استمرار الوضع الراهن يعني إعاقة تشكّل الأرضية اللازمة للانتقال إلى السيناريوهات الأخرى، والتي تخصّ إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وعموم الفلسطينيين، ومع ذلك، فكلما طال استمرار سيناريو الاستمرار، زادت احتمالية أن تصبح عوامل تمكينه، والموضحة أدناه، محفزات للسيناريو الثاني والثالث والرابع.1
إعدام حل الدولتين
لم تتوقّف إسرائيل عن الاستيطان في الضفة الغربية حتى بعد أن تأسست السلطة الفلسطينية، وزادت وتيرة الاستيطان بمسارين، الأول بكتل استيطانية جديدة، والثاني بوحدات سكنية جديدة في الكتل القائمة، مضافاً إلى الجدار الفاصل والطرق السريعة والمعسكرات، وفي الوقت الذي كانت فيه حركة الضم والتوسّع تسير بوتيرة متثاقلة ومتباينة خلال الثلاثة عقود المنصرمة، إلا أنّ السنوات الأخيرة شهدت قفزة في النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وتحديداً في السنوات الثلاث الأولى من حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث تضاعف بناء الوحدات الاستيطانية، وهو واقع يحول دون إمكانية قيام دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967. أما مدينة القدس فيتم استهدافها من خلال مخطط شامل يهدف إلى زيادة البناء السكني في المدينة وتحديث المناطق الصناعية وبناء الأبراج التجارية على حساب الوجود الفلسطيني فيها. هذا التنامي في عدد المستوطنات والوحدات السكنية يأتي منسجماً مع رؤية الاحتلال لزيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية، وشرعنة الاستيطان من خلال مجموع من القوانين التي بدأت بسنّها.
المواقف الإقليمية والدولية
لم تستطع السلطة الفلسطينية أن تبني شبكة علاقات على المستوى الدولي تمكنّها من إحراز تقدّم في محاولات الضغط على الاحتلال الإسرائيلي، بل وصلت إلى حد خسارة الدول الصديقة والحليفة، لتراكم فوق الفشل السياساتي وقضايا الفساد فشلاً دبلوماسياً. في مقابل ذلك، كان نتنياهو يسجّل إنجازات متتالية في الإقليم على صعيد بناء جسور للتواصل مع الدول الخليجية. الخسارات الكبيرة على المستوى العربي أتت في ظل إتفاقيات إبراهيم التي قادتها إدارة ترامب الأمريكية منحازة بالكامل للاحتلال، ودعم الموقف الإسرائيلي بشأن القدس والضفة الغربية، والسياسة الوحيدة التي انتهجتها السلطة في عهد ترامب هي سياسة الجمود، إذ لم تحرّك ساكناً أملاً في عدم التجديد لترامب بولاية ثانية. ولم تحقَّق آمال القيادة الفلسطينية بفوز بايدن، فما استطاع بايدن الانقلاب على خطوات ترامب بشأن الفلسطينيين، وما زالت إسرائيل مستمرة في سياساتها الاستعمارية، وكل ما تمّ أن السلطة أعادت التنسيق الأمني حتى قبل وصول بايدن إلى البيت الأبيض، حيث كان أبو مازن قد جمد التنسيق الأمني في خطوة احتجاجية لم تدم طويلاً ولم تحقق أي إنجاز.
إنتاج الفلسطيني الجديد
الاستيطان مستمر، وما زالت المواقف الإقليمية والدولية ليست في صالح الفلسطينيين، والسلطة الفلسطينية لم تتوقّف عن سياسات خلق الفلسطيني الجديد، فقد بذلت جهوداً واضحة في الضفة الغربية، تمثّلت في تكثيف السياسات الاقتصادية المعتمدة على مصادر دخل مرتبطة بالاحتلال، وترافقت مع تسهيلات بنكية، غيرت من أنماط الحياة للمواطن الفلسطيني في الضفة الغربية، بحيث أصبح الحديث عن أي حراك سياسي أو ميداني ضد السياسات الإسرائيلية مكلف جداً ومؤثر على كل بيت فلسطيني، وقد شهد المجتمع الفلسطيني سنوات من الترويض من خلال قطع الرواتب في القطاع العام وتأخيرها وما إلى ذلك من استكمال لاستراتيجية العصا والجزرة. ولكن لم تقتصر مسألة خلق الفلسطيني الجديد على البعد الاقتصادي، فسياسات القمع التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية خلقت بيئة من الخوف والإرهاب، الذي حال حتى فترة قريبة دون ميلاد حراك شعبي واسع على أرضية القضايا الوطنية، فالحركات الشعبية تم حصارها حول قضايا مطلبية كالرواتب والضمان الاجتماعي، بما يشير إلى نجاح في خلق الفلسطيني الذي لا يتجاوز الخط الأحمر المرسوم له.
غياب رؤية فلسطينية بديلة
أقصى ما فعلته قيادة السلطة الفلسطينية في ظل تراكم كل هذا الفشل واستمرار السياسات الاستعمارية الاستيطانية، هو أن تلوّح بحل السلطة، وهي بذلك تعلن للجميع أنها لا تمتلك أي رؤية بديلة عن حل الدولتين، وكل ما يمكنها طرحه هو أن تهدد بالتوقف عن “التنسيق مع الاحتلال”، دون أن يتحوّل هذا الطرح إلى فعل.