أحلام نتنياهو تتوسع لسفوح الضفة الغربية
وضعت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أوزارها وكشفت كل خباياها، وأُعلن فوز بنيامين نتنياهو رئيساً للوزراء للمرة الخامسة في تاريخه، متفوقاً بذلك على ديفيد بن غوريون المؤسس للدولة.
الانتخابات المبكرة التي كانت في الأساس استفتاء على شخصية نتنياهو عقب ما لحق به من تهم فساد ورشوة، جاءت نتائجها لتؤكد جنوح المجتمع الإسرائيلي بالكامل نحو اليمين المتطرف، حيث حصلت أحزاب اليمين الديني في إسرائيل على أغلبية بخمسة وستين مقعداً، مقابل خمسة وخمسين مقعداً ليمين الوسط، وما تبقى من اليسار الصهيوني، وقائمة عربية منقسمة على ذاتها.
الانتخابات الإسرائيلية كعادتها تلفت انتباه الفلسطيني لمواصلة عادته في إجراء عمليات مفاضلة غير مجدية بين الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة، مع العلم أن الاجماع القومي في إسرائيل قد تحدد رؤيته من خلال تجزئة الحل السياسي للمسألة الفلسطينية، وتدعيم الانفصال وتكريسه عبر استراتيجيات انتاج المعازل. وجاءت تصريحات نتنياهو قبل يومين من الانتخابات لتؤكد هذه الرؤية الإسرائيلية عندما أشار إلى ضرورة إدامة الانقسام الفلسطيني الداخلي، وضم الضفة الغربية بشكل تدريجي، باعتباره خدمة مجانية قدمت للاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي هو سيسعى إلى تعزيزها وإدامتها وبقوله "ليس هناك أحد يمكن أن نعطيه غزة. وأنا لن أعطيها لأبو مازن عباس لقد قُطعت العلاقة بين غزة وبين يهودا والسامرة، وهذا ليس أمرا سيئا بالنسبة لدولة إسرائيل".
الثابت الإسرائيلي بين كافة الأحزاب الإسرائيلية أنه لا يمكن لإسرائيل حل مشاكلها سوى بواسطة القوة العسكرية والخطوات الأحادية الجانب، وأن عليها بكونها الطرف القوي في المنطقة، أن تملي الواقع دون "مراعاة زائدة" لاحتياجات ومتطلبات الآخرين. وهو المسار الذي سيواصل نتنياهو خلال رئاسته الجديدة العمل عليه، مستفيداً من تساوق الإدارة الأمريكية مع سياساته. وبالتالي سيعمل على استكمال ما حققه في العام الاخير من انجازات، سواء فيما يتعلق بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة موحدة، وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان.
في إطار ذلك يأتي التحدي الأكبر أمام نتنياهو وهو ضم المناطق " C " من الضفة الغربية وهو الوعد الذي أطلقه لأحزاب اليمين قبل إعلان النتائج، وهو الضم الذي سيتعارض مع القانون الدولي، وسيجد معارضة واسعة من المجتمع الدولي. لذلك فإن المخرج الإسرائيلي سيكون عبر اغلاق القضية الفلسطينية، والذي لن يتم إلا عن طريق إقامة دولة فلسطينية، خصوصاً في ظل تزايد التأييد الدولي لإقامة هذه الدولة.
قد يكمن الحل المقبول إسرائيلياً لإقامة هذه الدولة، هو أن تقام في غزة، أما الضفة الغربية والتي اُتخنث تقطيعاً واستيطاناً وأصبحت التجمعات السكانية الفلسطينية فيها تشكل معازل مفصولة ومسيجة بفعل المستوطنات وشبكة الطرق الالتفافية والجدار العازل، فإن مصيرها ضمن الحل الإسرائيلي أن تبقى منطقة تعوم في بحر سيادتها على الأرض وذلك من خلال تقاسم الوظائف عليها، ما بين الدولة الفلسطينية الغزية، وإسرائيل والأردن، بما يتوافق مع المُقترح الذي سُرب سابقاً حول مشروع الكونفدرالية الثلاثية.
إن هذا الحل المركب يعني أن يصبح جميع فلسطيني الضفة الغربية من الناحية القانونية وبشكل فوري نتيجة لحملهم وثيقة الجنسية الفلسطينية الصادرة من غزة، مواطنين من دولة مجاورة يقطنون مع غيرهم من مواطني دولة مجاورة أخرى (المستوطنين) في منطقة غير سيادية تخضع لإشراف وظيفي مقسم بين الدولتين، وبالتالي تحصل إسرائيل مباشرة على التساوي القانوني بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة الغربية، وتكون قد حققت ترحيل "ترانسفير" قانوني لفلسطيني الضفة دون أن تحركهم من أماكن سكناهم. وهو ما يعني تحويل الصراع من صراع قومي للشعب الفلسطيني الطامح لتحقيق حقوقه الوطنية والمشروعة، إلى صراع عرقي بين مجموعتين اثنتين (يهود وعرب).