحسن الأحوال.

ومنذ ذلك الحين لم تصدر أي وثائق وطنية أخرى تنص على الأهداف الفلسطينية حتى تاريخ إطلاق نداء المجتمع المدني للمقاطعة في عام 2005 وصدور وثيقة الأسرى الفلسطينيين في عام 2006. غير أن وثيقة الأسرى لم توضع حيز التنفيذ بمعنى أنها لم تُنفذ من قبل جماعة سياسية واحدة أو أكثر. وبالمقابل، يجري حالياً تنفيذ نداء المجتمع المدني بواسطة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. ويتمسك هذا النداء بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وله ثلاثة أهداف هي التحرر من الاحتلال، وتحقيق المساواة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، وإعمال حق العودة. غير أن معظم الفلسطينيين ومؤيديهم، للأسف، يركزون على استراتيجية المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عوضاً عن التركيز على أهداف نداء المجتمع المدني.

إن أهمية امتلاك أهداف مشتركة بالنسبة لحركات حقوق الإنسان أمر لا مبالغة فيه – وتشهد على ذلك جنوب إفريقيا. ففي حين تهدد عملية منقحة شبيهة بأوسلو بتقويض الحقوق الفلسطينية، فإنه يتوجب على الفلسطينيين ومؤيديهم امتلاك أهداف واضحة من أجل معرفة ما يعتبر نجاحاً وما يشكل انتهاكاً للإجماع الوطني ومعرفة متى ينبغي تسريح الجهود التعبوية. وتكتسب هذه الأهداف أهمية جوهرية في ظل غياب قيادة ملتزمة بالحقوق الفلسطينية. وفي هذا السياق، تقدم الأهداف الواضحة للفلسطينيين نقطة مرجعية وتمكنهم من التنظيم بفاعلية.

واليوم، يعتبر نداء المجتمع المدني الصادر في عام 2005 بيان الأهداف الواضح والوحيد المتاح أمام الفلسطينيين والذي يحظى بقبول واسع لدى طائفة كبيرة من القوى المدنية والسياسية داخل فلسطين التاريخية وخارجها. وعلاوة على ذلك، يقوم النداء على أساس القانون الدولي وعلى حق تقرير المصير، وتشمل أهدافه الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال، والفلسطينيين في المنفى، والفلسطينيين في إسرائيل (انظر عمر البرغوثي موقف في قضية حول حركة المقاطعة) وعلى هذا النحو، تمتد قيمة النداء إلى ما هو أبعد بكثير من استراتيجية المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وإن كانت هذه الاستراتيجة قد أثبتت فعاليتها بصورة كبيرة.

التمسك بالقانون الدولي وحقوق الإنسان

إن القانون الدولي وحقوق الإنسان عامل حيوي في التوصل إلى حل عادل للصراع الفلسطيني. فهو يمكِّن الفلسطينيين من وضع أهدافهم في إطار يتعهد المجتمع الدولي، من الناحية النظرية، بدعمه. وهو يوفر شيئاً من الحماية في وجه الضغوط الممارسة من أجل الدخول في اتفاقات لا تفي بالحد الأدنى من الحقوق. وفي الواقع، يُعتبر ذهاب الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بشأن عدم مشروعية الجدار الإسرائيلي إلى حثّ المجتمع الدولي على تطبيق القانون الدولي على هذا الصراع أمراً بارزاً. وينبري نداء المجتمع المدني، المنبثق في عام 2005 في الذكرى السنوية الأولى لصدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، في التصدي لهذا التحدي.

وعلاوة على ذلك، فإن استخدام خطاب حقوق الإنسان في سياق هذا الصراع يُعد استراتيجية غير عنيفة ومؤثرة. فهو يفضح نقطة الضعف الكبرى لدى إسرائيل ألا وهي الأسس العنصرية للصهيونية وتطبيقاتها. فقيم حقوق الإنسان العالمية أقوى بكثير من المفهوم القائل بأنه يحق لمجموعة من الناس أن تمتاز بفضل إثنيتها أو دينها دون أي التزام بالاعتراف بالتطهير العرقي المتواصل الذي ترتكبه بحق السكان الأصليين ودون أي التزام بتعويضهم عن ذلك. إن أهمية القانون الدولي في حل الصراعات لا تتوقف عند فلسطين، بل إنه ضروري لتطور الإنسانية جمعاء. فالفلسطينيون يساهمون من خلال تمسكهم بحقوق الإنسان في حماية هذا الإطار العالمي من الجهود الإسرائيلية والأمريكية وغيرها الرامية لتقويضه.

اتباع الأساليب المناسبة

تقتضي كل مرحلة استخدام أساليب مناسبة من أجل تحقيق الأهداف المعلنة. فلقد كان حمل السلاح والنضال المسلح أسلوباً مشروعاً وفعالاً بالتأكيد في بدايات الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل تحرير الأرض. بيد أن قيمة الكفاح المسلح اليوم تتطلب نظرة فاحصة حيادية ومتجردة. ولمّا كانت الأهداف معلنة في إطار القانون الدولي، فإنه يجب على الفلسطينيين مراعاة ذلك أيضاً عند اختيارهم للأساليب. فينبغي أولاً التأكيد بأنه يحق للفلسطينيين بموجب القانون الدولي مقاومة الاحتلال، بما في ذلك المقاومة المسلحة. ولكن استهداف المدنيين عمداً يشكل بموجب القانون الدولي ذاته جريمة حرب، وهو ما عبر عنه مؤخراً تقرير غولدستون الُمعد بتكليف من الأمم المتحدة، بغض النظر عن الطرف (إسرائيل أم الفلسطينيين) الذي يستهدف المدنيين وعن الأسلحة المستخدمة.

وعلاوة على ذلك، فإن حمل السلاح يضع الفلسطينيين في ساحة تتفوق فيها إسرائيل وتكون الأقوى وهم الأضعف. وهو يُمكّن إسرائيل من استخدام الحجة الأمنية لإخفاء جرائمها. كما إن السلاح لا يستهدف نقاط الضعف الإسرائيلية الأهم وهي ادعاؤها بالتفوق الإثني والديني ورفضها الاعتراف بمسؤوليتها عن تهجير الفلسطينيين في الماضي والحاضر. إن من الجدير بالذكر أن الفلسطينيين كانوا قادرين إبان الانتفاضة الأولى على تحقيق نجاحات مماثلة للكفاح المسلح الذي خاضته منظمة التحرير الفلسطينية قبل ذلك بربع قرن، فقد وضعوا قضية فلسطين على الخارطة وجذبوا حركة تضامن دولية مؤثرة من الجهات الرسمية وغير الرسمية على حد سواء. واليوم، تعكف المقاومة الأهلية وحركة المقاطعة، بالاقتران مع التضامن الدولي، على تقوية الفلسطينيين وإضعاف الإسرائيليين.

ينبغي للفلسطينيين وبصورة عاجلة تحديد أي الاستراتيجيات المتبعة في النضال من أجل حقوق الإنسان هي الأنجع من أجل البقاء على أرض فلسطين. لقد أحرز النضال الشعبي اللاعنفي ضد الجدار الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة بعض النجاحات وبث الحياة في القيادات الشعبية مستحضراً أصداء الانتفاضة الأولى (انظر جمال جمعة موقف في قضية العدالة المؤجلة). ومع ذلك، لا تزال إسرائيل تقطع أوصال الضفة الغربية وتجلي السكان عن وادي الأردن والقدس الشرقية بلا هوادة، كما تفعل في النقب وغيرها من المناطق التي يشكل الفلسطنيون غالبية سكانها داخل إسرائيل. فإسرائيل تعي تماماً بإن إدامة القضية الفلسطينية أمر مستحيل دون وجود فلسطينيين على أرض فلسطين.

 تعزيز التضامن الدولي والعربي

لم تتواصل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في العقود الماضية مع الشعوب العربية على نحو منظم، واكتفتا إلى حد كبير بالتعامل مع الحكومات العربية. ولم تعتنيا بالدعم الديبلوماسي لحركة عدم الانحياز والدول الصديقة في وقت كانت إسرائيل تنشط في استمالة الدول الإفريقية والآسيوية، ولم تعززا العلاقات الاستراتيجية القائمة مع البلدان الصديقة الأوروبية والسوفيتية سابقاً. أما التعاطف العربي مع الفلسطينيين فلا يزال حاضراً، بيد أن قلة فقط بالكاد يعرفون كيف يمدون يد المساعدة. إن بمقدور اللاجئين والمنفيين الفلسطينيين أن يضطلعوا بدور بارز في الوصول إلى الشعوب العربية، دون التدخل في الشؤون العربية الداخلية. وفي الوقت نفسه، يتعين على الفلسطينيين في سياق بحثهم عن التضامن أن يقفوا متضامنين مع العرب في القضايا التي تعنيهم (انظر دور الشتات الفلسطيني الذي أطلق هذا النقاش).

تشهد حركة التضامن الدولي للمجتمع المدني استنهاضاً حثيثاً بفضل النضال الشعبي وحركة المقاطعة فضلاً عن الغضب المتولد من الهجمات الإسرائيلية على غزة، وعلى أسطول الحرية، وغير ذلك من حالات عدم الاكتراث للقانون الدولي. وثمة أشكال جديدة من الدعم الرسمي آخذة في الظهور في بلدان مثل تركيا وماليزيا. إن من شأن توقيع اتفاق سلام لا يُعمل الحقوق الفلسطينية أن يهدد بتعطيل هذه الجهود التعبوية كما حصل لحركة التضامن الدولية المؤثرة في عقد الثمانينات، والتي كانت تغص بها قاعات الأمم المتحدة أثناء المؤتمر السنوي المعني بالقضية الفلسطينية.

التوصيات

في كل واحد من المحاور المبينة أعلاه، ثمة استراتيجيات أو ثمة حاجة لها من أجل مواصلة النضال بغية إعمال حقوق الإنسان الفلسطيني. وفيما يلي بعض الأمثلة والمقترحات.

توحيد الجسم السياسي الفلسطيني. بموازاة الجهود المبذولة لتعزيز الوحدة الوطنية وإحياء منظمة التحرير الفلسطينية، ثمة حاجة للاستثمار بصورة أكبر في الأنشطة التي تجمع بين الفلسطينيين عبر الحدود (كما تسعى الشبكة في الواقع لفعل ذلك) دون إغفال أي شريحة من الشعب الفلسطيني سواء في المنفى أم تحت الاحتلال أم في إسرائيل. كما إن هناك حاجة للاستثمار أكثر في قدرة الفلسطينيين على مواصلة صمودهم على الأرض وفي المنفى، مع الإدراك بأن للفلسطينيين القاطنين على أرض فلسطين قدرة أكبر على التأثير في المستقبل الفلسطيني. كما ينبغي للفلسطينيين في المنفى استخدام كل وسيلة متاحة لزيارة أرض فلسطين وإيجاد السبل لمواجهة الأساليب الإسرائيلية العديدة التي تتبعها بغية منعهم من ذلك.

  • تبني أهداف مشتركة. ينبغي للفلسطينيين نشر أهداف نداء المجتمع المدني على نطاق واسع ونحو واضح قدر المستطاع بين أبناء جلدتهم أينما كانوا، وتوضيح قيمة استراتيجية المقاطعة ولفت النظر إلى الاستراتيجيات الأخرى التي بوسعها أن تحقق تلك الأهداف، ومنها على سبيل المثال تعزيز العلاقات مع شعوب البلدان العربية المستضيفة لهم. كما ينبغي لهم بيان الأهداف على نطاق واسع للمجتمع المدني الدولي كي يظل معبأ إلى أن تتحقق تلك الأهداف. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يكون الفلسطينيون على استعداد لإصدار بيانات عامة واتخاذ الإجراءات المناسبة لإبلاغ حكومات العالم بأن أي اتفاق لا يحقق هذه الأهداف هو اتفاق سوف ترفضه – وتقاومه – غالبية الشعب الفلسطيني.
  • تطبيق القانون الدولي. يحتاج الفلسطينيون للاستثمار في التثقيف والتوعية بمبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات ذات الصلة التي تنطبق على هذا الصراع وغيره من الصراعات مثل الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان. ومن الأهمية بمكان تأطير المضامين في سياق الحقوق والقيم العالمية التي يسهل استيعابها على الناس في كل مكان.
  • اتباع الأساليب المناسبة. ثمة حاجة لإطلاق نقاشات واسعة النطاق حول فعالية خيارات المقاومة المتنوعة ولا سيما بين الشباب. ومن المهم كذلك إشراك كافة الفلسطينيين من جميع الأعمار الذين استُبعدوا من العملية السياسية حتى يتسنى لهم أن يساهموا مساهمة ملموسة في النضال القائم من خلال تحديد الأساليب الخاصة بسياقاتهم المحلية والتي من شأنها أن تساعد في تحقيق الأهداف المشتركة.
  • تعزيز التضامن الدولي والعربي. بالإضافة إلى بذل جهود التثقيف والتوعية المذكورة أعلاه، ينبغي للفلسطينيين تكريس وقت لفهم الصراعات التي يخوضها مؤيدوهم في أوطانهم، بما في ذلك كفاحهم ضد العنصرية والفقر واللامساواة، وإيجاد سبل لدعمهم.

تهدف هذه الاقتراحات إلى إثراء النقاش وتحفيزه. فسواء كانت هناك “اتفاقية سلام” أم استمرت إسرائيل في فرض إرادتها السياسية والعسكرية لعرقلة التوصل لاتفاق، فإنه يظل يتحتم على الفلسطينيين أن يتباحثوا ويصوغوا وينشروا الاستراتيجيات الأنجع في تحقيق أهدافهم، وإلا فإن “عملية السلام” الأخيرة قد تنجح في إبطال الجهود التعبوية للنضال الحقوقي الفلسطيني للأبد.

  1. ترد مقتطفات من الوثائق الرؤيوية الثلاث في مجلة الدراسات الفلسطينية المجلد 36، العدد 4، صيف عام 2007، صفحة 73-100.
  2. أدخل المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1996 تعديلات على الميثاق الوطني بناء على إصرار الولايات المتحدة وإسرائيل على إزالة مواد تتعارض والرسائل المتبادلة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1993. ولكن لم تعدل إسرائيل أياً من وثائقها التأسيسية بحيث تحمل اعتراف بحقوق الفلسطينيين.
نادية حجاب هي الرئيسة الفخرية لشبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة" وأحد مؤسسيها. شغلت منصب المديرة التنفيذية في الشبكة في الفترة ما بين 2011 وآذار/مارس 2018. وهي...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content