الاقتصاد السياسي للتنمية في فلسطين
يُعنى الاقتصاد السياسي بالمؤسسات وعلاقات القوة والصراع الاجتماعي. ومن مهماته الأساسية تأريخ الاقتصاد وتسييسه، إذ إن السياسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً وعضوياً بالاقتصاد، فهما يكمنان في مواقع تاريخية ومكانية واجتماعية معينة وينبثقان منها. لذلك، يهدف الاقتصاد السياسي إلى تحييد وتجريد وتعرية الرأسمالية من أجل الخروج والإتيان بتحليل أقوى لقضايا الاستعمار الاستيطاني والرأسمالية العنصرية العرقية والنيوليبرالية.
وفي حالة فلسطين المحتلة، تُعد مقاربة الاقتصاد السياسي مهمة للغاية في تحليل الوضع الراهن لأنها تكشف وتُبرز عناصر أساسية في تجليات القوة المادية والخطابية المرئية وغير المرئية على حد سواء. وتشدد نهوج الاقتصاد السياسي على أن المقاربات الاقتصادية التي لا تراعي البُعد السياسي - الاقتصاد غير المسيَّس - لا تكفي أبداً لفهم ومَشكلة الوضع والبنى الاستعمارية الاستيطانية في فلسطين المحتلة، بل في حقيقة الأمر تساهم في مفاقمة الضرر وإدامة البنى الاستعمارية.
يستكشف كتاب جديد لصاحب المقال وأحد محرريه بعنوان "الاقتصاد السياسي في فلسطين: منظورات نقدية مناهضة للاستعمار ومتعددة التخصصات"، والواقع في 14 فصلاً، والصادر عن دار نشر بالجريف ماكميلان في أيار/مايو 2021، سياق الاقتصاد السياسي لفلسطين، ويحلل قضايا الإدماج والتشرذم وعدم المساواة، ويتحرى قطاعات ومواضيع متعددة ويمشكلها ضمن إطار الاقتصاد السياسي في ظل غياب السيادة.
يُبرز هذا الكتاب الجديد والجهد البحثي العلمي الأكاديمي الجماعي المبذول، جانباً رئيسياً يرتبط بالضرورة المُلحة لدراسة الاقتصاد السياسي في فلسطين من خلال منظورات نقدية مناهضة للاستعمار، ومتأتية من تخصصات معرفية متعددة ومتنوعة. ونحاجُّ في الكتاب بأن تناول الاقتصاد السياسي من منظورات نقدية مناهضة للاستعمار، ومن تخصصات معرفية متعددة، يزيد التركيز على مقومات وعناصر المقاومةـ ويساعد في تحري الأشكال المتجسدة للذاتية السياسية، ولا سيما في السياقات الاستعمارية الاستيطانية النيوليبرالية. ونحاجُّ أيضاً بأن هذه المقاربة المبنية على إطار الاقتصاد السياسي توفر إطاراً أكثر رصانة لفهم الديناميات المعقدة لعملية التنمية، وتوضح أسباب إنكار وتقويض التنمية في فلسطين، وكيف تُمنَع، ومَن يمنعها. إذ تتحدى المقاربة النقدية للاقتصاد السياسي المنطق والبناء النيوليبرالي السائد الذي يعيد إنتاج الرأسمالية العنصرية العرقية، وتتحرى المقاربة النقدية هذه كيفية تشكيل الاقتصاد السياسي في فلسطين المحتلة من خلال عمليات تراكمية من الاستغلال والحرمان على يد إسرائيل والفاعلين الدوليين والنخب السياسية-الاقتصادية الفلسطينية أيضاً.
أما المقاربة المتأتية من تخصصات معرفية متعددة ومتنوعة لدراسة الاقتصاد السياسي فهي تساعد في الكشف عن الديناميات الدقيقة والمعقدة التي لا يمكن التقاطها بسهولة بواسطة تخصص معرفي واحد أو منفرد. ويكتسب الاقتصاد السياسي بصفته طريقة نقدية متعددة التخصصات أهمية معرفية ونظرية وتجريبية وتحليلية كبيرة في تفسير العلاقة المتداخلة بين الاستعمار والاستغلال والقومية والسلطة الأبوية ضمن ديناميات الرأسمالية ومساراتها.