برامج المعونة الدولية لفلسطين بعد كوفيد – 19
أنفقَ المانحون الدوليون منذ توقيع اتفاق أوسلو الأول في العام 1993 ما يزيد عن 40 مليار دولار أميركي مساعدات خارجية مقدمة للفلسطينيين القاطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة. وما انفك هذا الرقم يزداد، حتى سئمنا الإشارةَ إلى ازدياده في مقالاتنا وتقاريرنا، ولكن لم تكن باليد حيلة، لأن الزيادة تُبرز بوضوح فشلَ نموذج التنمية الذي يقوده المانحون الغربيون، واحتضارَ "عملية السلام" التي كان من المفترض أن يدعمها، والنسب الكبيرة من أموال المعونة التي انتهى بها المطاف داخل الاقتصاد الإسرائيلي.
وقد أمسى الفلسطينيون من أكثر الشعوبِ حصولًا على المساعدات غير العسكرية في العالم، بناءً على المعدل لكل فرد، إلا أنها تظل أقل بكثير من مبلغ المساعدات الإجمالي الذي يتلقاه الإسرائيليون. وعلى الرغم من ضخامة هذا التمويل، إلا أن السلام والتنمية لا يزالان بعيدي المنال، حيث أخفقت المعونة في تحقيق التقدّم على صعيد ثلاثة أهداف رئيسية حددتها لنفسها: تحقيق السلام الدائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بناء المؤسسات الفلسطينية الديمقراطية المساءَلة والفعالة، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
يُضطر الفلسطينيون إلى العيش في متناقضة المعونة - التنمية، فعلى الرغم من المبالغ الطائلة الداخلة في اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة كمساعدات أجنبية، ظلت مؤشرات الاقتصاد الفلسطيني والتنمية البشرية في انحدار مستمر، مقترنٍ بتفريغ الاقتصاد الفلسطيني وعكس عجلة التنمية فيه. ويدلُّ على ذلك تراجع مساهمة قطاع التصنيع الفلسطيني في الناتج المحلي الإجمالي بين 1994 و2018 من 20% إلى 11%، وتراجع مساهمة قطاع الزراعة وصيد الأسماك من 12% إلى أقل من 3%. وحَدا هذا الوضع بالفلسطينيين إلى الاعتماد على المساعدات الدولية في دفع أثمان البضائع المستوردة الداخلة عبر إسرائيل إلى اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة، المتراجع تنمويًا، وفي تمويل البرامج الاجتماعية المهمة، مثل خدمات وكالة الغوث (أونروا) لملايين اللاجئين الفلسطينيين، والنمو الاقتصادي (وهو عمومًا نمو غير مستدام يحرِّكه قطاع الخدمات).
ومع كل سنة تمضي، تتضاءل فرص تحقق الدولة الفلسطينية، ذلك الوعد الذي أغرى منظمة التحرير الفلسطينية بدخول عملية السلام قبل عقود. وعلى سبيل المثال، وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بسبب الاستعمار الإسرائيلي الحثيث، إبّان عملية السلام، إلى 620.000 مستوطن موزّعين على أكثر من مائتي مستوطنة. وهذه المستوطنات تُشرِّد الفلسطينيين من أرضهم لتوطِّن الإسرائيليين مكانهم، وهي ممارسةٌ غير قانونية بموجب القانون الدولي.