كيف يُرمَّم الدمار؟ اللجان الشعبيّة إحدى الإجابات
نلاحظ في الآونة الأخيرة ازدياد نقاط التماس ضدّ الاستعمار الصهيوني في كل أنحاء فلسطين، فمنذ مايو/ أيار 2021 خاض الشارع الفلسطيني مواجهات في محاور عديدة واستطاع تسجيل عدد من الإنجازات. كان من ذلك تواصل المظاهرات الأسبوعية في بيتا والتي أجبرت جيش الاحتلال الإسرائيلي على إجلاء المستوطنين من الأراضي المسلوبة في شهر يونيو/ حزيران، كما أجبر الضغط المتواصل من أهالي الشيخ جرّاح ومؤازريهم محاكم الاحتلال على طرح تسويات للعائلات المهدّدة بالتهجير القسري في أكتوبر/تشرين الأول، وعندما استأنف الاحتلال استهدافه للنقب في ديسمبر/كانون الأول تحت غطاء التشجير سارع شبان النقب وشاباته إلى المواجهة. وأخيراً، شكّلَ تصدّي مرابطي القدس وتحدّيهم لتعدّي الاحتلال على المقدّسات خلال شهر رمضان وعيد الفصح إلهاماً لكلٍّ منّا، وكذلك تمكُّنُ مشيِّعي الشهيدين شيرين أبو عاقلة ووليد الشريف من فرض جنازات تليق بالشهداء في القدس رغم قمع قوات الاحتلال.
تُذكرنا هذه الأحداث ببيان الكرامة والأمل، الذي أصدره شباب فلسطينيون في 18 مايو/ أيار 2021 خلال ما سُمِّي "انتفاضة الوحدة"، والذي نصّ على أن "هذه انتفاضة طويلة الأمد في شوارع فلسطين وشوارع العالم كلّه، انتفاضة تواجه يد الظلم أينما امتدّت، وتواجه هراوات الأنظمة أينما ضربت". وبالفعل، فإنّ المواجهة امتدت مؤخراً إلى كل شارع تجوبه الآليات العسكرية الإسرائيلية، ولم تعد محصورة في نقاط التماس المعروفة، وكان من الملاحظ أيضاً ارتفاع وتيرة الاحتجاجات ضدّ بطش السلطة الفلسطينية وتواطئها مع الاستعمار، ومنها المظاهرات ضدّ اغتيال الشهيد نزار بنات والتنديدات بالتنسيق الأمني واعتقال الناشطين.
في الوقت ذاته، وفي كل مناسبة وإدانة، تعلو المطالبات والوعود على لسان السلطة الفلسطينية وعدد من الفصائل بـ"تفعيل المقاومة الشعبيّة"، ولكن قلّما تكون هذه الدعوات جدّية، والأندر أن تكون مجدية، وذلك على عكس الحركات المحليّة العفويّة نسبياً التي انطلقت في السنوات الماضية. تستوجب هذه التطورات والتباينات دراسة معنى المقاومة الشعبيّة وأهدافها، ومدى جدواها، وكيفية تفعيلها.
من زراعة حدائق البيوت حتى رئاسة البلديات..
يعجّ التاريخ الفلسطينيّ بأمثلة للمقاومة الشعبيّة التي حقّق الكثير منها إنجازاتٍ مهمة، ومن الضروري مراجعة هذه التجارب لاستخلاص العبر منها. وكثيراً ما تُطرح الانتفاضة الأولى باعتبارها نموذجاً لدراسة أسس التعبئة الشعبيّة في السياق الفلسطيني، لكن لا يمكن فهم الانتفاضة الأولى من دون تناول العقدين اللذين سبقاها، فقد نشأت في بداية السبعينيات حركات تطوعيّة مكوّنة بشكل أساسي من مهنيين وشباب من الطبقة الوسطى، وهدفت هذه الحركات إلى تخفيف معاناة المجتمعات الأشدّ تضرراً من الاحتلال كالمزارعين وسكان مخيمات اللجوء، وبادرت إلى مشاريع كإصلاح البنى التحتية المدمرة مثل خطوط الكهرباء وأنابيب المياه.
وكان ناشطو حركة "فتح" والحزب الشيوعي في طليعة القائمين على هذه الجهود. في الوقت ذاته عملت العديد من المؤسسات الثقافيّة على ترسيخ الهويّة الفلسطينيّة، مثل فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية التي تأسست في 1979، وجمعية إنعاش الأسرة التي أطلقت برنامجاً يهدف للحفاظ على التراث الفلسطيني وإحيائه عام 1972.