Article - Understanding Netanyahu’s Political Survival

نظرة عامة 

يهيمن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على المشهد السياسي الإسرائيلي منذ قرابة 25 عامًا، حيث تقلَّد ولايته الأولى بين عامي 1996 و1999، تبعتها دوراتٌ متتالية منذ 2009. وبفوزه في خمس انتخابات، يُصبح نتنياهو رئيس الوزراء الأطول خدمةً في تاريخ إسرائيل، ليرسي  الأُسس لنموذج حُكم الرجل الواحد فيها، إذ يعززُ نفوذَه بتركيز السلطة السياسية في يديه، وتطويع الإعلام الاسرائيلي، وخلق  هالةٍ أقربَ الى التقديس حول شخصيته جعلت مؤيديه يطلقون عليه لقب “الملك”.1

لقد استطاع نتنياهو أن يحافظَ على منصبه برغم التحديات الأخيرة التي واجهها حكمه، بما فيها تهمُ الفساد الموجهة له وإخفاقُ كتلته اليمينية في الفوز بما يكفي من مقاعد الكنيست في آخر عمليتين انتخابيتين لتشكيل حكومةٍ خارج إطار التحالفات.

 ولكي نفهم قدرة نتنياهو على البقاء  السياسي، لا بد من دراسة اليمين الإسرائيلي وصراعاته الداخلية. يُحلل هذا التعقيب السياسةَ الإسرائيلية الداخلية، ويركز على سياسة نتنياهو، عقيدةً وممارسة، ويحاول تفسير لغز البقاء السياسي لنتنياهو  إلى الآن.

حُكم الرجل الواحد 

يتّبع نتنياهو استراتيجيتين لتعزيز نفوذه السياسي داخل الحكومة الإسرائيلية. تكمن الأُولى في تقلُّده مناصبَ متعددةٍ في آن واحد، حيث ترأس أثناء توليه رئاسة الوزراء وزاراتٍ عديدةً كان آخرها وزارة الاتصالات والزراعة والصحة والرفاه والخدمات الاجتماعية، ولكنه اضطُر للاستقالة من هذه المناصب في كانون الأول/ديسمبر 2019 بسبب التهم الجنائية الموجهة إليه. وتكمن استراتيجيته الثانية في توسُّعِه في ممارسة التعيينات السياسية لضمان الولاء لشخصه في المؤسسات والمناصب الحكومية المختلفة، بما فيها مؤسسة القضاء.

يهيمن نتنياهو كذلك على الخطاب السياسي  في إسرائيل من خلال استغلال نفوذه وعلاقاته في وسائل الإعلام الإسرائيلية. إذ تشير لوائح الاتهام المقدمة ضده في ثلاث قضايا فساد منفصلة إلى أنه مارسَ الضغط على وسائل إعلامية إسرائيلية لتلميع صورته وتشويه سمعة خصومه ومعارضيه.2 وفي هذا الصدد، يؤكد أستاذ العلوم السياسية، ياشا مونك، أن نتنياهو يتصف بالعديد من صفات الشعبوي المستبد، فهو يقمع الآراء المخالِفة، ويسعى إلى السيطرة على وسائل الإعلام العامة، وأنشأ كذلك آلة دعائية مواليةً له من خلال صحيفة “إسرائيل هيوم” المجانية الممولة من الملياردير الأمريكي شيلدون أديلسون.

وعلاوةً على ذلك، يلجأ نتنياهو في كثير من الأحيان إلى استخدام نظريات المؤامرة وإشاعة الخوف لتأمين سلطته السياسية، واحتكار مهمة الحفاظ على أمن إسرائيل. يقول آبراهام بورغ، رئيس الكنيست السابق، إن نتنياهو “يبث الخوف في كل مكان، ومن ثم يخرج ليقول ’أنا عندي حلّ لكم.‘” وبفضل هذه الاستراتيجية استطاع نتنياهو قمع المعارضة، ووأد تحركات احتجاجية ابرزها “احتجاج الخيام،” أكبر الحِراكات الاحتجاجية الشعبية في تاريخ إسرائيل والتي خرجت ضد سياسات الإنفاق الحكومي على القطاع العسكري والأمني. 

لا يتوانى نتنياهو كذلك عن التحريض ضد الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل إذ يصفهم كحصان طروادة، وإرهابيين، وطابور خامس في المجتمع الإسرائيلي. وقال مرارًا وتكرارًا في وصف الناخبين العرب بأنهم “يتدفقون أفواجًا إلى صناديق الاقتراع،” لإقناع المواطنين اليهود بالتصويت له باعتباره القائد الذي يستطيع أن يوقف “التهديد العربي.” 

يغرس نتنياهو الولاء الأعمى وصورة القائد الأوحد في عقلية المجتمع الإسرائيلي Share on X

يشن نتنياهو أيضًا حملةً ممنهجة لتهميش معارضيه الداخليين والخارجيين.3 فبتصفية كلَّ معارضةٍ له داخل حزبه الليكود وإنشاء شبكة ولاءات داخلية، تمكَّنَ من ترسيخ صورته باعتباره الوحيد القادرعلى إيصال الليكود الى سدة الحكم، إذ يدَّعي أن اليمين الحقيقي لا تقوم له قائمة بدونه. وعلى الصعيد الخارجي، حاصر نتنياهو معارضيه من اليسار الصهيوني باتهامهم “بالخيانة والتخاذل وحب العرب،” وسنِّ تشريعات تُقيد عمل مؤسسات حقوق الانسان المحسوبة على اليسار التي تتجرأ على انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية السافرة التي يرتكبها في غالب الأحيان جيشُ الاحتلال والمستوطنون في الأرض الفلسطينية المحتلة.

أرسى نتنياهو حُكم الرجل الواحد مستخدمًا هذه التوليفة من الأدوات السياسية – بسط السيطرة على تيار اليمين واحتكاره، وعرقلة الممارسات الديمقراطية، واستغلال المخاوف الوجودية لدى الصهاينة الإسرائيليين – وذلك بالتزامن مع صعود الحُكام الشعبويين المستبدين في أماكن أخرى من العالم. وبالنظر إلى اعتماد نتنياهو الكبير على دعم اليهود الشرقيين  له، فإن نموذجه لحُكم الرجل القوي يتشابه في بعض جوانبه مع نماذج حُكم أخرى في الشرق الأوسط.4

أستطاع نتنياهو عبر تلك الادوات غرس الولاءَ الأعمى وصورةَ القائد الأوحد في عقلية المجتمع الإسرائيلي، وتصوير نفسه بأنه السياسي الوحيد القادر على حماية إسرائيل ومصالحها من خلال علاقاته المتشعبة وشخصيته الكاريزماتية. 

اليمين الإسرائيلي والصراع الديني-العلماني

يُعزِّز نتنياهو التناقضَ في هويةِ إسرائيل كدولةٍ يهودية وديمقراطية في آن واحد، حيث يُقدِّم الطابع اليهودي على الديمقراطي. وقد توَّج استراتيجيته هذه بسنّ قانون الدولة القومية الذي يساهم في أدينة الخطاب السياسي الإسرائيلي ويدمغ اليمين الصهيوني بطابع ديني متزايد.

يصور نتنياهو الليكود على أنه الحامي الوحيد للمصالح اليهودية من خلال ربط التماثل بين اليمين السياسي (الذي يمثله الليكود) واليهود المتدينين (الحريديم). وبذلك يعتمد على ثلاث قوى رئيسية: اليمين القومي الإسرئيلي، واليمين المتطرف، و”اليمين الناعم” بحسب وصف إيهود سبرنزاك. وفي حين أن اليمين القومي واليمين المتطرف لاعبان قديمان في السياسة الإسرائيلية، فإن اليمين الناعم – المكوِّن الرئيسي في تحالفات نتنياهو السياسية – لاعبٌ جديد يسترعي البحث.

اليمين الناعم هو تحالفٌ فضفاض من الأشكناز المتدينين والسفارديم المتدينين والمهاجرين العلمانيين من الاتحاد السوفياتي السابق. للوهلة الاولى، تبدو هذه الفئات متنافرةً لدرجة أنها لن تجلس إلى طاولة واحدة، والصدامات بينها تحدث بالفعل، ولا سيما بسبب رغبة نتنياهو في إرضاء الكتلة المتدينة. غير أن هذا التحالف يتغذى من عدائه المشترك تجاه العرب واليسار العلماني الإسرائيلي.5

وبفضل هذا الاتحاد، استطاع اليمين أن يسنَّ تشريعات تكفل حضورًا أقوى للدين في الحياة الإسرائيلية العامة بما ضَمِن منح تسهيلات وإعفاءات ضريبية لليهود الحريديم، والاستمرار بإعفاء طلاب المدارس اليهودية الدينية من الخدمة العسكرية، وتشديد ممارسات الحياة اليومية مثل غلق الشوارع وتجميد حركة المواصلات العامة أيام السبت، وتعزيز  صلاحيات  الحاخامية  الكبرى  في إسرائيل التي  تمارس صلاحيات الأحوال الشخصية في شؤون مثل الزواج والطلاق والتحول إلى اليهودية وتحديد الهوية اليهودية. فاقمت هذه السياسات الصراعات داخل اليمين الناعم وأفضت السنةَ الماضية إلى انهيار تحالف نتنياهو التقليدي الذي ضَمِن له ولليكود في السابق الاحتفاظَ بالسلطة منذ 2009.

تحديدًا، لم يستطع نتنياهو في انتخابات نيسان/أبريل 2019 الإصلاحَ بين الأحزاب الدينية وبين أفيغدور ليبرمان الذي يطرح نفسه، بصفته زعيم اليمين العلماني المتطرف، بديلًا لنتنياهو في قيادة اليمين العلماني الليبرالي. فبعد أن كانت الأحزاب الدينية وليبرمان من المكونات المتماسكة في تحالف نتنياهو، دبَّ الخلافُ بينهما وفي صلبه مسألةُ الخدمة العسكرية الإلزامية لليهود الحريديم. فالخدمة العسكرية من المكونات الأساسية في هوية الفرد الإسرائيلي، ودالَّة كُبرى على العضوية في المجتمع المدني الإسرائيلي، ومُحدِّد حاسم في معنى المواطنة الإسرائيلية.6 فضلًا على أن الإسرائيليين يَعدّون الخدمةَ العسكرية مؤسسةً جامعة يُفترض أن تنصهر فيها جميع الخلافات السياسية والأيديولوجية – وهي قيمة وجودية أساسية لاستمرار إسرائيل بالنظر إلى التغيرات الديمغرافية التي تلوح في الأفق.7

تشهد إسرائيل صراعًا داخليًا على تمثيل اليمين السياسي وعلى طابع دولة إسرائيل Share on X

أفسدت أجندة نتنياهو سياسة الوضع القائم والتي هي عبارة عن توافقات وضعها دافيد بن غوريون عام 1947 بهدف لجم الصراع الديني-العلماني في الدولة الجديدة التي ستولد. وبموجبها أُعفي اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية سنة 1952 على الرغم من اعتبارها ’بوتقة الانصهار‘ لجميع اليهود على اختلاف أصولهم وخلفياتهم. وامتنع بن غوريون أيضًا عن صياغة دستورلإسرائيل، وتجنب النقاش حوله، واكتفى بتعريفها كدولة يهودية وديمقراطية، معللاً ذلك بأن الامتناع عن الخوض في صراعات داخلية محددة هي الحل الأمثل للحفاظ على السلم الداخلي.

تنامى غيظ تياري اليمين واليسار العلماني، من اليهود الحريديم  بسبب إعفائهم من الخدمة العسكرية. فهم يرونهم عالةً على الدولة ليس لرفضهم الخدمة العسكرية وحسب، وإنما لحصولهم على تسهيلات وإعفاءات ضريبية رغم إحجامهم عن الانخراط في سوق العمل. فضلًا على أن نهج حياتهم المتزمت والانعزالي ومعاملتهم المرأة يتناقض بشدة وصورة إسرائيل الليبرالية والمنفتحة المراد تسويقها للعالم. أمَا اليهود الحريديم فينظرون إلى اليهود العلمانيين كأصحاب نهج حياةٍ منحل وبعيد عن الشريعة اليهودية، وأن اختلاطهم بديانات أخرى يهدد وجود اليهودية نفسها.

في الوقت ذاته، أعاق نتنياهو جميع المحاولات الرامية إلى حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.8 وضربَ بعرض الحائط المطالب الفلسطينية الأساسية، واستغل الوقت في إحداث تغييرات جغرافية وسياسية على أرض الواقع بالاستمرار في بناء المستوطنات وانتزاع الاعتراف الأمريكي بالضم الإسرائيلي غير القانوني للقدس ومرتفعات الجولان، والعمل الوثيق مع إدارة ترامب لإخراج “صفقة القرن”.

تنطوي سياسة إدارةِ الصراع التي اتبعها نتنياهو، أيضًا على تعزيز التنسيق الأمني بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وتساهم في زيادة الشعور بالأمن والاستقرار داخل إسرائيل، ولا سيما أن واقع الحياة اليومية الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الاحتلال بعيدٌ تمامًا عن مرأى معظم الإسرائيليين. وبالتالي أُسقط الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من الأجندة الانتخابية منذ فترة طويلة، وقاد هذا الفراغ إلى أن ينشغل الشارعُ الإسرائيلي بالصراعات الداخلية المبينة أعلاه.

إن ما يحصل اليوم في إسرائيل صراعٌ داخلي ذو حدين يتعدى بلوغ العدد المطلوب من المقاعد لتشكيل الائتلاف الحكومي. فهو صراعٌ على تمثيل اليمين السياسي في إسرائيل من جهة، وصراعٌ على طابع دولة إسرائيل من جهة ثانية. وقد استطاع نتنياهو في السنوات الأخيرة تثبيت هيمنته بواسطة استقطاب الصراعات الداخلية في اليمين الإسرائيلي بالتركيز على الأعداء المشتركين. غير أن تلك الصراعات وصلت حدَّ الصدام المباشر الذي تجلى في رفض ليبرمان دخول ائتلاف نتنياهو قبل أن يتنازل الأخير في مسألة إعفاء المتدينين من الخدمة العسكرية. 

إن سياسات نتنياهو المتمثلة في إعادة هيكلة اليمين، وتقديم الطابع اليهودي للدولة على طابعها الديمقراطي، وخلخلة توازن الصراعات في إسرائيل أحدثت تغيراتٍ جديدةً وأوجدت ديناميات وائتلافات غيرَ مسبوقةٍ في السياسة الإسرائيلية. وفي ظل هذه الظروف، أتقن نتنياهو اللعبةَ السياسية وعرف كيف يُسخرها لمصلحته حتى أتت انتخابات نيسان/أبريل 2019 وفشل في تشكيل الحكومة. فكانت اللحظة التي بدأ عندها سباقه من أجل البقاء السياسي. 

 نتنياهو ينجو مجددًا 

يخوض نتنياهو حربًا شخصيةً شرسة ضد خصومه السياسيين، مرتكزًا إلى قاعدته الشعبية، وشخصيته الكاريزماتية، ونفوذه الإعلامي. وكأي حاكم شعبوي، يرفض نتنياهو الانسحاب أو التصديق بأنه قد يخسر. وبحسب مونك، فإن قِلة فقط من الحُكام الشعبويين المنتَخبين يتركون مناصبهم بالانتخابات الحرة والنزيهة. وفي معظم الأحيان يجعلون بلدانهم أكثر فسادًا، ويعيدون صياغة الدساتير للاستزادة من السلطة، وينتهكون الحقوق السياسية والمدنية الأساسية. وهذا ما دَرَج نتنياهو على فعله منذ سنوات من خلال مهاجمة مؤسسات بارزة في إسرائيل ومن ثم الادعاء بأنه ضحية الإعلام الليبرالي والنظام القضائي.

تقوم استراتيجية نتنياهو لضمان استمراره على شخصنة السياسة بالتركز على مسألة القائد المناسب الذي ينبغي أن يقود إسرائيل. كان التحدي الحقيقي الذي واجهه نتنياهو في الانتخابات الأولى والثانية يكمن في كيفية تشكيل حكومة من خلال رأب الصدع الحاصل في كتلة اليمين الذي غذته سياساته لسنوات، وإقناع جميع الأطراف وخصوصًا ليبرمان بالانضمام إليه. وفي الانتخابات الثالثة، استطاع نتنياهو بفضل تردد زعيم ائتلاف أزرق أبيض بيني غانتس وكوفيد-19 أن يقلب السؤال من كيف نشكِّل حكومةً في ظل هذه الظروف إلى مَن ينبغي له أن يشكِّل حكومةً في ظل هذه الظروف. 

ينكب نتنياهو الآن على فعل ما يتقنه: إدارة الأزمات وتصوير نفسه بصورة المُخلص الأوحد لإسرائيل. ولا شك في أن جائحة فيروس كورونا تصب في مصلحة نتنياهو. فهو يقود الجهود الوطنية لاحتواء الوباء منذ بداية تفشيه، ويتهم خصومَه بعرقلة مسعاه بمواصلة التقاتل على تشكيل الحكومة. وأخذ يرفع شعار الوحدة الوطنية وضرورة تغليب المصلحة الجماعية في وقت الشدة، واستطاع إقناع غانتس والشارع الإسرائيلي بأهمية تشكيل حكومة طوارئ وطنية لدحر الفيروس. وبذلك نجحَ في تفكيك ائتلاف أزرق أبيض ووجد طريقةً للبقاء في منصبه.

مَن يفهم ديمومة نتنياهو السياسية يدرك الديناميات الداخلية وهياكل النفوذ الخفية في السياسة الإسرائيلية Share on X

وقَّع نتنياهو اتفاقًا لتقاسم السلطة يضمن موقعه كرئيس للوزراء لمدة 18 شهرًا إضافيًا في حكومة طوارئ وطنية، ويستطيع بموجبه التأثير في تعيين القضاة والمسؤولين القانونيين، بينما يُحاكَم بتهم الاحتيال وخيانة الأمانة وقبول الرِشى. فبحسب الاتفاق، يوافق كلا الطرفين على التعيينات الرئيسية، بما فيها منصبي النائب العام والمدعي العام، أي أن نتنياهو يملك حق النقض في تعيين المسؤولين الذين سيقررون مصيره في المحكمة.

لا يبدو أن هذا التضارب في المصالح يؤثر في نتنياهو الذي لا يزال يتمتع بشعبية وتأييد كبير لدرجة أن مناصريه خرجوا في مظاهرات تتهم القضاء الإسرائيلي بالفساد وتعمد ملاحقة نتنياهو. وفي حين كان خصومه يأملون من المحكمة العليا أن تُعلن عدم قانونية ولايته بسبب لوائح الاتهام الجنائية، إلا أن ذلك لم يحدث، بل رفضت المحكمة منع نتنياهو من تشكيل الحكومة، ورفضت منع إبرام اتفاق تقاسم السلطة مع غانتس. 

لقد أضرَّ بقاء نتنياهو على الساحة السياسية في الديمقراطية الإسرائيلية ومؤسساتها. غير أن مقدار الضرر الذي يُحدثه الشعبويون في المؤسسات الديمقراطية يعتمد على مدى تركز السلطة في أيديهم. وبما أن رئيس الوزارء الإسرائيلي يكاد يكون دائمًا معتمدًا على دعم شركائه الائتلافيين، قد يقول قائلٌ إن من المفترض إذن أن تكون في إسرائيلَ ضوابطُ على الاستبداد بالسلطة لا توجد في دولٍ أخرى. غير أن التطورات الأخيرة تدحض هذا الافتراض، حيث إن ائتلاف أعضاء الليكود الثلاثة السابقين الذين انشقوا عن الحزب ودخلوا الكنيست من خلال أحزاب أخرى في ائتلاف أزرق أبيض وائتلاف العمل- جسر وميرتس، يضمن لنتنياهو ائتلافًا من 61 عضوًا في حكومةٍ وطنية موسعة. وهذا يعني أن نتنياهو يُنشئ حكومته داخل حكومة الوحدة الوطنية ويعززه تفوقه باسم الإجماع. وحتى لو أراد غانتس أن يخرج من الحكومة، فإنه لن يؤثر في استقرارها وشرعية حُكمها.

إن التحدي الذي يواجهه نتنياهو في حكومة الوحدة الوطنية لا يهدد بقاءَه في السلطة وحسب، بل يهدد بقاءَه وهيمنته أيضًا، وهذا ما أيقنه منذ البداية. فتشكيل حكومةٍ كبيرة يقتضي إرضاء كل واحد فيها عند توزيع الحقائب الوزارية. وهذا مدعاةٌ للصدامات الداخلية ويشكِّل تحديًا لحلفاء نتنياهو التقليديين الذين يسعون للحفاظ على سلطتهم بينما يحاول نتنياهو أيضًا أن يُرضي خصومه.

تُعد الولاية الحالية ولاية نتنياهو الرابعة على التوالي والخامسة في حياته، وهذه الحقيقة في ظاهرها تسمو بسمعته كنابغة سياسي ومخضرمٍ لا يُهزَم. غير أن مَن يفهم هذه الديمومة السياسية يدرك الديناميات الداخلية وهياكل النفوذ الخفية في السياسة الإسرائيلية. فضلًا على أن نتنياهو لن يستطيع الاستمرار دون دعم فئات عديدة في المجتمع الإسرائيلي ونجاح صورته الشعبوية بصفته “أب الأُمة” و”القائد القوي”، وهي الصورة التي يروجها لنفسه. وفي حين قد يبدو أن نتنياهو كسب المعركة، إلا أنه لم يتغلب سوى على المؤسسات والقيم الديمقراطية الإسرائيلية الهشة.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. من تلك القضايا القضية 4000 التي تدّعي أن نتنياهو دخل في اتفاق “أخذ وعطاء” مع شركة بيزك للاتصالات وموقع واللا الإسرائيلي لضمان تغطية إعلامية مواتية، والقضية 3000 التي تدّعي أن نتنياهو حاول أن يتحكم في المضمون السياسي لصحيفة يديعوت احرونوت اليومية الأعلى مبيعًا في إسرائيل وذات الموقع الإلكتروني المعروف.
  3. تمكَّن نتنياهو من تهميش معارضيه الداخليين بعدما أدخل تغييرات تنظيمية داخل الليكود عقب انتخابه رئيسًا للحزب في 1992، حيث عدَّل نظام الانتخاب الداخلي باستحداث الانتخابات التمهيدية متقصدًا إضعاف اللجنة المركزية وخصومه السياسيين. كانت اللجنة المركزية قبل التعديل تنتخب معظم المناصب داخل الحزب، وأمّا في عهد نتنياهو، صار رئيسُ الحزب يعين الأعضاء لشغل المناصب الإدارية الرئيسية. استحدث نتنياهو كذلك هيئتين جديدتين داخل الحزب – هما مكتب الحزب وإدارة الحزب – وعيَّن أعضاءهما أيضًا. وصار حزب الليكود أكثر مركزيةً في هيكله تحت قيادة نتنياهو في الفترة 1993-1996، وفقدَ طابعه الفصائلي ليصبح خاضعًا لحكم تحالف واحدٍ مسيطر.
  4. كان حزب حيروت (الليكود اليوم) في الماضي حركةً مناهضةً للنخبوية وموجهةً ضد حزب ماباي ومؤسساته المهيمنة (مثل الهستدروت والحركة الكيبوتسية) التي اضطلعت بدورٍ رئيسي في تهميش اليهود الشرقيين (المزراحيين)، الذين أمسوا كتلةً انتخابية وازنة لليكود. ويرى نيسيم مزراحي بأن السلوك السياسي لليهود الشرقيين يشبه البناء الأسري، وبهذه الطريقة أيضًا يوضح هشام شرابي السياسةَ في العالم العربي والمجتمعات الجماعية. يقول مزراحي: “تُظهر البيانات أن الكثيرين من هؤلاء يؤمنون أن الشخص المتربع في قمة الهرم السياسي يعمل لِما فيه خير الجماعة. وإذا لم تجر الأمور على ما يرام، فإنهم لا يشككون في تصرفه بدوافع ليست في صالحهم.”
  5. لا يحتملُ معظم الإسرائيليين الروس، رغم طابعهم العلماني وعدائهم للمتدينين، خطابَ اليسار الإسرائيلي وذلك بسبب ذكراياتهم في الاتحاد السوفيتي، وفي الوقت نفسه، يُعارض المتدينون علمانية اليسار الإسرائيلي.
  6. لعل إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تختلف فيها “المواطنة”عن”الجنسية،” فالتمتع بحقوق المواطنة الكاملة يختلف عن كسب جنسية وجواز سفر الدولة.
  7. يشير التقرير الإحصائي لسنة 2019 الصادر من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية إلى أن عدد اليهود المتدينين يبلغ في إسرائيل 1,125,000 نسمة – 12% من مجموع السكان – وعددهم يتزايدٌ باطراد مقارنةً بالفئات السكانية الأخرى داخل إسرائيل.
  8. يتبنى نتنياهو نهج إدارة الصراع بدلًا من حله كما يتضح من عدم رغبته في السماح للفلسطينيين بممارسة سيادة حقيقية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. وقد تسارع هذا النهج بسبب الانتفاضة الثانية، بيد أنه متجذرٌ في قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول القاضي “بالامتناع عن اتخاذ القرار” في أعقاب حرب 1967.
الدكتورة نجمة علي تعمل زميلة في المركز الوطني لدراسات السلام والصراع في جامعة أوتاغو، ومحاضِرة في برنامج الدراسات العليا في فض النزاعات بجامعة أوتاغو التقنية. تركز...

أحدث المنشورات

في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، صوَّت الناخبون الأمريكيون لدونالد ترامب رئيسًا لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الستين. وفي حين لا تزال العديد من أوجه خطط السياسة الخارجية للإدارة القادمة غير مؤكدة، فإن تبعاتها الكارثية على الشعب الفلسطيني ستستمر بلا شك. وفي هذه الحلقة النقاشية، يُقدِّم محللو الشبكة طارق كيني الشوا وعبد الله العريان وأندرو كادي وهناء الشيخ رؤيتهم إزاء ترامب مقارنةً بسلفه، وتأثير رئاسته على السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، وما تعنيه لفعاليات التضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة، وتأثيرها المادي على الأرض في فلسطين.
 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
Skip to content