هيمنة الأيديولوجيا اليمينية على القرار الوطني الفلسطيني
مرّت الهيمنة اليمينية على تعريف الوطنية الفلسطينية وتوجيهها في النصف الثاني من القرن العشرين بثلاث مراحل. في المرحلة الأولى التي طغى عليها البعد الأيديولوجي الإقطاعي، اعتمدت الهيمنة على ملكية الأرض وما يتبعها من عائلية وعشائرية تجلّت صورها في الصراع بين عائلتَي الحسيني والنشاشيبي، والتي ساهمت بطريقة ما في الهزيمة المدوّية التي تجسدت بنكبة لا يزال الشعب الفلسطيني يدفع ثمنها. وقد عبّر عنها، أي الأيديولوجيا الانهزامية لهذا اليمين، الكاتب الشهيد غسان كنفاني في أولى رواياته «رجال في الشمس» بما جسدته شخصية المناضل المتقاعد أبو الخيزران.
تميزت الهيمنة في مرحلتها الثانية التي أدارتها الطبقة الوسطى بشعبوية عالية متأثرة بعلمانية حركات التحرر الوطني العالمية، وقد بسطت سيطرتها شبه الكاملة على دفة الأمور في «منظمة التحرير الفلسطينية» في أواخر ستينيات القرن المنصرم. وكانت قد تميزت بمرونة غير عادية وتنقل سهل بين شعارات ثورية «راديكالية» ترفع راية الكفاح المسلح لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، والنضال من أجل دولة ديموقراطية على كامل التراب الوطني، وصولاً إلى القبول بمعزل عرقي وحكم إداري ذاتي محدود بوساطة الولايات المتحدة الأميركية وبعض الأنظمة العربية الرجعية.
في مرحلتها الثالثة التي حملت الانكشاف ووهم الاستقلال، ونمو أيديولوجيا الدولاتية وتصنيم الاستقلال على حساب التحرير وتقرير المصير، تميزت الهيمنة في تلك المرحلة بانقسام حاد بين يمين علماني يعبر عن مصالح فئات كومبرادورية وبورجوازية غير أصيلة احتكت وتأثرت ببورجوازية مدن الملح وحكومات العسكر في العالم العربي، وتبنت سياسة نيوليبرالية على حساب الطبقات المهمشة اجتماعياُ من ناحية، ويمين ديني يحمل أيديولوجيا قروسطية تعمل على إعادة انتاج الماضي السحيق من خلال مشروع ديني يحمل صفات أممية مغرقة في رجعيتها المنكفئة على الذات الطائفية التي تعمل على إعادة إنتاج الوطنية الفلسطينية على أسس مذهبية إقصائية من ناحية أخرى. رافضة العلمانية والقومية والليبرالية والتقدمية، التي وضعها في بوتقة واحدة، على أساس أنها كلها معادية للذات الإسلاموية. في كلتا الحالتين، وبسبب ما سمّيته سابقاً «الأسلوة والأسلمة» يعاد انتاج التناقضات الثنائية على حساب التناقض الرئيس مع الاحتلال والأبارثهيد والاستعمار الاستيطاني.