شنت إسرائيل مؤخرًا سلسلة من الهجمات على وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين في الشرق الأدنى (الأونروا) وهو ما قد يُنذر بمحاولة أخرى لإغلاق الوكالة. وفي الوقت ذاته تواجه الأونروا تحديات خارجية وداخلية خطيرة يمكن أن تُسفر، إذا ما نظرنا إلى محاولات الغرب عبر التاريخ لاستخدامها من أجل إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، عن تبدلٍ في مهمة الوكالة وولاياتها كما حصل لبرهة في مرحلة ما بعد أوسلو. تتناول مستشارة الشبكة لشؤون السياسات رندة فرح التحديات الإسرائيلية والغربية والعربية المفروضة على وكالة الأونروا والتي تستدعي احتراز الفلسطينيين وتيقظهم في العام 2012.
الأونروا تحت القذف الإسرائيلي مجددًا
اتهم نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني إيالون مؤخرًا وكالةَ الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين في الشرق الأدنى (الأونروا) بأنها تعمل على إدامة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ووصفها بأنها “غير مقبولة أخلاقيًا ولا سياسيًا،” مدعيًا بأنها تطبق معايير مزدوجة عندما لا تُعيد توطين اللاجئين الفلسطينيين عبر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ما يعرقل، برأيه، التوصل إلى حل سلمي للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
يتبع هجوم إيالون على الأونروا نمطًا من الهجمات التي طالت الوكالة في الآونة الأخيرة. ويأتي هجومه عقب اتهام إسرائيلي مشابه نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم” بتاريخ 21 تشرين الثاني/نوفمبر جاء فيه أن إسرائيل تعتزم الطلب من الأمم المتحدة بأن تغلق الأونروا، متهمةً الوكالة بأنها “عقبة أمام السلام.” واقتبست الصحيفة تصريحات مسؤولين إسرائيليين ادعوا فيها بأن الأونروا قد “شوهت مصطلح اللاجئ” وأنْ ليس في العالم لاجئون آخرون تحصل أجيالهم اللاحقة على صفة اللاجئ غير الفلسطينيين.
تنسجم الهجمات الأخيرة على الأونروا مع الدعاية الإسرائيلية المعتادة الرافضة لأسباب الصراع الجذرية باعتبارها ليست ذات صلة وهي تحديدًا المشروع الاستيطاني الاستعماري الصهيوني ومسؤولية إسرائيل عن التطهير العرقي للفلسطينيين في العام 1948 الذي تمخض عنه اللاجئون الفلسطينيين في المقام الأول. كما تستند هذه الهجمات إلى أكاذيب مفضوحة منها، على سبيل المثال، تجاهُلُ أن هناك الملايين من اللاجئين غير الفلسطنيين ممن تصف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حالات لجوئهم بأنها “حالات لجوء طال أمدها وهي تنبع من مآزق سياسية” وتتلقى مساعدات. تتسم الاتهامات التي تكيلها إسرائيل للأونروا بالسخف ولا سيما إذا ما نظر المرء إلى تاريخها الموثق من الاعتداءات المسلحة التي شنتها على منشآت الأونروا كالمدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف والتي وقع ضحيتها ما بين قتيل وجريح معلمون وطلاب وأطباء وممرضون.
التحديات الخارجية وسجل الأونروا
يمكن للمرء أن يتجاهل تلك الهجمات باعتبارها مجرد محاولات فاشلة. ولكن بالنظر إلى الجهود الحثيثة المبذولة في الكونغرس الأمريكي للتوقف عن تمويل الأونروا، وتعاظم نفوذ اليمين الجمهوري بموازاة تراجع قدرة إدارة الرئيس باراك أوباما وانحسار استعدادها لمواجهة الحكومة الإسرائيلية – ناهيك عن انسحاب كندا من تمويل الوكالة في شهر كانون الثاني/يناير 2010 – فإن تلك الهجمات قد تكون إرهاصات لأمورٌ سوف تقع.
تواجه الأونروا، إلى جانب الهجمات الإسرائيلية، تحديات خارجيةً أخرى ناجمةً من تحولات سياسيةٍ جوهريةٍ في المنطقة كان آخرها الانتفاضات في العالم العربي، والمساعي الدبلوماسية التي تبذلها منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة، واستمرار الحصار على غزة. وكانت تلك هي الحال، على سبيل المثال، عقب توقيع إعلان المبادئ في أيلول/سبتمبر 1993 عندما أخذت الأونروا تتهيأ لحل نفسها، غير أن العملية انعكست بسبب فشل اتفاقات أوسلو فشلًا ذريعًا. وبصوةٍ مماثلة، قد تواجه الأونروا في هذه المرحلة التاريخية الراهنة ضغوطات ترمي إلى قصقصة أجنحتها والتقليل من مكانتها إنْ لم تستهدف إيقاف عملياتها.
وفي هذا السياق، يصبح استعراض تاريخ الأونروا، ولو بإيجاز، ضرورةً ليس فقط لتفنيد ادعاءٍ إسرائيلي ثقيل الظل وإنما لكي يظل الفلسطينيون متيقظين إزاء التحولات التي قد يترتب عليها تداعيات بالنسبة للاجئين الفلسطينيين الذين لا بد وأن يبقى حقهم في العودة يُمثل الركيزة الأساسية للنضال الوطني الفلسطيني.
تأسست وكالة الأونروا في كانون الأول/ديسمبر 1949 بموجب القرار رقم 302 (4) الصادر من الجمعية العام للأمم المتحدة بناءً على توصية بعثة المسح الاقتصادية (المعروفة أيضًا باسم “بعثة كلاب”). ومن الجدير بالذكر أن بعثة المسح الاقتصادية أُنشئت عقب إخفاق لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين في تسهيل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم وتعويضهم، ويُعزى فشلها بالأساس إلى الموقف الإسرائيلي الرافض. وبموجب القرار، تنص ولاية الأونروا على أن تضطلع الوكالة “بالتعاون مع الحكومات المحلية بالإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل، بحسب توصيات بعثة المسح الاقتصادية. وتتشاور مع الحكومات المهتمة في الشرق الأدنى بشأن التدابير التي تتخذها هذه الحكومات تمهيدا للوقت الذي تصبح فيه المساعدة الدولية للإغاثة ولمشاريع الأعمال غير متوفرة.” وينص القرار أيضًا على أن تتشاور الأونروا مع لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة مع الإشارة بوجه خاص إلى الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (3)1 الصادر بتاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 1948.2
ومع ذلك، فإن كلمة “تشغيل” الواردة في اسم الأونروا وولايتها تعني فعليًا – إنْ لم تعنِ صراحةً – توطين اللاجئين في بلدان اللجوء، وهي تشي بالموقف السياسي للقوى الغربية وأبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا. فقد صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية أثناء مناقشة برلمانية في نيسان/إبريل 1951 بأن “حكومة جلالتها ترى بأنْ هنالك مصلحة كبرى للاجئين أنفسهم لو أن معظمهم، دون المساس بحقوقهم في التعويض،3 استطاعوا التوطن في البلدان العربية المضيفة.”4 واستنادًا إلى تونيني، فقد تبنت بريطانيا في وقت مبكر الرؤية الأمريكية المهيمنة المتمثلة في “التنمية وإعادة التوطين” لحل معضلة اللاجئين الفلسطينيين. فلم يقع من قبيل المصادفة اختيار جون بلاندفورد الابن، بعد أن عمل مستشارًا للرئيس هاري ترومان لمشروع مارشال لإعادة تعمير بأوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، ليكون رئيسًا للجنة الاستشارية للأونروا وثاني مديري الوكالة في وقت لاحق. فقد أشار بلاندفورد إلى أن مشاريع “التشغيل” بمساعدة الأونروا سوف تكون “النقيض لحياة المخيمات والتبطّل.”5 غير أن خطط الإدماج عن طريق “المشاريع الريادية” واسعة النطاق، ولاحقًا الصغيرة، مُنيت بالفشل، إذ لم يكن اللاجئون ولا البلدان العربية المضيفة على استعداد للتنازل عن حق الفلسطينيين في العودة.
تأسست وكالة الأونروا قبل تأسيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وقبل دخول اتفاقية اللاجئين لعام 1951 حيز النفاذ وذلك يفسر وجود المادة 1(د) في الاتفاقية والتي تنص بأن الاتفاقية لا تنطبق على “الأشخاص الذين يتمتعون حالياً بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.” وهذا هو سبب اضطلاع الأونروا وليس المفوضية بتقديم المساعدات حصرًا للاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها.
إن من الأهمية بمكان التأكيد على أن السبب الرئيسي لاستمرار وجود الأونروا هو المأزق السياسي الناشئ من إصرار إسرائيل على رفض القرار 194 (3) الداعي إلى حق اللاجئين في العودة والتعويض. فلن تعود هناك حاجة للأونروا إذا ما أُعطي اللاجئون حقَّهم في العودة. كانت الوكالة حين استهلت عملياتها في سنة 1950 تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750,000 لاجئ فلسطيني. أما اليوم، فهناك 5 ملايين لاجئ فلسطيني مؤهلٍ للحصول على خدمات الأونروا (خَلَف اللاجئين الفلسطينيين الأوائل مؤهلون أيضًا للتسجيل كلاجئين). تقتصر إحصاءات الأونروا على اللاجئين الواقعين تحت ولايتها والمسجلين لديها. أما عدد اللاجئين الفلسطينيين، في الواقع، فهو أكثر بكثير، إذ يشير المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين “بديل” إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين بلغ في مطلع 2007 قرابة 7 ملايين، منهم 450,000 مشرد داخليًا، يمثلون في مجملهم 70 في المئة من العدد الكلي للفلسطينيين حول العالم البالغ 9.8 مليون. ولا تزال السياسات الإسرائيلية إلى اليوم تحمل الفلسطينيين على اللجوء والتشرد داخليًا.
حتى وإنْ انضوى اللاجئون الفلسطينيون تحت ولاية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فسيبقى حقهم في العودة مكفولًا وفق القانون الدولي، إذ لا لَبس في قانون اللاجئين بشأن هذه المسألة. فبموجب اتفاقية عام 1951 وبروتوكول عام 1967، تلتزم المفوضية بالعمل على التأسيس لثلاثة حلولٍ دائمة وتيسر إعمالها وهي: الإعادة إلى الوطن والإدماج وإعادة التوطين. وفي واقع الأمر، أخذ المجتمع الدولي في حقبة ما بعد الحرب الباردة يُحبِّذ حل الإعادة إلى الوطن دون سواه. والأهم من ذلك هو أن الاتفاقية والبروتوكول يؤكدان على حرية الاختيار، أي قدرة اللاجئين على اختيار العودة إذا كانوا راغبين فيها، وهو ما يجعل حجة إسرائيل القاضية بأن إعادة التوطين في العالم العربي هي الخيار الأوحد المتاح للاجئين الفلسطينيين حجةً باطلةً قانونًا، ومفلسةً أخلاقيًا، ومنافيةً للواقع السياسي.
إن ما لا يذكره الساسة الإسرائيليون عن عمد هو أن إسرائيل سنّت قانونين، أحدهما لليهود والثاني للفلسطينيين، لضمان أن لا يتمكن اللاجئون من العودة أو استرجاع ممتلكاتهم. فقانون العودة (1950) يسمح لأي يهودي في العالم بالمطالبة بالجنسية الإسرائيلية. وفي تناقض صارخ، صيغ قانون الجنسية لعام 1952 لمنع اللاجئين من العودة ومن الحصول على الجنسية الإسرائيلية. وينص قانون الجنسية بأنه يتعين على الفلسطينيين أن يثبتوا بأنهم كانوا متواجدين في دولة إسرائيل في 14 تموز/حزيران 1952 أو قبل ذلك التاريخ. ولكن بحلول ذلك التاريخ كان ثلثا السكان الفلسطينيين قد طُردوا من ديارهم وبالتالي لا يستطيعون “إثبات أنهم كانوا متواجدين في دولة إسرائيل.”
ونظرًا لاستمرار المأزق السياسي، تواصل الأونروا تقديم المساعدات والإغاثة للاجئين. وغدا التوصل إلى حلٍ سلمي ضربًا من المستحيل جراء استمرار إسرائيل في توسعها الاستعماري على الأرض الفلسطينية ببناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقدس الشرقية بوتيرة لا هوادة فيها، وتدمير الاقتصاد في غزة بفرض حصارٍ غير قانوني وعمليات القصف المتكررة، وتمزيق الأرض الفلسطينية بجدارٍ فصلٍ يبتلع في طياته وثنياته مزيدًا من الأراضي، وانتشار مئات نقاط التفتيش المعيقة للحركة والتنقل، ووجود شبكة طرق مخصصة لليهود فقط، وتزايد القوانين والأنظمة التي تستحيل معها الحياة اليومية الفلسطينية بشكل طبيعي. إن هذا الجهاز القعمي يزيد من اعتماد اللاجئين على المساعدات الهزيلة التي تقدمها الأونروا، ويحمل في الوقت نفسه المزيدَ من الفلسطينيين على اللجوء والتشرد داخليًا.
لقد فشلت الحكومة الإسرائيلية في إجلاء الفلسطينيين رغم الخطط والمحاولات العديدة التي سبقت قيام إسرائيل سنة 1948 ولم تنقطع إلى الآن. فها هي اليوم تقترح إغلاق الأونروا، مدعيةً زورًا بأن ما يُديم نضال الفلسطينيين هو هذه الوكالة، وليس الاحتلال العسكري والقمع الذي تمارسه إسرائيل. لقد فشلت الأونروا، من وجهة النظر الإسرائيلية الصهيونية، في جعل اللاجئين يتلاشون في العالم العربي. فقد تعثرت بالفعل الخطط الرامية إلى استخدام الأمم المتحدة كوسيلة لتنفيذ مشروعٍ كمشروع مارشال في الشرق الأوسط لاحتواء أي اضطرابات يمكن أن يثيرها اللاجئون المجتثون من أرضهم. وتعثرت كذلك الخطط والمقاربات اللاحقة سواء من خلال “التنمية المستدامة” أو برامج التعليم وبناء المهارات، والتي أغرت اللاجئين بولوج أسواق العمل العربية ولا سيما في دول الخليج الغنية بالنفط. وعوضًا عن ذلك، باتت الوكالة بمثابة تذكرةٍ دائمةٍ للمجتمع الدولي والفلسطينيين بأن خطيئة قد ارتُكبت وظلمًا قد وقع في العام 1948 ولا بد من تصويبهما. كما باتت تسترعي الانتباه إلى افتقار الفلسطينيين بحكم الواقع إلى الجنسية وإلى كونهم أمةً لا يزال حقها في تقرير المصير ينتظر التنفيذ.
التحديات الداخلية للأونروا: دعوةٌ إلى التيقظ
هل تعمل الأونروا كوسيلةٍ لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين في العالم العربي واحتواء نضالهم السياسي كما يزعم منتقدوها الفلسطينيون أم هل إنها تُبقي قضيتهم حيةً وبارزةً على الساحة الدولية؟ لقد ظل هذا السؤال يراود الفلسطينيين منذ تأسست الوكالة، وسيبقى يفرض نفسه طالما بقي الصراع وطالما ظل هناك فاعلون متعددون ذوو مصالح وأجندات مختلفة منهم الكثيرون ممن يتنافسون داخل الوكالة.
لقد أشرت في موقف سابق نشرته الشبكة إلى أن الأونروا ليست مؤسسةً ثابتةً ومتجانسةً، بل هي منظمةٌ متطورةٌ وفضاءٌ زاخرٌ بالتناقضات نظرًا لكونها متورطةً في السياسة الدولية والإقليمية والدولية. فالدول والمؤسسات المختلفة التي تؤثر مباشرة في الوكالة قد تتقاطع أو تتضارب في أجنداتها ومصالحها، بما فيها مصالح اللاجئين، واللاجئين الموظفين لدى المنظمة، ومنظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية أو حماس، والدول المانحة، والدول العربية المضيفة، وإسرائيل. فكل واحد من هؤلاء الفاعلين يسعى إلى جذب الوكالة باتجاه معين وإسناد معانٍ ووظائف معينة لها. وعلى هذا النحو، مثلًا، تبنت القوى الغربية (وكثير منها من المانحين الرئيسيين لوكالة الأونروا) عمومًا الموقف الإسرائيلي إزاء قضية اللاجئين. وعلى النقيض، يعتبر اللاجئون الفلسطينيون، بمن فيهم الواقعون ضمن ولاية الأونروا، حقوقهم القانونية والسياسية حقوقًا لا تقبل التفاوض. وهكذا، تكون مصالح اللاجئين ومصالح القوى الغربية داخل وكالة الأونروا متناقضةً بطبيعتها.
وبالمحصلة، غدت الأونروا تتسم بالإبهام والغموض الناشئ من علاقاتها متعددة الأوجه والمصالح المتضاربة. وعلاوة على ذلك، لم تعد القيادة الفلسطينية اليوم تنعم بالوحدة، فأصبحت تفتقر إلى الفعالية التي اتسمت بها في عقود سابقة، وتشتت تركيزها بفعل أنشطتها الدبلوماسية والانقسام بين حركتي فتح وحماس؛ والأهم من ذلك هو أنها همّشت اللاجئين الفلسطينيين في أجندتها السياسية منذ عملية أوسلو. وهذا ينتقص من تأثير الفلسطينيين في الوكالة ويتيح للفاعلين الآخرين، ومن ضمنهم إسرائيل، هامشًا أكبر للمناورة والسعي لكبح قدرة الأونروا على العمل واضطرارها إلى الحد الأدنى بالضغط على الحكومات الغربية، على سبيل المثال، لإيقاف تمويلها أو إخماد أصوات اللاجئين الداعية إلى الحقوق الفلسطينية داخل الوكالة بالعزف مرةً تلو الأخرى على وتر “الصلة بالإرهاب،” وهي معزوفة باليةٌ سئمتها الآذان. وهذا التكتيك الأخير يهدف إلى إبقاء الأونروا تحت المراقبة والتمحيص الدائمين.
يجب علينا أيضًا أن ننظر إلى التركيب الداخلي للأونروا، حيث تبلغ نسبة الموظفين الفلسطينيين أكثر من 95 في المئة من مجمل عدد الموظفين في الوكالة، أي نحو 30,000 موظف، غير أن الجهاز التنفيذي والمراتب العليا في الإدارة هم من الموظفين الدوليين، وجلُّهم من الأمريكيين والأوروبيين، الذي يحتكرون صلاحيات صنع القرارات وما يتعلق بالسياسات. وعمومًا، تكشف العلاقة بين الموظفين الدوليين ونظرائهم الفلسطينيين تفاوتًا صارخًا، وتتأثر هذه العلاقة بالتحولات السياسية الرئيسية والتقلبات في المنطقة.
وهكذا، في حين أن الضرورة تحتم التنبه إلى الغارات الدبلوماسية التي تشنها إسرائيل ضد الأونروا، فإن من الأهمية أيضًا التنبه إلى التحولات الداخلية، نظرًا للترابط القائم بين العوامل الخارجية والداخلية، ومن ذلك التغيرات الداخلية على صعيد السياسات، والهياكل الإدارية والمالية، والبرامج والعمليات. وعلى سبيل المثال، وكما تُظهر بحوثٌ سابقة، باتت الوكالة عديمة الرحمة إزاء التعابير الظاهرة التي تحكي تاريخ طرد اللاجئين، أو إزاء تسييسها بأي شكل من الأشكال. وفي السنوات السابقة التي شهدت ذروة منظمة التحرير الفلسطينية وأوجها، كانت خرائط فلسطين ما قبل عام 1948 تُرى معلقةً على جدران المدارس والمراكز المخيمية التابعة للأونروا؛ أمّا اليوم، فقد بات تعليقها (رغم أن معرفة اللاجئين بماضيهم حقٌ لهم وليس امتيازًا ومِنَّة) قد يثير ضجة داخل الأونروا وربما يقود إلى اتخاذ تدابير تأديبية بحق الموظفين المحليين. وبعبارة أخرى، فإن الضغوط الخارجية تُمارس على الأونروا لضمان أن لا يتسلل إليها “إرهابيون،” ووفقًا لذلك يجب على اللاجئين الفلسطينيين، ولا سيما الموظفين، أن يتصرفوا كما لو أنهم لا يملكون تاريخًا أو سياسةً، بل عليهم التظاهر بأنهم حالات إنسانية ترتكز هويتهم على مكانتهم فقط “كمستفيدين” أو متلقين سلبيين للمساعدات.
ينبغي للتحديات الداخلية التي تواجهها الأونروا والدعوات الإسرائيلية لحجب التمويل عن الوكالة أو حتى لإغلاقها أن تثير التساؤلات. وفي المقابل، ينبغي للفلسطينيين أن يبقوا متيقظين إزاء أي تغيرات تطرأ على البرامج والسياسات داخل الأونروا لضمان أن تبقى الوكالة وفيةً لمهمتها الأصلية المتمثلة في مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، لا أن تتحول إلى بيروقراطيةٍ مكرسةٍ لخدمة المصالحة الذاتية بحيث تتيح للموظفين الدوليين فرصةَ جمع رواتب عاليةٍ على حساب اللاجئين، أو أسوأ من ذلك وهو أن تصبح جهازًا رقابيًا يبحث عن “إرهابيين” في صفوف اللاجئين. لقد تعايشت الوكالة مع اللاجئين الفلسطينيين لستة عقود، وهي حاضنةٌ لذاكرتهم إذ تحتفظ بآلاف الوثائق التي تشهد على فاجعة الفلسطينيين التاريخية. لقد غدا اللاجئون يعتبرون الأونروا رمزًا لحقوقهم؛ وهي أيضًا مصدر رزق للكثيرين من بين أفقرهم. وينبغي للفلسطينيين حماية هذا التراث لكي لا تختطف الوكالة، هويتها ومهمتها، على يد مَن تسبب بالأساس في لجوئهم وتشردهم.
- تنص الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (3): ينبغي السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم القيام بذلك في أقرب وقت ممكن، وينبغي دفع تعويضات عن الممتلكات العائدة لمن يختار عدم العودة وعن خسارة الممتلكات أو الأضرار التي لحقت بها، وهذا أمر ينبغي، سواء بموجب مبادئ القانون الدولي أو من باب الإنصاف، أن تقوم به الحكومات أو السلطات المسؤولة. ↩
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة UNGA A/RES/302 (IV) الصادر بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 1949 والمتاح عبر الرابط التالي:
http://unispal.un.org/unispal.nsf/a06f2943c226015c85256c40005d359c/af5f909791de7fb0852560e500687282?OpenDocument ↩ - لاحظ عدم ذكر “الإعادة إلى الوطن” باعتباره أحد الحقوق أيضًا. ↩
- ألبيرتو تونيني، ورقة معنونة: “The Donor Countries and UNRWA’s Relief and Development Policies, 1950-1967” مقدمة في إطار حلقة عمل نظمها مركز ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﻭﺒﺤﻭﺙ ﺍﻟﺸﺭﻕ ﺍﻷﻭﺴﻁ ﺍﻟﻤﻌﺎﺼﺭ (CERMOC) في العاصمة الأردنية عمان (9-11 تشرين الأول/أكتوبر 1998). ↩
- Schiff, Benjamin, 1995, Refugees Unto the Third Generation: UN Aid to Palestinians., New York: Syracuse University Press, p. 29. ↩