Continuation of the Status Quo: Political Overview

تراجع حضور منظمة التحرير الفلسطينية في المشهد السياسي تدريجياً بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، إذ بدأت السلطة تقوم مقام المنظمة في مسائل التفاوض والتواصل مع الجهات الخارجية، وتم تحويل وزارة التعاون الدولي إلى وزارة للخارجية، ولم يعد للدائرة السياسية في منظمة التحرير دور يذكر. أما باقي مهام المنظمة فقد تم وضعها على الهامش، إذ لم تعد بوصلة قيادة السلطة الفلسطينية وهي ذاتها قيادة المنظمة تشير نحو “التحرير” الذي يمثّل غاية المنظمة منذ التأسيس، وأضحت تشير نحو “بناء الدولة”. 
هذا التهميش للمنظمة والذي تجاوز العقد من الزمان بعد تأسيس السلطة لم يكن يثير حفيظة معظم الفصائل الفلسطينية، فحتى ذلك الحين، كانت حركتي حماس والجهاد الإسلامي ترى المنظمة كياناً لا يمكنه التعبير عن الفلسطينيين، ورغم معارضتها للسلطة، إلّا أنّها لم تكن ترى الحل في وقف تهميش المنظمة. أما حركة فتح فالأمر بالنسبة لها أنها لم تكن ترى تهميش المنظمة يحمل أيّ تهديد لها، فهي التي تقود السلطة أيضاً، فيما حركات اليسار بدت أضعف من أن تؤثر في هذه المتغيرات وجزء منها سار تحت مظلة حركة فتح. 

ومع ذلك، فقد طرأ عدة تطورات بين عام 2006 و2022 والتي أعادت هدف إحياء منظمة التحرير الفلسطينية، وأبرزها تبدّل موقف حركة حماس من منظمة التحرير الفلسطينية، ظهر هذا بشكل عام وفضفاض عام 2005 كما تمت الإشارة سابقاً، لكنّ مرحلة ما بعد 2006 أظهرت موقفاً أكثر وضوحاً بشأن قبول حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد الشعب الفلسطيني بعد أن يتم إصلاحها، وهو قبول مشروط وواضح، وقبول مُدرك لأهمّية المنظمة والاعتراف بها دولياً ومستند على اعتراف كافة الفصائل بحاجة المنظمة إلى إصلاح. جاء ذلك بشكل رسميّ في وثيقة حماس السياسية عام 2017 والتي تجاوزت ما ورد في ميثاقها التأسيسي بشكل لا يدع مجالاً للتأويل، بأنّ مسألة أسلمة المنظمة لم تعد مطروحة من بين شروط الاعتراف بها، وأنّ المطلوب فقط إعادة البناء لهياكلها على أسس ديمقراطية. 

تبدّل موقف حركتي حماس والجهاد الإسلامي لم يأت منفصلاً عن تغيّر آخر حملته تلك السنوات، وهو تنامي القناعة بفشل التسوية السياسية في التوصّل إلى حلّ دولتين مقبول فلسطينياً، إذ تراكم فشل قيادة السلطة والمنظمة في الوصول إلى دولة، وتراكمت إلى جانبه ملفات الفساد وانتهاك الحقوق والحرّيات، مما جعّل السلطة تفقد ثقة المواطن الفلسطيني، بل أصبحت شريحة واسعة من المواطنين على قناعة بأنّ مسألة بناء الدولة تحت الاحتلال مُستحيلة، وأنّ الجهد الوطني يجب أن يركّز على التحرّر من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. تأسيساً على ذلك، فإنّ استعادة منظمة التحرير وإعادة بنائها ستلقى تأييداً جماهيرياً، شريطة ألّا يكون ذلك مترافقاً مع إصرار فتحاوي على تبنّي ذات النهج السياسي الذي يستجدي إقامة دولة على حدود عام 1967، وهي دولة تقوم إسرائيل يومياً بتقزيم فرص قيامها من خلال مشاريع الضمّ والتوسّع والتهويد. 

مضافاً إلى ذلك، فإن الفصائل الفلسطينية التي ما زالت خارج منظمة التحرير تتنامى قوتها تدريجياً، وتحديداً حركة حماس، التي حقّقت التفافاً جماهيرياً حولها بعد كلّ مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتحديداً بعد معركة سيف القدس عام 2021، التي أظهرت التطوّر النوعي في أداء المقاومة الفلسطينية، ممّا جعل حركة حماس أكثر وضوحاً في مطالبها بشأن الدخول إلى منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها، بل وفي رفع سقف خطابها الذي يؤكّد على أنّ المنظمة دون دخول حماس والجهاد إليها ليست سوى “صالونًا سياسيًا.” هذا الخطاب لم يكن ليظهر بهذا الوضوح لولا قراءة حماس للرّأي العام الفلسطيني المساند للمقاومة والرّافض لسياسات السلطة الفلسطينية، على المستوى السياسي والأمّني ومؤخراً الصحيّ في ظل جائحة كورونا.

نظرياً، لم ترفض أي حركة فلسطينية بما فيها حركة فتح مطلب إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، إلّا أنّ ما يعيق تحوّل الطرح النظريّ إلى واقع ملموس أن كلمة “الإصلاح” قابلة للتأويل وفقاً للرؤى الفصائلية، وهذا ممّا يمكن اعتباره من عقبات حدوث هذا السيناريو في المدى القريب، فحركة فتح لا ترى إصلاح المنظمة أكثر من عملية تشكيل جديدة للمجلس الوطني وإحياء بعض مؤسسات المنظمة دون أن تتراجع عن الاتفاقيات التي وقعتها مع الاحتلال ودون بحث في مسارات جديدة للكلّ الفلسطيني، فيما حركة حماس في المقابل ترى أنّ إصلاح المنظمة أقرب إلى إعادة البناء، يشمل برنامجها السياسي ومؤسساتها. وفي الوقت الذي كان فيه مطلب إصلاح المنظمة من القواسم المشتركة بين المتنازعين سياسياً، تحوّل تأويل الإصلاح إلى نقطة مُختلف عليها، بل إلى عقبة كأداء في طريق إنهاء الانقسام. 

ليس هذا فحسب، فمن العقبات التي تقف أمام تحقّق هذا السيناريو، الظروف المتباينة التي يعيشها أبناء الشعب الفلسطيني في أماكن تواجدهم المختلفة، فالفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967 وفي الشتات يخضعون لسلطات مختلفة، ولا يوجد فيما بينها سلطة قد تسمح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة للمجلس الوطني، وإن تمكنوا في مكان، فلن يكتب لهم النجاح في معظم الأماكن، وعليه فإن صعوبة إجراء الانتخابات قد تطيل من عمر الإطار القياديّ المؤقت والذي ثبت عجزه أمام الرئيس الذي يحتكر صناعة القرار. 

بيد أنّ هذه العقبات لا تحول دون وضع تصوّر لاحتمالية إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، وفي هذه الورقة تجدر الإشارة إلى التصوّر الذي طرح في دراسة مطوّلة نشرتها شبكة السياسات الفلسطينية حول استعادة منظمة التحرير الفلسطينية، إذ تم طرح رؤى مفصّلة لكيفية تجاوز مشكلة عدم القدرة على إجراء انتخابات عامة للمجلس الوطني الفلسطيني، من خلال اختيار ممثلين للجاليات الفلسطينية في أماكن تواجدهم، كما تم اقتراح رؤية لتجاوز الخلاف بشأن البرنامج، بحيث يتم البدء في المرحلة الأولى بإعادة تشكيل المجلس الوطني وفق المتاح من إجراءات تتماشى مع قيم الديمقراطية، على أن يتولّى المجلس الجديد مراجعة كل ما وقّعت عليه منظمة التحرير والبدء ببلورة استراتيجية وطنية جديدة وترميم مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.

بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، فلسطين. وهو محلل سياساتي في شبكة السياسات الفلسطينية. وهو مؤسس ومنسق برنامج درجة الماجستير المزدوج في...
استعادة منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بنائها ستلقى تأييداً جماهيرياً، شريطة ألّا يكون ذلك مترافقاً مع إصرار فتحاوي على تبنّي ذات النهج السياسي الذي يستجدي إقامة دولة على حدود عام 1967، وهي دولة تقوم إسرائيل يومياً بتقزيم فرص قيامها من خلال مشاريع الضمّ والتوسّع والتهويد.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content