الفلسطينيون وآفاق استعادة منظمة التحرير
يبرهن كل من انتشار جائحة كوفيد - 19 في الأراضي الفلسطينية، وخطة الحكومة الإسرائيلية ضم أجزاء أخرى من الضفة الغربية المحتلة، مجدّدًا، للقيادة السياسية الفلسطينية، معنى وجود حكومة من دون سيادة أو سلطة حقيقية على الأرض. إذ أثبتت هذه الأحداث أخيرا فشل مشروعِ السلطة الوطنية الفلسطينية لإقامة الدولة ونموذجِ حل الدولتين المتعارف عليه، فالسلطة الفلسطينية لا تملك السيادة كي تدافع عن أرضها أو شعبها في وجه المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي المتوسّع، ولا القدرة على الاستمرارية الاقتصادية لدعم صمود التجمعات الفلسطينية، ولا سيما في ظل الأزمات الراهنة، لأن اقتصادها يعتمد على المساعدات الدولية، ويرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي، والترتيبات المُجحفة النافذة بموجب اتفاق أوسلو وملحقه بروتوكول باريس الاقتصادي.
لقد فشلت السلطة الفلسطينية فشلًا ذريعًا وسيلةً لإقامة الدولة، وكذلك في نهج الحوكمة الرشيدة الذي تغنَّت به على مدار العقد المنصرم، والذي أدّى، من باب المفارقة، إلى نمو النزعات والتحولات الاستبدادية، وتجذُّر هياكل القمع، بدلًا من أن يقود التغيير نحو نشر الديمقراطية وممارسة المحاسبة والمساءلة وشمول ألوان الطيف الفلسطيني كافة. إذ يمكن القول، باختصار، إن هياكل الحوكمة الفلسطينية على المستويات كافة ضعيفة وغير ديمقراطية.
وعلى الرغم من أخطاء السلطة الفلسطينية السياسية وهشاشاتها الاقتصادية ومحدودية تمثيلها، إلا أنها استطاعت أن تهيمن على منظمة التحرير الفلسطينية، وحجَّمت دورها بصفتها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني بأكمله، وقائدة الحركة الوطنية الفلسطينية من أجل التحرير. وبالتالي، وفَّرت السلطة التي كان من المفترض أن تكون انتقالية ومؤقتة الأساسَ الإداري والتنظيمي والسياسي الذي أرادته القيادةُ الفلسطينية أساسًا للدولة الفلسطينية المستقبلية المقامة على الأرض المحتلة ضمن حدود 1967. ومن خلال تدفّق المساعدات الدولية، تحول دور السلطة الفلسطينية إلى حاكم للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، وممثل الفلسطينيين أمام إسرائيل في سياق عملية السلام. وعليه، أخذت أهمية منظمة التحرير ومكانتها تتضاءل في الحركة الوطنية، وتعرّضت التجمعات الفلسطينية في مخيمات اللاجئين والشتات إلى تهميشٍ أكثر.
لم تفلح السلطة الفلسطينية، بعد نحو ثلاثة عقود على تأسيسها، في تقريب الشعب الفلسطيني من إدراك حقّه غير القابل للتصرّف في تقرير المصير. وقد حان الوقت لكي تُعلن القيادة الفلسطينية، وداعموها الدوليون، أن هياكل السلطة الفلسطينية وإطار العمل الشامل الذي تعمل ضمن حدوده (أي اتفاقات إعلان المبادئ "أوسلو" ونموذج الدولتين) أصبحت متقادمة، وغير صالحة للواقع المعاش على الأرض، ولا تتناسب، ببساطة، مع الأجيال الفلسطينية الحالية والمستقبلية الباحثة عن الحرية والعدالة والمساواة.
تقع على عاتق الفلسطينيين اليوم، مجدّدًا، المهمةُ الجَلل المتمثلة في إعادة تخيل مستقبلهم وإعادة تحديد مسارهم نحو الحرية والعدالة. وتقتضي إعادة التفكير في الإطار المهيمن القائم استبيانَ الفائدة المؤسسية المتحققة من وجود السلطة الوطنية الفلسطينية بوضعها الراهن، ومدى نفعها للنضال الفلسطيني الساعي إلى تقرير المصير. ولعل من الأجدى للفلسطينيين إحياء منظمة التحرير وإصلاحها وإعادة هيكلتها واستعادتها، بالنظر إلى قدرتها الكامنة على تمثيل الفلسطينيين، واستيعابهم بأطيافهم كافة.