المنظمات الأهلية في غزة: تداعيات التمويل المشروط وتحديات كورونا
يواجه الفلسطينيون تحت الحصار والاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة جائحة فيروس كورونا ببنية تحتية ضعيفة، ساهم الاحتلال الإسرائيلي ومنظومته الاستعمارية في الإمعان بها، وأعاق من طورها وتقدمها قبل قيام السلطة الفلسطينية، وحتى الآن.
يقف نظام الرعاية الصحية الفلسطيني، والذي هو جزء من تلك البنية التحتية، اليوم عاجزًا عن التعامل مع الزيادة الحالية والمتوقعة في أرقام المصابين من الجائحة. ويعود السبب الأول في ذلك، إلى القصور الحاد في إدخال المستلزمات الطبية بسبب الاحتلال، ولا سيما في قطاع غزة. بدورها أدت هذه الجائحة إلى تداعيات على المجتمع المدني الفلسطيني، وخصوصًا المنظمات الأهلية منها، التي جمدت برامجها وأنشطتها المقررة في ظل هذه الأزمة الحرجة للغاية، وبدأت تكيف برامجها لتتعامل مع المستجد الطارئ.
تحديات جمة تقف أمام المنظمات الأهلية في قطاع غزة، خصوصًا وأن قدرات القطاع الحكومي في مجال الصحة تعاني من الهشاشة وعدم القدرة على الصمود أمام هذا الوباء. هذا الأمر تطلب من المنظمات القيام بدور فاعل والاستجابة لمتطلبات الأزمة في سد عجز الوزارات المعنية، بسبب الموارد المحدودة أساسًا في القطاع نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من 12 عامًا. إذ يتطلب من تلك المنظمات الآن التعامل مع متطلبات الحجر المنزلي المفروض، والذي أدى إلى مزيد من الإفقار للغزيين، وإلى مزيد من التدهور في الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، الذي يعاني في الأصل من أوضاع اقتصادية كارثية قبل الجائحة.
في الوقت نفسه، تعترض قدرة تلك المنظمات في الاستجابة للتحديات والآثار التي يتسبب بها فيروس كورونا، والإجراءات التي اتخذت في إطار مواجهته عقبات تمويلية، إذ أضافت أزمة كورونا في توقيتها تحديًا جديدًا، ينضاف إلى السياسات الجديدة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على المنظمات ألأهليه لمنحها التمويل، والتي رفض العديد منها القبول بالشروط الإضافية والارتهان إلى الشروط التمويلية التي وضعها المانح الأوروبي. بالرغم من الموارد القليلة المتاحة، تعمل تلك المنظمات على حملة توعية وتثقيف لمكافحة الوباء وطرق الوقاية منه، كما تساهم في عمليات التعقيم.
وكان الاتحاد ألأوروبي قد سعى منذ أواخر العام المنصرم إلى فرض سياساته الجديدة على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية، واضعًا خيارين أمام تلك الجمعيات؛ إما الإذعان للبنود التي وردت على لائحة الاتحاد الأوروبي، والتي تفرض على متلقي المنح أو المستفيدين منها، بأن لا يكونوا مذكورين في قائمة الاتحاد ألأوروبي "للإرهاب"؛ أو الامتناع عن تلقي المنحة الأوروبية. تواءمت هذه الإضافات الأوروبية على عقود التمويل مع شروط الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في "مكافحة الإرهاب"، التي تتبعها مع منظمات المجتمع المدني الفلسطيني. بالرغم من أن هذه الإضافات وجهت ضربة موجعة إلى مشروعية النضال الفلسطيني الذي يتبناه المجتمع المدني الفلسطيني، إلا أنها قوبلت بمعارضة كبيرة من قبل مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، التي انضوى تحت إطار شكلته في ما بات يعرف بـ"الحملة الوطنية لرفض التمويل المشروط سياسيًا"، والتي تضم حاليًا في إطارها أكثر من 240 مؤسسة وهيئة وتجمع وطني.