يعد التغير المناخي أحد أكبر التهديدات التي تواجه حياة البشرية في الوقت الحالي، نظرًا لآثاره العالمية واسعة النطاق الموزعة على نحو غير متكافئ. فبالرغم من أن الفلسطينيين والإسرائيليين يعيشون على رقعة جغرافية واحدة، إلا أن الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال سيكونون الأشد معاناةً جراء آثار التغير المناخي.1
يظل الاحتلال الإسرائيلي الخطر غير البيئي الأكبر المحدق بالفلسطينيين في الضفة الغربية، وهذا الاحتلال الذي دخل عامه الثاني والخمسين على قدر من التغلغل لدرجة أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يُعده “خطرًا” بيئيًا بحد ذاته. فهو يحول دون وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم ومواردهم، ولاسيما المائية، ويحول دون إدارتها. والأهم أنه يحول بينهم وبين اتخاذ التدابير الكفيلة بدعم التكيف مع تغير المناخ، أي تعديل النُظم البشرية أو الطبيعية استجابةً لآثار تغير المناخ. إن عجز السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية عن تبني سياسات للتكيف مع تغير المناخ هو نتيجة مباشرة للاحتلال، وستكون له تداعيات إنسانية وبيئية وخيمة على السكان الفلسطينيين.
العواقب على فلسطين
تقع فلسطين- إسرائيل في واحدة من أكثر مناطق العالم شحًا في المياه. ويتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تراجع في معدل هطول الأمطار وارتفاع في درجات الحرارة، الأمر الذي يضع قطاعي المياه والزراعة في مواجهة خطر جسيم، وبخاصة في الأرض الفلسطينية المحتلة حيث معدل حصة الفرد من المياه المتاحة يُعد من بين أقل المعدلات على مستوى العالم. يعتمد الفلسطينيون على المياه الجوفية كمصدر رئيسي لمياه الشرب، بينما تستهلك الزراعة قرابة نصف المياه المستخرجة من هذه الآبار الجوفية.
لقد هندست إسرائيل نظامًا بيروقراطيًا معقدًا للتحكم في وصول الفلسطينيين إلى المياه الجوفية وتقييده بذريعة تنفيذ بنود اتفاق أوسلو المؤقت الثاني لسنة 1995، الذي خصص بصفة مؤقتة موارد مائية للحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية. ومنح إسرائيل السيطرة على قرابة 80% من الاحتياطيات المائية في الضفة الغربية لفترة أولية تمتد لخمس سنوات. ولم يراع هذا الاتفاق، الساري حتى يومنا هذا، التغيرات بعيدة الأجل في توزيع المياه والنمو السكاني.
تمنع لجنة المياه المشتركة، المنبثقة عن اتفاقات أوسلو، الفلسطينيين من صنع القرارات المتعلقة بالمياه دون موافقة إسرائيل، ما يعوق قدرتهم على الوصول إلى نهر الأردن ويحرمهم تصاريح الاستفادة من الفوائض المائية المصرفة من السدود. وهكذا تضع السياسات الإسرائيلية صعوبات جمة أمام الفلسطينيين لتطوير بنية تحتية جديدة للحصول على المياه أو ترميم القائم منها؛ وهو ما يُفضي في كثير من الأحيان إلى هدم المنشآت والآبار الضرورية لاستمرار الحياة تحت ذريعة بناء تلك المنشآت دون تصريح إسرائيلي. وفي الوقت ذاته، هناك 600,000 مستوطن غير شرعي يستخدمون ستة أضعاف ما يستخدمه ثلاثة ملايين فلسطيني من المياه في الضفة الغربية. ويتسبب عنف المستوطنين تجاه البنية التحتية الفلسطينية في تعريض النُظم المائية الهشة هناك للخطر.
عجز السلطة الفلسطينية عن تبني سياسات للتكيف مع تغير المناخ هو نتيجة مباشرة للاحتلال، وستكون له تداعيات إنسانية وبيئية وخيمة على السكان الفلسطينيين Share on Xتُستخدم معظم المياه الفلسطينية لأغراض الري، وهو ما يجعل المزارعين والرعاة يتحملون العبء الأكبر لأي تراجع إضافي في المياه المتاحة. وتؤدي السرقة الإسرائيلية للأراضي، والقيود المفروضة على التنقل وعلى حرية الوصول إلى المراعي إلى تفاقم أوضاع المزارعين والرعاة السيئة أصلًا. فمع وجود أكثر من 400 نقطة تفتيش وحاجز في الضفة الغربية، ونظام تمييزي لاستصدار تصاريح التنقل من الجيش، ومع توسع المستوطنات والطرق المخصصة للمستوطنين فقط، وجدار الفصل العنصري، تتضاءل رقعة الأراضي المتاحة لأغراض الزراعة الفلسطينية ويتزايد عجز المزارعين عن الاعتناء بما لديهم من أراضي، ما يهدد محاصيلهم وماشيتهم. فضلًا على أن أغلب الموارد الطبيعية والمساحات المفتوحة في الضفة الغربية، بما فيها أفضل الأراضي الزراعية في وادي نهر الأردن، تقع في المنطقة (ج) التي تُغطي ما يزيد على 63% من مساحة الضفة الغربية، وقد ضمتها إسرائيل فعليًا.
السلطة الفلسطينية
تفتقر السلطة الفلسطينية إلى الولاية السيادية على أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية، ولا تملك جهاز سياسي مستقل لإدارة المخاطر المناخية. وبسبب سوء الإدارة والانقسام السياسي بين حماس في غزة وفتح في الضفة الغربية تتفاقم المخاطر المحدقة بالسكان الفلسطينيين المهددين بالفعل.
وبوجه خاص، لا تملك السلطة الفلسطينية التجهيزات اللازمة لدعم التكيف مع تغير المناخ على المدى البعيد، وهو التحدي الذي يتطلب دعمًا سياسيًا خارجيًا، وتعاونًا حثيثًا بين الوزارات، وموارد ماليةً تفوق المتاح في الوقت الحالي. وعلى سبيل المثال، قامت سلطة جودة البيئة التابعة للسلطة الفلسطينية بوضع “الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع تغير المناخ” في عام 2011 بدعم من خبراء ومانحين خارجيين. وتُبرز هذه الخطة الحاجةَ للتكيف مع تغير المناخ، وتورِد التكلفة التقديرية للتكيف المائي والتكيف والزراعي بمبلغ 1 مليار دولار و369.3 مليون دولار على التوالي – وهذا الرقم يفوق القدرة المالية الحالية بكثير. وتجدر الإشارة إلى أن ما تواجهه السلطة الفلسطينية من مصاعب مالية يُعزى في معظمه إلى تحويل إسرائيل الضرائب والمعونة والعوائد التجارية الفلسطينية إلى خزانتها الخاصة.
وفيما يتعلق بالدعم الدولي، أصبحت فلسطين طرفًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في آذار/مارس 2016 وصادقت بعدها بشهر على اتفاق باريس. ثم تقدمت في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بخطة التكيف الوطنية لفلسطين كجزءٍ من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. وبالرغم من الحاجة الماسة لهذه الجهود، إلا أنها ليست سريعة ولا شاملة بالقدر الكافي لتحييد آثار تغير المناخ الذي يزداد سوءًا بسبب الاحتلال الإسرائيلي الدائم التوسع.
توصيات
1. يجب الاقرار بتقادم الترتيبات البيئية لاتفاقات أوسلو الثانية وانتهاء صلاحيتها، ولا سيما فيما يتعلق بحقوق المياه، ويجب على الفلسطينيين استرداد قدرتهم الكاملة وغير المنقوصة على الوصول إلى طبقات المياه الجوفية ونهر الأردن.
2. ينبغي للسلطة الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني أن تنظِّمَ حملةً لتوعية الفلسطينيين بالمخاطر المناخية واقتراح الاستراتيجيات اللازمة للتكيف معها.
3. إن جمع البيانات الدقيقة يعدُّ وسيلةً محورية لتعزيز قدرة السلطة الفلسطينية على التكيف مع تغير المناخ. ولذا ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تتوخى التنسيق عند جمع المعلومات المتصلة بالمناخ وتحليلها ومشاركتها، مع التركيز على البيانات المناخية على المستوى المحلي للاضطلاع بالرصد الآني.
4. بالنظر إلى شدة اعتماد المجتمع الفلسطيني على المعونة، فإنه ينبغي للمانحين الدوليين تمويل المشروعات التي تنطوي على الحد من المخاطر المناخية. غير أن هناك الكثير من الانتقادات الموجهة للمعونة وهيكلية المنظمات غير الحكومية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولن يتحقق إدراج قابلية التأثر بالمناخ في هذا الإطار من دون هواجس أخلاقية.
- لقراءةهذاالنص باللغة الأسبانية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.