أطلقت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) مؤخرًا نداءً للحصول على 14 مليون دولار تحسبًا لتفشي فيروس كورونا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وهذا مؤشرٌ على الضائقة المالية المُلحَّة التي تمر فيها الوكالة، ولا سيما منذ أوقفت الولايات المتحدة في آب/أغسطس 2018 مساهمتها السنوية البالغة 360 مليون دولار للوكالة، بعد أن كانت أكبر مانحيها.1
لا أحد يمكن أن يصف حقًا مقدار المعاناة المتزايدة التي تسبب بها تقليص حجم المساهمات. ففي قطاع غزة، مثلاً، التي تُعد من أكثر بقاع الأرض اكتظاظًا بالسكان، يبلغ عدد اللاجئين نحو 1.4 مليون من مجموع عدد السكان البالغ 2 مليون، ويعتمد 80% من هؤلاء اللاجئين على المساعدات الإنسانية في قوتهم وسُبل عيشهم. غير أن تقليص المساهمات يحدُّ من الخدمات الأساسية المقدمة، مثل الرعاية الصحية والتعليم، ويسرِّعُ انحدار غزة نحو واقع مرير ومرعب.
التقليصات جديدة، والسياسة ذاتها
بالرغم من أن قرار الولايات المتحدة الصادر في العام 2018 تسبَّب في عجز تاريخي في ميزانية الأونروا، إلا أنه لم يشكِّل تغيرًا جذريًا في السياسة الأمريكية، وإنما طفرةً وتسارع في استراتيجية أمريكية إسرائيلية قائمة أصلًا تستهدف إضعاف الوكالة ومن ثم تفكيكها في نهاية المطاف. بعكس ما كانت قد خططت لها القوى الغربية عند إنشائها، اي أن تكون وسيلة لإدماج اللاجئين خارج وطنهم، باتت الوكالة رمزاً لقضيتهم وشبه دولة في المنفى تزودهم بالخدمات الاجتماعية. ولذلك، تتعرض الوكالة لهذه الحملة الهادفة إلى تحجيمها والحد من دورها.
سعت إسرائيل والولايات المتحدة طوال الوقت، ولا سيما منذ توقيع اتفاقات أوسلو، إلى القضاء على روح الأونروا الثقافية لأنها ترتبط بالإحساس الجمعي للانتماء الوطني الفلسطيني. وسعتا أيضًا إلى دق إسفين بين اللاجئين وبين الوكالة، وإلى زيادة آليات المراقبة لتمحيص برامج الوكاله وموظفيها والتحكم فيها، والتقليل من مكانتها إقليميًا ودوليًا.
ودأبت جماعات اللوبي الإسرائيلية لسنوات على الضغط على الدول الغربية لقطع تمويلها عن الأونروا، متهمةً الوكالة بالفساد وبمعاداة السامية وبوجود صِلات لها بالإرهاب.2 واستجابت لها دول مانحة مثل كندا التي اشترطت لتمويلها “إصلاح” برامج الوكالة وتطبيق إجراءات رقابية أشد صرامة. وعادةً ما تمتثل الأونروا لمثل هذه المطالب من أجل الحصول على التمويل.
لا تنفك الأونروا تؤكد، ولا سيما عند الرد على هذه مثل الضغوطات، إيمانها بمفاهيم الحيادية، وحقوق الإنسان، والتنمية البشرية، والحماية، والنوع الاجتماعي للتأكيد على الحقوق الفردية والاجتماعية، وحظر التعبيرات “السياسية” حسب تعريفها. وقد عَلمت الكاتبة من موظفين سابقين في الوكالة أن الأونروا وجَّهت إنذارات لموظفين وسرَّحت آخرين في السنوات الأخيرة لأنهم لم يعبِّروا عن أنفسهم “بحيادية”، وأن الوكالة طلبت أيضًا من الموظفين حذف خرائط فلسطين ما قبل 1948 من الكتب المدرسية وجميع المنشآت التابعة للأونروا، وفرضت رقابة على برامج الموظفين كذلك لضمان خلوها من أي انتقادات لإسرائيل أو الصهيونية.
لا بد من حث الفلسطينيين المهمَّشين منذ عقود طويلة، ولا سيما اللاجئين والفقراء منهم، على المشاركة في الجهود الجمعية الهادفة لاستعادة الأونروا Share on Xإن فصلَ الفرد عن محيطه الجمعي، وتصنيف الانتماء الوطني الفلسطيني كنشاطٍ سياسي ينتهكُ الولاية الإنسانية المنوطة بالوكالة يُكمم المطالبات المنادية بحقوق الفلسطينيين الجمعية. تركز الوكالة أيضاً على تحسينات البنية التحتية وبرامج التمويل الأصغر في المخيمات، والتي من الواضح أنها مرتبطة باستراتيجية طويلة الأجل تستهدف إدماج اللاجئين وتوطينهم بدلًا من تعزيز قوتهم وتمكينهم من ممارسة حق العودة.
ففي الأردن، على سبيل المثال، تلاشت برامج الأونروا المجتمعية الفعالة والتشاركية، ولا سيما منذ منتصف عقد الثمانينات وأواخره، وسُلِّم ما تبقَّى منها إلى الدولة الأردنية أو حتى إلى منظمات دولية بموجب عقود. واشتملت تلك البرامج على مراكز برنامج المرأة، وبرامج الشباب، وبرنامج التأهيل المجتمعي لذوي الإعاقات. وكانت تلك المراكز تخدم المجتمعات المحلية وتُثري الحياة الثقافية الفلسطينية والهوية الجمعية وتحميها.
مقاومة محاولات تقويض الأونروا
إن سحب التمويل الأمريكي من الأونروا و”إصلاحات” الوكالة التي تستهدف إضعافها تعكس البيئة السياسية المدعومة بسياسات إدارة ترامب، بما فيها “صفقة القرن” وتأييد الضم الإسرائيلي غير القانوني للقدس ومعظم أراضي الضفة الغربية ومرتفعات الجولان السورية. وقد تمادى ترامب إلى درجة أنه قرَّر بأنْ لا وجود لفلسطينيين في القدس، فقط “عرب” وغير إسرائيليين. ولهذا تداعيات على عمل الأونروا لأنه إنْ لم يكن للفلسطينيين وجودٌ في القدس، فلا وجودَ للاجئين فلسطينيين هناك يحتاجون خدمات الوكالة. ويتمخض عن هذه الرواية وضعٌ مؤات أكثر لخطر إطلاق حملةٍ أمريكية إسرائيلية مدعومة من دول مثل السعودية لإلغاء قرار الأمم المتحدة رقم 194 (III).
غير أن هذه المخرجات الإمبريالية ليست حتمية، ويمكن التغلب عليها إنْ وجدت الاستراتيجية. فلا بد على وجه الخصوص من حثِّ الفلسطينيين المهمَّشين منذ عقود طويلة، ولا سيما اللاجئين والفقراء منهم، على المشاركة في الجهود الجمعية الهادفة لاستعادة الأونروا:
- يجب على الفلسطينيين المنخرطين في منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، ولجان حق العودة أن يستردوا الأونروا من أولئك الساعين إلى توظيفها كأداة ووسيلة للإدماج وإعادة التوطين. وهذا يقتضي تعبئة اللاجئين وموظفي الأونروا من اللاجئين من أجل تنسيقٍ أفضل للحملات التي تُوضح بأن ولاية الوكالة تتمثل في تزويد اللاجئين بالخدمات الإنسانية إلى حين التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم يضمن عودة اللاجئين إلى وطنهم كأحد الخيارات.
- ينبغي للمراكز القانونية وخبراء القانون الدولي أن يضعوا استراتيجية موحدة للتدخل في المحافل الدولية لاستباق الحملات المعادية للأونروا.
- يجب على القوى التقدمية الفلسطينية ولجان وحملات حق العودة أن تضافر جهودها للتصدي للشائعات والأفكار الخبيثة التي تُروَّج حول الأونروا.
- ينبغي للفلسطينيين أن يعارضوا شروط المانحين المفروضة على الأونروا التي تنتهك حقوق اللاجئين، كحق أبناء اللاجئين في أن يدرسوا في مدارس الأونروا تاريخَ ما قبل 1948 ويتعلموا عن حقوقهم الثابتة مثل حق العودة.
- يجب على الفلسطينيين أيضًا أن يُطرِقوا التفكير في الأسباب الكامنة التي تدعو إلى تخصيص الكثير من تمويل الأونروا لحلقات عمل حول “الحيادية” و”حقوق الإنسان” و”المراقبة”، وأن يعملوا من أجل توجيه هذا التمويل صوب تلبية الاحتياجات الملحة من الخدمات الصحية والإغاثية للكثير من الأسر اللاجئة.
- لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
- انظر، على سبيل المثال، إحدى آخر المحاولات التي قامت بها منظمة بناي بريث في كندا حيث نادت بتعليق تمويل الوكالة بسبب “الفساد”.