حول مباراة المنتخب السعودي في القدس المحتلة
أثار قرار المنتخب السعودي زيارة الضفة الغربية المحتلة للمشاركة في مباراة أمام نظيره الفلسطيني (ضمن التصفيات لكأس آسيا وكأس العالم يوم 15 تشرين الأول/ أكتوبر)، العديد من ردود الفعل في العالم العربي عمومًا، وفي فلسطين بشكل خاص. كان التساؤل واضحًا حول اعتبارها نوعًا من أنواع التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، أم تضامنًا مع أهل فلسطين المحتلة ورياضييها من منطلق "زيارة السجين".
صدرت العديد من البيانات المنددة وشديدة اللهجة من قبل تنظيمات رئيسية، مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وذهب البعض أبعد من ذلك، ووصف الزيارة بـ"الخيانة" ومحاولة للترويج لصفقة القرن التصفوية على الصعيد الشعبي. ولكن، وفي الطرف الآخر، هناك من اعتبرها مساندة للصمود الفلسطيني، حيث قامت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، بالترحيب بالزيارة واعتبرتها "حدثًا مهمًا وله دلالات متعددة، أهمها متانة العلاقات الفلسطينية - السعودية، على كافة المستويات، وتعبيرًا صريحًا عن موقف الملك السعودي خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز وولي عهده سمو الأمير محمد (بن سلمان)".
من الطبيعي أن يتم انتظار موقف اللجنة الوطنية للمقاطعة بما تمثله من مرجعية لتعريف التطبيع، وكونها تضم الغالبية الساحقة لتحالفات وأطر ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، بالإضافة إلى قواه السياسية ممثلة بلجنة القوى الوطنية والإسلامية. وللتذكير مرة أخرى، فإن تعريف التطبيع الذي اعتمدته اللجنة، وكانت قد عملت على صياغته الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، ينص على أن "التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصًا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات)، ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني. وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون العلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي، أو إلى إزالة الحواجز النفسية...".
لكن ما يهمنا في هذا السياق، هو أن اللجنة الوطنية تعتبر أيضًا أن مواقف لجان وحملات المقاطعة في الدول العربية ملزمة لسكان هذه الدول، حتى وإن كان سقف التعريف أعلى مما اعتمدته لجنة المقاطعة الوطنية نفسها. وبناء عليه، يجدر بنا أن نأخذ بالحسبان موقف الشعب السعودي من التطبيع مع الاحتلال، وهو موقف واضح وضوح الشمس ولا غبار عليه.
وبالعودة إلى البيان الذي أصدرته اللجنة الوطنية، فإنها وبعد أن ذكرت بأنها تُفرّق وفقًا لمعايير "التطبيع بين الزيارة من خلال تأشيرة (فيزا) صادرة عن دولة الاحتلال، والتي تعتبر تطبيعًا، وبين تصريح من سلطات الاحتلال يتم استصداره من خلال السلطة الفلسطينيّة، ولا يعتبر تطبيعًا رغم مساوئه الواضحة". وبالتالي، اعتبرت أن زيارة المنتخب السعودي لا تتعارض مع معايير مناهضة التطبيع بشرط "ألا تقام خلال هذه الزيارات أي علاقة مع دولة الاحتلال أو مؤسساتها"، وهو ما لا ينطبق على زيارة المنتخب للضفة المحتلة التي يسيطر عليها جنود الاحتلال بالكامل.
والنقطة الأكثر أهمية في بيان اللجنة الوطنية، تكمن في تركيزها على "السياق السياسي" الذي تتم من خلاله الزيارة. فبعد التذكير برفض المنتخب ذاته مثل هذه الزيارات في العام 2015، تقر اللجنة أنه "لا يمكن إلا أن نقرأ قدوم المنتخب السعودي إلى فلسطين المحتلة في هذا الوقت... تحديدًا... في سياق التطبيع الرسمي الخطير للنظام السعودي - ومعه الأنظمة في الإمارات والبحرين وعمان وقطر وغيرها - مع إسرائيل والعلاقات الأمنية والسياسية التطبيعية المتنامية بينهما، ضمن محاولات تصفية القضية الفلسطيني من خلال المشروع الإسرائيلي - الأميركي المسمى بـ’صفقة القرن’".