مقال - على الاتحاد الأوروبي أن يعارض نقل السفارة الأمريكية إلى القدس

أرست الولايات المتحدة، حين نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس في  شهر أيار/مايو الماضي، سابقةً شجعت فيها إسرائيل على الاستمرار في ضم الأرض الفلسطينية واستعمارها، وحفزت دول الأخرى لتنضم إليها في خرق المسؤوليات المنصوص عليها في القانون الدولي. فبعد نقل السفارة بعشرة أيام، حذت غواتيمالا وباراغواي حذو الولايات المتحدة وافتتحتا سفارتيهما في القدس. وأعلنت هندوراس عزمها نقلَ سفارتها أيضًا. إن تطبيع الخطوة الأمريكية جارٍ على قدمٍ وساق، حيث أعلنت دول عديدة بما فيها المملكة المتحدة بأنها سوف تشارك في اجتماعات ستعقد في مقر السفارة الجديد.1
يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفًا واضحًا، حيث صرَّح رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى الأمم المتحدة قبل انتقال السفارة الأمريكية بأن الاتحاد الأوروبي ما يزال متمسكًا بالاتفاق الدولي بشأن القدس، بما فيه الامتناع عن افتتاح مقرات دبلوماسية في القدس إلى حين التوصل إلى حل بخصوص الوضع النهائي للمدينة. يؤكد هذا الموقفَ دولٌ أعضاء في الاتحاد الأوروبي، كفرنسا التي صرَّحت بأن نقل السفارة الأمريكية ينتهك القانون الدولي. وفي المقابل، شاركت جمهورية التشيك وهنغاريا ورومانيا في حفل افتتاح السفارة في القدس، وحالت دون صدور بيان مشترك من الاتحاد الأوروبي يُدين الخطوة الأمريكية.

أهمية الاتحاد الأوروبي

تثير هذه المناورات السياسية الأخيرة في القدس القلق، وهي تتبع مسارًا تدهوريًا بالنسبة إلى الفلسطينيين في المدينة. فلطالما كان المجتمع الدولي عاجزًا عن تأمين حقوق الفلسطينيين القانونية والتاريخية في شطري القدس الغربي والشرقي، كحق العودة للاجئين وحق استعادة الممتلكات والحقوق السياسية كاملةً. إن الفشل في تجاوز خطاب الإدانة والاستنكار إلى إنفاذ القانون الدولي يسمحُ لإسرائيل بإحكام قبضتها على الشعب الفلسطيني وأرضه. والتطبيع الأخير للسيادة الإسرائيلية على كامل القدس بفضل الولايات المتحدة ودول أخرى يحمل خطورةً خاصة لأنه يقول لإسرائيل إنها لن تواجه أي عواقب أو تبعات جراء ضم الأرض الفلسطينية وانتهاك القانون الدولي.

على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي أن تقاطع الاجتماعات أو الفعاليات الدبلوماسية في موقع السفارة الأمريكية الجديد Share on X

وفي هذا السياق المحدد والتحول السياسي العالمي إلى اليمين، يظل الاتحاد الأوروبي أحد الفضاءات القليلة المتبقية للدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني في الساحة الدولية، ويُعزى ذلك إلى أن أُسس الاتحاد الأوروبي تقوم على القانون الدولي، وإلى حقيقة وجود دعمٍ شعبي أوروبي قوي للحقوق والسيادة الفلسطينية، وإلى أن الاتحاد الأوربي – وهو السبب الأهم ربما –  قادرٌ على محاسبة إسرائيل من خلال الاتفاقات العلمية والثقافية والاقتصادية العديدة المبرمة معها.

يواجه الاتحاد الأوروبي بلا شك تحديات في هذا الشأن. فبعض دوله الأعضاء، مثل بولندا وهنغاريا، تقودها حكوماتٌ مستبدة، وثيقةُ التحالف مع إسرائيل، بينما تُؤثِرُ دولٌ أخرى في الاتحاد، كفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، المحافظةَ على علاقاتها الدبلوماسية الطيبة بإسرائيل على الضغطِ عليها لحملها على التوقف عن انتهاك حقوق الفلسطينيين. إن غياب الإرادة الاوروبية من أجل التحرك يأتي على حساب الحقوق الفلسطينية، ويشكك في نزاهة القانون الدولي. وفي هذا الصدد، يمكن للاتحاد الأوروبي أن ينطلق من التوصيات السياساتية الواردة أدناه لتأكيد التزاماته أمام الشعب الفلسطيني، والتزامه بتطبيق الإطار القانوني الدولي الذي يرفع شعاره.

خطوات عاجلة جديرة بتحرك الاتحاد الأوروبي

1. ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يشجِّعَ دوله الأعضاء الثماني والعشرين على إصدار بيانات منفصلة، بعد عرقلة صدور بيان مشترك، لإدانة نقل السفارة الأمريكية وبيان الضرر الذي ستخلفه هذه الخطوة على سيادة الفلسطينيين وحقوق الإنسان الأساسية.

2. ينبغي للممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن يُذكِّر الدولَ الأعضاء بالتزامها بمسؤولياتها كدول ثالثة إزاء الامتناع عن التواطؤ في جرائم الحرب الإسرائيلية أو الانتهاكات الأمريكية للقانون الدولي. وهذا يشمل التأكيد للدول الأعضاء بأنه لا ينبغي لها أن تحضر الاجتماعات أو الفعاليات الدبلوماسية في موقع السفارة الأمريكية الجديد.

3. يجب على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء الالتزام بعدم الاعتراف الدولي بالسيادة الإسرائيلية على القدس. وهذا يقتضي إدانة الفعاليات الأوروبية المنظمة في القدس مثل سباق الدراجات الهوائية، طواف إيطاليا (Giro d’Italia)، ومسابقة يوروفيجن للغناء المزمع عقدها في العام المقبل. فهذه الفعاليات وغيرها عنصرٌ مهم في المحاولات الإسرائيلية لتطبيع سيادتها على المدينة.

4. يجب على دول الاتحاد الأوربي، مجتمعةً ومنفردة، أن تدافع عن حقوق الفلسطينيين القانونية والتاريخية في القدس بشطريها الغربي والشرقي. وعليها أيضًا أن تدعم قدرة الفلسطينيين على الصمود وأن تدعم محاولاتهم في استعادة السيادة دون تجريد تلك المحاولات من بُعدها السياسي. ومن الأهمية بمكان في هذا الصدد أن تعملَ دول الاتحاد الأوروبي على تيسير عودة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية إلى القدس ودعم المنظمات والتحركات الشعبية.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
يارا هواري هي مديرة الشبكة بالمشاركة. عملت سابقًا كزميلة سياساتية للشبكة في فلسطين وكمحللة رئيسية في الشبكة. نالت درجة الدكتوراه في سياسة الشرق الأوسط من...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content