نجاح أم فشل.. استراتيجية الاستفراد الإسرائيلي في غزة
جاءت عملية الاغتيال التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي للقائد في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي "بهاء أبو العطا"، بعد ترويج إسرائيلي اعلامي وسياسي مسبق، باعتباره الرجل الرئيسي لإيران في قطاع غزة، وقائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس في القطاع وأحد أبرز أعضاء مجلسها العسكري. بحسب الرؤية الإسرائيلية، فهو المسئول الأول عن التخطيط لهجمات ضد إسرائيل، ومشارك في تصنيع الأسلحة، وتحسين قدرات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى. وينظر إليه قادة الاحتلال العسكريين كعنصر تصعيد في القطاع، والمسئول عن شن هجمات منفردة بعيدة عن سلطة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تدير قطاع غزة.
أتت المبررات الإسرائيلية للاغتيال في إطار لعبة قديمة جديدة تفحص إسرائيل إمكانية استخدامها، في حال اثمرت عن النتيجة المرجوة، وهي "سياسة الاستفراد الإسرائيلية". استخدمت إسرائيل سابقاً هذه السياسة اثناء انتفاضة الأقصى من خلال التفريق في اعتداءاتها ما بين السلطة الوطنية والمقاومة عند اجتياحاتها المتكررة للمدن الفلسطينية في ذلك الوقت. تحاول اليوم إسرائيل اختبار هذه السياسة بين صفوف المقاومة، وتحديداً بين حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، بالترافق مع نشاط لماكنتها الإعلامية في كيل المديح لحركة حماس والإشارة إلى حكمتها في عدم الانجرار وراء محاولات الجهاد الإسلامي لجرها الى المشاركة في التصعيد الأخير والذي استمر لمدة ثلاثة أيام تقريباً.
أعطى التصدي المنفرد للجهاد الإسلامي للعدوان انطباعاً أن الاستراتيجية الإسرائيلية، قد حققت مرادها في إحداث شرخ بين فصائل المقاومة الفلسطينية.
ولكن، قبل أي تقييم أو تحليل لمالآت تطورات هذه الموجة من التصعيد، ونجاح أو فشل هذه الاستراتيجية، لابد من الوقوف على عدة أمور هامة وهي:
أولاً، أن الجهاد الإسلامي لم تذهب إلى هذه الجولة في إطار محاولتها لتحريك ملف حصار غزة، أو تحسين شروط التفاهمات القائمة بين الفصائل في غزة والإحتلال الإسرائيلي، وإنما جاء هذا الذهاب اضطراراياً وكردة فعل على جريمة اغتيال القيادي بهاء ابو العطا.
ثانياً، أن عمليات الاغتيال التي يقوم بها الإحتلال لقادة الفصائل الفلسطينية لا يحكمها توقيت سياسي انتخابي، بل بالعكس هي مرتبطة بالقدرة على الفعل وتوفر الفرصة السانحة. فطبيعة الصراع أكثر جوهرية من أن يحكمها توقيت، والقاعدة هي أن يأتي الأمر من المستوى السياسي، فيما الاستثناء هو حساب ثمن الفعل. وفي هذا السياق، لابد من تصحيح بعض المعلومات التي تناولها العديد من المحللين وكأن إسرائيل كانت ممتنعة عن القيام بعمليات اغتيال، أو أنها أوقفت سياسة الاغتيالات، وهذا أمر غير صحيح، لان سياسة الاحتلال لم تتوقف يوماً عن دائرة الاستهداف لأي قيادي أو ناشط فلسطيني.
ولكن ما حدث يمكن وصفه بأنه تحريك جديد لحدود قواعد اللعبة الإسرائيلية في إطار صراعها مع فصائل المقاومة، أي أن الأمر برمته هو محاولة إسرائيلية لخلق مجال ما من الاغتيالات تستوعبه فصائل أخرى طالما لم تكن جزءا من إطار الاستهداف.