Continuation of the Status Quo: Society 

يتناول هذا القسم السيناريو المحتمل لاستمرار الوضع الراهن وانعكاساته على المجتمع الفلسطيني، لا سيما فيما يتعلق بتشرذمه العميق من قبل النظام الإسرائيلي، وهياكل عدم المساواة المختلفة داخله.1

هياكل عدم المساواة

من المرجح أن يؤدي استمرار الوضع السياسي الراهن إلى تعزيز الهياكل القائمة لعدم المساواة، حيث كشف تقرير عام 2020 الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عن عدم مساواة هائلة بين الضفة الغربية وغزة، سواء في معدلات البطالة أو الفقر. كما كشف التقرير أن البطالة والفقر وحجم الأسرة والمنزل والأمية ومعدلات وفيات الأطفال والعجز الجسدي والوضع الوظيفي وحيازة بعض المرافق المنزلية مثل الإنترنت، كلها اختلفت بشكل كبير بناءً على نوع المنطقة (مدن أو أرياف أو مخيمات اللاجئين) والجنس والمحافظة.

يؤثر بشكل كبير كل من الطبقة الاجتماعية والجنس ونوع المكان ومستوى التعليم والانتماء السياسي على الفرص المتاحة للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وبالتأكيد في ظل واقع الاحتلال والحصار الاستيطاني والفصل العنصري من قبل النظام الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، يشير تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2020 إلى أن حجم الأسرة المعيشية في الضفة الغربية يبلغ 4.9 فردًا مقابل 5.5 فرد في غزة، وأن عدد الفلل في الضفة الغربية أكبر بعشر مرات مما هو عليه في غزة، كما أن معدل البطالة في غزة (45.1٪) أعلى بثلاث مرات مما هو عليه في الضفة الغربية (14.6٪)، وتوجد فروق كبيرة في معدلات البطالة بين محافظات الضفة الغربية (9.5٪ في رام الله والبيرة مقابل 22.9٪ في بيت لحم و 21.3٪ في جنين)، بينما البطالة في شمال غزة (42.3٪) وفي مدينة غزة (40.9٪) كانت أقل معنويا من مدينتي دير البلح (51.7٪) وخان يونس (49.2٪).

وتكشف معدلات الفقر بين الضفة الغربية وغزة عن تباين كبير، حيث بلغ معدل الفقر في الضفة الغربية في عام 2017 14٪ مقابل 53٪ في غزة، أي أن يتواجد في غزة 71.2٪ من الفلسطينيين الذين يقعون تحت خط الفقر، مقابل 28.8٪ في الضفة الغربية. يختلف معدل الفقر أيضًا حسب المنطقة حيث سجل وسط الضفة الغربية أدنى معدل بينما سجلت منطقة الجنوب أعلى معدل. ومعدل الفقر في جنوب غزة أقل منه في الشمال والوسط. مكان الإقامة مهم أيضًا، حيث تسجل مخيمات اللاجئين أعلى معدلات الفقر (38٪) بينما تسجل المناطق الريفية أدنى معدلات (14٪). ويجدر الذكر أنه تم تفاقم التفاوت ومعدلات الفقر الإجمالية منذ عام 2019 بسبب تأثير جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد والخدمات العامة.

أخيرًا، توجد أيضًا فوارق كبيرة بين الرجال والنساء في سن العمل (15 عامًا أو أكثر لكليهما) حيث نسبة مشاركة الرجال في القوى العاملة أعلى بكثير (70٪) من النساء (18٪)، ومعدل بطالة النساء في الضفة الغربية وغزة أعلى بكثير من الرجال (41.2٪ إلى 21.3٪). من غير المرجح أن تتحول هذه الفجوات وعدم المساواة القائمة إلى حالة أكثر مساواة، بل من المرجح أن تستمر وتزداد حدة إذا استمر الوضع الراهن.

تكوين الطبقات الاجتماعية وميزاتها

تضافرت عوامل متعددة على مدى العقود الثلاثة الماضية للتأثير على البنية الطبقية في الضفة الغربية وغزة، لا سيما من خلال توسيع الطبقة الوسطى الفلسطينية. وتشمل هذه العوامل الإعادة القسرية للفلسطينيين المنفيين إلى هذه المناطق في أعقاب حرب الخليج عام 1991، وعودة اللاجئين بعد اتفاقات أوسلو 1993-1995، وإنشاء السلطة الفلسطينية في عام 1994، والتطور اللاحق لبعض القطاعات الاقتصادية (وإن كانت غير منتجة) وترسيخ النيوليبرالية في أوساط المجتمع الفلسطيني. علاوة على ذلك، فإن الانتشار السريع للمنظمات غير الحكومية، والتوسع في الصحافة ووسائل الإعلام، وظهور قطاع خدمات حديث (من حيث البنوك والتأمين والاتصالات والتكنولوجيا المتقدمة)، وبناء العديد من المدارس والجامعات والمستشفيات والعيادات، كلها عوامل ساهمت في تشكيل الطبقة الوسطى.

وبالتالي بحلول عام 2020، تم تقسيم الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة إلى ثلث الطبقة المتوسطة (مقارنة بـ 10-12٪ فقط في الثمانينيات)، والثلث من الطبقة العاملة، والثلث من الطبقة العليا. وقد تفاقم الانقسام بين هذه الطبقات الاقتصادية بسبب الاحتلال الإسرائيلي والحصار المفروض على غزة والانقسام السياسي بين حماس وفتح والاعتماد الاقتصادي على إسرائيل والمساعدات الخارجية. يؤثر كل عامل من هذه العوامل على الطبقات بدرجات متفاوتة، حيث لا يتأثر أصحاب رأس مال بينما يزيد من البطالة وضعف الفلسطينيين من الطبقة العاملة والمتوسطة.

وقد حدّت أيضًا السياسات النيوليبرالية والهيمنة المتزايدة للمؤسسات الصغيرة من تنمية الوعي الطبقي ومهارات التعبئة الشعبية، كما هو الحال مع النقابات العمالية والتي تلاشى تأثيرها. علاوة على ذلك، فإن الاعتماد على القطاع غير الرسمي والعمل داخل أراضي عام 1948 والمستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية، يعرض عمال الطبقة العاملة لجميع أنواع الاستغلال، وهكذا قد قسمت الظروف في الضفة الغربية وغزة الفلسطينيين إلى قسمين، وليس فقط على الصعيد السياسي، بل بالمجال الاجتماعي الاقتصادي.

خاتمة

شجع تركيز القيادة الفلسطينية على بناء الدولة قبل الاستقلال من جهة، والهيمنة النيوليبرالية من جهة أخرى، تطوّر العقلية الفردانية والاستهلاكية في المجتمع الفلسطيني، وهي العقلية التي تقدّر قبل كل شيء السعي وراء المصلحة الذاتية، حيث أنها تشجع الاستهلاك بشكل واضح كلما أمكن ذلك للأثرياء والطبقات الوسطى العليا، وبالتالي تعيد إنتاج عدم المساواة في المجتمع. هذه العقلية الجديدة معادية بشدة للعمل الجماعي والتضامن، ولهذا السبب أصبحت مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والقمع محلية ومتقطعة إلى حد كبير منذ الانتفاضة الثانية.

إذا استمر الوضع الراهن في المستقبل المنظور، فمن المرجح أن تستمر وتتعمق الهياكل القائمة لعدم المساواة، خاصة فيما يتعلق بالفوارق بين الجنسين والفوارق الطبقية. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تبقى الطبقة الوسطى قلقة من انهيار السلطة الفلسطينية أو تفككها، فعلى الرغم من أن الطبقة الوسطى الفلسطينية منقسمة سياسياً وأيديولوجياً واجتماعياً وجغرافياً، إلا أنها بشكل عام لا تشكل أي تهديد للوضع السياسي القائم. أما الطبقة العاملة فهي مجزأة ولا يمكنها العمل كقوة موحدة لمصالحها الخاصة ولإحداث تغييرات هيكلية لصالح القضية الوطنية الفلسطينية.

والمطلوب هو مؤسسات وحركات وجمعيات سياسية تمثيلية وديمقراطية يمكنها أن تجمع مختلف طبقات ومكونات المجتمع المدني الفلسطيني في عمل جماعي لتنفيذ التغييرات التي تستجيب لمصالح وحقوق الشعب الفلسطيني. وإن لم يتحقق هذا التحول الأساسي، سيستمر الوضع الراهن في تفتيت الفلسطينيين جغرافياً وسياسياً واجتماعياً.

  1. ملاحظة: استُخدِمت صيغة المذكر في هذا النصّ لتبسيط الأسلوب، ولكنّ المقصود مخاطبة الجنسَين على حدّ سواء.
جميل هلال هو باحث اجتماعي وكاتب فلسطيني مستقل. نشر العديد من الكتب والمقالات عن المجتمع الفلسطيني، الصراع العربي الإسرائيلي، وقضايا الشرق الأوسط. شغِل هلال، وما...
إذا استمر الوضع الراهن في المستقبل المنظور، فمن المرجح أن تستمر وتتعمق الهياكل القائمة لعدم المساواة، خاصة فيما يتعلق بالفوارق بين الجنسين والفوارق الطبقية. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تبقى الطبقة الوسطى قلقة من انهيار السلطة الفلسطينية أو تفككها.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
هدفت عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى إحياء المقاومة الفلسطينية المسلحة، وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العربي والعالمي بعد أن طالها التهميش لسنوات. وقد وجهت العملية ضربةً موجعة إلى قدرة إسرائيل على الردع، وهزت صورتها كموطئ قدم استعماري مضمون، مُكلَّف بحماية المصالح الإستراتيجية الغربية. وكشفت أيضًا عن تصدعات في عَقدها الاجتماعي العسكري القائم على قدرة النظام على حماية سكانه المستوطنين. وفي حين فرضت العملية واقعًا سياسيًّا جديدًا على النظام الإسرائيلي، فإنها جاءت بكلفة باهظة على أرواح الفلسطينيين؛ إذ أسفر العدوان الإسرائيلي الإبادي على غزة عن واحدة من أبشع الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث. غير أن موجة التضامن العربي المأمولة التي كان يُتوقع أن تتبع العملية لم تتحقق أو تُترجم إلى تغيرات سياساتية ملموسة. بل على العكس، كشفت هذه اللحظة عن الروابط العميقة بين بعض الأنظمة العربية ومشروع إسرائيل الاستيطاني الاستعماري، المتجذرة في المصالح المتبادلة واستدامة الأنظمة القائمة، وكشفت عن عداءٍ مشترك تجاه المقاومة الفلسطينية. ويرى التعقيب أن هذه التحالفات، التي استمرت بفعل القمع والتعاون الإستراتيجي والاقتصادي بين الأنظمة العربية وإسرائيل والتي عززتها الهيمنة الأمريكية، حوَّلت ما كان يمكن أن يُستغَل لعزل النظام الإسرائيلي إلى فرصةٍ لتكثيف توسعه الاستعماري وهيمنته الإقليمية.
Al-Shabaka Tariq Dana
طارق دعنا· 22 يوليو 2025
كشفت الإبادة الجماعية المستمرة التي يرتكبها النظام الإسرائيلي في غزة عن فشل الأطر القانونية الدولية في حماية المدنيين، ما شكَّل انهيارًا غير مسبوق في الوظيفة الحمائية للقانون الدولي. فعلى الرغم من أن اتفاقية الإبادة الجماعية تُلزِم الدول بمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وأن اتفاقيات جنيف تفرض حماية المدنيين تحت سلطة الاحتلال، فإن هذه الآليات أثبتت عجزها في غياب الإرادة السياسية اللازمة لإنفاذها. في هذا السياق، أطلقت ثماني دول من الجنوب العالمي -جنوب إفريقيا، ماليزيا، ناميبيا، كولومبيا، بوليفيا، السنغال، هندوراس، وكوبا- مجموعة لاهاي، وهي مبادرة قانونية ودبلوماسية تهدف إلى إنفاذ القانون الدولي ومساءلة النظام الإسرائيلي. وتتناول هذه المذكرة السياساتية جهود مجموعة لاهاي في مواجهة حالة الإفلات الممنهج من العقاب الذي يتمتع به النظام الإسرائيلي، وتُبرز الإمكانات التي يتيحها التحرك الجماعي للدول في مساءلة المنتهكين للقانون الدولي، رغم القيود البنيوية التي تحد من إنفاذه.
Al-Shabaka Munir Nuseibah
منير نسيبة· 08 يوليو 2025
 السياسة
في يوم الخميس، 19 حزيران/يونيو 2025، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام موقع الضربة الإيرانية قرب بئر السبع، وقال للصحفيين: "ما نعيشه اليوم يذكّرني حقًّا بما تعرّض له الشعب البريطاني أثناء قصف لندن (البليتز) في الحرب العالمية الثانية. نحن نُقصف اليوم بطريقة مماثلة". كانت البليتز حملة قصف جوي مكثفة شنَّتها ألمانيا النازية ضد المملكة المتحدة في الفترة بين أيلول/سبتمبر 1940 وأيار/مايو 1941. أراد نتنياهو بهذه المقارنة الدرامية استعطافَ الغرب وتأمين حصول حكومته على دعمٍ غير مشروط في عدوانها غير المبرر على إيران الذي يشكل تصعيدًا عسكريًّا وانتهاكًا جديدًا للقانون الدولي. ومثل تلك المراوغات الخَطابية ليست بشيءٍ جديد، بل هي نمط راسخ في الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يصوِّر إسرائيل كضحية دائمًا ويصف خصومها بالنازيين المعاصرين. لطالما راودت نتنياهو طموحاتٌ بضرب إيران بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة، غير أن التوقيت ظلّ دائمًا العنصر الحاسم. وعليه، فلا ينبغي النظر إلى هذه اللحظة على أنها مجرّد عدوان انتهازي، بل كجزء من إستراتيجية أوسع محسوبة بعناية. فشنّه هذه الحرب غير المبرّرة اليوم، نابع من حالة الإفلات غير المسبوقة من العقاب التي يتمتع بها، التي تزامنت مع تحوّلات إقليمية متسارعة أعادت تشكيل موازين القوى في المنطقة، إلى جانب الهشاشة المتفاقمة في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي. يتناول هذا التعقيب التصعيدَ الأخير في هذا السياق، ويُسلّط الضوء على الدوافع السياسية التي تقف خلف شنّ الحرب في هذا التوقيت تحديدًا.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 26 يونيو 2025
Skip to content