نظرة عامة
إن انتشار العملات الرقمية والمشفرة عالميًا قادرٌ على تغيير شكل المقاومة السياسية والاقتصادية الفلسطينية إلى حدٍ كبير داخل فلسطين المحتلة وخارجها. فكيف يمكن ذلك، وما مدى قابليته للتطبيق؟ ما هي الجوانب التكنولوجية للعملات الرقمية والمشفرة التي يمكن للفلسطينيين استخدامها في كفاحهم من أجل التحرير؟ وما هي التعقيدات التي قد يواجهونها هم وحلفاؤهم عند توظيف هذه التقنيات، وكيف يمكنهم التغلب عليها؟
يشارك محللا السياسات في الشبكة، طارق دعنا وإبراهيم الشقاقي، في هذه المناقشة للحديث عن جدوى العملات الرقمية والمشفرة وإمكانية استخدامها في السياق الفلسطيني.1
هل يمكن استخدام العملات الرقمية والمشفرة كبدائل للعملة الوطنية الفلسطينية؟
طارق دعنا:
استُحدِثت العملات المشفرة كبديل للأنظمة المالية الرسمية المركزية حول العالم. ويُعد عنصر “اللامركزية” أساسيًا في فهم فائدة العملات المشفرة، لأنها لا تخضع لسيطرة أي سلطة، سواء حكومات أو بنوك مركزية. وعادةً ما تتم المعاملات بأمان من خلال الخوارزميات والتوافق بين شبكات الحواسيب المعقدة حول العالم. تنطوي العملات المشفرة أيضًا على ميزات مهمة أخرى، مثل إخفاء هوية المستخدمين والأمان والخصوصية والسرعة في إتمام المعاملات عبر الحدود دون عوائق توقفها. هذا يعني أن العملات المشفرة محصنة من الاحتيال والسيطرة السياسية.
أنا أرى العديد من الفوائد التي يمكن أن نجنيها من استخدام بعض العملات المشفرة، ولا سيما البيتكوين، إذا جرى تبنيها مؤسسيًا ضمن استراتيجية فلسطينية. وأنا أستخدم مصطلح “استراتيجية” للإشارة إلى إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية التي طال انتظارها، والتي تتطلب بالضرورة تطوير وسائل اقتصادية ومالية جديدة للمقاومة. وهذا يتضمن أمرين: أولاً، لا ينبغي لنا أن نتبنى منظورًا دولانيًا غير متوافق مع واقعنا لكي نحل مشاكلنا. فمثلًا، لا ينفعنا التفكير في عملة وطنية بمعناها التقليدي، وإنما كمقاربة مالية مبتكرة لتعزيز النضال ضد الاستعمار. ثانيًا، نحتاج إلى إعادة التفكير في مؤسساتنا وأنشطتنا المالية التقليدية الخاضعة بالكامل للسيطرة الإسرائيلية. باستخدام العملات المشفرة اللامركزية، يمكن للفلسطينيين من الالتفاف على هذه العراقيل.
يمكن للفلسطينيين استحداث عملات مستقرة مصممة خصيصًا لاستخدام الفلسطينيين واستخدامها في المعاملات العابرة للحدود، بما فيها تلك التي تنفذها شبكات التضامن العالمية والشركات المناصرة لفلسطين Share on Xيُعد محو الأمية المالية والتكنولوجية أمرًا مهمًا لوضع استراتيجية للعملات المشفرة. وبالرغم من وجود بعض العيوب في أسواق العملات المشفرة، مثل التقلبات السعرية والمضاربة والاحتيال، إلا أن هناك طرقًا لتفاديها. والفكرة من محو الأمية ليست إقحام الفلسطينيين في ظروف السوق هذه، وإنما تعريفهم بطرق توظيف تكنولوجيا العملات المشفرة لتحدي الهيمنة المالية الإسرائيلية. فمثلًا، يمكن للفلسطينيين استحداث عملات مستقرة مصممة خصيصًا لاستخدام الفلسطينيين واستخدامها في المعاملات العابرة للحدود، بما فيها تلك التي تنفذها شبكات التضامن العالمية والشركات المناصرة لفلسطين. فالعملات المستقرة ثابتة القيمة، ومبنية على تقنية سلسلة الكتل (blockchain)، وهي أساسية في التمويل اللامركزي، وهي أداة مالية ثورية لا تتطلب تدخل سلطة مركزية.
تُظهر البيانات المتعلقة باستخدام العملات المشفرة تشابهًا مع استخدام الإنترنت في عقد التسعينات، والذي كان يقتصر على 1% فقط من سكان العالم. فكما أصبح الإنترنت اليوم جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس، يُتوقع أن مسألة تبني العملات المشفرة على نطاق واسع هي مسألة وقت فقط. وربما تؤدي الأزمات الاقتصادية والمالية المستمرة في العالم إلى تسريع هذه العملية، ولا بد أن يكون الفلسطينيون مستعدين للمشاركة في هذا التحول العالمي.
إبراهيم الشقاقي:
العملات المشفرة ليست عملة وطنية قابلة للتطبيق، لا في فلسطين ولا أي مكان آخر. علينا أولاً أن نفرِّق بين العملات الرقمية والعملات المشفرة. العملات الرقمية، التي تصدرها الحكومات والبنوك المركزية، ستصبح بالتأكيد جزءًا من المستقبل. فمنذ بداية العام 2022 وحده، اجتمعت ثلاث لجان رئيسية لمناقشة مستقبل العملة الرقمية في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك المركزي الهندي.
أمّا العملات المشفرة، كما يشير طارق، فلا تستند إلى سلطة مُصدِرة أو تنظيمية مركزية. ومع أن اسمها يتضمن كلمة “عملة”، إلا أنها لا تؤدي الدور ذاته للعملة. أولاً، لا يزال هناك تركيز كبير لأصحاب العملات المشفرة – وليس فقط عند مقارنة البلدان المتقدمة بالبلدان النامية. وعلى سبيل المثال، يتحكم 0.01% من مالكي البيتكوين في 27% من عملات البيتكوين المتداولة. والأهم من ذلك، أن أكثر من 90% من العملات المشفرة لا تُستخدم في المعاملات لشراء الأشياء. أي أن العملات المشفرة ليست عملةً بقدر ما هي أصل للمضاربة – مثل الأسهم، ولكنها أكثر تقلبًا بكثير.
بالنظر إلى تدني المعرفة الرقمية نسبيًا في فلسطين، وافتقارها إلى هيئة تنظيمية فعالة تحول دون وقوع حالات الاحتيال على شبكة الإنترنت، فإن التعامل مع العملات المشفرة في فلسطين في الوقت الحالي يمكن أن يحتملَ أخطارًا جمّا Share on Xتتفاقم في فلسطين مشكلة قبول العملات المشفرة وتقلب أسعارها، حيث يستورد الفلسطينيون ما قيمته نحو 6.5 مليار دولار سنويًا، أو حوالي 40% من إجمالي الناتج المحلي. وهذا يعني أن على المصدرين إلى فلسطين أن يقبلوا العملات المشفرة كوسيلة للدفع. وفي حين أن العملات المشفرة آمنة بالفعل، إذا جرى التعامل معها بشكل صحيح، إلا أن المستثمرين فيها يتعرضون للاحتيال ويخسرون مليارات الدولارات – أكثر من 14 مليار دولار العام الماضي وحده. وبالنظر إلى تدني المعرفة الرقمية نسبيًا في فلسطين، وافتقارها إلى هيئة تنظيمية فعالة تحول دون وقوع حالات الاحتيال على شبكة الإنترنت، فإن التعامل مع العملات المشفرة في فلسطين في الوقت الحالي يمكن أن يحتملَ أخطارًا جمّا.
بغض النظر عن مدى قابليتها للتطبيق، هل من جوانب تكنولوجية أخرى للعملات المشفرة يمكن الاستفادة منها في السياق الفلسطيني؟
طارق دعنا:
العملات المشفرة مبنية على تكنولوجيا سلسلة الكتل، والتي تتيح مجموعة من الاستخدامات. وعلى وجه التحديد، توفر سلسلة الكتل إمكانية ربط الفلسطينيين حول العالم من خلال المنظمات المستقلة اللامركزية (DAOs) التي يتم إنشاؤها للربط بين الأشخاص المتوافقين على الالتزام بقواعد معينة لغايات التنسيق والحكم الذاتي تحقيقًا لهدف مشترك من خلال نظام تصويت آمن وغير مُظهر لهوية المصوتين. يمكن لأنظمة التصويت المستخدمة في المنظمات المستقلة اللامركزية أن تُدخل العملية الديمقراطية إلى مجالات مختلفة، مثل السياسة والتعليم والاقتصاد وغيرها من المجالات ذات الاهتمام العام. والأهم من ذلك أن لديها إمكانات كبيرة لتجاوز التشتت الجغرافي الذي يعيشه الفلسطينيون من خلال استخدام الشبكات الافتراضية لصنع القرار الجماعي والتشاركي.
هناك تطبيقات أخرى أيضًا يمكنها أن تسهِّل الترتيبات بين الأعمال التجارية في السوق الفلسطيني. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تقدم سلسلة الكتل العقود الذكية، وهي اتفاقات ذاتية التنفيذ، لزيادة مستوى الثقة في المعاملات الاقتصادية. فقد أثارت الشيكات المرتجعة في الضفة الغربية وغزة مشاكل خطيرة في السنوات الأخيرة، وبلغت قيمة الخسائر المترتبة عليها مليارات الدولارات. ولهذا آثارٌ بعيدة المدى لا تقتصر على العلاقات بين الشركات، بل تطال العلاقات الاجتماعية أيضًا. ويمكن استخدام تكنولوجيا العقود الذكية في مواقف معينة لتأمين تعهدات الدفع.
غير أن الحلول القائمة على سلسلة الكتل لبعض المشاكل في فلسطين يجب أن تكون جزءًا من استراتيجيات شاملة، وليس كحلول سياساتية. وهذا يعني أن علينا أن نستهدفَ إحداثَ تغيير جذري بالتزامن مع تفادي مقاربة سياسات الإصلاح التي انتهجتها الجهات المانحة في مرحلة ما بعد أوسلو والتي تُرسِّخ الوضع القمعي الراهن.
إبراهيم الشقاقي:
لا تستند قيمة العملات المشفرة إلى أي أساسٍ اقتصادي أو مالي بالمعنى التقليدي، ولذلك فإن العملات المشفرة ستظل عرضةً للمضاربة والتقلبات السعرية، وقد شُبِّهت مؤخرًا بسلسلة بونزي أو “اللعبة ذات الحصيلة السلبية“. ومن ناحية أخرى، فإن تكنولوجيا سلسلة الكتل المستخدمة في العملات المشفرة سوف تُحدث ثورةً بالتأكيد في تسجيل المعاملات عبر الإنترنت، والتوثق، والأمن السيبراني. فهذه التكنولوجيا التي اهتدى إليها صاحب الاسم المستعار “أتوشي ناكاموتو” في ورقته البحثية توفرُ عددًا لا يُحصى من التطبيقات الممكن استخدامها في السياق الفلسطيني.
يمكن أن يكون استخدام سلسلة الكتل كنظام لامركزي للدفع عبر الإنترنت مفيدًا في فلسطين، ولا سيما مع ظهور عملات مستقرة جديدة أكثر ثباتًا ومربوطة بالنقود الورقية مثل الدولار، أو السلع المستقرة مثل الذهب. ويمكن للمدفوعات الواردة من الخارج أن تتجاوز القيود الإسرائيلية، كما يفعل الأفغانيون لتفادي العقوبات الأمريكية وحركة طالبان؛ ومن الأمثلة الأخرى خدمة “شور ريميت”، التي تحظى بشعبية كبيرة في التحويلات المالية في أوساط المغتربين الأفارقة. حتى المدفوعات داخل فلسطين يمكن أن تستخدم هذه الطريقة، مثل الدفعات التي تصرفها وزارة الشؤون الاجتماعية لعائلات السجناء السياسيين وغيرهم من المحتاجين، حيث تستهدف إسرائيل بعض تلك المدفوعات.
غير أن باعتقادي أن استخدام هذه التكنولوجيا للاقتراع في الانتخابات مستقبلًا يمكن أن يكون أجدى في السياق الفلسطيني. ومع أن استخدام سلسلة الكتل لأغراض التصويت لا يزال في بداياته، إلا أن من المرجح أن يغدو هذا التطبيق، بعد بذل المزيد من البحث والعمل، مستقبلَ التصويت في العقد أو العقدين المقبلين، لأن سلسلةَ الكتل توفر بالضبط ما تتطلبه الانتخابات: نتائج لا تظهر أسماء المقترعين ولكنها قابلة للتدقيق. وفي حالة فلسطين، تستطيع هذه الطريقة أن تعالج الإشكالات التي أُثيرت في الانتخابات المزمعة الأخيرة، مثل تمكين الفلسطينيين في القدس من التصويت. ويمكن استخدامها أيضًا في الجهود الأوسع نطاقًا لإشراك الفلسطينيين حول العالم في عملية صنع القرار السياسي، على غرار الجهود المبذولة لإشراك الفلسطينيين كافة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني والتي اكتسبت زخمًا في العام 2011.
هل ستسمح إسرائيل بهذا النوع من التطور التكنولوجي؟ وكيف للفلسطينيين أن يتغلبوا على القيود الإسرائيلية المفروضة على استخدامهم التقنيات المختلفة؟
طارق دعنا:
لا شك في أن إسرائيل ستمنع أي توجه لتطوير التقنيات الفلسطينية، حيث إنها تسيطر على البنية التحتية التكنولوجية لفلسطين، مما يفرض قيودًا مختلفة على الاقتصاد الرقمي الفلسطيني. فعلى سبيل المثال، أتاحت إسرائيل للفلسطينيين إمكانية استخدام الجيل الثالث (3G) فقط من إنترنت الهاتف المحمول في العام 2018، وتُعدُّ سرعة الإنترنت في الضفة الغربية وغزة من أبطأ السرعات في العالم. وبالرغم من هذه الظروف الرقمية المُجحفة، ما انفكت أهمية الإنترنت تزداد في حياة الفلسطينيين، حيث فاقت نسبة الأسر الفلسطينية المتصلة بالإنترنت 80% في عام 2019، مقارنة بـ 52% في 2017. وهذه دلالة مهمة على زيادة الاتصال بين الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها.
غير أن الحلول القائمة على سلسلة الكتل لبعض المشاكل في فلسطين يجب أن تكون جزءًا من استراتيجيات شاملة، وليس كحلول سياساتية تكنولوجية Share on Xهناك دائمًا طرق للالتفاف على القيود الإسرائيلية، ولا سيما أن تقنية سلسلة الكتل لا تعترف بالحدود، وتوفر مساحات مفتوحة للابتكار المستمر، وتولِّدُ فرصًا جديدة لاستحداث البدائل. ولكي ينجح الفلسطينيون في الالتفاف على القيود، لا بد من أن يتحول مسعى المقاومة التكنولوجية إلى استراتيجية ذات رؤية تعطي الأولوية للمشاركة عبر الحدود. أي أنه ينبغي تصميم تقنية سلسلة الكتل وتطويرها خارج الحدود الجغرافية لفلسطين، ولكن بمشاركة الفلسطينيين في فلسطين والشتات.
وبعبارة أخرى، لا ينبغي أن تكون فلسطين مركز الاستثمار التكنولوجي، لأنها ستخاطر بالوقوع تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة. وعوضًا عن ذلك، ينبغي أن يضطلع الفلسطينيون والمطورون المناصرون لفلسطين في الخارج بدورٍ رئيسي في إعداد البنية التحتية التكنولوجية، وبناء التطبيقات لخدمة القضية الفلسطينية، وربط الفلسطينيين ببعضهم حول العالم. ورغم بطء سرعة الإنترنت وضعف البنية التحتية التكنولوجية نسبيًا في الضفة الغربية وغزة، إلا أنها ستكون كافية لاستخدام تلك التطبيقات.
إبراهيم الشقاقي:
دأبت إسرائيل على اتخاذ تدابير استباقية للحيلولة دون وصول الفلسطينيين إلى تقنيات الاتصال المتطورة. وتجلى ذلك في عام 2018 حين حظرت إدخالَ الأبراج والمعدات اللازمة لاتصالات الجيل الثالث إلى غزة. وبينما تُشيد المؤسسات المالية الدولية بقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بوصفه مُخلِّص الاقتصاد الفلسطيني، إلا أنها لا تتصدى لقبضة إسرائيل الصارمة على كل جانب من جوانب هذا القطاع.
لن تألُ إسرائيلُ جهدًا في منع استخدام هذه التقنيات المتطورة في فلسطين. وفيما يتعلق بتقنيات سلسلة الكتل أو أنواع معينة من العملات المشفرة، فإنها قد تُصدر أوامرَ عسكريةً تحظر على المؤسسات المالية، بما فيها البنوك ومكاتب الصرافة، التعاملَ بالعملات المشفرة. ويمكنها أيضًا أن تفرض حظرًا غير مباشر. لكن حتى لو فُرضَت رقابةً صارمة على الإنترنت، سيظل بوسع المستخدمين الوصول إلى محافظ العملات المشفرة وإتمام المعاملات باستخدام أدوات مبتكرة، مثل الأقمار الصناعية التابعة لشركة بلوك ستريم، التي تعمل على إنتاج وبيع أدوات غير باهظة الثمن تتيح للأفراد إمكانية الوصول إلى البرامج اللازمة دون الحاجة إلى الإنترنت.
شَرعت إسرائيل بالفعل في مسعاها لوقف استخدام العملات المشفرة، حيث زعمت في 2021 أنها تمكَّنت بفضل “اختراق تشغيلي” من التعرف إلى محافظ عملات مشفرة تملكها أحزاب سياسية فلسطينية والاستيلاء عليها. وفي أواخر شباط/فبراير 2022، زعمت إسرائيل أنها استولت على 30 محفظة عملات مشفرة أخرى. وسواء تسنى الاستيلاء على تلك المحافظ بفضل اختراق فعلي أو طريقة تقليدية، فلا شك في أن إسرائيل تمتلك أحد أكثر قطاعات التجسس والمراقبة تقدمًا في العالم، وهو ما تجلى مؤخرًا من خلال فضيحة برامج القرصنة التي أنتجتها مجموعة “أن سي أو”.
مع ظهور العملات الرقمية، يتعين على الفلسطينيين أن يكونوا أكثر إبداعًا، وأن يركزوا على التعليم والتدريب السيبراني Share on Xغير أن السياسات الإسرائيلية لم تُفلح قط في إيقاف جهود التعبئة والتنمية الفلسطينية، سواء كانت مقاومةً سياسية أو اقتصادية. ومع ظهور العملات الرقمية، يتعين على الفلسطينيين أن يكونوا أكثر إبداعًا، وأن يركزوا على التعليم والتدريب السيبراني.
كيف يمكن للفلسطينيين أن يوظفوا التقنيات والاتصالات الحديثة لخدمة حركة التضامن العالمي المتنامي مع فلسطين والمقاومة الاقتصادية الفلسطينية؟
طارق دعنا:
باتت التكنولوجيا جزءًا لا غنى عنه في نضالات العدالة الاجتماعية، حيث يواصل النظام الإسرائيلي توظيف التكنولوجيا كعنصر أساسي في أجندته الاستعمارية الاستيطانية، وبدأ الفلسطينيون يستخدمونها كوسيلة بارزة للمقاومة، بل وقاموا هم وحلفاؤهم بالتوسع في استخدام الإنترنت كوسيلة للمقاومة والتعبئة على مستوى العالم، وفضح الجرائم الإسرائيلية أمام العالم، وبيان أساليب المقاومة الفلسطينية. وقد ساهم هذا الحِراك الإلكتروني بتحصيل دعم الرأي العام العالمي لصالح النضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة.
تشير الأبحاث أيضًا إلى أن الشابات الفلسطينيات قد نجحن في استخدام الأدوات التكنولوجية للمقاومة الإلكترونية لمواجهة التجزئة الجغرافية والاحتلال العسكري الإسرائيلي القمعي في القدس. فضلًا على الهجمات الإلكترونية التي تشنها الحركات المؤيدة لفلسطين ضد أهداف دعائية إسرائيلية.
غير أنَّ مَن يضطلع بهذه الجهود هم أفراد ومجموعات صغيرة ومتفرقة، لأن القيادة الفلسطينية غائبة إلى حدٍ كبير عن مواقع النضال التكنولوجي بسبب عجزها عن التكيف مع التغيير. لذا فإن الطريقة الوحيدة لإدماج التكنولوجيا على نحو فعال في النضال الفلسطيني هي من خلال رؤية استراتيجية تضعها حركة وطنية مجدَّدة. وما نحتاجه هو بناء شبكي منظم وتعبئة منهجية لرأس المال البشري والمالي لكي نستوعب التكنولوجيا في سياق النضال الفلسطيني.
لا توجد إجابة مباشرة وواضحة بشأن السُبل التي يستطيع الفلسطينيون من خلالها أن يُسخِّروا التكنولوجيا لخدمة تحررهم ومقاومتهم، إلا أن الخطوةَ الأولى على درب وضع استراتيجية تكنولوجية لا بد وأن تبدأ بأبحاث جادة وشاملة. فبناء المعرفة القوية يُشكل الأساس لاستحداث الأدوات التكنولوجية وتطبيقها وتعزيز القدرات التكنولوجية في الحركة الوطنية.
إبراهيم الشقاقي:
يتمتع الفلسطينيون، سواء داخل فلسطين المستعمرة أو في الشتات، بإمكانات كبيرة كمستخدمين للفضاءات والمنصات الافتراضية لغايات الحِراك السياسي الجماعي والتنسيق. الغالبية العظمى من الفلسطينيين (96%) يعرفون القراءة والكتابة، ومعدلات التسرب من المدارس الثانوية منخفضة نسبيًا (حوالي 2%). غير أن الافتقار إلى التمويل والبنية التحتية في قطاع التعليم يعني أن هذه المؤشرات الإيجابية لا تُترجم إلى معرفة رقمية، ولكن مؤسسات هذه المعرفة وأُسسها موجودة بالفعل. وعند المقارنة بالبلدان النامية الأخرى، برغم السياسات الإسرائيلية المقيِّدة، فإن نسبة الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة الذين يملكون “اتصالًا بشبكة الإنترنت” تبلغ نحو 70%، وهناك 75% من الأسر لديها هاتف محمول واحد على الأقل، وغالبيتها هواتف ذكية.
لا تنفك إسرائيل تسيطر على قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطيني، بما فيه العديد من الشركات التي تعكس ديناميات القوة الدارجة: رأس المال إسرائيلي واليد العاملة الرخيصة فلسطينية. وهذه الدينامية تعيد تدوير القيمة المضافة داخل السوق الإسرائيلي ولا تنعكس داخل الاقتصاد الفلسطيني. ومع ذلك، ثمة إمكانات هائلة على شكل ركيزتين. أولاً، هناك إمكانات هائلة للتعاون السياسي بين الفلسطينيين حول العالم. وقد كانت هناك بالفعل عدة محاولات لإقامة هذا التعاون، بما في ذلك حملة انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني، وحركة المقاطعة، وشبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة، وقمة بناء فلسطين المنعقدة في الآونة الأخيرة.
الركيزة الثانية هي التعاون الاقتصادي الجمعي بين رأس المال الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، والأراضي المحتلة سنة 1948، والشتات، بهدف النهوض بالقطاعات التي قد لا تكون عرضة للسيطرة الإسرائيلية المادية، بما فيها القطاعات الفرعية المختلفة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وهذا لا يعني تحويل الموارد من قطاعات مهمة كثيفة العمالة مثل الزراعة والتصنيع، ولكن كمكمل لها. إن هذا النوع من التعاون يستلزم إنشاء “اقتصاد عربي” جمعي يتحلى بقدرة كبيرة على المقاومة الاقتصادية.
بغض النظر عن مستقبل العملات المشفرة كأدوات استثمارية، فإن تقنية سلسلة الكتل ستغير العالم بلا شك في السنوات القادمة. وينبغي للفلسطينيين أن يفكروا في طرق مفيدة لتسخير إمكانات هذه التكنولوجيا، ولا سيما لمجابهة القيود الإسرائيلية المشددة على الحركة والقيود المالية. وهذا يتطلب تعاون أصحاب المصلحة كافة، وليس فقط القطاع الخاص. وينبغي للسلطة الفلسطينية أن تبادر بالبحث عن مجالات محتملة لتطبيق هذه التكنولوجيا وأن تتشاور مع الخبراء المحليين بشأن الاستراتيجيات المستقبلية.
- لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.