لا تغيير للشعب الفلسطيني في الانتخابات المقبلة
أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية للسلطة الفلسطينية في مايو/ أيار ويوليو/ تموز المقبلين، بعد انقطاعٍ دام 15 عامًا. ماذا وراء القرار؟ أتمنى القول إنّ إعلان الانتخابات التشريعية والرئاسية نجمَ من دوافع محلية وشعبية، لكنه أبعد ما يكون عن ذلك. أتمنى القول إنه جاء بسبب المطالبات والضغوط الشعبية، أو بهدف إصلاح النظام السياسي، أو إعادة ابتكار أنماط الحكم القائمة، أو حتى تجديد القيادة السياسية. أتمنى القول إنّ الانتخابات ستكون "تتويجًا" لعملية طويلةٍ ومعقدة من العمل الديمقراطي. أتمنى القول إنها جاءت بسبب ما أفضت إليه آليات المساءلة الفعالة، أو من أجل إحياء الهياكل التنظيمية المتعطّلة وظيفيًا، كتلك التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. أتمنى القول إنّ القرار انتهت إليه حلقة عمل جادة سعت إلى عقد حوارٍ وطني شامل هادفٍ، يُعيد النظر في البرنامج السياسي الفلسطيني ويتبنّى استراتيجيةً استشرافية، وخطةَ عملٍ ملموسةً لإدراك الحقوق ونيل الحرية.
الدوافع المذكورة أعلاه ليست السببَ وراء نية إجراء الانتخابات في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة في وقتٍ لاحق. بل إن قرار عقد الانتخابات جاء، في المقام الأول، استجابةً لضغوطٍ وشروط خارجية دولية وإقليمية. فقد أرادت القيادةُ السياسية للسلطة الفلسطينية، وقيادةُ حركة حماس ضمنيًا، إرسالَ رسالةٍ واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة بأنها "مستعدّة للعمل"، ومستعدّة للعودة إلى "الوضع الطبيعي المعهود،" ومستعدّة لتلقي "المساعدات" المالية الأميركية. وأرادت إرسالَ إشارة واضحة إلى إدارة بايدن بأنها سعيدة بالعودة إلى "طاولة المفاوضات،" وهي تظنّ أنها، بإجراء الانتخابات، سوف تستبق الاتهام الإسرائيلي بأن الفلسطينيين منقسمون ومشتتون، بما لا يدع فرصةً "للتفاوض المثمر". إرضاء الأطراف الدولية ليست ممارسة جديدة على السلطة الفلسطينية، بل هي ممارستها السائدة، على الرغم من أنها أضرّت بالشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرية والمساواة وتقرير المصير.
وإلى جانب الضغوط من أجل استرضاء إدارة بايدن، تواجه قيادةُ السلطة كذلك ضغوطًا أخرى من مجتمع المانحين (سيما الأوروبيين) "لتجديد ولايتها الديمقراطية." ومع ذلك، لا يهتم المانحون سوى "بالديمقراطية الصورية"، حيث يريدون أن يروا "الفلسطينيين يذهبون إلى صناديق الاقتراع"، حسبما أخبرني دبلوماسي أوروبي كبير، قال: "نحن نتفهم أنها ليست ديمقراطيةً حقيقية، لكنها أفضل من العدم، ونحن هنا لندعمها". لا ينبغي الاستهانة بالضغط المباشر وغير المباشر الذي يمارسه مجتمعُ المانحين، فيما يتعلق بإعلان الانتخابات، وخصوصًا في ظل الوضع المالي المُزري الذي تعيشه السلطة الفلسطينية.
يُضافُ إلى هذه العوامل عاملُ الديناميات الإقليمية الجديدة الناشئة، في ضوء ما تسمى اتفاقات آبراهام، والتي لم تستطع القيادة السياسية الفلسطينية (السلطة و"حماس" على حد سواء) تجاهلها، واضطرت إلى الاستجابة لها والتعايش معها. ويُشار إلى أن معظم الدول العربية المشاركة في هذه العملية غير متحمسة لفكرة الانتخابات في حد ذاتها (أغلبها لا يعرف انتخابات حرةً ونزيهة)، ولكنها حريصةٌ على لعب دور رئيسي في "إعادة رسم المنطقة" و"استئناف العمل مع الفلسطينيين"، بما يتماشى في المقام الأول وخطة الإدارة الأميركية الجديدة ومعاييرها الإقليمية في الشرق الأوسط.