Beyond the Apartheid Analogy: Palestinian survivance

ماذا يحدث لحلم مؤجل؟أَيجف
كالزبيب تحت الشمس؟
أم يتقرح كالجرح
ويسيل بالصديد؟
أيتعفن كاللحم الفاسد؟
أم ييبس كالحلوى من بعد طراوة؟
لعله فقط يتدلى
كحِمل ثقيل.
أو يتفجر؟

– لانغستون هيوز

المواظبة على البقاء هي أكثر من مجرد صراعٍ مدفوع بردة الفعل من أجل الوجود. ظهر مصطلح المواظبة على البقاء (survivance) في دراسات الشعوب الأمريكية الأصلية، وهو يتناول الحضور الفاعل للشعوب الأصلية واستمرار كرامتها رغم سياسات الإبادة العرقية لدولة الاستيطان الاستعمارية.1 وكسائر الشعوب الأصلية الأخرى الرازحة تحت حكم الدول الاستعمارية الاستيطانية، لا تُعتبر مواظبة الفلسطينيين على البقاء من المسلَّمات. بل على العكس من ذلك، لا تزال مواظبتهم على البقاء تواجه المعوقات على المستويات الأساسية الأولية، إذ ما زال الفلسطينيون في القرن الحادي والعشرين ينتظرون الاعتراف بهم والتعامل معهم كبشر دون الانتقاص من إنسانيتهم.

بالرغم من أن هذا المحو الأيديولوجي ينضوي تحت جهدٍ استشراقي أوسع للحط من الشعوب العربية والمسلمة، فإن المعاملةَ التي يلقاها الفلسطينيون متأصلةٌ أيضًا في الرواية الصهيونية التي قامت على أساسها دولةُ إسرائيل وما فتئت تُدار. وهذا يعني في الواقع السياسي أن الدولة الإسرائيلية تنظم سياساتها ومواردها بطريقة ممنهجة على أساس هذا يهودي وهذا غير يهودي. ومن هذا المنطلق يتعرض الفلسطينيون للمحو الأيديولوجي عمليًا من خلال سياسات الطرد والحرمان، ونزع الصفة الإنسانية عنهم وإكساب هذا العمليةِ طابعًا رسميا.

ومع ذلك، يثبُت الفلسطينيون بعزم وإصرار داخل حدود فلسطين التاريخية وخارجها. ويتجسد ثباتنا الواعي، رغم التدابير المهولة المصممة لاحتوائنا واقتلاعنا من أرضنا، في شعارات شعبية سياسية من قبيل “الوجودُ مقاومةٌ”. وثمة دورٌ أكبر تؤديه هذه الشعارات بالإضافة إلى دورها الكبير في النضال ضد الاستعمار وتسييس الحياة تحت حكم السلطة الإسرائيلية. وما يسترعي الاهتمام أيضًا في هذا الصدد هو طبيعة الوجود الفلسطيني الجاري اختزاله بوتيرة سريعة في حياةٍ مجرَّدة صِرفة في ظل الهيكل الأمني المشدَّد لدولة الاستيطان.

يزداد في الوقت الحاضر عقد المقارنات بين درجة نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وظروف الأبرتهايد في جنوب أفريقيا. وليس من المستغرب أن أنصار الصهيونية يرفضون الربط السياسي بين الحالة الفلسطينية والأبرتهايد على أساس أن مقارنة دولة إسرائيل بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا هي مقارنة واهنة.

غير أن بعض التحليلات، في أوساط الفلسطينيين ومؤيدينا، تثير قلقًا أكثر إذ تختزل نظامَ الفصل العنصري في قائمة من الخصائص المعينة التي يمكن حذفها أو إثباتها. إن نظام الفصل العنصري، مهما كانت تجلياته، يؤطره منظورٌ عالمي أوسع. ومن هنا يمكننا أن نعقد مقارنات مجدية بين أوجه الشبه القائمة بين جنوب أفريقيا إبان الأبرتهايد وإسرائيل اليوم.

لقد سبقَ الفصلَ العنصري في جنوب أفريقيا استعمارٌ استيطاني، وبموجبه اعتمد الجنس الأبيض في استيطانه وفرض تفوقه على التشريد الجماعي للسكان الأصليين السود من أراضيهم وعلى استغلالهم كعمالةٍ رخيصة. وجرى إدماج السكان الأصليين السود المشردين داخليًا في الاقتصاد الاستعماري الاستيطاني. وأضفى النظام القانوني للأبرتهايد، الذي جاء بعد الاستعمار الاستيطاني بزمن، الطابعَ الرسمي على الأيديولوجيات التي قام عليها الاستعمار الاستيطاني، غير أن كليهما استندا إلى نزع صفة الإنسانية عن الشعب المقهور المستعبَد. وعلاوةً على ذلك، وفي كلتا الحالتين، كانت إنسانية المرء من عدمها تُقاس بمقياس طيف اللون الأبيض.

وفي إسرائيل، كما كانت الحال في جنوب أفريقيا إبان الأبرتهايد، توجد بيروقراطيةٌ تجعل إخضاع فئة اجتماعية كاملة حدثًا روتينيًا، حيث صارَ أفراد تلك الفئة، الموصومون بأنهم مجرمون محتملون، مطالبون على الدوام بإبراز وثائق وتصاريح وبطاقات هوية وأوراق “رسمية.” وعلى غرار سياقات الاستيطان الاستعماري الأخرى، تُعتبر هذه الشكليات البيروقراطية آليات يومية لممارسة العنف والقهر على الفلسطينيين وتجريدهم من أراضيهم وحرمانهم حريةَ الحركة والقدرةَ على التحكم بوقتهم.

إن نزع الصفة الإنسانية عن السكان الأصليين ضمن نظام اجتماعي مبني على تفوق عنصرٍ على سواه ليس في حد ذاته كافيًا لإدامة وجود النظام الاستعماري الاستيطاني القائم على الفصل العنصري. فهذا النظام ينطوي أيضًا على تجريم هؤلاء السكان ليس لشيئ سوى وجودهم – لاستمرارهم في الوجود على الأرض التي يطمع فيها. وهذا يعني التعاملَ مع أي مقاومة للوضع الراهن باعتبارها جريمةً جنائية. وبالنسبة للفلسطينيين الرازحين تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، تعتمد قدرتهم على مزاولة أنشطتهم اليومية على إثبات أنهم ليسوا مجرمين عند مرورهم عبر الحواجز العسكرية التي تقرر ما إذا كانت ستسمح لهؤلاء بالذهاب إلى أعمالهم اليومية أم لا.

هل يهم لو أطلقنا اسم الأبرتهايد أو الفصل العنصري على ما يحدث؟ فلم يكن الفصل العنصري سوى محاولةٍ لمأسسة الاستعمار الاستيطاني، وهناك معرفة وافرة حول ماهية الاستعمار الاستيطاني.

إن لأوجه الشبه بين نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا وإسرائيل حدودًا، فنوايا الحركة الصهيونية كانت ولا تزال مختلفة جذريًا. فلم يكن هدفها احتواء الفلسطينيين وفرض الهيمنة عليهم، كما تبرهن تصريحات القادة الصهاينة الأوائل مثل ثيودور هرتزل والمسؤولين الإسرائيليين الحاليين مثل بنيامين نتنياهو. فليس ذلك إلا نتيجة ثانوية انبثقت عن إقامة دولة يهودية ذات أغلبية يهودية.

يتمثل الهدف المحوري للحركة الصهيونية على الدوام في الاستيلاء على الأرض من دون سكانها الأصليين المزعجين وليس إدماجهم في الاقتصاد الاستيطاني كما كانت الحال في نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا. إن قانون العودة الإسرائيلي، الذي يمنح الجنسية الإسرائيلية لليهود أينما كانوا في العالم، هو دعوةٌ مفتوحة للهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين التاريخية. ففي العام 2013، “رحَّبت” إسرائيل بأكثر من 16,000 مستوطن جديد. المشروع الصهيوني هو بمثابة هجومٍ كاسح على السكان المحليين.

ولكن ماذا تفعل حين يمتنع السكان الأصليون المزعجون عن المغادرة؟ ما هو الحل النهائي؟

استخلاص الدروس الضرورية من جنوب أفريقيا

بدلاً من التعرض للتهميش في جدالٍ حول ما يرقى وما لا يرقى إلى حد الفصل العنصري، فإن من الضروري على ما يبدو من موقعي المطلِّع هنا في جنوب إفريقيا أن نعمل على إعادة تأطير تركيزنا لينصب على ما هو أكثر نفعًا للفلسطينيين. وهذا لا يتعلق بطبيعة دولة الفصل العنصري، وإنما طبيعة المستقبل الذي نبتغيه. أي أن ما نحتاجه ليس إثباتَ ما إذا كانت إسرائيل تُجسِّد الأبرتهايد الجديد، بل استنباطَ الدروس من الحالة الإنسانية في المرحلة اللاحقة للأبرتهايد في جنوب أفريقيا.

إن إعادة تأطير الصلة بين نظامي الفصل العنصري على هذا النحو يؤكد قطعًا أن صلب النضال المشترك بين جنوب أفريقيا والفلسطينيين يكمن في الإنسان وسلب أرضه بلا هوادة وإقصائه عن أمته، وليس في التفاصيل البيروقراطية المميزة لنظام الدولة القمعية. وهذه الصلةُ جليةٌ في طبيعة الحياة اليومية لغالبية السود في جنوب أفريقيا اليوم، الذين ما زالوا، كما قال الراحل إدوارد سعيد عن الفلسطينيين ذات مرة، محصورين في “أشكال وجودية هزيلة.”2 ومنذ قالها سعيد والحالُ الفلسطينية تنحدر من سيئ إلى أسوأ.

لم يتحول الإنجاز الديمقراطي الذي حققته جنوب أفريقيا من حيث المبدأ إلى نصرٍ تحرري وجودي في الممارسة العملية. فحتى الآن لم تتعامل الدولة مع الآثار الاجتماعية والاقتصادية لموروثات الأبرتهايد الهيكلية، ولا يزال “الأبيض” يعيش على ظهر “الأسود”. وفي حين أن دستور جنوب أفريقيا المحتفى به يؤكد قيمة حياة كل فرد من حيث المبدأ، فإن الفقراء السود في جنوب أفريقيا لا يزالون يُعامَلون معاملةَ القمامة، حسبما قال أشيل مبيمبي في محاضرة عامة عقدت مؤخرًا في جامعة رودس. ولا تزال السلطات تنظمهم وتحكمهم كما لو كانوا تهديدًا خارجيًا للمجتمع، وليس جزءًا منه.

تتطلب الحالة الإنسانية في مرحلة ما بعد الأبرتهايد أن نطرح أسئلةً مختلفة نوعيًا، على غرار: كيف سيبدو مستقبلنا بعد التحرر في فلسطين؟ ولعل الأهم من ذلك، ما الذي يجب إدماجه الآن في هذا الإطار كي تتهيأ هذه الظروف المستقبلية؟

من الواضح أن المؤسسات والقيادات السياسية الحالية لا تملك أجوبةً لهذه الأسئلة. إن القيادة الفلسطينية لا تحمل أي إمكانية لتحرر الفلسطينيين، ولأنها وليدةُ علاقات السلطة بالكيان الاستعماري الاستيطاني ومتنفعةٌ منها، لا تستطيع أن ترفع عنّا ظروف التجريد والحرمان. القانون الدولي كذلك لا يوفر إمكانية تحرر الفلسطينيين، فهو لا يزال يعمل ضمن نظام يقوم على أساس الدولة التي تكون بموجبه الحَكَمَ القانوني الفَصل في تشريع حقوق الإنسان وإعمالها. وهكذا فإن تعريف إسرائيل للأمة أساسي لمعرفة مَن يحظى بحماية قانون حقوق الإنسان وكيف “أنَّ دولةً ملتزمةً بإدارة الحياة الإنسانية تستحلُّ قتلَ فئةٍ من الناس.”3 وعلى الرغم من أن القانون الدولي وقراراته الأممية العديدة غير المنفذة قد خيَّب قَطعًا رجاءَ الفلسطينيين، فإننا مستمرون في ملاحقة السراب.

وحين يُضرَب المثل للفلسطينيين بانتقال جنوب أفريقيا من الأبرتهايد، فإنه يجدر بهم الاتعاظُ من الحالة الراهنة لحكومة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. فكما العديد من القادة الفلسطينيين بُعيد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994، ترفَّع قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، باعتبارهم من النخبة السياسية، عن الكفاح رغم ادعائهم بأنهم يتحدثون باسمه كجزء منه. فالسلطة الفلسطينية لم تغدُ جزءًا من الوضع الاستعماري الراهن وحسب، وإنما آليةً مهمةً في استدامته.

إن من الدروس التي ينبغي للفلسطينيين استخلاصها من مصير حزب المؤتمر الوطني الافريقي هو أنَّ للثوار ضد الاستعمار دورًا أساسيًا، بيد أنهم قد يحتاجون في مرحلة ما بعد الاستعمار إلى الاستغناء عن قيادتهم وهياكلهم التي سبقت الثورة، ولا سيما حين تعوق السلطةُ النخبويةُ الالتزامَ بتلبية مطالب الحياة العادية. وعلاوةً على ذلك، يجب أن تكون هناك الجاهزية على الدوام لإفساح المجال لأصحاب الرؤى الجدد.

تصورٌ جديد لحريتنا

بالنسبة للفلسطينيين والسود في جنوب أفريقيا، ماذا حَلَّ بحلمنا المؤجل؟ فبعد أكثر من ستين عامًا من النضال، لا بد للحلم الفلسطيني بالتحرر أن يتخذ شكلًا جديدًا. ينبغي لشكل الحرية والمستقبل الذي نتصوره أن يعيد تعريف خصائص مسيرتنا نحو الأمام، وأن لا يفرض شكلًا معياريًا لهذا الحلم مثل حل الدولة الواحدة أو الدولتين.

بالنسبة للفلسطينيين ومؤيدينا، ينبغي لنا أن نتعظ من مرحلة ما بعد الأبرتهايد وأن نضطلع بعملية تقييم وإعادة تأطير ليس لشكل حملاتنا وحسب، وإنما لبنود أي قرارٍ مقترح لهذه المأساة الاستعمارية المعاصرة الأزلية في ظاهرها. وسواءً أطلقنا على شكل القرار المتصوَّر اسم حل الدولة الواحد أو الدولتين أو أمة قوس قزح فهذا غير مهم لأن الدولة إذا افتقرت إلى تغييرات هيكلية واجتماعية جذرية، فإنها سوف تُضفي ببساطة الطابعَ الرسمي على التسلسل الهرمي الاجتماعي القائم ضمن نظامٍ نيوليبرالي “مفتوح”. وسوف تضمن بأن أصحاب الامتيازات في النظام السابق أحرارٌ في مواصلة العيش على ظهور مَن طوَّعوهم على مر التاريخ. ونحن نرى في جنوب أفريقيا أن الامتياز الهيكلي للبيض مستمرٌ إلى الآن، بل وأن امتيازات البيض لم تنقص كثيرًا في مرحلة ما بعد الاستعمار. ولعلَّ هذا هو الدرس الأهم الذي على الفلسطينيين أن يستخلصوه من حالة جنوب أفريقيا. وهو ينبهنا لأهمية تحديد طبيعة الحرية المتصورة.

ولعلنا نرغب في مقاربة حالنا المستقبلية من منظور مَن سبقونا – ليس من منظور ماضٍ مُخلَّد وإنما كمرجع للتجديد الجماعي بينما الأحلام تتغير. وللقيام بذلك، يمكننا أن نستحضر التراثَ الغني الموجود في كل واحدٍ منا، في مثقفينا وشعرائنا وكُتّابنا، وفي تراثنا الحِرفي والغنائي، وفي فضاءاتنا الاجتماعية النابضة بالحياة في مراكزنا الحضرية قبل العام 1948 كالقدس، وفي معارف فلاحينا وخبراتهم، وفي العلاقة الوثيقة بين الناس والأرض.

لقد غاب هذا التراث عن شبابنا إلى حد كبير، حتى إنه نُسي، في خضم الحياة اليومية في ظل نظام الاستعمار الاستيطاني الذي يقيد الفلسطينيين في حاضرٍ ضيق، وهو نظامٌ خبيث يرمي إلى تمزيق الهويات والنيل كليًا من احترام الذات. فهذا التراثُ موردٌ يمكن أن يساعدَ أجيالنا القادمة، بمن فيهم المولودون في الحرية، ليقفوا شامخين ومتصلين بجذورهم الضاربة في عمق التاريخ. وهذا ينطبق على أطفال الحاضر المشاركين في الفِرق الموسيقية الشعبية الفلسطينية في فلسطين. فعيونهم تتلألأ بالفخر والقوة وليس الإحساسَ الغامر بالفراغ والضياع الذي يشعر به سواهم. هم يشعرون ويعلمون أنهم جزءٌ من شيء أوسع نطاقًا وأقدم عمرًا يسبق حالة التدهور التي نشهدها في الوقت الحاضر.

هذا هو التراث الحي الذي علينا أن ننميه ونرعاه. ولا ينبغي لهذا أن يندرج في إطار جهدٍ قومي ما للتنقيب عن ماضٍ متصوَّر واسترجاعه، بل أن يهدف إلى صياغة مواصفات مستقبلنا من جديد. ولكي تؤتي عملية إعادة التأطير ثمارها، فإن من الضرورة بمكان أن يعايش شبابنا هويته بعيدًا عن القمع وبعيدًا عن الشعارات السياسية.

تقتضي إمكانية ازدهار إنسانية الفلسطينيين أيضًا نزعَ الشرعية الدولية عن إصرار إسرائيل، في إطارها الصهيوني الراهن كدولةٍ يهودية، على أن لها حقًا في الوجود. ففكرةُ حقِّ إسرائيلَ في الوجود ليست من المسلَّمات، لأنها متولدةٌ من، ومعتمدةٌ على، التناسي المتجذر في أشكال الإسكات والعَمى الذي لا يرى الإبادة العرقية المرتكبة إبان قيام دولة إسرائيل. ويتجلى هذا التناسي الاجتماعي اليومي ويكتسي بالطابع المؤسسي بطرقٍ عدة منها القوانين، والمناهج التعليمية، والتأريخ الرسمي، والأعمال القومية اليومية المبتذلة، والتدريبات العسكرية، والإعلام، والثقافة الشعبية. وهذا التناسي لا يُخرس الألسن ويُعمي الأعين عن الإبادة العرقية التي أتاحت ولادة دولة إسرائيل وحسب، بل يتستر أيضًا على الإبادة العرقية الجارية والمتواصلة حتى يومنا هذا.

وهكذا فإن استمرار الفلسطينيين في الوجود ليس بالأمر الهين. ولكننا بالتأكيد نستحق أكثر من منزلةٍ إنسانية وضيعة. وكما يذكِّرنا الباحث الأنيشينابي جيرالد فايزنور، فإن مصطلح المواظبة على البقاء ينطوي على نشاط في التجدد أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة.4 إنَّ الدرسَ الذي علينا تذكره من تجربة جنوب أفريقيا هو أنَّ نكران الإنسانية الكاملة والمتساوية للغالبية السوداء قد سبقَ الفصل العنصري، واستمرَ إلى ما بعد الفصل العنصري. الانتصارات على الورق تختلف عن الانتصارات على أرض الواقع. فأي نوعٍ من الوجود سوف نقبله كلنا؟ وكيف لنا أن نؤمِّن المطلوب لإدراك المستقبل الذي نبتغي؟

  1. Gerald Vizenor, Manifest Manners: Narratives on Postindian Survivance (Lincoln: Nebraska, 1999), p. vii
  2. Edward Said, _The Question of Palestine_ (London: Routledge & Kegan Paul, 1979), p.19
  3. Veena Das and Deborah Poole, _Anthropology in the Margins of the State_ (Santa Fe: School of American Research Press), p.25
  4. المرجع السابق.
أيرين كاليس باحثة متخصصة في إنهاء الاستعمار وأستاذة ومنظِّمة في قسم الدراسات العرقية والثقافية ودراسات النوع الاجتماعي بالجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة، حيث تشغل أيضًا...

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content