“أوسلو”… 30 عاماً من تشويه السلام
لا تنفكّ اتفاقات أوسلو، منذ توقيعها قبل ثلاثة عقود، تتحكّم بالمظاهر الرئيسية لحياة الفلسطينيين وموتهم. فقد استُحدثت بموجبها عملياتٌ ومؤسّساتٌ وترتيباتٌ أسفرت عن تحوّلات بُنيوية وأوجه نقصٍ وقصور في المجتمع الفلسطيني، ولا سيما في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
على الصعيد المجتمعي، شوَّهت اتفاقات أوسلو المجتمع المدني الفلسطيني، إذ أرست تعريفًا وتصورًا جديدين لركائز العقد الاجتماعي، وأمعنت في تجزئة الشعب الفلسطيني وتقسيمه. وعلى الصعيد الاقتصادي، رسّخت اعتماد الاقتصاد الفلسطيني على الاقتصاد الإسرائيلي وانضواءَه تحته على نحو غير متكافئ، وأوجدت بذلك اقتصادًا معتمدًا في جوهره على المعونة والمساعدات الدولية ومأسَست عمليةً حرمت الفلسطينيين حقَّهم في التنمية.
وعلى الصعيد السياسي، أدَّت اتفاقات أوسلو إلى هيمنة أنماط الحكم المشخصنة على المقاربات الشاملة والمسؤولة والتشاركية، ما أدّى إلى ازدهار أشكال الفساد البُنيوي المُعزِّزة للذات عوضًا عن إرساء آلياتٍ فعالة لإعمال المساءلة والشفافية، وأدّى أيضًا إلى إبعاد الشعب الفلسطيني عن جوهر النظام السياسي وهياكل الحُكم. وهذه التحولات البُنيوية وأوجه النقص والقصور لم تحدُث عن غير قصد أو عَرضيًّا، بل هي جزءٌ في تصميم اتفاقات أوسلو، وشكَّلت متطلباتٍ أساسية سابقةً لعمليات "السلام وبناء الدولة".
ومع ذلك، يأتِي أيلول/ سبتمبر من كل عام ليذكِّرَ الفلسطينيين بأن قيادتهم السياسية مُلتزمة بإطار عملٍ فاشلٍ عفا عليه الزمن (إطار عمل اتفاقات أوسلو) يُسهمُ في حرمان الفلسطينيين حقوقَهم الأساسية، وأن مفهوم السلام قد اختُزل في عمليات وترتيبات أمنية، حيث إن اتفاقات أوسلو في جوهرها هي ترتيب أمني بين المُحتل والخاضع للاحتلال لاستدامة الوضع الراهن وضمان استمرارية اختلالات القوة القائمة.
وهكذا فإن إطار عمل اتفاقات أوسلو ينتهك حقوق الفلسطينيين، بما فيها حقَّهم في الأمن، ويعزز نظام القهر والسيطرة والقمع متعدّد الطبقات الذي يخضع له الفلسطينيون رغمًا عنهم. وبعد مضي 30 عامًا، بات جليًا أن اتفاقات أوسلو ليست سبيلًا إلى السلام ولا إطار عملٍ يُقرّب الشعب الفلسطيني من إدراك حقه غير القابل للتصرّف في تقرير المصير، بل أضعفت الفلسطينيين وجعلتهم أكثرَ تشرذمًا وأبعدَ عن بناء دولتهم ونيْل المساواة والعدالة والحرية.