الحَراك اللبناني… نافذة التغيير الجذري في المنطقة العربية
كنا، ولفترة اعتبرناها دهراً، قد فقدنا الأمل في قدرة الحراك الشعبي في لبنان على إحداث تغيير جذري في طبيعة النظام الطائفي الحاكم وكأنه قدر محتوم لا يتغير. في النصف الثاني من القرن المنصرم كنا قد تعلمنا معنى «الكرامة» والحرية من خلال كلمات الرئيس الملهم جمال عبد الناصر، وفهمنا أننا في العالم العربي، نستطيع أن «نرفع رؤوسنا» لأن «عصر الاستعمار قد ولّى». وأكمل الشهداء العظام معروف سعد وكمال جنبلاط ومهدي عامل الدرس عملياً.
وبرحيلهم، شهد الوطن العربي أصعب فترات التاريخ المعاصر، يحيث تحول معنى الكرامة إلى التقرب وبقدر الإمكان من الاستعمار. وطلب من الشعوب العربية أن تُخفض رؤوسها لأن 99% من أوراق الحل في يد أميركا. ولأن لبنان له خصوصيته الطائفية التي لا يفهمها إلا اللبنانيون، كان عليه أن يُماشي تلك الحلول، والقبول بها بما تحتويه من عنصرية إقصائية تجاه اللبناني الآخر من غير طائفته، او الأجنبي، وبالتحديد الفلسطيني اللاجئ في لبنان، وبشكل ينافي الحد الأدنى من حقوق الإنسان.
أما نحن، الفلسطينيين، فقد اخترنا «الأسلوة» والأنجزة، أي الرضوخ لشروط أوسلو ومتطلباته الأمنية، والسير في قافلة المنظمات الأهلية التي تتلقّى تمويلاً غربياً مشروطاً، والانتفاع منها. وتم إقناعنا، وإقناع غيرنا من الشعوب، بأهمية السلام مع «الآخر» ومصافحته. وكانت الحجة تخلي العرب عنا، وبأن التغيير في العالم العربي، ومنه لبنان، بات مستحيلاً.
جادل الكثير من المحللين أن ثورة تونس العظيمة ضد نظام زين العابدين بن علي القمعي قد بدأت ككرة الثلج المتدحرجة في العالم العربي. ولكن هذا الطرح يفتقر إلى خلفية تاريخية. مما لا شك فيه أن الثورات تأتي نتاج تراكمات نضالية على مرّ الزمن، ولكن هناك دائماً مفاصل تاريخية تعطي زخماً هائلاً للتحرك الثوري.
فالانتخابات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2006 بنتائجها المخيّبة لآمال النظام العربي الرسمي والفلسطيني، كانت قد أحدثت زلزالاً هائلاً، ليس فقط لإبرازها خياراً غير متوقّع ونهاية حل الدولتين العنصري، ولكن أيضاً لتفكيكها الفكرة العنصرية الاستشراقية عن عدم ملاءمة الديمقراطية الليبرالية للثقافة العربية، وتفكيك الفكرة الصهيونية بوجود واحة وحيدة للديمقراطية في الشرق الأوسط. ومن المتوقّع الآن أن إمكانية انتخابات ديمقراطية تحت حراب الاحتلال هي ضرب من الخيال. ولكن السؤال الذي يُطرح، وبشكل محرج جداً للنظام العربي الرسمي، هو أنه إذا كان الفلسطينيون الرازحون تحت الاحتلال قد استطاعوا أن يختاروا ديمقراطياً، فلماذا لا يتم تطبيق الديمقراطية في باقي العالم العربي؟ وجاءت الانتخابات الرئاسية التونسية لتعزز الخيار الديمقراطي والمناهض للصهيونية في الوقت نفسه، ومن خلال اختيار التونسيين لرئيس أكّد مراراً وتكراراً معارضته المبدئية للتطبيع مع دولة الأبارتهيد والاستعمار الاستيطاني. ومن هنا نستطيع فهم العداء الشديد لنتائج أي حراك ديمقراطي من قبل النظام العربي الرسمي «المعتدل» وتنفيذه لتعليمات الولايات المتحدة الأميركية.