اتفاقات أبراهام وتشويه معنى السلام
وقّعت إسرائيل والبحرين والإمارات اتفاقات أبراهام برعاية أميركية في 15 سبتمبر/ أيلول 2020 لتطبيع العلاقات. ماذا يعني هذا التطبيع؟ من المهم قبل الإجابة عن معنى التطبيع في هذه الحالة الإشارة إلى أن اتفاقات أبراهام ليست اتفاقات سلام، ولا إنجازا تاريخيا كما يشيد بها مراقبون، بل هي خيرُ مثال على تشويه معنى السلام ذاته. إنها، في أحسن أحوالها، ليست سوى مجموعة من الترتيبات الاقتصادية والدبلوماسية بين فاعلين إقليميين مدفوعين بمصلحة مشتركة. ومن جهةٍ أخرى، تعُبِّر الاتفاقات عن ولادة تحالف لمواجهة تهديد مشتَرك متصوَّر. ولهذا، تظل ترتيباتٍ ضيقة مصممة لخدمة أصحابها وجني الفوائد من مصلحة مشتركة ومواجهة تهديد مشترك متصوَّر. وهي ثمرة مقاربة نخبوية مفروضة من الأعلى إلى الأدنى، وتهدف إلى خدمة الطبقة الحاكمة و"القادة المأزومين" في البلدان المعنية، فلم تنبثق الاتفاقات عن تطلعات الشعوب (الضامن الحقيقي لأي سلام دائم)، ولم تأت استجابةً لمقاربةٍ تصاعديةٍ، من المستوى الأدنى إلى الأعلى، بهدف إحلال سلام إيجابي. لذا، فإن من يظن أن اتفاقات أبراهام هي "سلامٌ" حقيقي، أو حتى صيغة مُفضية إلى أمنٍ أو استقرار حقيقي، هو واهمٌ ومضلل وخطِر، وينم عن عدم المسؤولية.
وهكذا، تطبيع العلاقات، انطلاقًا من هذا الفهم، بين إسرائيل وبلدان عربية، مثل البحرين والإمارات، يعني، من الناحية العملية، "الانخراطَ في التعاون المشترك من دون خجل أو حرج". ويعني، من الناحية السياسية، إخراجَ الدبلوماسية من "تحت الطاولة" إلى العلن. ومن الناحية الاقتصادية، يعني الاستفادةَ من الترتيبات الأمنية القائمة والتعاون الاستخباراتي لضمان ازدهار الاتفاقات الاقتصادية في قطاع الأمن (ومجمعاتها الصناعية) بين البلدان الموقعة. واجتماعيًا، سيما في حقبة ما بعد كوفيد - 19، سوف نرى مؤثّرين على وسائل التواصل الاجتماعي والمشاهير، وربما رجال الدين، يتغنون ببهارج "بناء السلام" المبتذلة من أجل التأثير في الرأي العام، وإرضاء النخب الحاكمة، والتربح ماديًا من "صناعة السلام" الناشئة. وهذه التبعات متعدّدة الأبعاد، تعكس الاستراتيجية قصيرة النظر التي يمكن أن نشهدها في المستقبل القريب، غير أن هذه التجليات تعتمد كثيرًا على استمرارية الإدارات والنُظم السياسية الحالية في مواقع الحكم. وسيكون اليوم التالي لمغادرة ترامب ونتنياهو منصبيهما السياسيين المحكّ الذي سيكشف قوة "اتفاقات التطبيع" هذه أو هشاشتها.