نظرة في المساعدات الدولية للفلسطينيين
مع تصاعد حدة تهديد الإدارة الأميركية بقطع مساعدات الولايات المتحدة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية، وفي ظل الإعلانين، الدنماركي والنرويجي، أخيرا، عن إجراءات تقييدية واشتراطية جديدة بخصوص منحها المالية، صار لزاماً على ساسة السلطة وصنّاع قرارها اتخاذ الإجراءات اللازمة لدفن نموذج معونة أوسلو، وإطارها لتقديم المساعدات الدولية المسيّسة المشروطة. فلا نموذج هذه المعونة، ولا المليارات التي قدّمت في إطاره، جعلا الفلسطينيين أقرب إلى حريتهم أو تقرير مصيرهم، أو دولتهم، أو حتى تنميتهم المستدامة، بل على العكس. أدى استمرار تدفق المساعدات الدولية إلى تجذّر حالة الاعتمادية، وعزّز التشوهات والاختلالات البنيوية في الاقتصاد الفلسطيني، وسلبه من مقوماته الأساسية لدعم صمود الفلسطينيين، ومقاومتهم سياسات الاستعمار والفصل العنصري والاضطهاد.
وعلى الرغم من إقرار فاعلين وصناع للقرار كثيرين بفشل منظومة المساعدات الدولية للفلسطينيين، لم يجرؤ أحد بعد على خلخلة بنى هذه المنظومة، ولم يستطع أحد أن يغير في قاعدتها الرئيسية؛ إذ ما زالت الولايات المتحدة تقرّر، والبنك الدولي يقود، والاتحاد الأوروبي يدفع، والأمم المتحدة تُطعِم، وإسرائيل تدمر. ويتطلب دفن نموذج معونة أوسلو أيضاً دفن هذه المعادلة، والإتيان بقاعدةٍ جديدةٍ، يكون فيها الفلسطينيون في دفّة القيادة، وتكون ديناميات المحاسبة والمساءلة والفعالية في صُلبها، وإلا ستستمر المليارات المتدفقة في إحداث الضرر، وإدامة الوضع القائم المثبط للحقوق الفلسطينية ولحقوق الإنسان.
وعليه، وبعد مرور ربع قرن من الاعتمادية المفرطة على المساعدات المالية، لا ضير في
جردة حساب، لتسليط الضوء على بعض الإحصاءات المتعلقة بهذه المساعدات، لتبيان حجمها وتوزيعها واتجاهاتها العامة، والتي قلّما تتوفر للاطلاع العام.