لمحة عامة
عقدت “الشبكة” طاولة مستديرة لمناقشة ورقة جميل هلال المعنونة “قراءة فلسطينية للربيع العربي،” حيث عرض عددٌ من مستشاري السياسات أفكارهم بشأن هذه الورقة وبشأن الوضع السياسي والمجتمعي الفلسطيني ومستقبل الحركة الوطنية الفلسطينية. يناقش هاني المصري الأسباب وراء عدم اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة حتى الآن، بينما يتناول ويل يومانز الحاجة لإعادة صياغة مفهوم منظمة التحرير الفلسطينية من أجل الارتقاء بها إلى عهد جديد يعزز التعاون اللامركزي بين أطرافٍ نظيرة. كما يعرض توفيق حداد الحُجة من أجل إصلاح المنظمة انطلاقًا من الشعب من خلال النضالات الحقيقية على الأرض ولا سيما في الاراضي المحتلة. وتؤكد مِزنة القطو بأن التعبئة الديمقراطية التشاركية سوف تشكل الأساس للتحرر الفلسطيني. أما رنا بركات فتشكك في حُجة هلال من أجل عقد الانتخابات، وتتساءل ما إذا كان باستطاعة الانتخابات أن تبدأ بعلاج جميع العلل التي تعاني منها منظمة التحرير الفلسطينية وتشير أيضًا إلى أن المنظمة لم تكن ضحية اتفاقات أوسلو بل جزءًا أساسيًا فيها. ويقترح علي أبو نعمه بأن يركّز الفلسطينيون مواردهم المحدودة على إعادة إحياء الحركة الوطنية على أساس برنامج العمل وليس على أساس المؤسسات، ويشير بوجه خاص إلى الأهداف الثلاثة التي وضعها نداء المجتمع المدني الصادر في 2005 والداعي لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (نداء المقاطعة). كما يجادل بشارة دوماني بأنه يفترض في الاستجابة الفلسطينية للربيع العربي أن تأخذ في الحسبان التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وليس السياسية وحسب؛ وأن مفهوم “التشتت” الذي يُثار بكثرة هو مفهومٌ إشكالي تنبغي مقاربته نقديًا وتاريخيًا.
وفي المقابل، يؤكد جميل هلال بأن القضية الرئيسية تكمن في الكيفية التي يمكن للفلسطينيين من خلالها أن يعيدوا بناء حركتهم الوطنية وليس إصلاحها. ويضيف بأن تلك الحركة الوطنية الجديدة لا بد وأن تضلع بمهمة تنسيق الجهود والنشاط في التجمعات الفلسطينية المختلفة والمتباينة من أجل إحراز الحقوق الوطنية والاجتماعية والإنسانية.
هاني المصري
بدأ انعكاس الثورات العربية على فلسطين كما بدا واضحًا في التحرك الشبابي في 15 آذار، واتفاق المصالحة في 27 نيسان، وإحياء ذكرى النكبة في 15 أيار، وسيتعاظم لاحقًا؛ لأن فلسطين لا يمكن أن تكون بمنأى عن التأثير والمبادرة وهي صاحبة الثورات والانتفاضات منذ أكثر من 130 عامًا.
يوجد عدة أسباب وراء عدم اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة، رغم توفر الكثير من العوامل الدافعة إليها، وتتمثل في:
السبب الأول: عدم تحقيق الثورات والانتفاضات السابقة لأهدافها، والتي بلغت خمسَ عشرةَ ثورةً وانتفاضةً كبيرة؛ قدّم فيها الشعب الفلسطيني تضحياتٍ غاليةً. نعم، لقد تحققت مكاسب، لكنّ الأهداف الأساسية لم تتحقق، والشعب قبل أن ينتفض مرة أخرى يفضل ويريد معرفة السبب ومعالجته؛ حتى تكون الانتفاضة القادمة قادرة على تحقيق ما فشلت في تحقيقه الانتفاضات السابقة. إنّ هذا السبب هو العامل الأساسي.
السبب الثاني: يرجع إلى تأثير الانقسام المدمّر على استنزاف طاقات الشعب الفلسطيني في صراع داخلي مدمّر على السلطة والمكاسب والوظائف.
السبب الثالث: يتعلق بعدم وضوح الأهداف ولا الإستراتيجيات القادرة على تحقيقها، فالقيادة الفلسطينية هبطت عن البرنامج الوطني المقرّ في منظمة التحرير منذ الثمانينيات وحتى الآن، وحماس تقترب من هذا البرنامج، وهناك ارتباك وغموض حول ما يجب عمله، وحول أيلول وما بعده، وهذا يؤثر كثيرًا على عدم اندلاع الانتفاضة. يتعلق بهذا السبب خشية المواطن الفلسطيني من الاستخدام التكتيكي لنضاله وللمقاومة الشعبية لاستئناف المفاوضات، والتركيز على الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجاهل بقية أجزاء الشعب الفلسطيني.
السبب الرابع: يتعلق بعدم رغبة القيادة في انتفاضة لا شعبية ولا مسلحة لأنها تخشى من عواقبها وعلى مكانتها وعلاقاتها الدولية والعربية، ومع إسرائيل تحديدًا. لذلك أعلن أبو مازن إنه ضد كل أنواع الانتفاضات حيث تمنع السلطة في المدن أي احتكاك مع المستوطنين أو على الحواجز خشية من تطور المواجهات إلى انتفاضة. فإذا سايرتها السلطة ودعمتها تعاقَبُ من إسرائيل، وإذا قمعتها السلطة تنقلب الانتفاضة ضدها.
السبب الخامس: إن الثورات العربية لم تنجح سوى في تونس ومصر، وهما لا تزالان تعيشان في مرحلة انتقالية قد تطول، ولا تزال الثورات في ليبيا واليمن وسوريا غير محسومة، ولم تندلع في البلدان العربية الأخرى، لذا فالصورة النهائية غير واضحة، والتأثيرات على المدى المتوسط والبعد غير واضحة أيضًا. إنّ أي انتفاضة فلسطينية الآن في مرحلة الثورات العربية غير المكتملة لا تأتي في الوقت المناسب؛ لأن العرب مشغولون عنها، ولا يمكن أن يوفّروا لها أقصى دعم ممكن.
كما أن التأثيرات المباشرة للثورات العربية متناقضة: فهي من جهة قوّت حل الدولتين، كما ظهر في خطاب أوباما، وتحركات دولية مختلفة؛ ومن جهة أخرى تضعف هذا الحل كما ظهر في خطاب نتنياهو، والتحركات الشعبية الفلسطينية التي باتت تطرح مسألة اللاجئين وحق العودة بصورة لم يسبق لها مثيل، مقارنة بالفترة السابقة منذ توقيع اتفاق أوسلو وحتى الآن.
ويل يومانز
أنا أتفهم كليًا مقالة هلال ولكن أقترح بأن نعيد صياغة مفهوم منظمة التحرير الفلسطينية، أو – إن جاز التعبير – الإصدار الثاني من منظمة التحرير الفلسطينية. فبدلًا من جسمٍ مركزي يتركز ثِقلُه في الإدارة يصبح محور السياسة الفلسطينية الديمقراطية، فإنه ينبغي لنا أن نفكر بتعزيز العلاقات بين الشبكات وبالبحث عن طرقٍ جديدةٍ لإقامة التنسيق والتعاون بين الفلسطينيين المختلفةِ مواقفُهم. إن الكيانات التنظيمية المركزية الذي يتركز ثِقلُها في إداراتها تكون بطبيعتها غير مرنةٍ، ويكون من السهل للغاية أن تبسط جهةٌ أخرى سيطرتَها عليها، وغالبًا ما تخنق هذه الكيانات التيارات الإبداعية والثقافات السياسية التي كثيرًا ما تكون مقموعة ولا سيما تلك التي تقودها الأجيال الشابة.
لدينا اليوم ما لم نكن نملكه إبان ذروة منظمة التحرير الفلسطينية وهو تكنولوجيا الاتصالات المتقدمة وأدواتها التي تتيح إمكانية التبادل السريع للمعلومات والمعارف. وبحسب تعبير مانويل كاستلز فإن أي مجتمعٍ شبكي يتكون من أطراف وروابط تصل فيما بينها. إن اللامركزية حقيقةٌ واقعةٌ في الحياة المعاصرة، ولكننا كفلسطينيين نحيا حياةً سياسيةً مجزأةً يصفها هلال بأنها عَرَضٌ من أعراض قِصَرِ النظر التي اتسمت به اتفاقات أوسلو.
إن فرض المركزية في شكل منظمة تحريرٍ فلسطينيةٍ قوية على الجسم السياسي الفلسطيني الأشمل لا يتوافق وواقع التشتت الفلسطيني ومنطق العمل الجماعي المعاصر المتجسد في الربيع العربي. فبدلًا من مؤسسة كبيرة ذات طابع رسمي، لا بد للإصدار الثاني من منظمة التحرير الفلسطينية أن يتمحور حول إنتاج البيانات وتبادلها وتداولها وحول التعاون بين أطراف نظيرة. فالإصدار الثاني يُعنى بالخطاب عوضًا عن اللوائح الداخلية، وبالثقافة عوضًا عن سياسة الكواليس.
أنا أتفق مع أن تكون منظمة التحرير الفلسطينية مجرد طرفٍ نظيرٍ يعمل من أجل تعزيز الأطراف الأخرى والتنسيق وبناء العلاقات فيما بينها. فبدلًا من أن تكون منظمة التحرير مظلةً ديمقراطيةً تمثل مختلف فئات الشعب الفلسطيني، ينبغي لها أن تسعى لتشجيع الأطراف المختلفة وتعزيزها انطلاقًا من المخيمات في لبنان إلى الجاليات في أمريكا الشمالية. ولربما تبزغ منظمة التحرير الفلسطينية في وقت لاحق كطرفٍ مركزي بالكامل، بل وربما تعاود اكتساب مكانتها كوكيلٍ ممثل.
وللتوضيح، فأنا لا أعتقد أن نجاتنا تكمن في تكنولوجيا الاتصالات، فنحن مشتتون جدًا لدرجة أننا نعجز عن إيجاد مركزٍ جديد، كما وقد أصبحت هنالك اليوم نماذج جديدةٌ للتنظيم السياسي.
توفيق حداد
لقد أصاب هلال في تحديد الحاجة إلى إعادة تكوين الحركة الوطنية الفلسطينية على أساسٍ ديمقراطي وضمن إطار منظمة التحرير الفلسطينية. غير أن إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير لا يحدث بكبسة زر. فهو أمر يحتاج إلى نضالٍ حقيقي على أرض الواقع ضد البيروقراطيين والمديرين الذين ينحدر الكثير منهم من النخب الحزبية والتقليدية ومجتمع الأعمال. فلا يجب أن نخدع أنفسنا بأن الديمقراطية يمكن أن تتحقق دون إعادة التأكيد على السلطة المتأتية من الشعب في وجه مَن تولى السلطة من النخب. إن أفضل ما يمكن البدء به هو جدول الأعمال النيوليبرالي واللاديمقراطي الخاص برئيس وزارء السلطة الفلسطينية سلام فياض، إذ إنه يرسخ سلطة الرأسمال الفلسطيني والإسرائيلي والدولي على الشعب.
إن فرض التغيير من خلال العمل النضالي الشعبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة سيكون له أثرٌ متوالٍ على الفئات الأخرى. غير أن العكس ليس صحيحًا بالضرورة – أي أن الدفع باتجاه نشر الديمقراطية في المؤسسات الفلسطينية في الشتات الفلسطيني وفي داخل إسرائيل لن يكون له أثرٌ مشابه في القوة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذه هي دينامية حركتنا في هذه الفترة من التاريخ.
إن نشر الديمقراطية والتنظيم الذاتي لا يقلان أهمية بالنسبة للفلسطينيين في الشتات وفي داخل إسرائيل. غير أن ما يماثل ذلك في الأهمية هو أن تحرز كلتا الفئتين تقدمًا في النضال ضمن سياقيهما: أي أن يحرز الشتات تقدمًا على صعيد الاضطلاع بدور نشطٍ في المشاركة في الربيع العربي وتعزيزه، وأن يحرز الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل تقدمًا في نضالهم من أجل اجتثاث الصهيونية في إسرائيل من خلال إبراز التناقضات التي ينطوي عليها مفهوم الدولة “الديمقراطية اليهودية.”
إن الدرس المستفاد هنا بالنسبة لجميع فئات الشعب الفلسطيني هو أن النضال له قدرةٌ كامنةٌ على بناء مؤسسات ديمقراطية – وليس العكس. فلا يمكننا أن نبالغ في فكرة إقامة مؤسسات ديمقراطية بالكامل دون حركات تؤكد على ممارسة الديمقراطية على أرض الواقع. كما قد تتباين النضالات وتختلف مواقيتها بحسب السياق، غير أنه من الأهمية بمكان أن يكون الزخم الديمقراطي متأصلًا في الممارسة العملية، وليس في البيروقراطية، كما ظلت الحال في منظمة التحرير الفلسطينية لغاية تاريخه، وهو ما يؤدي إلى حالة التفكك التي نحياها اليوم.
مزنة القطو
إن الدعوة لإجراء انتخابات مباشرة للمجلس الوطني الفلسطيني هو أمرٌ حتمي لأنه متجذرٌ في مبادئ تقرير المصير والتمثيل الوطني للفلسطينيين في كل مكان. فمن دون تمجيد ماضي المجلس الوطني الفلسطيني، تعيد هذه الدعوة تعزيز المبدأ القائل بإن المِلكية الشرعية للمؤسسات الفلسطينية تكمنُ بيد الشعب الفلسطيني، وتعيد توجيه الحركة الفلسطينية بعيدًا عن رام الله باعتبارها بؤرة السياسة الفلسطينية وتنتقل بها إلى الشعب الفلسطيني بأسره باعتباره مصدر الوكالة الممنوحة لحركة التحرير الفلسطينية.
ومع ذلك، فحتى المطالبة والتعبئة من أجل عقد انتخابات مباشرة للمجلس الوطني الفلسطيني لا يمكن أن تنجح دون وجود الآليات التي تضمن المساءلة الشعبية في كل خطوة. فلا يمكن إسقاط الديمقراطية في التنظيم الفلسطيني على كل مستوى من أجل “الضرورة الوطنية،” ولا يمكن التضحية بها بعد الآن لحساب الأزمات السياسية الواحدة تلو الأخرى. إن العمل المتأني والحذِر والمضجر الباعث على التحرر والمتمثل في ممارسة حق تقرير المصير من خلال العمل الديمقراطي التشاركي لا بد وأن يتجذر في الممارسات المجتمعية والتنظيمية اليومية وليس فقط في المطالب الوطنية. فتلك الممارسات سوف تعزِّز بدورها المطالب الوطنية عبر بناء المشاركة بطريقة دينامية على مختلف مستويات العمل السياسي.
ومن هذا المنطلق، فأنا أختلف مع الجوانب المتعلقة بالقطاعات/الأجيال التي ساقها هلال في تحليله – وهو جانب، كما أشار مشاركون آخرون في اجتماعنا هذا، يقوم على فهم خاص لطبيعة وتاريخ تشتت الجسم السياسي الفلسطيني. وعوضًا عن ذلك، لا بد من انفتاح السياسة الفلسطينية والتحليل على سياسة المشاركة الشعبية التي تأخذ فعليًا في اعتبارها احتياجات الفلسطينيين ومطالبهم وتستمع إليهم؛ أي أن لكل إنسانٍ فلسطيني اعتبارٌ سواءً الكبير أو الصغير، القاطن في الداخل أو القاطن في الخارج، المتحزب أو غير المتحزب. فلا بد أن يُمنَح كل إنسانٍ فلسطيني حقَّه المشروع في تقرير استراتيجيات الحركة الوطنية ومسارها من خلال التعبئة والمشاركة. وبغض النظر عمن يكونون وأين يتواجدون، فإن الفلسطينيين، ولا سيما الشباب منهم العاكفين حاليًا على تنظيم الفعاليات حول العالم، يتواصلون فيما بينهم ويفهمون بعضهم ومصالحهم كجسم سياسي بطرقٍ تنقض لازمات فلسطينية تاريخية، وبطرقٍ أخرى تعززها. ومع ذلك، فقد ينظر الفلسطينيون إلى مِحَنهم على أنها مختلفةُ حجمًا ولكنها متجذرةٌ في المنطق الاستعماري الاستيطاني عينِه المتمثل في القضاء على الآخر واغتصاب ممتلكاته إلى الأبد وناجمةٌ منه.
لذا لا بد أن تنطوي مبادئ هذا النداء على إعادة ترتيب حياتنا السياسية وبناء الثقة من جديد داخل الهيئات الوطنية الفلسطينية وفيها. فالتعبئة الديمقراطية التشاركية هي أساس التحرر الفلسطيني.
رنا بركات
منذ اندلاع أحداث “الربيع العربي” المذهلة، أخذ الفلسطينيون يتساءلون عن التأثير الذي ستتركه هذه الانتفاضات في السياسة والحركة السياسية بشأن فلسطين. يقدم جميل هلال رؤيةً واقعيةً للمشهد ويعرض حُجةً مقنعةً بشأن حاجة الفلسطينيين الماسّة إلى إعادة بناء الحركة الوطنية. كما يتصدى هلال لسؤال يطرحه الكثيرون في وقتٍ أخذ الربيع العربي يتحول إلى صيف: ما هي أنجع وسيلة لإعادة بناء الحركة الوطنية بالمقارنة مع منظمة التحرير الفلسطينية على ضوء الواقع العربي الجديد؟
إن هذا التركيز على الحركة الوطنية أمرٌ مهمٌ ولا شك، غير أن طرح حُجةٍ تركز على الهياكل المُفضِية إلى التعبئة قد تحتاج إلى نظرة أكثر تفحّصًا ومنظورًا أكثر شمولًا للتعبئة. يجادل هلال بأنه يمكن إنقاذ منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها وينبغي ذلك لنفض الدمار الذي جلبتها عليها سنوات أوسلو وكل ما انطوت عليه تلك العملية البائدة. وفضلًا على ذلك، يركز هلال على الحاجة إلى إجراء انتخابات مباشرة للمجلس الوطني الفلسطيني. وعلى الرغم من العقبات الجليّة التي تحُفُّ التمثيل الديمقراطي المباشر، فإن هلال يجادل بأن لهذا التمثيل أهميةً قصوى. وبالتالي فإن الانتخابات المباشرة تحلّ مسألة التعبئة والمشاركة وتصحيح الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها “القيادة” الفاسدة.
إن الدفاع عن برنامج عملٍ قائمٍ على مبادئَ ديمقراطيةٍ من شأنها أن تجبر كسر الجسم السياسي الفلسطيني، كما يدافع هلال، وهو أمرٌ منطقي لا ريب. أما كيفية إنجاز هذا الهدف وتوقيته فهو مع ذلك أقل يقينًا. فهل بوسع الانتخابات المباشرة أن تُصلِح كل ما أصابه العطب في منظمة التحرير الفلسطينية؟ وهل منطق التعبئة الذي ينظر إلى الانتخابات باعتبارها العلاج الشامل لجميع علل الجسم السياسي هو منطقٌ يُحيط ببعض جوانب التشخيص فقط؟
يخلُص هلال كذلك إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها بُنيةً أساسيةً لتطلعات الفلسطينيين الوطنية ليس كيانًا يستحق الحفاظ عليه وحسب وإنما هو ضروري لتحقيق أهدافنا المتمثلة في التحرر. إن هذه النقطة بالإضافة إلى جوانب ضرورة قيام الدولة التي لا تزال راسخةً في قراءتنا للتحرير تحتاج إلى فهمٍ بنظرةٍ ناقدة. فلعل المقصود ليس التركيز وحسب على الآليات الخاصة بعمليةٍ ديمقراطيةٍ تهدف إلى انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني، بل إجراء تقييمٍ لكيف كانت بُنى منظمة التحرير الفلسطينية (بما فيها المجلس الوطني الفلسطيني) جزءًا أساسيًا في الطريق إلى عملية أوسلو وليست مجرد ضحيةٍ أخرى لها. لم تولد عملية أوسلو من فراغ بل كانت نتاج تفكيرٍ استراتيجي جاد – حتى وإن كانت كارثيةً. إن التاريخ يقدم دروسًا مهمةً يبدو وأن لدى هلال إجابةً بسيطةً جدًا لها.
إن انطلاق شرارة أوسلو – مع قيام السلطة الفلسطينية بتهميش منظمة التحرير الفلسطينية (إذا كان ذلك حقًا ما حدث) – لم تأت من العدم، وفهمُ ذلك بصورةٍ أفضل يمنحنا فهمًا أشمل لموقفنا في الوقت الحاضر. ولعل الدروس المستفادة من الربيع العربي ليست بالضرورة حول إيجاد وسيلةٍ للقيام بعملٍ ثوري مماثل، وإنما إدراك أن هذه النضالات المشتركة هي في الواقع مشتركة. فحتى في تونس ومصر، حيث يبدو وأن رأس الدولة قد سقط، لا يزال الثوار يحاربون المصالح الراسخة داخل النظام وهياكل السلطة. وفي الختام، ظلت النزعات النخبوية على مرّ التاريخ تستولي على الحركات الشعبية السياسية والاجتماعية الفلسطينية (والتي نحتاج إلى فهمها فهمًا أفضل بكثير). وكانت هذه هي الحال في ثورة عام 1936 وكذلك في انتفاضة عام 1987. وأنا أتساءل عن مدى كون هذا التفكير بشأن الحركات هو في الواقع نوعٌ آخر من السيطرة النخبوية.
علي أبو نعمه
يُعبّر الفلسطينيون، صغارًا وكبارًا، في العلن عن استيائهم من استراتيجية “التحرير الوطني” الفاشلة تمامًا التي تنتهجها القيادة التقليدية التي ما انفكت تحتكر مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
يحاول القادة السياسيون أن يستجيبوا – ومن أمثلة استجاباتهم “المصالحة” الظاهرية غير المدروسة وغير القابلة للتطبيق بين حركتي حماس وفتح والتي تسعى حركة فتح من خلالها أن تحافظ على التزامها بالمقاومة، على المستوى الخطابي على الأقل، في حين تسعى حماس للحفاظ على تعاونها النشط مع إسرائيل وغيرها من أعداء الشعب الفلسطيني واعتمادها عليهم تحت مسميات “التنسيق الأمني” و”بناء الدولة.”
إن ما يفتقره كل ذلك هو خطابٌ يتناول الأهداف الوطنية الفلسطينية. لقد أعرب جميل هلال عن مخاوف الكثيرين بتحدثه عن إعادة إحياء المؤسسات الوطنية الفلسطينية المستقلة والديمقراطية والتمثيلية ولا سيما منظمة التحرير الفلسطينية. ولا يجد حرجًا في ذلك، من حيث المبدأ، سوى عددٌ قليل. غير أن التحديات أكثر هولًا حتى ممّا يُصوِّره هلال في تحليله الدقيق.
وكما أشرت سابقًا في مقالتي المعنونة “السبيل لحل أزمة القيادة الفلسطينية”،1 فإن المشكلة في عقد انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني وحده ليست مجرد مشكلةٍ لوجستية:
في السنوات الأخيرة، تم توفير مرافق “للتصويت خارج البلاد” لجاليات كبيرة من اللاجئين والمنفيين العراقيين والأفغانيين في سياق عمليات انتخابية رعتها القوى المحتلة للعراق وأفغانستان. ومن الناحية النظرية، سيتسنى عقد انتخابات يشارك فيها الفلسطينيون جميعهم، ربما تحت رعاية الأمم المتحدة – بمن فيهم أعداد اللاجئين الكبيرة في الشتات في الأمريكيتين وأوروبا.
تكمن المشكلة في أن إجراء انتخابات من هذا القبيل سوف يحتاج ربما للاعتماد على حسن نية “المجتمع الدولي” (الولايات المتحدة وحلفائها) وتعاونه، وهو الذي ظل معارضًا متصلبًا للسماح للفلسطينيين باختيار قادتهم.
هل ستستحق حكومةٌ بيروقراطيةٌ فلسطينيةٌ عابرةٌ للحدود الوطنية ذلك العناء وتلك النفقات؟ وهل ستكون هذه الهيئات الجديدة عرضةً لأصناف التخريب والتعيين الداخلي والفساد التي نقلت منظمة التحرير الفلسطينية من حركة تحررٍ وطنيةٍ إلى وضعها الحالي المُحزِن بعد أن اختطفتها زمرة من المتعاونين مع العدو المحتل؟
وبالنسبة لي، فالسؤال هو هل يقوى الفلسطينيون، كحركة فلسطينية ذات موارد محدودة، على استثمار جهود كبيرة في البناء المؤسسي دون نتائج مضمونة وفي ظل مخاطر مرتفعة كهذه؟ كيف يمكن للفلسطينيين أن يضمنوا أن تقوم أي مؤسسةٍ سواءً جديدة أم أُعيد إحياؤها بتمثيلهم تمثيلًا حقيقيًا وهم على هذه الحال من التشتت الجغرافي؟
وكإجابةٍ على هذا السؤال، فإنه لا ينبغي للفلسطينيين أن يستثمروا جهودًا كهذه، على الأقل في الوقت الحاضر. وبدلًا من إعادة إحياء الحركة الفلسطينية بالارتكاز إلى المؤسسات فلربما يكون من الأحرى تركيز مواردهم المحدودة على إعادة إحيائها بالارتكاز إلى برنامج العمل.
إن برنامج العمل هذا قائم بالفعل وهو يتمثل في نداء المقاطعة الصادر في عام 2005 والذي أيده المجتمع المدني الفلسطيني على نطاق واسع. يركز نداء المقاطعة على حقوق الفئات الرئيسية الثلاث المكونة للشعب الفلسطيني، وهذه الحقوق هي إنهاء الاحتلال والاستعمار على كافة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967؛ وإحقاق المساواة الكاملة للفلسطينيين القاطنين على أراضي عام 1948؛ وحقوق اللاجئين بما فيها حق العودة.
وبالإضافة إلى ذلك، يمتلك برنامج العمل هذا خطة عمل قوامُها المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات وغيرها من أشكال النضال التي يمكن للفلسطينيين في داخل الوطن وخارجه أن ينخرطوا فيها. وهذا برنامج عملٍ حقيقي يحظى بالإجماع بوسعه أن يوحد الفلسطينيين كافة. وقد يكون الخيار الاستراتيجي أن نركز مواردنا على تثقيف أعدادٍ متزايدةٍ من الفلسطينيين حول نداء المقاطعة وتعبئتهم حيثما وجدوا دعمًا للتحركات الرامية إلى تنفيذه.
وإذا جرى حشد عددٍ أكبر من الفلسطينيين حول استراتيجيةٍ مباشرةٍ من أجل التحرير تكون واضحةَ المعالم وتحظى بدعمٍ واسعٍ ومتنامٍ، فإنهم سيكونون في وضع أفضل بكثير يؤهلهم لإعادة بناء مؤسساتٍ وطنيةٍ أكثر مركزيةً وشمولًا تكون أقل عرضةً لأنْ تقع في قبضة العناصر المعادية لحقوق معظم الفلسطينيين.
وفي الوضع المثالي، أود أن أرى منظمة تحرير فلسطينيةٍ ديمقراطيةٍ بالكامل تقود النضال من أجل تحقيق أهداف نداء المقاطعة. أما في الواقع، فإن مواردنا محدودة وأنا أُفضِّل التركيز على بناء حركةٍ بدلًا من بناء “مؤسسات.” فابنِ الحركةَ أولًا وستأتي المؤسسات لاحقًا.
بشارة دوماني
تحظى وصفات جميل هلال بشأن كيفية إعادة تكوين الحركة الوطنية الفلسطينية كاستجابةٍ “للربيع العربي” – توحيد الجسم السياسي الفلسطيني؛ وبناء آليات سياسية علمانية شاملة وتمثيلية تكفل التعددية والديمقراطية؛ وإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية – بإجماعٍ واسعٍ في أوساط ما يمكن أن يسميه المرء الطبقة السياسية الفلسطينية الليبرالية، وقد ظلت هذه الوصفات مطروحةً للنقاش منذ ما ينوف عن الجيل. وربما تجد هذه الوصفات ما يسوِّغها في الربيع العربي ولكنها بالكاد تُعتبر استجابةً له.
ثمة سؤال أود طرحه: هل غيَّر “الربيع العربي” أي شيء بالنسبة للفلسطينيين فيما يتعلق بهذا الإجماع؟ قد يكون الوقت مبكرًا، ولكن من أجل إقامة ذاك النقاش يحتاج المرء إلى ورقة موقفٍ تتفحص بعين ناقدة التغيرات الفعلية التي طرأت مثل ظهور مفردات سياسية جديدة (“الشعب يريد…”)، وتغير المواقف الجغرافية الاستراتيجية (سياسة مصر اتجاه المصالحة الفلسطينية وانفتاحها على غزة؛ وعلاقة سوريا/حماس؛ وما إلى ذلك)، والديناميات الاقتصادية الجديدة، ونماذج إعادة صياغة الدساتير والأنظمة السياسية في تونس ومصر واليمن وغيرها. إن قائمة التغيرات الطارئة هذه تطول. وإن وجود ورقةٍ تُحلل هذه التغيرات من منظورٍ نقدي وترسم مساراتها وكيف تتقاطع مع الظرف الفلسطيني قد يساعدنا في إيجاد استجابات فلسطينية للربيع العربي.
إن هذا الإجماع السائد على الأهداف والخطوات التي ذكرها هلال يجيب على المسألة السياسية وليس الاجتماعية التي يطرحها الربيع العربي. أي أن تلك الأهداف والخطوات ترقى لتكون وجهًا معدلًا على نحو طفيف لصيغةٍ ليبراليةٍ عالميةٍ يقع في صميمها نظامٍ سياسي انتخابي. ورغم أن كلمة “اجتماعي” ترد في ختام ورقة الموقف، فإن تلك الورقة تخلو من أي رؤية أو جوهر فيما يتعلق بماهية هذه الأجوبة الاجتماعية فيما خلا الدور الذي يمكن أن تضطلع به “المنظمات الجماهيرية” التي يُعاد إحياؤها والتي أُنشئت أول مرة في عقد السبعينات من القرن الماضي، ومن أمثلتها الاتحاد الذي ينتمي إليه الكاتب.
وبالتأكيد فإن الربيع العربي سرعان ما سيتحول إلى شتاءٍ إذا ما دعت الاستجابات إلى نظام سياسي ليبرالي لا يتحدى النظام الاقتصادي النيوليبرالي. وأنا أتفق مع هلال بأن إعادة تكوين الحركة الوطنية الفلسطينية هو أولوية قصوى ولكن لا بد لهذه العملية أن تواجه المسألة الاجتماعية مباشرةً وليس فقط المسألة السياسية. ولِكون هلال عالم اجتماع يكتب عن القضايا الاجتماعية أكثر من غيره، فإنه يوافق بأن الظرف الفلسطيني قائم على القوى الطبقية والثقافية وغيرها وليس فقط المربعات المكانية والسياسية والقانونية التي أنشأتها إسرائيل والدول العربية والهيئات الدولية. وأنا آمل بأن تتمثل إحدى الاستجابات للربيع العربي في كسر حاجز الصمت بخصوص المسألة الاجتماعية والتي لطالما لم يتطرق إليها الخطاب السياسي الفلسطيني.
ورغم ما قلت، فثمة أمرًا آخر لم تتطرق إليه الورقة – وهو الجدل بشأن الدولة الواحدة أو الدولتين – وهو أمر يبعث على السرور. بل إن عدم ورود كلمة “دولة” في ورقةِ موقف ولا لمرة واحدة هو أمر مذهل، نظرًا لقواعد اللغة السياسية الفلسطينية المتمحورة حول الدولة. كما إن تفادي هلال استخدامَ هذه الكلمة يفتح مجالًا لمناقشة الأبعاد الاجتماعية والثقافية للظرف الفلسطيني حيث تتبلور السياسة في الحياة اليومية فعليًا. وبعبارة أخرى، فإنها تسمح بنشوء حوار بوسعه أن يعيد تعريف كلمة “سياسي” ويوسع معانيها.
ومع ذلك، فلا بد لي بصفتي مؤرخًا أن أطرح تساؤلات بشأن المدخل التحليلي الذي انطلقت منه الورقة ألا وهو القول إن “اتفاقات أوسلو عملت على مأسسة تشتت الشعب الفلسطيني” وأنا أشكك في هذا الطرح لثلاثة أسباب مترابطة. أما السبب الأقل أهميةً فهو أن الكتابات السياسية الناقدة تنزع إلى التعامل مع أوسلو وكأنها الخطيئة الأصلية. وأنا لا أشكك بالشرخ والعواقب المأساوية الناجمة من هذه المرحلة التحولية، ولكن ينبغي النظر إليها كجزء من “تشتت” تاريخي أكبر لا نستطيع أن نتجاهله في تحليلاتنا.
يشير هلال في ختام التقرير، وهو محقٌ في إشارته، إلى ضرورة ألا ينسى الفلسطينيون تَرِكَة النضال المسلح التي خلفتها منظمة التحرير الفلسطينية. وأنا أضيف بإنه يجب علينا ألا ننسى مأسسة الإقصاء والتهميش الذي مارسته الحركة الوطنية الفلسطينية إبان مراحلها الرئيسية الثلاث وليس منذ أوسلو وحسب. وبعبارة أخرى، ثمة جزءٌ كبيرٌ من حالة التشتت الفلسطيني مسبَّبٌ ذاتيًا وقد ظل كذلك لقرابة قرنٍ من الزمن.
أما السبب الأخير، ولعله الأهم، فهو كلمة “التشتت” وهي كلمةٌ مثقلةٌ جدًا بالمعاني. وهي لازمةٌ مفضّلة في ادعاءات المستشرقين حول الطبيعة “الفسيفسائية،” أي المنعزلة غير المترابطة، للمجتمعات الأخرى غير الغربية. وهي كلمة محورية في نظرية التحديث ولا سيما في المفهوم الفيبري للمجتمعات التقليدية المنظّمة عموديًا. وهي أيضًا قضية محيّرة للماركسيين رغم التفكير الخلاّق الذي مارسه اليسار الجديد في عقد السبعينات. وإلى جانب قضية “الاختلاف” ذات الصلة، تكاد هذه الكلمة تشكل هوسًا للمحللين في مرحلة ما بعد البنوية. وباختصار، فإن مفهوم “التشتت” يحتمل معاني وتبعات مختلفةً كثيرة جدًا بحيث إن الحديث عنه يحرر الكاتب من أعباء الماضي ويوجِد حريةً غير مقَيَّدة للحديث عمّا ينبغي أن يحدث في المستقبل.
ولعل ذلك هو السبب في أن هذا المفهوم يهيمن على التحليل التاريخي والسياسي بشأن فلسطين والفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، التشتت هو عنصر أساسي في الحُجج التي يسوقها تقريبًا جميع المؤرخين الإسرائيليين والفلسطينيين البارزين. فالتشتت عنصر أساسي في كتاب يهوشوا بوراث الواقع في مجلدين عن انهيار الثورة الكبرى 1936-1939، وكذلك “تفسير” بيني موريس لانهيار المجتمع الفلسطيني في عام 1948. وهو المنظور الذي حلّل سليم تماري من خلاله المجتمع الفلسطيني في فصلٍ ألّفه ضمن الكتاب الذي أخرجه روجر أوين بشأن التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لفلسطين، ويكمن هذا المفهوم أيضًا في صلب النقاش الذي ساقه رشيد الخالدي حول “فشل” المرحلة الأولى من الحركة الوطنية الفلسطينية في كتابه المعنون “القفص الحديدي”. وهكذا، فإن جعل التشتت النقطة التي انطلقت منها ورقة الموقف والقول إن أوسلو قامت بمأسسة هذا التشتت يخلق فعليًا صفيحةً بيضاءَ تطمس أي نقاش حول الإمكانيات والقيود على انبثاق استجابات فلسطينية للربيع العربي.
جميل هلال
مسألة إعادة بناء منظمة التحرير أو الحركة الوطنية الفلسطينية (والحديث يدور حول إعادة بناء أو تأسيس وليس عن إصلاح وهناك فرق واسع في المعنى بين التعبيرين)، لا يجوز اختزالها، كما يفعل البعض، إلى مجرد انتخابات دورية معزولة عن القيم التي تستند إليها الديمقراطية (المساواة، والحرية، ويمكن إضافة حق تقرير المصير، والحق في المشاركة في صنع القرار) إلى مجرد مؤسسة ذات هيكل إداري معزول عن وظائفه، والتي في صلبها العمل على توليد تناسق لمكونات الحراك الفلسطيني في مواقع الشعب الفلسطيني الرئيسية داخل فلسطين بحدودها الانتدابية وخارجها. والواقع أن مداخلتي في الشبكة لم تتطرق إلى تشخيص وضع البنية السابقة للمنظمة التي تولدت في السياق التاريخي الفلسطيني والعربي والدولي التي نمت فيه (التشكل خارج فلسطين للأسباب والظروف المعروفة، والصراعات مع الأنظمة، نظام الكوتا، العسكرة، المركزية الشديدة، التبقرط، الاعتماد على الريع الخارجي،،،…). فهناك الكثير من الأدبيات حول الموضوع. ما يهمنا هنا أن الوضع الفلسطيني والعربي والدولي في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين يختلف عما كان عليه نشوء ومأسسة المنظمة، وبالتالي فإن البنية والوظائف التي على المنظمة أو الحركة الوطنية الجديدة أن تعتمدها ستختلف عما كانت عليه سابقاً (لن يسمح لها ببناء قوات عسكرية نظامية على سبيل المثال، ولن يكون لديها جيش من المتفرغين ولا الأموال التي تمكن من ذلك، ولسنا بحاجة لهذا وذاك على كل الأحوال، الخ …).
إعادة البناء (عبر التحضير لانتخاب واختيار أعضاء المجلس الوطني في التجمعات المختلفة) ستملي، في ظني، ضرورات تنظيم مناقشات وحوارات تفصيلية حول خطوات عملية البناء ومبرراتها (وهو ما يجري على سبيل المثال في تونس ومصر حول نظام الانتخابات وقانون الأحزاب، والدستور الجديد وفلسفته) لمنع تكرار الظواهر السلبية التي برزت في بنية المنظمة في السابق. لم يحدث هذا حتى الآن لأن لا قناعة بأن انتخابات ستجرى، ولم يعلن عن وقتها ولم يطرح للنقاش على أساس أي مرجعية (ميثاق، دستور) ولا وفق أي قانون انتخابي سيتم ذلك، غير الاتفاق بشكل عام على أن يكون وفق التمثيل النسبي. أعتفد أن ما هو مطلوب من الحركة الوطنية الجديدة سيتضمن ممارستها دور المايسترو الضامن لتناسق حراك تجمعات الشعب الفلسطيني من أجل حقوقها الوطنية والاجتماعية والإنسانية.
فرادة الحالة الفلسطينية لا تكمن فقط في أن الفلسطينيين قاموا، في تاريخ نضالهم الوطني الطويل، بعدد من الانتفاضات، بما في ذلك انتفاضات شعبية استمر بعضها سنوات، بل في تداخل القضية الوطنية مع القضية الديمقراطية (بالمعنى الواسع للديمقراطية) مع القضايا الاجتماعية. وهذا التداخل هو ما فشلت فصائل الحركة الوطنية في التعاطي معه بحيث طمس الاهتمام بالقضية الوطنية القضايا الأخرى بكل تعقيداتها؛ يتواجد الفلسطينيون في دول عدة متباينة الأوضاع السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية وعليهم، بالتالي، أن يديروا حراكهم في كل منها بما يجمع بين نضالهم من أجل حق تقرير المصير وبين حقوقهم الأخرى وفق شروط كل تجمع أو جالية أو مجتمع (في إسرائيل، في مناطق السلطة الفلسطينية بشقيها، في الأردن و لبنان سورويا، والسعودية، وغيرها)، وهم يتواجدون في هذه الكيانات السياسية بصفات مختلفة (كلاجئين، كمواطنين بدرجات متفاوتة، كمهاجرين، كمقيمين لكن بدون حق إقامة دائمة، أو حق الجنسية، الخ). بتعبير آخر ليس للفلسطينيين ميدان تحرير واحد يتنادون للتجمهر فيه، ولا مطالب اجتماعية موحدة يطرحونها، ولا تحولا ديمقراطيا واحدا يوحد بينهم، فهذه تتباين وفق الحقل “الدولاني” (من الدولة) الذي يقيمون فيه ( فهي تختلف في إسرائيل عما هي عليه في الأردن، وعما هي في لبنان وسوريا. كما تتباين في الضفة (حيث الاحتلال) عن غزة (حيث الحصار الخانق)، وتتباين بين المخيم والقرية والمدنية، الخ). ولذا فإن التشتت ليس مسألة ثانوية أو يمليها منهج فكري معين، بل في رأيي أن تغيبها، يقود إلى طمس جوانب هامة جدا من الرواية الفلسطينية، عدا عن تجاهله للتباينات الواسعة بين التجمعات الفلسطينية وشروط نضالها. التشتت هو، بالأساس، من نتائج النكبة وحرب حزيران والظروف أوجدتها هذه وتلك، أما ما هو ذاتي فهو من صناعة قرارات سياسية اتخذتها قوى سياسية، من بينها منظمة التحرير الفلسطينية أو فصائل فيها (مثلا قرار بشأن الموقف من غزو الكويت إدى بالنتجية إلى تهجير الجالية الفلسطينية من الكويت). لكن مأسسة التجزئة، فلسطينيا، كانت بارزة في اتفاق أوسلو (الذي له مقدمات بلا شك ليس هنا محل سردها) الذي أختزل، عملياً، فلسطين إلى الضفة والقطاع، وأبعد فلسطينيو الداخل عن الشأن الوطني، وأخرج الفلسطينيين المقيمين خارج فلسطين من عملية المشاركة السياسية (بما في ذلك المشاركة في الانتخابات التشريعية التي جرت عامي 1996 و 2006) عبر تشكيل سلطة فلسطينية معنية فقط بشؤون الفلسطينيين في الضفة والقطاع وبالقدر الذي تسمح به إسرائيل, واتفاق أوسلو كان وراء تهميش منظمة التحرير، فلم يعد هناك دور فعلي للمجلس الوطني ولا لدوائر المنظمة. فالمنظمة، ككيان سياسي، كانت برنامجياً، وتمثيلاً (ضمت ممثلين عن الخارج في المجلس الوطني)، وتنظيمياً (دوائر مختلفة معنية بالداخل والخارج، شؤون اجتماعية، ثقافة شؤون اللاجئين أو العائدين، الخ) معنية بفلسطيني الخارج كما بغيرهم. هذا الوضع انتهى، عملياً ونظرياً، بعد اتفاق أوسلو وإقامة سلطة فلسطينية، بهذا المعنى مأسس اتفاق أوسلو التجزئة (أو التشتت) السياسية للشعب الفلسطيني، وحمل مزالق تبنى لغة ورواية تختزل الشعب الفلسطيني إلى الجزء المقيم في الضفة والقطاع.
صحيح أن هناك إجماع بين القوى السياسية وقوى المجتمع المدني على إجراء انتخابات للمجلس الوطني، لكن ليس هناك إجماعاً أو توافقاً على برنامج المنظمة أو ميثاقها، ولا على وظائفها ولا على حصص التجمعات ولا على مكان مقراتها، ولا على نظامها الأساسي. وينطلق معظم الطرح السائد من فهم اختزالي للديمقراطية يتمحور (وفق المفهوم الليبرالي المعوَلم) على إجراء انتخابات دورية، بمعزل عن المستندات القيمية للديمقراطية (الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وضمان حق المشاركة في صناعة القرارات المصيرية). وهو فهم لا يتعدى نطاقه الحقل السياسي ولا يتطرق إلى مضمون الديمقراطية في الحقلين الاجتماعي والاقتصادي. والواقع أن شرح تعبيرات الديمقراطية في الحقول المختلفة (بما فيها الحقل الثقافي)، هو من صلب مهام التنظيمات السياسية اليسارية التي (لأسباب واعتبارات وعوامل تطرقت إليها في كتابي المعنون “اليسار الفلسطيني إلى أين؟”) غلّبت وما زالت المهام الوطنية على المهام الاجتماعية والثقافية لدرجة تجاهل المهام الأخيرة على صعيد أجندات الفعل النضالي واكتفت بالنص عليها في وثائقها الرئيسة)، وهي لم تنتبه حتى بعد أتفاق أوسلو إلى القضايا الاجتماعية والثفافية بعد أن بات لها حضوراً ملموساً كقضايا تهم الناس، وبالإمكان ممارسة تدخلا للتأثير فيها (قضايا مثل البطالة، والفقر، الفساد، وصياغة سياسيات تهم فئات مختلفة من الشعب حول الاقتصاد (الاقتصاد الحر اعتمد في القانون الأساسي للسلطة) والتعليم في مراحله المختلفة والضمان الاجتماعي والضرائب وحقوق المرأة والعمال والأطفال والمسنين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وأوضاع المخيمات، وأحوال القرى، والقوالتين المقيدة للفلسطينيين في مجتمعاتهم المختلفة، الخ). كما أنها من صلب مهام الاتحادات القطاعية (المرأة والشباب، الخ) والنقابات العمالية والمهنية التي تكلست كليا، وأغلبها فقد امتداداته الوطنية (داخل وخارج فلسطين) ولم يضع لنفسه برنامجاً اجتماعياً للممارسة. حتى الآن لم تتحول هذه القضايا (رغم ما حظيت به من اهتمام على صعيد الأبحاث والدراسات) إلى قضايا يتم على أساسها تحشيد رأي ضاغط على المؤسسات والقوى المعنية. هناك أسباب لها علاقة نشأة وبنية منظمة التحرير والتكوين الاجتماعي للقوى التي هيمنت عليها، والظروف التي واجهتها والتحولات التي دخلت على برنامجها (من التحرير إلى الدولة على جزء من فلسطين) وإلى التراجع الواسع لنفوذ اليسار الفلسطيني في التسعينيات وتواصله حتى اللحظة لصالح التيار الوطني الليبرالي (وتحوله إلى الليبرالية الاقتصادية الجديدة) وتيار الإسلام السياسي المنسجم مع الليبرالية الاقتصادية الجديدة. كما يعود إلى السمة الريعية للسلطة (وهي سمة طغت على منظمة التحرير وفصائلها خلال السبعينات والثمانينات، من حيث اعتمادها على الريع الخارجي وليس على الجمهور)، وإلى ضعف الاتحادات والنقابات بسبب بنيتها القائمة على نظام “الكوتا” الفصائلية وبسبب اعتمادها على الريع الوافد من السلطة (وقبل ذلك من المنظمة).
لذا فإن إعادة بناء المنظمة أو الحركة الوطنية لتتجنب التشوهات السابقة يستدعي تدخلات من أجل دمقرطة التنظيمات السياسية الفلسطينية التي ستكون، إلى حد كبير، من القوى المحركة للمنظمة. والمفرطة لا تعني فقط دمقرطة البنية الداخلية (وهي مهمة جدا)، بل ودمقرطة علاقتها بالجمهور الفلسطيني (والعربي والدولي ضمن الحدود المطلوبة) بما يضمن التجديد الدوري لقيادات الأحزاب والحركات السياسية، واعتماد الشفافية في تحديد مصادر تمويلها لكشف المال السياسي، وفق قانون للأحزاب والحركات السياسية تقره المنظمة. وهذه قضية تستحق نقاشا مستفيضا. كما تستدعي عملية إعادة البناء للحركة الوطنية إعادة بناء الاتحادات والنقابات والجمعيات وبناء علاقات ديمقراطية مع قاعدتها القطاعية (مرأة، عمال، طلاب، الخ) أو المهنية (مهندسين، صحافيين، أطباء، معملين، الخ)، وتوليد حركة جدل حول هذا الموضوع، كما من المفيد إعطاء تفكير واهتمام بتشكيل الحركات الاجتماعية تقوم على أساس قضايا محددة (قضية مقاطعة إسرائيل على سبيل المثال، حملة الكرامة لتحسين شروط تنقل الفلسطينيين عبر معبر الكرامة، النضال ضد الجدار، وهي تحركات أفضت نتائج ملموسة).
إعادة بناء الحركة الوطنية تمليه الحاجة إلى وجود قيادة سياسية ذات شرعية ديمقراطية تخضع للمحاسبة والرقابة والتجديد الدوري. واتفق تماماً أن على الحركة الجديدة أن لا تكون مثقلة بأجهزة (العسكرية والمالية والإعلامية والإدارية، الخ) كما كان الوضع سابقاً؛ فأعضاء المجلس الوطني الجديد (لا ينبغي أن يزيد العدد عن 300 عضواً) لن يكونوا من المتفرغين إذ يكفي أن تكون القيادة التنفيذية المنتخبة (قد لا تزيد عن 15 عضواً) متفرغة. والمنظمة ليست مطالبة، وغير قادرة أصلاً، على فرض أي نظام مركزي على تجمعات الشعب الفلسطيني الخاضعة في معظمها لكيانات سياسية لا سلطة للمنظمة عليها، بل دورها يتمثل، بالدرجة الأولى، في توليد الصلات بين هذه التجمعات وصياغة البرنامج إلى يستجيب لحقوقها ولمطالبها ومصالحها في سياق تعزيز الحراك من أجل حق تقرير المصير وحماية الحقوق الديمقراطية والإنسانية والثقافية والاجتماعية والمدنية. ولعل المهمة الأبرز في المرحلة الأولى للمنظمة أو الحركة الوطنية الجديدة ستكون التقرير بشأن مصير وحدود دور السلطة الفلسطينية وآليات الإشراف عليها.
في رأيي، لن يغني، رغم أهميته، استخدام لوسائل الاتصال الاجتماعي للتنسيق وخلق الصلات بين التجمعات الفلسطينية المختلفة، عن الحاجة لبناء المؤسسات الوطنية وعلى أسس ديمقراطية تمثيلية. نحن بحاجة إلى مؤسسات وطنية جامعة لأننا بحاجة لهذه من أجل خلق توافق وطني حول ماذا نعني، وبصيغ ملموسة قدر ما يفيد، بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ككل ولتجمعاته الرئيسة (في الأردن، في إسرائيل، في الضفة وغزة، في المخيمات في فلسطين وخارجها، وبالنسبة للجاليات..)، من أجل صياغة مهام ملائمة لذلك. هذا لا يقلل من أهمية أن يضع كل تجمع تصوره ورؤيته لمهامه السياسية والاجتماعية والثقافية ولكيفية إسناد كل تجمع للتجمعات الأخرى وخلق التشبيك الضروري لذلك.
الحركة السياسية الفلسطينية أمام سؤال تاريخي محوره ما العمل في مواجهة سياسة إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة التي أغلقت كلياً أفق تسوية سياسية تستجيب للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. وهي سياسية وضعت السلطة الفلسطينية في حالة انكشاف تام على أصعدة مختلفة (أمنية، واقتصادية، ومالية ولوجستية، وغيرها). وأوجدت، بتواطؤ من قيادات سياسية، شريحة اجتماعية، في الضفة الغربية والقطاع، ذات مصلحة في استمرار السلطة بوضعها الراهن تحت مسوغات تتجدد وفق مفردات السياسية الإسرائيلية والأمريكية والأوربية ووفق المحاور المؤثرة، في اللحظة المعنية، في العالم العربي. محاولة الإجابة على سؤال ما العمل، وصياغة سياسة في مواجهة الوضع القائم، في سياق التحولات الإقليمية والدولية الجارة والمتوقعة، بحاجة إلى حامل تشكله مؤسسات وطنية وأحزاب وحركات سياسية و اتحادات ونقابات وحركات اجتماعية فاعلة وحيوية.
يبدو لي أن الشروط الموضوعية باتت مواتية لتوليد انتفاضات فلسطينية جديدة، وذلك لعدة اعتبارات، ليس أهمها “الربيع العربي”، بل تعود بالأساس للحالة المتولدة عن انغلاق الأفق السياسي (الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني بات يدرك بأن لا أفق للحل مع إسرائيل في ظل القيادات الراهنة الإسرائيلية والفلسطينية)، وبسبب تأزم الأوضاع الاجتماعية (نسب عالية من الفقر والبطالة)، بما في ذلك لشريحة متزايدة من الطبقة الوسطى في الضفة والقطاع وارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين الفلسطينيين في الضفة والقطاع (وربما في مناطق أخرى)، وتقلص فرص للهجرة للعمل في الخارج (هناك نسبة عالية ما الشباب حسب استطلاعات الرأي مستعدة للهجرة الدائمة إن توفرت لها الفرص)، وبسبب أيضا اتساع الممارسات البوليسية القمعية (وفق تقارير منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية) على يد السلطتين في الضفة والقطاع. هذا بالإضافة إلى تزايد النفور من سلوك التنظيمين الفلسطينيين الكبيرين، ومن غياب قوة ثالثة وازنة. ولا ينبغي التقليل من حجم منسوب الحقد على ممارسات الاحتلال المهينة ليس للكرامة الوطنية فحسب، بل وكذلك لكرامة الإنسان الفلسطيني الفرد (من تنسيق أمني من محتل عنصري، إلى اعتقالات اعتباطية، إلى تعامل مهين على الحواجز والمعابر، إلى القيود على الحركة، وإلى الحصار والتجويع واستخدام المقاصة للابتزاز السياسي وغير ذلك). وفوق ذلك هناك حالة غضب من ازدواجية المعايير الدولية (الأمريكية بشكل خاص) التي تستعمل خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية لكن بشك انتقائي جدا وبما لا يخل بانحيازها الدائم للدولة الاستعمارية، ولاستخدامها التمويل للضغط السياسي. الحراك المقبل قد يجمع بين الشعارات الوطنية والمطالب الديمقراطية والقضايا الاجتماعية. وقد يتبع أشكالاً جديدة تجمع بين تجربة الانتفاضة الأولى في التنظيم الشعبي وبين النشاطات الاجتماعية الثقافية والفنية والفكرية التي تعزز وتغني فصول الرواية التاريخية الفلسطينية وتعيد التأكيد على فصولها الرئيسة. وقد نجد انتفاضة جديدة حول قضايا محددة تجند لانجازها فئات شبابية (وغير شبابية) من أكثر من تجمع أو جالية فلسطينية. لكن تجذّر التحولات الديمقراطية في مصر وتونس، ونجاحها في سوريا واليمن وليبيا والبحرين وغيرها من البلدان العربية، سيشكل، بدون شكل، بيئة محفزة فلسطينياً لحراك وطني ديمقراطي واجتماعي جديد.
- http://alquds.co.uk/index.asp?fname=data2011�3�3-01�1qpt478.htm ↩