لمحة عامة
تفيد التقارير الأخيرة بأن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد عرضت على اسرائيل سلسلة من الحوافز كي تواصل تعليقها المحدود لبناء المستوطنات الذي دام عشرة أشهر. وقد أثارت هذه التقارير غضباً في أوساط الفلسطينيين ومؤيديهم. وبالرغم من أن الامتيازات التي عرضت لتعليق بناء المستوطنات الجديدة لمدة 60 يوما فقط هي امتيازات غير مسبوقة، فإن عجز واشنطن عن ممارسة الضغط المتواصل على إسرائيل ينسجم مع خط تاريخي أكثر شمولا. فالمعتقد السائد يقول بإنه عندما مارست واشنطن الضغط على حكومات إسرائيل فإن هذه الحكومات رضخت لمطالبها في نهاية المطاف. غير أن نظرة متمعنة في السجل التاريخي، وحيثما أمكن، في وثائق الأرشيف الأمريكي التي رُفعت سريتها تكشف عن ديناميكية أكثر تعقيدا بين هذين الحليفين.
يتناول أسامة خليل المدير المشارك لشبكة السياسات الفلسطينية في هذه الورقة أربع أزمات رئيسية وقعت في إطار “العلاقة الخاصة” بين إسرائيل والولايات المتحدة وهي: مؤتمر لوزان 1949، وأزمة قناة السويس 1956، وحرب أكتوبر 1973، ومؤتمر مدريد للسلام 1991. ويُظهر كيف أن إسرائيل في بعض الأحيان كانت تستجيب علناً للمطالب الأمريكية، في حين كانت تحصل في الخفاء على امتيازات واتفاقات تكافؤها على تعنتها وتعزز موقفها في المفاوضات على حساب الحقوق الفلسطينية. ويوضح أيضا بأن الضغوط الأمريكية كانت لا تذكر مقارنة بالخيارات السياسية المتاحة للإدارات الرئاسية المختلفة. وفي الخاتمة، يقدم أسامة خليل توصيات للفلسطينيين ومؤيديهم.
مؤتمر لوزان
ظهر النمط المتمثل في ممارسة الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل ومن ثم منحها امتيازات خفية في وقت مبكر. ومن ذلك أن مؤتمر لوزان التأم في نيسان/إبريل 1949 بهدف ترجمة اتفاقات الهدنة المنفصلة والمبرمة في أعقاب حرب فلسطين في عام 1948 بين إسرائيل وكل من مصر ولبنان وسوريا وشرق الأردن إلى اتفاق سلام نهائي. ومن بين القضايا الرئيسية التي كانت مطروحة للتفاوض مصير أكثر من 750,000 لاجئ فلسطيني طردتهم الميليشيات الصهيونية أو فروا خوفا منها إبان الحرب. ووفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، دعت واشنطن إلى إعادة أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم. غير أن إسرائيل مانعت النظر في عودة أكثر من عدد رمزي من اللاجئين إلى ديارهم.
أفضى تعنت إسرائيل في لوزان إلى مراسلات حادة اللهجة بين الرئيس الأمريكي ترومان ورئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون. فقد استشاط ترومان غضباً حينما وصله تقرير يفيد بأن تل أبيب كانت تمنع المحاولات الأمريكية للخروج باتفاقية وأن المسؤولين الإسرائيليين قد أخبروا الممثلين من الجانب الأمريكي بأنهم ينوون “إحداث تغيير في موقف” الإدارة “عبر وسائل متاحة لهم في الولايات المتحدة.”1 وحذر ترومان في رسالته من أن استمرار إسرائيل في رفض “النصيحة الودية” التي تقدمها الولايات المتحدة سوف “يضطر أمريكا آسفة إلى الاستنتاج بأن مراجعة موقفها إزاء إسرائيل قد أصبحت حتمية.”2
ورغم أن إسرائيل بدت رافضةً مطالبات ترومان، فإن موقفها في لوزان قد لان في الشهرين اللاحقين ومن ذلك أنها عرضت إعادة 100,000 لاجئ إلى وطنهم.3 ولكن العدد كان ما يزال غير كاف من وجهة نظر الدول العربية ووزير الخارجية الأمريكي دين اتشيسون الذي دعا إسرائيل إلى إعادة “عدد كبير” – 250,000 تقريبا – من اللاجئين إلى وطنهم، وتعويض الأعداد الباقية التي ستوطن في الدول العربية المجاورة التي لجؤوا إليها. 4
وعقب الرد الإسرائيلي على ترومان صاغت وزارة الخارجية مذكرة أوصت فيها الإدارة باتخاذ أربعة تدابير هي: حجب ما تبقى من قرض استيراد وتصدير بقيمه 100 مليون دولار، وإلغاء الإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها الجماعات اليهودية القائمة في الولايات المتحدة وتستخدمها في جمع الأموال لصالح إسرائيل، ورفض الطلبات الإسرائيلية لتلقي الدعم والخبرات في المجال التقني، وعدم دعم الموقف الإسرائيلي في المنظمات الدولية.5 وقد اختارت إدارة الرئيس ترومان من بين هذه التوصيات أن تؤخر، لا أن تحجب، ما تبقى من مبلغ القرض. كما قررت وزارة الخارجية أن لا تستخدم طلب إسرائيل للانضمام لعضوية الأمم المتحدة – وهو هدف إسرئيلي رئيسي – كورقة للضغط على إسرائيل في لوزان. فقد كانت واشنطن تؤمن بأن انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة سوف يُجبر الدول العربية على تقديم تنازلات في المفاوضات. 6
وبحلول أواخر شهر آب/أغسطس، تفاقمت مسألة القرض بعدما رد بنك الاستيراد والتصدير على استفسار من الحكومة الإسرائيلية بأنه وافق على القرض ولكن التأخير نابع من وزارة الخارجية. فكانت ردة فعل سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، إلياهو إيلات، على تلك الأنباء غاضبة وأخبر الوفد الاميركي الذي التقاه على مأدبة غداء في واشنطن بأن مثل تلك الإجراءات “لا يمكن إلا أن تفسر بأنها محاولة للإكراه،” وأضاف بأن “هذه الأساليب لن تنجح. بل يمكن أن تُسفر في الواقع عن نتيجة عكسية.” 7
وفي اليوم التالي لمأدبة الغداء، بحث اتشيسون الوضع مع الرئيس ترومان. وبحلول مطلع أيلول/سبتمبر، أُرسل مبلغ قدره 2.35 مليون دولار من أصل 49 مليون دولار إلى إسرائيل. وكانت هذه المحاولة غير المتقنة لممارسة الضغط الدبلوماسي الأخيرة التي تخوضها إدارة الرئيس ترومان مع إسرائيل. وكان من شأن المحاولة أنها أرست نمطا ثابتا للسلوك الأمريكي اتجاه إسرائيل، فرغم تعدد الخيارات السياسية المتاحة أمام واشنطن، فإن إدارة الرئيس ترومان والإدارات التي تبعتها افتقرت إلى الإرادة السياسية لتوظيف تلك الخيارات بفعالية واتساق.8
حرب السويس 1956: مثال ناجح؟
شهدت حرب السويس في 1956 المثال الأبرز على نجاح الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على إسرائيل. فقد تشاركت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل في التخطيط لغزو مصر وفي غزوها في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر متذرعين بقرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس. وفي لحظة اتفاق قلّ حدوثها بين القوتين العظمتين إبان الحرب الباردة، طالبت واشنطن وموسكو بإنهاء الغزو وانسحاب القوات الثلاثية. وبالفعل، نظرت إدارة الرئيس دوايت آيزنهاور في اتخاذ سلسلة من الإجراءات الشبيهة بتلك التي عُرضت على الرئيس ترومان للضغط على إسرائيل. وفي حين وافقت إسرائيل على الانسحاب بفعل الضغوط الأمريكية والسوفيتية، فإن أزمة السويس ما كانت لتضر بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية بل أسفرت عن قيام تعاون أوثق بينهما.9
فقد كان لمذكرة التفاهم التي وقعتها الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن مضائق تيران أهمية بالغة. ومضائق تيران هي معبر مائي ضيق يربط خليج العقبة بالبحر الأحمر. إذ اتفق وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس مع موقف إسرائيل القاضي بحقها في تسيير سفن عبر المضائق وبأن أي محاولة من الجانب المصري لتجديد الحصار سيعتبر عملاً عدائياً ويعطي إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها بموجب ميثاق الأمم المتحدة. أما الآثار بعيدة المدى المترتبة على هذه الموافقة فوخيمة. فلما زادت حدة التوترات في ربيع عام 1967، استخدمت إسرائيل قرار عبد الناصر بسد مضائق تيران كمبرر لشن هجوم مفاجئ على مصر في حزيران/يونيو 1967.10 وفي تلك الفترة، كان ليندون جونسون زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي وقد عارض الضغط الذي مارسته إدارة آيزنهاور على إسرائيل لحملها على الانسحاب من السويس دون إبرام اتفاق سلام.11 وبعد أحد عشر عاما، لم يكن جونسون مستعدا، بعد أن أصبح رئيسا للولايات المتحدة، أن يكرر ما اعتبره خطأ آيزنهاور.12
وفي أعقاب حرب السويس، تعاظم نفوذ عبد الناصر بصورة ملحوظة ليس في المنطقة وحسب وإنما في جميع أنحاء “العالم الثالث.” غير أن آيزنهاور ووزير خارجيته جون فوستر دالاس كانا مقتنعين بأن مصر قد غدت رهينة للاتحاد السوفيتي دون أن تدري ولم يتأثرا بادعاءات عبد الناصر بشأن اتباع سياسة “الحياد الإيجابي” في الحرب الباردة. ورغم أن ما غدا يُعرف بمبدأ آيزنهاور كان يهدف علناً إلى التصدي لنفوذ “الشيوعية الدولية” في “منطقة الشرق الأوسط بعمومها،” فإنه كان يهدف إلى ما هو أكثر تحديدا من ذلك ألا وهو احتواء عبد الناصر. ان آمال بن غوريون بتشكيل حلف عسكري رسمي مع الولايات المتحدة لم تتحقق قط في عهد آيزنهاور، ويرجع السبب الأكبر في ذلك إلى المخططات الأمريكية التي سعت لإبرام معاهدة دفاع إقليمية كان يعوقها الصراع العربي-الإسرائيلي. غير ان الولايات المتحدة وإسرائيل ارتأتا في تحجيم نفوذ عبد الناصر هدفا مشتركا. فسعت واشنطن إلى حشد التأييد في المنطقة لمبدأ آيزنهاور، بينما شرعت إسرائيل في إرساء “حلفها الخارجي” بإقامة تحالفات مع بلدان غير عربية في آسيا وإفريقيا، بما فيها تركيا وإيران وإثيوبيا. 13
في عهد كيسنجر
أدت حرب أكتوبر 1973، بخلاف أزمة قناة السويس، إلى مشاحنة بين القوى العظمى. فقد نجح الهجوم المصري والسوري الأولي في مباغتة الجيش الإسرائيلي وتسبب له بخسائر فادحة، بيد أن إسرائيل شنت هجوماً مضاداً وتمكنت في نهاية المطاف من تولي زمام المعركة. ولما بات الجيش المصري الثالث الميداني شبه محاصر، هددت موسكو بالتدخل ما لم يتم الإعلان عن وقف لإطلاق النار. وفي حين أجبرت الضغوط الأمريكية والتهديدات السوفيتية إسرائيل في نهاية الأمر على وقف تقدمها، فإن تدخل واشنطن كان يرجع إلى حد كبير إلى احتمال نشوء مواجهة بين القوى العظمى.
لقد أظهر وقف إطلاق النار كيف أن الضغط الأمريكي على إسرائيل يمكن أن يُمارس بفعالية حينما تكون المصالح العظمى للولايات المتحدة في خطر، كما بينت المفاوضات التي قادتها الولايات المتحدة على مدار العامين اللاحقين آثار تلك التحركات على الحقوق الفلسطينية. فقد ركز وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر جهوده على مصر واعتمد الدبلوماسية المكوكية “التدريجية” بدلا من أسلوب المفاوضات الشاملة التي تضم كافة الأطراف، وكان ممانعا لفكرة توسيع نطاق المفاوضات لتشمل سوريا أو منظمة التحرير الفلسطينية. 14 حيث كان ذلك أكثر من كونه نهجا تكتيكياً محضاً. فقد كانت واشنطن تنظر إلى مصر باعتبارها الحليف السوفيتي الأبرز في المنطقة، وكان كيسنجر يأمل بالإيقاع بين موسكو والقاهرة. ووجد في الرئيس المصري أنور السادات شريكا راغبا سعى أيضا للقطيعة مع الاتحاد السوفيتي وإنهاء العداء مع إسرائيل. 15
تعززت المفاوضات بإرسال شحنات كبيرة من المساعدات العسكرية الأمريكية إلى إسرائيل، والتي قال كيسنجر إنها ترمي إلى منح إسرائيل شعورا أكثر بالأمان وجعلها أكثر استعدادا لتقديم تنازلات، ولا سيما أن موسكو كانت عاكفة على إعادة تسليح سوريا ومصر. غير أن الموقف الإسرائيلي أصبح أكثر تصلبا في التفاوض بشأن الانسحاب الثاني من سيناء. ورغم أن كيسنجر كان يشدد على الفوائد المترتبة على إخراج أبرز الدول العربية المجاورة لإسرائيل وأكثرها سكانا من دائرة الصراع العربي-الإسرائيلي ومن الفلك السوفيتي، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين لم يتأثر بذلك. وبحلول آذار/مارس 1975، أصبح كيسنجر محبطا جراء التعنت الإسرائيلي ورجع إلى واشنطن، مما حدا بالرئيس جيرالد فورد أن يدعو إلى “إعادة تقييم” السياسة الأمريكية في المنطقة. 16
استغرقت إعادة التقييم التي أجرتها اشنطن ما يقارب ثلاثة أشهر. ورغم أن واشنطن أوفت بعقود السلاح القائمة، فإنها أوقفت الشحنات الجديدة إلى إسرائيل أثناء تلك الفترة. واجتمع كيسنجر بكبار خبراء السياسة الخارجية لبحث نهج شامل جديد لإحراز السلام. ولكن الحكومة الإسرائيلية واجهت ذلك بضغوط مارستها هي نفسها. ففي شهر أيار/مايو، وقع ستة وسبعون عضوا في مجلس الشيوخ الاميركي رسالة إلى الرئيس فورد يدعونه فيها إلى “الاستجابة” لطلب إسرائيل مساعدات عسكرية واقتصادية بقيمة 2.59 مليار دولار. وقد كتب فورد لاحقا بأنه رغم ادعاء هؤلاء الأعضاء بأن رسالتهم كانت “عفوية”، فإنه “ما من شك لدي بأنها كانت بوحي إسرائيلي.” 17 وقد أقر رابين لاحقا في مذكراته بأن الرسالة جاءت نتيجة حملة علاقات عامة بجهود إسرائيلية. 18 وبغياب الدعم السياسي الداخلي، تخلى فورد وكيسنجر عن إعادة التقييم واستأنفا المفاوضات. 19
وُقعت اتفاقية سيناء الثانية في أيلول/سبتمبر ولكن بعد امتيازات بارزة قدمتها واشنطن إلى إسرائيل تضمنت منحها مساعدات بقيمة 2 مليار دولار والتخلي عن أي محاولات لإجراء مفاوضات جوهرية على المسارين السوري والأردني. وبعبارة أخرى، ما كان ترسيخ الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وهضبة الجولان مقابل انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وإنما مقابل إرساء منطقة عازلة تفصل بين القوات الإسرائيلية والمصرية. وبالإضافة إلى ذلك، حظيت إسرائيل بالتزام واشنطن بمنع أي تدخل سوفيتي جديد في المنطقة وبوضع مراقبين أمريكيين مدنيين في سيناء. أما الضرر الأكبر الذي أصاب المصالح الفلسطينية فجاء من مذكرة تفاهم سرية وقعها كيسنجر مع الإسرائيليين بخصوص منظمة التحرير الفلسطينية. فعلى الرغم من أن المنظمة كانت تحظى باعتراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بوصفها “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني،” فإن واشنطن وافقت على عدم “الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أو التفاوض معها” ما دامت ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، كما رفضت قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 و338. 20 وقد ساعد نجاح كيسنجر في تمهيد الطريق لإبرام اتفاقات كامب ديفيد في عام 1978 في عهد الرئيس جيمي كارتر. 21
مدريد 1991
رأت واشنطن في نهاية الحرب الباردة ونجاح التحالف الذي قادته لطرد القوات العراقية من الكويت فرصة لحل الصراع العربي-الإسرائيلي بصورة نهائية. وفي ربيع عام 1991، بدأ وزير الخارجية جيمس بيكر يحشد الدعم لعقد مؤتمر دولي للسلام. غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير كان ممانعا للمشاركة في المؤتمر بل وأبدى مقاومة لمبدأ “الأرض مقابل السلام.” وفي الوقت نفسه، طلبت إسرائيل 10 مليارات دولار على شكل ضمانات قروض للمساعدة في توطين المهاجرين اليهود القادمين من الاتحاد السوفيتي. وفي محاولة للضغط على حكومة شامير، طلب الرئيس جورج بوش الأب من الكونغرس تأخير موافقته على ضمانات القروض لمدة 120 يوما. بيد أن القادة في الكونغرس رفضوا هذا الطلب، وعلى إثر ذلك عقد الرئيس بوش مؤتمرا صحفيا غير مسبوق في شهر أيلول/سبتمبر استنكر فيه تأثير اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس وأعرب عن تفاؤله إزاء احتمالات التوصل إلى اتفاق سلام.22 وقد بدا أن المناورة نجحت، إذ وافقت إسرائيل على حضور المؤتمر وعلى حضور وفد فلسطيني-أردني مشترك.23
مثّل المؤتمر المنعقد في مدينة مدريد بإسبانيا في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر أالدخول الاول للإسرائيليون والفلسطينيون في مفاوضات مباشرة. غير أن الولايات المتحدة لم ترغب في القيام بدور أكثر من مجرد وسيط في الاجتماعات، ولذلك تعثرت المفاوضات وأصبحت في نهاية المطاف ضحية للتقويمات السياسية الإسرائيلية والأمريكية. فقد خرج حزب الليكود بزعامة شامير من السلطة في انتخابات حزيران/يونيو 1992، ووافق الكونغرس على ضمانات القروض في شهر تشرين الأول/أكتوبر. وبعد ذلك بشهر، خسر بوش الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية.24
وفي نهاية المطاف، انتقضت عملية مدريد بفعل الإهمال الأمريكي والتعنت الإسرائيلي وبسبب منظمة التحرير الفلسطينية أيضا التي اختارت أن توقع اتفاقية سرية في أوسلو بالنرويج دون علم الفريق الفلسطيني المفاوض في واشنطن. وبدلا من المطالبة بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة مستقلة، رضي رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات باتفاق انتقالي ضمن له في بادئ الأمر حكما ذاتيا محدودا في قطاع غزة ومدينة أريحا في الضفة الغربية.25 أما محادثات الوضع النهائي فكان من المقرر أن تنتهي في غضون خمس سنوات تحافظ أثناءها إسرائيل على سيادتها الشاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.26
ورغم أن هذا المثال كثيرا ما يُساق للتدليل على نجاح الضغوط الأمريكية على إسرائيل، فإن إدارة بوش في واقع الأمر لم تحصل سوى على تنازلات قليلة من حكومة شامير وعلى نتائج ملموسة أقل. ففي حين أُخرت الموافقة على ضمانات القروض، إلا إنها صدرت في نهاية المطاف ولم تتكلل محاولات إدارة الرئيس بوش الرامية إلى تجميد بناء المستوطنات بالنجاح. ولم يُعبر حضور شامير في المؤتمر عن قبوله بصيغة “الأرض مقابل السلام” وهو ما صرح به في مقابلة مع صحيفة معاريف الإسرائيلية عقب انتخابات حزيران/تموز 1992. فقد أوضح شامير قائلا: “كنت لأستمر في محادثات الحكم الذاتي لمدة عشر سنوات وكان تعدادنا ليصل في تلك الأثناء إلى نصف مليون نسمة في يهودا والسامرة [أي الضفة الغربية].”27 وهذا ما حصل بالفعل، إذ تبنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة هذه الاستراتيجية التي وضعها شامير.
الدروس المستفادة والتوصيات
ما هي الدروس التي يمكن أن يستمدها الفلسطينيون ومؤيدوهم من خلال تحليل هذه التأزمات في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية؟ لعل أهم تلك الدروس هو التفريق بين التصورات حول ممارسة واشنطن للضغط وبين الواقع، إذ كان للولايات المتحدة وإسرائيل، في كل حالة من هذه الحالات التاريخية، مصلحة في المبالغة في الحديث عن الضغوط السياسية التي مورست. فبالنسبة لواشنطن، كان جمهورها يضم في العادة الدول العربية التي كانت تتطلع إلى الولايات المتحدة باعتبارها القوة الوحيدة القادرة على انتزاع تنازلات من إسرائيل. وفي بعض الأحيان، كان الحديث عن اللوبي الإسرائيلي، كما حصل في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس بوش في 1991، موجها للاستهلاك المحلي أيضا. أما المحاولات الإسرائيلية للمبالغة بشأن الضغوط الأمريكية فلم تكن موجهة إلى الجمهور الإسرائيلي والمنافسة بين الأحزاب السياسية الرئيسية وحسب وإنما إلى مناصريها من الأمريكيين أيضا.
وفي حين لا يمكن إغفال تأثير اللوبي الإسرائيلي إبان هذه التأزمات ولا سيما في الكونغرس، فإنه لا تنبغي المبالغة فيه أيضا. لقد كان أمام الإدارات الرئاسية المختلفة طائفة من الخيارات السياسية المتاحة في كل مرة، بيد أنها كانت غير راغبة أو غير قادرة على حشد الإرادة السياسية لتبني نُهج أكثر شدة وحدة. وغالبا ما كان هذا السلوك يتبع رغبة واضعي السياسة الأمريكية في التوصل إلى الحل الأنسب سياسيا، وهو ما يمليه إلى حد بعيد التقويم السياسي والاهتمام الإعلامي المكثف بدلا من الحل طويل الأجل. وكنتيجة لذلك، استفادت إسرائيل من تكتم الإدارات المختلفة وتحيزها المسبق لدعم الموقف الإسرائيلي.28 وعلاوة على ذلك، استغلت إسرائيل رغبة واشنطن في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الكبرى إقليميا ودوليا من أجل الحصول على امتيازات على حساب الطرف الأضعف في الصراع – الفلسطينيين.
لقد نجحت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على إسرائيل لمّا كانت المصالح الأمريكية العظمى في خطر. فعلى سبيل المثال، تعرضت مصالح واشنطن إبان حربي 1956 و1973 في خضم التنافس أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي إلى خطر وشيك ومؤكد وهو ما اقتضى منها أن تضغط جديا لنيل مطالبها. كما كان لإسرائيل أيضا مصلحة في الحيلولة دون تدخل القوات السوفيتية في المنطقة وهو ما جعلها أكثر تقبلا للضغوط الأمريكية. فمن دون قوة عظمى منافسة، قد تكون التهديدات المحدقة بالمصالح الأمريكية بفعل التصرفات الإسرائيلية كبيرة، لكنها ما تزال غير عصية أو منيعة من وجهة نظر واشنطن. وبعبارة أخرى، لم يكن لدى الفلسطينيين ومؤيديهم من بين الدول العربية، بمجرد أن وافقوا على عملية تجري بوساطة أمريكية، أي ملاذ آخر يلجأون إليه متى ما أغضبتهم السياسات أو الإجراءات الأمريكية الداعمة لإسرائيل – وكانت واشنطن تدرك ذلك. وقد انطبق هذا الوضع بصفة خاصة على الأنظمة التي اعتمدت على المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية من أجل تأمين حكمها، والتي وجدت بأن تكلفة مشاركتها في العملية السلمية كانت تنازلات مستمرة تطلبها واشنطن لاسترضاء إسرائيل.
لا تجب الاستهانة بتأثير كيسنجر في صانعي السياسات اليوم. فأسلوبه في الاعتماد على مفاوضات تدريجية ومؤقتة ترافقها دبلوماسية مكوكية رفيعة المستوى قد أصبح المعيار الذي تتبعه الإدارات المتعاقبة. بالفعل، إن الدرس الجلي المستفاد هو أن وزارة الخارجية الأمريكية يجب أن تظهر بمظهر المنهمك النشط حتى عندما تكون النتائج المترتبة على تحركها العلني لا تكاد تذكر. وقد تجلى هذا الامر مراراً على مدى العقد المنصرم في محاولات إعادة إحياء عملية أوسلو للسلام، والتي أصبح فيها مظهر العملية البحت أهم من العملية نفسها ومن تحقيق السلام.
وفي حين استطاعت واشنطن أن تنتزع من إسرائيل بعض التنازلات عبر السنين، فإن قرار ياسر عرفات بقبول اتفاقات أوسلو المعيبة للغاية قد طغى عليها. فعندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية ضعيفة كمنظمة في عام 1993، كانت القضية الفلسطينية في أوجها، إن أمكن القول، من حيث التعاطف والتأييد الدوليين بسبب الانتفاضة الأولى والجهود الدبلوماسية المحيطة بقبول منظمة التحرير الفلسطينية حل الدولتين وإعلان الاستقلال في عام 1988. وعوضا عن حشد الدعم الشعبي دوليا وفي أوساط القاعدة الفلسطينية بغية تحقيق الأهداف، اختار ياسر عرفات والقيادة المتمركزة في تونس الحل قصير الأجل الذي خطّ هزيمتها الحتمية. وبعبارة موجزة، حفظت القيادة الفلسطينية نفسها والاحتلال الإسرائيلي على حساب شعبها في داخل فلسطين وخارجها.
يظهر النمط التاريخي المبين في هذه الورقة في سلوك إدارة الرئيس أوباما أيضا. فقد قدمت كل من الادارة الاميركية وحكومة نتنياهو تصور يوحي بأن الرئيس أوباما قد مارس ضغوطا غير مسبوقة على الإسرائيليين لوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بيد أن السنة الماضية تُظهر بوضوح بأن إدارة أوباما، كسابقاتها، قد سعت لمكافأة إسرائيل على تعنتها وانتهاكها لحقوق الفلسطينيين من خلال زيادة دعمها لإسرائيل بدلا من تقليله. واشتمل ذاك الدعم على منح تمويل إضافي لمشروع “القبة الحديدية،” والدفاع عن إسرائيل في الأمم المتحدة عقب هجومها على أسطول الحرية، ودعم انضمام إسرائيل إلى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.29 وعلاوة على ذلك، فإن الامتيازات التي جاءت في الآونة الأخيرة لمجرد تمديد “تجميد” الاستيطان لمدة 60 يوما، ومن ضمنها احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على وادي نهر الأردن، تُظهر مجددا قدرة إسرائيل على نيل امتيازات خفية في وقت يُفترض بالضغط الأمريكي أن يكون على أشده. ومن ضمنها احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على وادي نهر الأردن، تُظهر مجددا قدرة إسرائيل على نيل امتيازات خفية في وقت يُفترض بالضغط الأمريكي أن يكون على أشده.30
فمالذي إذن يشكل ضغطا حقيقيا؟ تملك الولايات المتحدة، كما أثبتت إدارتي ترومان وآيزنهاور، عددا من السبل للضغط على إسرائيل أو أي دولة أخرى تعتمد على دعم الولايات المتحدة العسكري والسياسي والاقتصادي. ومن هذه السبل حجب المساعدات العسكرية أو الاقتصادية أو تعليقها، وإلغاء الإعفاءات الضريبية على التبرعات التي تجمعها من داخل الولايات المتحدة الجماعات المتبرعة لإسرائيل، ورفض تزويد المساعدة والخبرات التقنية أو العسكرية، وحجب الدعم عن إسرائيل في المنظمات الدولية والإقليمية. ولغاية اللحظة، لم تدرس واشنطن فكرة اتخاذ هذه الخيارات إلا نادرا. بل اختارت أن تكافئ التعنت الإسرائيلي بزيادة مبالغ المساعدات، على أمل زائف في أن تصبح إسرائيل مستعدة لتقديم تنازلات بعدما تشعر بالأمان.
وعلى الأقل، ينبغي للفلسطينيين ومناصريهم أن يدعوا الولايات المتحدة إلى إلغاء الإعفاء الضريبي الذي تتمتع به المنظمات الممولة والداعمة للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وينبغي أن يستمروا في إصرارهم على أن تحاسب واشنطن إسرائيل على التزاماتها أمام الولايات المتحدة والقانون الدولي، بما في ذلك على استمرار النشاط الاستيطاني وبناء الجدار في الضفة الغربية والقدس الشرقية، واستخدام الأسلحة الأمريكية ضد المدنيين الفلسطينيين، والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان الفلسطيني، وأن تحملها على الوفاء بتعهداتها بوصفها عضوا في الأمم المتحدة وفي منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي وطرفا موقعا على العديد من المعاهدات الدولية. إن الضغط الحقيقي الذي يجب على الفلسطينيين أن ينشدوه ويعولوا عليه ليس الضغط الأمريكي على إسرائيل وإنما ضغط الشعب الفلسطيني على المجتمع الدولي من خلال التأكيد المستمر على أن إعمال الحقوق الفلسطينية هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام العادل والدائم.
- The Foreign Relations of the United States (hereafter FRUS), The Near East, South Asia, and Africa, 1949 (Washington, D.C.: Government Printing Office, 1977): 1061. http://digital.library.wisc.edu/1711.dl/FRUS.FRUS1949v06
- FRUS, 1949, 1072-1074
- FRUS, 1949, 1125.أغاظ الرد الإسرائيلي الرئيس ترومان أكثر، حيث أخبر وكيل وزارة خارجيته جيمس ويب بأنه أبلغ “الزعماء اليهود الذين اتصلوا به” بأنه “ما لم يكونوا مستعدين للعب بالطريقة الصحيحة والانصياع لقواعد اللعبة فلربما يخسرون أحد أعز أصدقائهم.”
- FRUS, 1949, 1013-1015, 1207
- FRUS, 1949, 1110
- FRUS, 1949, 943-948, كان الانضمام إلى الأمم المتحدة أولوية ديبلوماسية قصوى بالنسبة لإسرائيل في عام 1949. وقد أكد الإسرائيليون في لقاءاتهم بالرئيس ترومان ومسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية على رغبتهم في التوافق في لوزان على قضية اللاجئين، ولكنهم أشاروا إلى أن العضوية في الأمم المتحدة كانت ضرورية لتأمين الموقف المتزعزع لدولتهم الوليدة.
- FRUS, 1949, 1328-1331
- FRUS, 1949, 1375, 1388-1389. في الرد على شكاوى الممثل الأمريكي في مؤتمر لوزان الذي لم يكن قد أُعلم حينئذ بقرار إرسال الأموال، دافع اتشيسون دفاعا فاترا عن إجراءات وزارة الخارجية وأطلق تهديدا فارغا بأن إعادة النظر في مخصصات القرض في المستقبل أمر جائز الحدوث وأنه لا ينبغي لإسرائيل أن “تفسر أي تدبير من هذا القبيل بأنه ضغط سياسي مباشر أو غير مباشر.”
- Avi Shlaim, The Iron Wall: Israel and the Arab World (Boston: W.W. Norton, 2001): 181.
- يقدم المرجع السابق نقاشا أوسع حول هذه الأحداث والمفاوضات التي جرت بين الولايات المتحدة وإسرائيل، 178-185.
- FRUS, Arab-Israeli dispute, 1955-1957, 139-140. http://digital.library.wisc.edu/1711.dl/FRUS.FRUS195557v17 بعث جونسون برسالة إلى دلاس يخبره فيها بأنه “منزعج” من تقارير تفيد بأن الأمم المتحدة تدرس فرض عقوبات على إسرائيل ولكن ليس على الاتحاد السوفيتي. وطالب الأمم المتحدة والولايات المتحدة ببذل “جهد حازم” من أجل “التصدي للأسباب الجذرية للمشاكل في الشرق الأوسط،” والتي شملت الغارات التي قام بها الفلسطينيون عبر الحدود من غزة. وقال جونسون إنه “ليس من غير المعقول على الإطلاق أن تطلب إسرائيل ضمانات من الأمم المتحدة كي لا تعود هذه الهجمات ضدها مجدداً متى ما سحبت قواتها من” غزة وسينا.
- William Quandt, Peace Process: American Diplomacy and the Arab-Israeli Conflict Since 1967, Third Edition (Washington, Berkeley: Brookings Institute and the University of California Press, 2005): 44-52.يناقش ويليام كواندت تأثيرات حرب السويس في تصورات جونسون إزاء الصراع العربي-الإسرائيلي.
- للاطلاع على تحليل لمبدأ آيزنهاور، انظر Salim Yaqub, Containing Arab Nationalism: The Eisenhower Doctrine and the Middle East, (Chapel Hill: University of North Carolina Press, 2004)
- تجاهل كيسنجر الصراع العربي-الإسرائيلي إلى حد كبير حينما كان مستشار الأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون إبان ولايته الأولى. وبوصفه أكثر مستشار للشؤون الخارجية يثق به نيكسون في ولايته الرئاسية الثانية، حظي كيسنجر بعد أن بات يشغل منصب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي بنفوذ وصلاحيات أكبر جراء فضيحة ووترغيت التي انشغل بها الرئيس.
- Quandt, 133; Shlaim, 313. كان من بين العلامات التي غفلت عنها (أو تجاهلتها) الولايات المتحدة وإسرائيل في الفترة السابقة للحرب طرد 15,000 مستشار سوفيتي من مصر في تموز/يوليو 1972. وهكذا فقد كانت العلاقات بين موسكو والقاهرة متوترة أصلا حتى قبل بدء الحرب وكان السادات أكثر تقبلا للمبادرات الأمريكية في أعقابها.
- Quandt, 159-163. كان من بين مطالب رابين أن يوقع السادات على معاهدة سلام منفصلة وأن يعلن انتهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل.
- Gerald R. Ford, A Time to Heal: The Autobiography of Gerald R. Ford (New York: Harper and Collins, 1979): 287. كتب فورد معلقا على قرار “إعادة التقييم” بأن قراره “هز المجتمع اليهودي الأمريكي والكثير من أصدقاء إسرائيل في الكونغرس. إن اللوبي الإسرائيلي، المكون من أمريكيين وطنيين، قوي وثري وذو صوت مسموع، ولكن ليس لدى الكثير من أعضائه سوى تركيز واحد. لقد عرفت بأنني سرعان ما سوف أتعرض لضغوط مكثفة من أجل تغيير سياستنا، ولكنني كنت عازما على الثبات.” (247)
- Yitzhak Rabin, The Rabin Memoirs (Boston: Little, Brown and Company, 1979): 261-263. كتب رابين لاحقا بأن إعادة التقييم كانت “عبارة بريئة أنذرت بواحدة من أسوأ الفترات التي مرت على العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية.” ورغم أن تقدير رابين للوضع قد يكون بعيدا عن الدقة، فإن مسؤولين إسرائيليين آخرين سعوا لإبراز هذا المثال التاريخي لغاياتهم الخاصة. فعلى سبيل المثال، أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في شهر آذار/مارس بأن السفير الإسرائيلي مايكل اورين زعم في اتصال هاتفي مع دبلوماسيين إسرائيليين آخرين بأن “علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة تمر في أزمة هي الأسوأ منذ عام 1975… وهي أزمة ذات أبعاد تاريخية” وذلك على خلفية التوترات بين إدارة الرئيس أوباما وحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.”Israeli envoy sees ‘historic crisis’ with U.S.: Report,” Reuters, March 15, 2010 http://www.reuters.com/article/idUSTRE62E11O20100315.
- Quandt, 163-166
- Quandt, 166-169 أقر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرارين 242 و338 في أعقاب حرب حزيران/يونيو 1967 وحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 على التوالي وشرع مبدأ “الأرض مقابل السلام” الذي كان بمثابة إطار العمل من أجل التوصل إلى تسوية سلمية للصراع العربي-الإسرائيلي على مدار 37 عاما مضت. لقد دعا القرار رقم 242 إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة في مقابل السلام مع الدول العربية المجاورة. ولأن القرار لم يذكر حق الفلسطينيين في تقرير المصير أو حقوق اللاجئين الفلسطينيين، رفضته منظمة التحرير الفلسطينية بخلاف الدول العربية التي تبنته كأساس للتوصل إلى اتفاقية سلام. أما القرار رقم 338 فقد دعا إلى إنهاء القتال واستئناف المفاوضات على أساس القرار 242.
- لا يتسع المقام لمناقشة مفاوضات واتفاقية كامب ديفيد، ولكن تجدر الإشارة إلى أن المزايا التي منحتها الاتفاقات لإسرائيل والآثار التي خلفتها على الحقوق الفلسطينية قد فاقت بكثير التنازلات التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن استجابة لضغوط إدارة الرئيس كارتر من أجل إبرام اتفاقية.
- قال الرئيس بوش في معرض تعليقه على مسألة القرض: “نحن بصدد جماعات قوية جدا وفاعلة، أحيانا، تذهب إلى الكونغرس وتعمل لصالح الوجه الآخر من المسألة. أما نحن فلدينا واحد مسكين يعمل بمفرده” “Excerpts from President Bush’s News Session on Israeli Loan Guarantees,” New York Times, September 13, 1991.
- Quandt, 303-310.
- Quandt, 310-317 كانت عملية مدريد في حالة تخبط حتى قبل أن يخسر بوش الانتخابات في عام 1992. وقد عُلقت في نهاية المطاف بعد أن أبعدت إسرائيل أكثر من 400 فلسطيني من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى جنوب لبنان في كانون الأول/ديسمبر. وفي انتخابات عام 1992، انتقد بيل كلنتون الذي كان يشغل منصب الحاكم حينئذ موقف بوش إزاء ضمانات القروض. وكانت الإدارة الأمريكية في الأشهر التسعة الأولى التي تلت انتخاب الرئيس بيل كلنتون منشغلة إلى حد كبير بالقضايا الداخلية وكانت أقل استعدادا للضغط علنا على حكومة رابين العمالية.
- انظر مقالتي “Pax Americana: The United States, the Palestinians, and the Peace Process, 1948-2008” New Centennial Review 8 (2008),” للاطلاع على نقاش حول استعداد منظمة التحرير الوطنية للتفاوض حول قضية التمثيل.
- سوف يأتي تحليل اتفاقات أوسلو وآثارها على حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته في سياق ورقة مستقبلية، ولكن تجدر الإشارة إلى أن النمط الذي تُبرزه هذه الورقة والمتمثل في حصول إسرائيل على امتيازات خفية نتيجة الضغط الأمريكي المعلن قد استمر أثناء عملية أوسلو.
- وردت الترجمة الإنجليزية لهذا الاقتباس في تقرير لديفيد هوفمان، “Shamir Plan was to Stall Autonomy,” Washington Post, June 27, 1992. وبعد ذلك بسبع سنوات، ادعى شامير في مقابلة مع مجلة Middle East Quarterly بأن صحيفة معاريف قد أخطأت في نقل كلامه. ومع ذلك، كشفت المقابلة كم كان محدودا مفهومه لماهية “الاتفاق الشامل” وماهية الحكم الذاتي، إن وجد، بالنسبة للفلسطينيين. انظر Daniel Pipes, “Yitzhak Shamir: A Lifetime of Activism,” Middle East Quarterly, June 1999. http://www.danielpipes.org/6331/yitzhak-shamir-a-lifetime-of-activism
- تجدر الملاحظة إلى أن استعراض تأثير اللوبي الإسرائيلي في صناعة القرار الأمريكي استعراضا موسعا يقع خارج إطار هذه الورقة ويستوجب بحثا إضافيا يتناول العوامل الثقافية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية المؤثرة في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي-الاسرائيلي.
- أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكي آندرو شابيرو في تموز/يوليو بأن إدارة الرئيس أوباما ستزيد قيمة المساعدات الأمنية التي سوف تتلقاها إسرائيل في عام 2010 إلى 2.775 مليار دولار، وهو “أضخم طلب من هذا القبيل في تاريخ الولايات المتحدة.” وأوضح شابيرو بأن الإدارة تأمل في أن “زيادة الالتزام بأمن إسرائيل سوف تدفع العملية قدما من خلال مساعدة الشعب الإسرائيلي في اغتنام هذه الفرصة واتخاذ القرارات الصعبة اللازمة لتحقيق السلام الشامل.” Natasha Mozgovaya, “U.S. official: More U.S. aid will help Israel make ‘tough’ decisions,” Ha’aretz, July 16, 2010 http://www.haaretz.com/news/diplomacy-defense/u-s-official-more-u-s-aid-will-help-israel-make-tough-decisions-1.302374.
- Mark Landler, Helene Cooper, Ethan Bronner, “U.S. Presses Israelis on Renewal of Freeze,” New York Times October 1, 2010. http://www.nytimes.com/2010/10/01/world/middleeast/01mideast.html?_r=1&scp=5&sq=obama%20settlements%20jordan%20valley&st=cse