دونية المستعمَر في السخرية من حركة المقاطعة
من المفارقات الكولونيالية أن تقوم الضحية بمهمة الدفاع عن الجلاد المستعمِر سواء بطريقة مباشرة وفظة، أو بطريقة ملتوية. الحالة الأولى تسمى، من قِبَل جميع الأطراف وبلا أي لُبس؛ عمالة. ولكن المشكلة تكمن في الحالة الثانية حيث يتقمص العبد شخصية السيد ويتبنى بالكامل، قضاياه والدفاع عنه، ويُبدي استعدادا للموت من أجله.
تذكرت هذه المعادلات "الفانونية" حينما شاهدت فيديو لأربع شخصيات إعلامية فلسطينية من مواطني إسرائيل يعملون في قناة "مكان" الإسرائيليّة الناطقة باللغة العربيّة، ويشاركون بالتمثيل في مسلسل "فوضى" التطبيعي. ويهاجمون بطريقة هزلية حركة المقاطعة الفلسطينية بسبب نضالها لمنظومة الاضطهاد المركب الذي تمارسه دولة الاستعمار والأبارتهايد التي يقومون بخدمتها، بل ويفتخرون بذلك. مثل هؤلاء "العرب" المتأسرلين، هدفهم الأسمى هو أن يتم قبولهم في مجتمع عنصري، أي مجتمع الأسياد الأشكناز.
ليس بغريب أن يتم توظيفهم في مكان تُشرف عليه مؤسسة أمنية إسرائيلية مهمتها نشر بروباغندا ترويجية تعمل على تبييض وجه النظام الملطخ بدماء أخوة وأخوات هذه الثلة الفاقدة لكل ما ينتمي لشعب يعاني اضطهادًا مركبًا: احتلالٌ عسكري، وأبارتهايد، واستيطان، وتطهير عرقي، وإبادة جماعية بطيئة كما يحصل الآن في غزة.
كيف يمكن لهؤلاء التغاضي عن المعاناة الجماعية الهائلة التي يعاني منها مَن مِن المفترض أن يكونوا أهلهم، والترويج للقاتل، وجزء من شعبهم هم القتلى، وتمجيد الجريمة التي تنفي وجودهم وتشعرهم "بالفخر". كل هذا إن دل على شيء فهو أننا يجب أن ندرس تجارب الشعوب الأخرى التي عانت ويلات الاستعمار، الكولونيالي منها بالذات، وأن نعمل على عزل من يختار أن يعمل لصالح المضطهِد الكولونيالي.
من المعلوم مدى قلق المؤسسة الحاكمة في إسرائيل من إنجازات حركة المقاطعة العالمية ذات القيادة الفلسطينية، وقد تجسد ذلك في مجموعة من القرارات التي اتخذتها الحكومة اليمينية المتطرفة ووصلت حد التهديد "باغتيال مدني" لنشطاء الحركة، ولكن أكثر ما توليه وزارة الأمن العام الإسرائيلي اهتمامًا هو حملة "الهاسبراة" التي من ضمن نشاطاتها التركيز على تسويق صورة إسرائيل كدولة "ديمقراطية، مُحبّة للسلام" متعددة الثقافات والأجناس، فيها تسامح ديني، وتدعي "المساواة"، وتفنيد ادعاءات العنصرية التي توصف بها.
وبالتالي، تُعوّل إسرائيل على بعض الأصوات النشاز من سكان الأرض الأصلانيين، ممن ارتضوا على أنفسهم القيام بدور "عبد المنزل" الذي يستبسل لإبراز الوجه "الحضاري" لإسرائيل، وهذا بالضبط ما كان يفعله نظام الأبارتهايد العنصري في جنوب أفريقيا من خلال ضم لاعب أسود لفريق رياضة الرِّغبِي الوطني في محاولة لغسيل جرائمه البشعة وتبييض وجهه العنصري.
إن حركة المقاطعة التي يقومون بالسخرية منها تعبّر عن حالة إجماع وطني غير مسبوقة. تأسست الحركة عام 2005 حيث قامت قطاعات عريضة من المجتمع المدني تمثل كل فئات ومكونات الشعب الفلسطيني، بإصدار نداء يعبر عن فهم تاريخي لتجربة النضال الفلسطيني الطويلة واستيعاب لدروس التجربة الجنوب أفريقية، وبالأخص مواجهة المجتمع الدولي بواجباتهِ والشرعية التي يدعي أنه يقوم على أساسها. ويطالب هذا النداء بحقوق شعبنا الأساسية وأهمها: إنهاء الاحتلال الاستيطاني، وتطبيق قرار الأمم المتحدة 194 الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي اقتلعوا وهُجّروا منها عام 1948، وإنهاء القوانين والسياسات العنصرية الممأسسة ضد فلسطيني/ ات الـ48. ولكن يبدو أن لدى البعض مشكلة مع أن تتم المطالبة بمساواتهم بسيدهم الأشكنازي الأبيض.