Revival of the PLO: Education

إن عملية إحياء منظمة التحرير الفلسطينية تعني بالدرجة الأولى أن تحقق مؤسساتها الهدف التي أنشئت من أجله: التحرير. يعني ذلك بالنسبة لقطاع التعليم، أن تضطلع المؤسسات ذات العلاقة بأدوارها من أجل تقليل الانقسام الاجتماعي والسياسي للفلسطينيين بالداخل والخارج، بما في ذلك رؤاهم المستقبلية. ولا يتعلق الأمر فقط بأجسام المنظمة ذات العلاقة المباشرة بالتعليم كالاتحاد العام لطلبة فلسطين، والاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين، وقسم التعليم والدوائر الأخرى ذات العلاقة، بل يتعلق الأمر بكافة الدوائر والأجسام الأخرى التي من شأنها أن تضمن وجود عمليات سياسية ديمقراطية في فلسطين والشتات.
يركز التحليل التالي على تداعيات إحياء منظمة التحرير الفلسطينية على تعليم الفلسطينيين عبر فلسطين المحتلة والشتات.

التمويل

من المهم أن تحافظ منظمة التحرير الفلسطينية على استقلاليتها السياسية عند قبولها التمويل سواء من جامعة الدول العربية، أو من الدول العربية فرادى أو غيرها من قنوات التمويل الأخرى. قدرة المنظمة المالية تعني، في وضع مثالي، قدرتها على أن تكون المزود الرئيسي لتعليم الفلسطينيين ليس فقط داخل فلسطين، ولكن في مخيمات اللجوء والشتات. يعني تمويل منظمة التحرير لقطاع التعليم أن يتم البناء على المؤسسات التعليمية القائمة وصياغة أهدافها بناء على أهداف المنظمة التحررية. فعلى سبيل المثال، حتى اذا استمرت وكالة الغوث في تولي مسؤولية تعليم للاجئين، سيتوجب على منظمة التحرير القيام بدور إشرافي بشكل يضمن أن الطابع الفلسطيني للبرامج التعليمية في كل مكان تواجدهم متسق وسليم من أجل توحيد الفلسطينيين خلف رؤية سياسية واحدة، بغض النظر عن مكان إقامتهم.

قدرة المنظمة المالية ودعمها لقطاع التعليم يعني أيضاً تمكين الأجسام ذات العلاقة بالتعليم، كاتحاد المعلمين واتحاد الطلبة وقسم التعليم، بالشكل الذي يفعّل المساحات التعليمية كمساحات تحررية، ويضمن جودة التعليم (بما فيها البعد الوطني والهوياتي) في مختلف مناطق تقديمه. سيؤثر الاهتمام والتمويل لاتحادات الطلبة والمعلمين على الحياة العامة باتجاه خلق عمليات سياسية ديمقراطية من خلال مؤتمرات الاتحادات وأدوات المطالبة بالحقوق، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على مجمل الحياة السياسية العامة وعلى حقوق العاملين والطلبة.

الجودة

يمثل إحياء منظمة التحرير فرصة لتحسين جودة التعليم من خلال تفعيل المؤسسات التعليمية داخل جسم المنظمة واستحداث دوائر وأقسام جديدة تعكس الواقع السياسي والاجتماعي الراهن، وتأخذ بالاعتبار الديمغرافيا والتوزيع السكاني للشعب الفلسطيني ككل. هذا التفعيل والاستحداث يعني بالضرورة أن المنظمة ستلعب دوراً في مراقبة ومحاسبة وتوجيه مسارات السلطة الفلسطينية القائمة فيما يخص التعليم. يمكن أن ينبثق عن ذلك تشكيل لجان تقيّم تجربة وجودة التعليم في مختلف مناطق تواجد الفلسطينيين والتوصية باتجاه موازنات إضافية وطرق جديدة للنهوض بالجودة بشكل عام. يوازي ذلك تطوير استراتيجية ورؤية سياسية واضحة تقلل من الفروقات الطبقية وما يترتب عليها من عقبات تمنع أو تعيق انخراط الفلسطينيين (في التعليم الأساسي والعالي) في تجربة تعليمية ذات جودة عالية، وبشكل يرتبط مع الرؤية الاجتماعية والاقتصادية للمنظمة. 

البنية التحتية

يصعب فهم الكيفية التي ستكون عليها البنية التحتية للتعليم في مختلف مناطق التواجد الفلسطيني في ظل إحياء منظمة التحرير الفلسطينية. وينبع ذلك من صعوبة التكهن بالظروف السياسية التي سترافق إحياء المنظمة. فمثلاً، يختلف الأمر إذا كان هذا الإحياء والتفعيل مبعثه داخلي من النخبة السياسية المتحكمة بالمنظمة، أو إذا حدث هذا الإحياء نتيجة ضغوط شعبية. في حال تم إحياء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، من المتوقع أن تستمر البنية التحتية للتعليم بالعمل بشكل مشابه لما هو عليه الأمر الآن. إلا أن المتغير سيكون نمو نفوذ الأجسام النقابية سواء للعاملين أو الطلاب باتجاه يضمن ديمقراطية هذه البنية. يعني ذلك على سبيل المثال، ألاّ تتفرد حركة فتح والموالين لها بالوظائف خصوصاً الرفيعة في قمة الهرم البيروقراطي. يعني ذلك أيضاً قيام النقابات بدور رقابي نحو تحسين ظروف العاملين بشكل عام وكذلك قيامها بالضغط باتجاه تحسين جودة التعليم للمعلم والمتعلم. 

في ذات الوقت يعني إحياء وإعادة بناء المنظمة تفعيل الاتحاد العام لطلبة فلسطين وهو ما يعني إمكانية انخراط طلاب فلسطينيين داخل فلسطين المحتلة وخارجها بعمليات سياسية وديمقراطية من شأنها أن تلعب دوراً فعالاً في الحياة السياسية العامة وفي التأثير على جودة وبنى التعليم وعلى صناعة القرار السياسي. وليس من الصعب أن نتخيل تأثير اتساع هذه المساحات السياسية على تعزيز الوحدة والمشاركة السياسية بين الفلسطينيين في كل مكان.

المحتوى (المناهج)

تنعكس إعادة بناء منظمة التحرير أو إحيائها على محتوى التعليم الفلسطيني في ضرورة توحيد المناهج الفلسطينية رغم اختلاف أماكن تواجد الفلسطينيين. فيتوجب على المنظمة لعب دور إشرافي على عملية توحيد هذه المناهج والتأكد من دفعها باتجاه رؤية سياسية واجتماعية مستقبلية شاملة تنعكس على كل طرائق التدريس والمنهاج (كنص).

يعني توحيد المناهج الفلسطينية أن يشعر الفلسطينيون أنهم ليسوا مختلفين على نحو صارخ، على الرغم من الاعتراف بفرادة تجاربهم الفردية والجماعية، واختلاف ظروفهم الحياتية في فلسطين والشتات. منذ عام 1948 وحتى عام 2006 يتعلم الفلسطينيون مناهج مختلفة، وليست فلسطينية بالمطلق – إما أردنية في الضفة الغربية ومخيمات اللجوء بالأردن، أو مصرية في غزة، أو سورية ولبنانية في مخيمات اللجوء في سورية ولبنان. تم التغلب على ذلك جزئياً عبر عمليات تطوير المنهاج الفلسطيني الأول وتوحيده بين غزة والضفة فقط منذ عام 1996. إلا أن هذا الأمر لم يحدث في مخيمات اللجوء في لبنان وسورية والأردن. هذه المحاولات لتطوير منهاج فلسطيني يدرس بالمناطق المحتلة عام 1967 (غزة والضفة) تعيقها الكثير من العقبات منها نفوذ الممولين الدوليين وتأثيرهم على ما يحتويه هذا المنهاج وشرطية التمويل إذا ما انحرفت اللجان المؤلفة نحو تضمين رؤى سياسية مستقلة وتحررية.

يمثل إحياء مؤسسات المنظمة حلاً للكثير من المعضلات التي تعيق انتاج منهاج فلسطيني عصري ويعكس الرؤى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لعموم الشعب الفلسطيني. فمن المتوقع أن تعيق وكالة الغوث في دول الجوار المستضيفة للاجئين الفلسطينيين أي جهود نحو تدريس المناهج الفلسطينية في مدارس اللاجئين (الأونروا). هذا التوجه يحركه خوف هذه الدول من تشكل مساحات سياسية فلسطينية مستقلة منطلقة من وحدة الهدف والرؤية. ينسجم ذلك مع توجهات وكالة الغوث التي تخبر سياساتها منذ الأزل نحو توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم. لذا، فإنه من غير المتوقع، حتى مع إحياء منظمة التحرير، أن يتمكن الفلسطينيون أن يدرسوا المناهج الفلسطينية. بالنهاية الأمر منوط بنفوذ المنظمة السياسي وقدرتها على تبني مسار سياسي نحو العودة، بالشكل الذي يشجع الدول المستضيفة على قبول تدريس مناهج فلسطينية داخل أراضيها.

محمد الرزي، محاضر في دراسات الطفولة في جامعة بريستول بالمملكة المتحدة. حصل على درجة الدكتوراه في علم الإنسان الاجتماعي من جامعة فريبورغ بسويسرا، وعلى درجة...
(2022, نوفمبر 21)
يمثل إحياء منظمة التحرير فرصة لتحسين جودة التعليم من خلال تفعيل المؤسسات التعليمية داخل جسم المنظمة واستحداث دوائر وأقسام جديدة تعكس الواقع السياسي والاجتماعي الراهن، وتأخذ بالاعتبار الديمغرافيا والتوزيع السكاني للشعب الفلسطيني ككل.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

على مدى عامين، ألحقت إسرائيل دمارًا هائلًا بغزة، متسببة في أعدادٍ هائلة من الشهداء بسبب القصف المتواصل وسياسة التجويع الممنهجة. ولا تزال الجهود الدولية للاعتراف بجرائم الحرب الإسرائيلية ووقف عملية القضاء على الشعب الفلسطيني متأخرة وقاصرة. في 16 أيلول/سبتمبر 2025، خلصت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إلى ما كان الفلسطينيون قد أكدوه منذ البداية: أن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة الجماعية. وفي 29 سبتمبر/أيلول، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مقترحٍ يعد بوقف إطلاق النار، لكنه يخضع الفلسطينيين في غزة لحكم خارجي، وينكر عليهم حقهم في تقرير المصير، ويُرسّخ السيطرة الإسرائيلية على الأرض. ورغم أن الخطة تُقدَّم كأنها مبادرة سلام، فإنها في الواقع محاولة من الولايات المتحدة لحماية النظام الإسرائيلي من المساءلة، في تجسيد واضح لتواطؤ الغرب في استعمار فلسطين وإبادة شعبها. وفي هذا السياق، تُعدّ موافقة حركة حماس على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين إشارة إلى التزامها بإنهاء العنف الدائر، وفي الوقت نفسه نقلًا للمسؤولية إلى النظام الإسرائيلي وإدارة ترامب لتوضيح وتعزيز التزاماتهم بعملية وقف إطلاق النار. يجمع هذا الموجز السياساتي تحليلات الشبكة خلال العام الماضي، مسلطًا الضوء على السياق البنيوي لفهم جريمة الإبادة الجماعية وآثارها الإقليمية. كما يرصد ويحلل الحملة الإبادية التوسعية التي ينفذها النظام الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية والمنطقة الأوسع، كاشفًا تواطؤ الغرب ليس فقط في تمكين النظام الإسرائيلي من ارتكاب جرائمه، بل أيضًا في حمايته من المساءلة. وفي الوقت نفسه، يُبرز هذا الموجز المبادرات التي تتصدى لحصانة إسرائيل، وتدفع باتجاه تحقيق العدالة والتحرر.
تُبين هذه المذكرة السياساتية كيف أن "حياد الصين المنحاز" إلى النظام الإسرائيلي يتجلى في نأيها الإستراتيجي عن الإبادة الجارية في غزة. فمن خلال الدعوة إلى الوحدة الفلسطينية دون ممارسة أي ضغط مباشر على إسرائيل، تحافظ بكين على علاقاتها مع الدولة الصهيونية متظاهرة بالحياد. لا يعكس هذا الموقف خضوع بكين لهيمنة واشنطن في القضايا المتعلقة بإسرائيل فحسب، بل هو قرار مدروس منها لصون مصالحها الإستراتيجية على المدى البعيد. وبدلًا من أن تتدخل الصين مباشرةً لردع إسرائيل، تُلقي بالمسؤولية على مجلس الأمن، وتتعامل مع قضايا وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات وإطلاق سراح الأسرى وكأنها التزامات تقع على عاتق الآخرين لا ضمن نطاق مسؤولياتها.
رزان شوامرة· 16 سبتمبر 2025
 السياسة
يقع محو الشعوب الأصلية في صميم السرديات الاستيطانية الاستعمارية، إذ تعتمد هذه السرديات على إنكار وجود الجغرافيات والمجتمعات والتاريخ لتبرير تهجير السكان الأصليين وإحلال مستوطنين مكانهم، ولم يزِغ المشروع الصهيوني عن هذا النهج. فمن الأساطير التي قام عليها زعمُه أنه "أحيا الصحراء"، وأن المستوطنين الأوائل أسسوا درَّة تاجه، تل أبيب، من كثبان رملية قاحلة وخلاء مُقفرٍ غير صالحٍ للسكن. تطمس هذه الرواية حقيقةَ أن تل أبيب أُنشئت بدايةً على مشارف مدينة يافا الفلسطينية المزدهرة والعامرة بالحياة الثقافية، المشهورة بتجارة البرتقال الرائجة. أمّا اختيار وصف "الكثبان الرملية"، فيوحي بالخلاء ويُخفي الحياة الزراعية والاجتماعية النابضة التي كانت مزدهرة في المنطقة. وقد أسهمت هذه الرواية التي صوَّرت الأرض وكأنها لم تكن صالحة للعيش حتى مجيء المستوطنين في تبرير سلبها والتغول الاستعماري فيها. وقد تسارعت هذه العملية في أعقاب 1948، حين ضمت تل أبيب أراضي القرى الفلسطينية المطهَّرة عرقيًّا، بما فيها صميل وسَلَمة والشيخ مُوَنِّس وأبو كبير، لتمتد في نهاية المطاف إلى مدينة يافا. إن هذا الخطاب الاستعماري الاستيطاني نفسه هو ما يغذي الحرب الإبادية المستمرة على غزة، إذ يُعاد تأطير الدمار من خلال رواية "عدم صلاحية القطاع للعيش،" التي تصوِّر غزة كأنقاض، وهي رواية بعيدة عن الحياد. يرى هذا التعقيب أن مصطلح "غير صالح للعيش" مصطلحٌ مشحون سياسيًّا يعفي الجاني من المسؤولية، ويُعيد إنتاج المحو الاستعماري، ويشكِّل السياسات والتصورات العامة بطرق تؤثر في حياة الفلسطينيين ومستقبلهم تأثيرًا عميقًا. ويتناول التعقيب جذورَ هذا الخطاب ووظيفته وتبعاته في إطار المنطق الأوسع للاستعمار الاستيطاني. ويدعو في خاتمته إلى تحوُّل جذري في اللغة، من روايات تتستر على العنف إلى روايات تُثبِّت الوجود الفلسطيني وتاريخه وحقه في السيادة.
عبدالرحمن كتانة· 27 أغسطس 2025
Skip to content