west-bank-map-creative-commons

ديانا بوتو المستشارة السياسية للشبكة تناقش المحاولات الفلسطينية لتحقيق السيادة من خلال المفاوضات المجزأة مع اسرائيل منذ التسعينات.

ان الموقف الإسرائيلي تجاه قضية السيادة الفلسطينية ظل نسبياً ثابتاً منذ صياغتة الأولى في السبعينات: لا
سيادة فعلية على الأرض ولكن سيطرة محدودة على السكان. فعلى الرغم من تصريحات رؤساء وزراء اسرائيل السابقين القائلة بان اسرائيل لا ترغب في “السيطرة” على الفلسطينيين الى أجل غير مسمى، الا انهم بالمجمل قد تبنوا فكرة “الحكم الذاتي” الفلسطيني غير المستقل في بعض المناطق، ولكن ليس على كل على الأراضي المحتلة عام 1967.

وكما أشار كميل منصور في ورقته التي تتطرق الى قضية السيادة، ان عناصر السيادة تستلزم السيطرة على الأراض، المياه الإقليمية، الحدود والموارد الطبيعية، والسكان. وفي مواجهة الضغوط الخارجية للتفاوض مع الفلسطينيين، هدفت استراتيجية اسرائيل الى ابقاء عناصر السيادة تلك معلقة ومن دون اي معالجة، واحتفظت بالسيطرة على الفلسطينيين وعلى أراضيهم، من خلال منح السلطة الفلسطينية اختصاصاً محدوداً، الى عجّز السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على الدخول في التجارة أو غيرها من الاتفاقات الدولية، وصولا الى الدخول في تفصيلات جزئية في اشارتها الى “رئيس السلطة الفلسطينية” بدلا من “رئيس دولة فلسطين”، ركزت استراتيجية اسرائيل على تطوير خيار محدودية الحكم الذاتي فلسطيني.

طوال فترة المفاوضات، عمل النهج الإسرائيلي على تفكيك وتجزئة عناصر السيادة، والتفاوض بشأن “حل وسط” بينهما، ومن ثم ادعى هذا النهج بان العناصر الأساسية للسيادة (وبالتالي امكانية اقامة الدولة فلسطينية) ليست موجودة. وكانت اتفاقات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل قد حددت مختلف قضايا “الوضع الدائم” التي تتطلب المزيد من المفاوضات. حيث جزأت قضايا الوضع الدائم الستة بدقة لتغطي جميع عناصر السيادة : اللاجئين (السيطرة على الناس)، الأمن، الحدود، المستوطنات، المياه (السيطرة على الأراضي والموارد الطبيعية)، والقدس (والتي تتجسد في مزيج من السيطرة على الأراض وعلى السكان). وقد تفاخر دنيس روس في كتابه “السلام المفقود” بالجهود التي بذلها لاقناع اسرائيل باقامة دولة فلسطينية، واعترف بأن نتيجة سنوات المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين لم تكن لاقامة دولة وسيادة للفلسطينيين ولكن لتركيبة اخرى تتجلى ما بين الأراضي المحتلة وإقامة الدولة.

خلال التسعينات، استمرت هذه التركيبة الوسطى – إنشاء كيان بشكل لا يمكن تصنيفه كدولة ذات سيادة ولا أرضاً محتلة – في التبلور. وفي أواخر العام 2000 وبدايات العام 2001، وخلال الجولة الاخيرة من المفاوضات الإسرائيلي- الفلسطينية، كانت إسرائيل لا تزال تتصور سيادة محدودة على الضفة الغربية وقطاع غزة. خلال الجولات الأخيرة للمفاوضات في طابا، طالبت إسرائيل باقامة خمس محطات للإنذار المبكر في الضفة الغربية – ضمن الأراضي الفلسطينية التي ستكون تحت سيطرة اسرائيل من أجل مراقبة الفلسطينيين. وبالتالي ضمنت بقاء عنصراً أساسياً من عناصر السيادة – السيطرة على الأرض- تحت سيطرتها. وحصول الفلسطينون على كيان غير مسلح، مع قدرات دفاعية محدودة. في حين واصلت اسرائيل سيطرتها على الموارد الطبيعية، والحدود بالاضافة الى العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول الأجنبية.

وعلى الرغم من أن إسرائيل قد اشارت في طابا الى انها ستتخلى عن السيطرة على قطاع غزة، الا انها ما زالت تفرض سيطرتها على المجال الجوي والمياه الإقليمية تحت ذريعة “الأمن”. كما ان “الممر الآمن” بين الضفة الغربية وقطاع غزة والذي كان من المقرر ان يكون تحت سيطرة واشراف اسرائيل، اقتطع من حيث النسب المئوية من الأراضي المخصصة للكيان الفلسطيني المستقبلي. وفي حين أن القليل من التقدم قد تم إحرازه حول قضية اللاجئين الفلسطينيين، رفضت إسرائيل السماح لللاجئين بالدخول الى الكيان الفلسطيني المستقبلي. في المجمل، فإن كلمة “الدولة” كان أمراً رفض المفاوضون الإسرائيليين الجهر بها.

دروس غزّة

ان النهج الإسرائيلي تجاه قضية السيادة الفلسطينية ظهر بوضوح في الفترة التي أعقبت عملية الاخلاء الاحادي الجانب لقطاع غزة. كما تجلى ذلك النهج كذلك خلال المفاوضات الثنائية، احتفظت إسرائيل بالعناصر الأساسية للسيادة بعد انسحابها، وبنفس الوقت دعت الى تواجد معايير دولية جديدة لتصف الكيان الذي لم يعد يعتبر كياناً محتلاً مع انه كياناً يفتقر إلى عناصر السيادة الكاملة (الامر الذي يشبه إلى حد ما “البانتوستانس” في جنوب افريقيا، حكومة التمييز العنصري الوحيدة في جنوب أفريقيا المعترف بها كدولة).

ان الاخلاء الإسرائيلي الاحادي الجانب لمستوطناتها في قطاع غزة رافقه استمرار السيطرة (غير المباشرة) على كافة الحدود الفلسطينية، الصادرات والواردات، المياه الاقليمية، المجال الجوي، وتسجيل السكان. هذا البند الأخير كان له أهمية خاصة كونه يتيح لاسرائيل الاستمرار في تحديد من هو مؤهل للدخول، او الخروج، او البقاء في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلى الرغم من استمرار السيطرة الإإسرائيلية على قطاع غزة، الا انها لا تزال تدّعي بان المنطقة لم تعد المحتلة. وكانت المحكمة العليا الاسرائيلية قد قررت ايضاً بان المنطقة لم تعد محتلة بموجب القانون الدولي، ولكن محاولات اسرائيل لتمرير قرار يصدر عن الامم المتحدة لهذا الغرض لم تنجح حتى الآن. ولكن اذا قررت منظمة التحرير الفلسطينية، تحت ضغط المفاوضات الثنائية، القبول بتشكيل “دويلة ” بدلا من دولة ذات سيادة فمن المرجح أن المجتمع الدولي ان يقبل ذلك.

على الرغم من ان اسرائيل يجب ان تحاسب على الاستمرار بالسيطرة على الفلسطينيين وأرضهم، الا انه يجب كذلك أن تنتقد منظمة التحرير الفلسطينية لوقوعها في فخ نهج المفاوضات المجزأة والتمسك بالقضايا الست المحددة دون النظر في الآثار الأوسع نطاقاً لاستراتيجية اسرائيل التي تُجزأ عناصر السيادة. وبموافقة منظمة التحرير الفلسطينية على نهج المفاوضات هذا، فان هذا يعني انها اعطت الانطباع بانها مستعدة ان تقبل “تسوية” بشأن العناصر الأساسية للسيادة. كذلك فانه يجب توجيه الانتقاد الشديد الى المفاوضين الفلسطينيين لموافقتهم واستمرارهم في التمسك في عملية فاشلة تسعى إلى منح الفلسطينيين مجرد دويلة من دون سيادة حقيقية. ان التجربة التي اعقبت عقب الاخلاء الاسرائيلي الاحادي الجانب لقطاع غزة تسلط الضوء على خطط اسرائيل المستقبلية في الضفة الغربية. يؤمل ان يستفيد المفاوضين الفلسطينيين من تجربة المفاوضات مع إسرائيل، وان يدركوا ان جمع الاجزاء لا يمكن ابداً ان يؤدي الى تكامل الحل.

ديانا بطو هي محامية، شغلت منصب مستشارة قانونية سابقة لوفد المفاوضات الفلسطيني. كانت واحدة من الفريق الذي ساعد في انجاح الدعوى الخاصة بالجدار امام محكمة...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 الاقتصاد
يصاحب نشر هذا الموجز دخول المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس والحكومة الإسرائيلية حيز التنفيذ. وتأتي هذه الصفقة بعد أن شنت القوات الإسرائيل حرب إبادة جماعية مدمرة استمرت 15 شهرًا، قتلت خلالها عشرات الآلاف من االفلسطينين في غزة، وخلفت أعدادًا أكبر بكثير من الجرحى. كما كان للقصف الإسرائيلي المكثف على غزة تأثير كارثي على بنيتها التحتية بما في ذلك شبكة الاتصالات، مما أجبر السكان على مواجهة الحرب في ظل انقطاع شبه كامل للإنترنت والهواتف الخلوية. يتناول هذا الموجز السياساتي الأثر الكارثي لِما يفعله النظام الإسرائيلي من تدمير البنية التحتية للاتصالات والإنترنت في غزة. ويضع الهجوم الإسرائيلي على قطاع الاتصالات ضمن إطار الاستعمار الحديث (النيو-كولونيالية)، ويوضح كيف تساهم السيطرة على البنية التحتية الرقمية في تعزيز الهيمنة السياسية والاقتصادية، وهي من أهم سمات النظام الاستيطاني الإحلالي. ويُبرز الموجز كذلك قدرة الفلسطينيين على الصمود ومقاومة حرمانهم من خدمات الاتصالات والإنترنت، وأخيرًا يُقدِّم الموجز للمجتمع الدولي والمحلي توصيات قابلة للتطبيق من أجل تعزيز الوصول الرقمي في غزة، ومحاولة التحرر من التبعية التكنولوجية الإسرائيلية.
علي عبد الوهاب· 04 فبراير 2025
 السياسة
في مختبر السياسات القادم يستضيف علاء الترتير كلًا من أحمد دياب وبلال سلايمة للنقاش حول التطورات الإقليمية المتسارعة وتأثيرها على فلسطين وقضيتها، مع التركيز على الوضع في سوريا وحاضر ومستقبل الفلسطينيين فيها.
أعلنت قطر في 15 كانون الثاني/يناير 2025 عن الاتفاق الذي طال انتظاره لوقف إطلاق النار بين النظام الإسرائيلي وحماس، بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية. وعدَ الاتفاق بإنهاء 15 شهرًا من العدوان الإبادي على غزة، الذي قتلت خلاله القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 64260 فلسطينيًّا ودمرت القطاع، محولة إياه إلى رُكام. وبالرغم من أن وقف إطلاق النار يفسح المجال لإغاثة الفلسطينيين في غزة، الذين كابدوا وقاوموا هذه الإبادة المروعة، فإن الشكوك لا تزال قائمة حول استمرار الهدنة والتزام النظام الإسرائيلي بتنفيذ جميع بنودها. في هذه الحلقة النقاشية، يتناول محللو الشبكة: شذى عبدالصمد، باسل فراج، طلال أبو ركبة، وديانا بطو، الجوانبَ المختلفة لاتفاق وقف إطلاق النار، وتداعياتها على السياق الأوسع للاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي لأرض فلسطين.
Skip to content