A New Intifada: Governance & Security

في حالة خلافة الرئيس عباس إذا تُوفي لأسباب طبيعية، فإن من المتوقع أن يخلفه واحدٌ من خمسة مرشحين محتملين. الأربعة الأوائل هم من رؤساء القطاع الأمني السابقون أو الحاليون، وهم: جبريل رجوب، الرئيس السابق لقوات الأمن الوقائي، وماجد فرج، رئيس المخابرات العامة الحالي، وحسين الشيخ، الذي خدم لفترة وجيزة في قوات الأمن الوقائي عقب إنشاء السلطة الفلسطينية، ومحمد دحلان، الرئيس السابق لقوات الأمن الوقائي في غزة، والمقيم حاليًا في المنفى في الإمارات العربية المتحدة بعد خلافه مع عباس. المرشح المحتمل الخامس هو مروان البرغوثي، الشخصية السياسية ذات الشعبية الذي لم يشغل قطّ أي منصبٍ رسمي في قطاع الأمن. وهو محتجز حاليًا في السجون الإسرائيلية بسبب هجمات مزعومة ضد مدنيين إسرائيليين إبان الانتفاضة الثانية.
يوضِّحُ هؤلاء المرشحون مدى براعة النظام الإسرائيلي والمجتمع الدولي في ترتيب نظام السلطة الفلسطينية السياسي. فخلفاء منصب الرئاسة الأوفر حظًا في قيادة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها قد خرجوا من رحم قطاع الأمن المدعوم دوليًا، ويحظون بمباركته. فضلًا على أنه بات من الواضح أنّ أيًا لا يمكنه أن يتولى قيادة هياكل السلطة في فلسطين دون الحصول على موافقة قادة قطاع الأمن ومحاوريه.

ويُرجَّح في هذه الحالة أن تظل المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كما هي، وأن تظل القوة متركزةً في أيدي قلةٍ قليلة تُعيد إنتاج الوضع الراهن. وسوف يستمر الدعم الدولي والتنسيق الأمني بلا شك، ولا سيما أن ثلاثةً من المرشحين الأربعة كانوا محاورين رئيسيين بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي.

السيناريو الآخر المحتمل هو تنظيم انتخابات فلسطينية، ويُرجَحُ، عمومًا، أن تنبثق منه ثلاثة نتائج محتملة: إعادة إنتاج الوضع الراهن برداء جديد من الشرعية؛ واتساع الهوة بين الفصائل السياسية وداخلها؛ وانتصار انتخابي لحركة اجتماعية تقلب الوضع الراهن إمّا إيجابًا وإمّا سلبًاوهي النتيجة الأقل احتماليةً.

كادت الانتخابات أن تنعقد في كانون الثاني/يناير 2021 حين أعلنَ عباس إجراءَ انتخابات لجميع الهيئات الإدارية الفلسطينية الثلاث: المجلس التشريعي الفلسطيني، ورئاسة السلطة الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني. ولو انعقدت لكانت أول انتخابات وطنية منذ 15 عامًا تأتي في أعقاب جولة جديدة من محادثات المصالحة بين حركتي فتح وحماس. وكان الغرض منها تجاوزُ أزمة الشرعية والشلل الذي سببه الاستقطاب داخل النظام السياسي الفلسطيني. وكان من المقرر بعد إجراء الانتخابات أن يتعامل الفصيلان الحاكمان مع القضايا الأكثر خلافيةً بينهما، وعلى رأسها القضايا السياسية والفنية التي ينطوي عليها دمج القطاعين الأمنيين في الضفة الغربية وغزة، بالإضافة إلى استقلال الجناح العسكري لحركة حماس.

غير أنّ عباس أجّل الانتخابات البرلمانية إلى أجلٍ غير مسمى في نيسان/أبريل 2021، وسط خلافٍ على التصويت في القدس الشرقية المحتلة، وانقسامات داخل حركته فتح. دَرجت قوات أمن السلطة الفلسطينية أثناء الانتخابات على الاضطلاع بدورٍ معوِّق، بالنظر إلى طبيعتها الحزبية. غير أن تدخّلها أثناء التحضيرات الانتخابية في النصف الأول من عام 2021 كان محدودًا، واقتصرَ على المراقبة الإلكترونية والتهديدات اللفظية تجاه المرشحين وأنصارهم.

وعلى الرغم من أن الدمقرطة ظلّت هزيلةً على الدوام في الضفة الغربية وغزة، إلا أن محاولة الانقلاب التي قادتها فتح بعد فوز حركة حماس في انتخابات عام 2006 وبدعمٍ غربي وإسرائيلي كبير قد أحبطت فرص الدمقرطة وسيادة القانون، وظل عباس منذئذ يُحكم قبضته على السلطة، ويصدر المراسيم الرئاسية الواحد تلو الآخر لتضييق حيز المنافسة. واضطلعت قوات أمن السلطة الفلسطينية بدورٍ محوري في هذه العملية، لم يقتصر على قمع المعارضة، بل اشتمل أيضًا على استقطاب شرائح كبيرة من الفلسطينيين إمّا من خلال توظيفهم مباشرةً في تلك القوات وإمّا من خلال القنوات غير الرسمية، مثل شبكات المحسوبية الواسعة التي تترأسها شخصيات أمنية قادرة على الوصول مباشرةً إلى المساعدات الدولية والأسلحة.

أما التداعيات على قطاع العدالة في حال تنظيم الانتخابات، فتندرج تحت شقَّين. أيُّ تغيير في منصب الرئيس سوف يقتضي مراجعةَ المراسيم، وإجراء تغييرات في صفوف الموظفين القانونيين، بما في ذلك تعيين وزيرِ عدل جديد، ونائبٍ عام، ومستشارٍ قانوني، وآخرين. وثانيًا، سوف يتعين على المجلس التشريعي المنتخب حديثًا أن يراجعَ المراسيم الرئاسية السابقة كلها، وهذا قد يؤدي إلى حالة من الشلل، ما لم تعمل الأحزاب المختلفة معًا، حيث سيستغرق المجلس دورته التشريعية الكاملة على مدار أربع سنوات لمناقشة العدد الكبير من المراسيم الرئاسية الصادرة منذ عام 2007.

تهاني مصطفى، محللة مجموعة الأزمات الدولية في فلسطين، حيث تعمل على قضايا الحوكمة الأمنية والقانونية والسياسية والاجتماعية. تحمل درجة الدكتوراه في السياسة والدراسات الدولية من...
خلفاء منصب الرئاسة الأوفر حظًا في قيادة السلطة الفلسطينية ومؤسساتها قد خرجوا من رحم قطاع الأمن المدعوم دوليًا، ويحظون بمباركته. فضلًا على أنه بات من الواضح أنّ أيًا لا يمكنه أن يتولى قيادة هياكل السلطة في فلسطين دون الحصول على موافقة قادة قطاع الأمن ومحاوريه.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، صوَّت الناخبون الأمريكيون لدونالد ترامب رئيسًا لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الستين. وفي حين لا تزال العديد من أوجه خطط السياسة الخارجية للإدارة القادمة غير مؤكدة، فإن تبعاتها الكارثية على الشعب الفلسطيني ستستمر بلا شك. وفي هذه الحلقة النقاشية، يُقدِّم محللو الشبكة طارق كيني الشوا وعبد الله العريان وأندرو كادي وهناء الشيخ رؤيتهم إزاء ترامب مقارنةً بسلفه، وتأثير رئاسته على السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، وما تعنيه لفعاليات التضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة، وتأثيرها المادي على الأرض في فلسطين.
 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
Skip to content