فلسطين: دروس قاسية من جنوب أفريقيا
المواظبة على البقاء هي أكثر من مجرد صراعٍ مدفوع بردة الفعل من أجل الوجود. هي جزء من الحضور الفاعل للشعوب الأصلية واستمرار كرامتها برغم سياسات الإبادة العرقية لدولة الاستيطان الاستعمارية. وكسائر الشعوب الأصلية الأخرى الرازحة تحت حكم الدول الاستعمارية الاستيطانية، لا تُعتبر مواظبة الفلسطينيين على البقاء من المسلَّمات. بل على العكس من ذلك، لا تزال مواظبتهم على البقاء تواجه معوقات على المستويات الأساسية الأولية، إذ ما زال الفلسطينيون في القرن الحادي والعشرين ينتظرون الاعتراف بهم والتعامل معهم كبشر من دون الانتقاص من إنسانيتهم.
برغم أن هذا المحو الأيديولوجي ينضوي تحت جهدٍ استشراقي أوسع للحط من الشعوب العربية والمسلمة، فإن المعاملةَ التي يلقاها الفلسطينيون متأصلةٌ في الرواية الصهيونية التي قامت على أساسها دولةُ إسرائيل وما فتئت تُدار. وهذا يعني في الواقع السياسي أن الدولة الإسرائيلية تنظم سياساتها ومواردها بطريقة ممنهجة على أساس التمييز بين اليهود وغير اليهود. ومن هذا المنطلق يتعرض الفلسطينيون للمحو الأيديولوجي عمليًا من خلال سياسات الطرد والحرمان، ونزع الصفة الإنسانية عنهم وإكساب هذا العمليةِ طابعًا رسميًا، وذلك على شكل مشابه لما شهدته ظروف «الأبرتهايد» في جنوب أفريقيا. هذا برغم أن أنصار الصهيونية يرفضون الربط السياسي بين الحالة الفلسطينية و «الأبرتهايد» على أساس أن مقارنة دولة إسرائيل بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا هي مقارنة واهنة.