اعتقال الأطفال الفلسطينيين: وظيفة مركزية في مشروع إسرائيل الاستعماري الإستيطاني
يمثل إعتقال الأطفال الفلسطينيين من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي حالة خاصة، كونه لا يتم من قبل دولة ذات سيادة ضد مواطنيها، ولكن من قبل دولة احتلال ضد أفراد ينتمون لإثنية وقومية أخرى، لا تمثلهم دولة ذات سيادة. وتندرج هذه الخصوصية في سياق النظر إلى إسرائيل كدولة احتلال، ولممارساتها على الأرض بأنها ذات طبيعة إستعمارية إستيطانية. هذه النظرة، والتي تنطوي على شكل معقد من أشكال الإستعمار، توفر إجابات لفهم الإعتقال المُمنهج للأطفال الفلسطينيين.
يسعى الاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي منذ نكبة عام ١٩٤٨ الى اتباع سلسلة من الممارسات تحمل في جوهرها "منطق القضاء" على الأصلي، أي القضاء على السكان الأصليين والسيطرة على الأرض. ويندرج تحت القضاء على السكان الأصليين عدة أشكال من الممارسات الاستعمارية أبرزها عمليات التطهير والمذابح، النقل والتهجير، وكذلك استيعاب القلة المتبقية من السكان الأصليين ضمن القومية والهوية الجديدة للمستعمِر.
تمثل سلسلة الأحداث التي سبقت وأعقبت إنشاء دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ بداية من الهجرة اليهودية، ووصولا ً حتى إحتلال الضفة الغربية وغزة والقدس، نموذجاً "ناجحاً" للإستعمار الاستيطاني.
ويشير الكاتب والأكاديمي المعروف "لورينزو فيراتشيني" إلى أن إحتلال الضفة الغربية وغزة والقدس عام ١٩٦٧ لم يحظ َ بذات النجاح الذي حققته العصابات الصهيونية، ثم دولة إسرائيل في السيطرة على الأراضى الفلسطينية وترسيخ نموذج استعماري استيطاني ناجح قبل عام ١٩٦٧. لم تنجح إسرائيل في تكرار هذه التجربة لعدة أسباب منها أن أحداث حرب ١٩٦٧ واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس لم ينتج عنه "تفريغ" لأغلبية الفلسطينيين، مما شكل تحديا ً لمنطق القضاء والتخلص من السكان الأصليين، الضروري لتحقيق نموذج إستعماري استيطاني ناجح. ولكن عدم اكتمال أو نجاح المشروع الإستعماري الاستيطاني في الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام ١٩٦٧، لا ينفي سعي إسرائيل الدؤوب لتنفيذ ذلك البتة، وذلك عبر تجنيد كافة مؤسساتها التشريعية والأمنية والعسكرية في ممارسات تقمع حقوق الفلسطينيين، وتنتهك قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان.