Article - The “Palestine Papers”: An Alternative Analysis for Action

خطفت مظاهرات الشعب المصري العارمة ضد نظام حسني مبارك والتالية لنجاح الشعب التونسي في عزل حاكمه الديكتاتور الأضواء من وثائق فلسطين وهي أكثر من 1600 وثيقة سرية من العقد الماضي من وثائق “عملية السلام” كشفت عنها قناة الجزيرة بتاريخ 23-26 كانون الثاني/يناير 2011. غير أن السؤال المُلح بالنسبة للفلسطينيين يظل يدور حول كيفية تقييم محتوى هذه الوثائق والآثار المترتبة على نشرها وكيفية التعامل مع الكشف عنها.

لقد ركز تحليل الوثائق في جُلّه على التنازلات التي أبدت السلطة الفلسطينية في رام الله وبقايا منظمة التحرير الفلسطينية استعدادا لتقديمها بغية التوصل إلى اتفاق في مواجهة التعنت الإسرائيلي.

ومع ذلك، فمن الأهمية أن نستذكر بأن الخطوط العريضة لتلك التنازلات قد رُسمت حينما كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يقود عملية المفاوضات، ولا سيما فيما يتعلق بحق اللاجئين في العودة. أما مفاوضو اليوم فهم مستعدون لتقديم تنازلات أكبر في ملف القدس وهو ما رفضه عرفات في كامب ديفيد. كما إن مقترحات تبادل الأراضي لاستيعاب المستوطنات الإسرائيلية ظلت حاضرة منذ سنوات وهي تعطي إسرائيل حافزا آخر لمواصلة خلق الوقائع على الأرض. ولمّا جاء اتفاق طابا، كان عرفات يشير إلى استعداده لتقديم تنازلات أكثر.

وبعبارة أخرى، إذا وجد الفلسطينيون في الوثائق التي نشرتها الجزيرة سببا للثورة ضد قيادتهم، فقد كان هناك من الأسباب الكثير للقيام بهكذا ثورة إبان عقد التسعينيات عندما أسفرت أكثر من عشرة اتفاقات أُبرمت في أوسلو عن وضع الأرض الفلسطينية والاقتصاد والأمن الفلسطينيين فعليا رهن السيطرة الإسرائيلية.

إن الفرق بين “وثائق فلسطين” التي نشرتها الجزيرة وبين اتفاقات أوسلو يكمن في سهولة وصول الجمهور إلى تلك الوثائق مقارنة بالاتفاقات التي يصل طولها إلى آلاف الصفحات والتي يتسم العديد منها بطبيعة تقنية بحتة. إن وثائق فلسطين تجعل من المستحيل على الفلسطينيين أن يدّعوا عدم العلم بما يجري التفاوض عليه باسمهم.

وبالإضافة إلى مضمون وثائق فلسطين، هنالك الآثار المترتبة على نشرها. لقد قدم عرفات تنازلات هائلة طوال عقد التسعينيات ولكنه رفض في نهاية المطاف التوقيع على اتفاق سلام نهائي لم يرقَ إلى ما سماه الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. أما مفاوضو اليوم فقد وضعوا حدا أقل من ذلك بكثير – وهو ما يعكس موقفا فلسطينيا أضعف بكثير من ذي قبل – ومع ذلك فهم يرفضون في نهاية الأمر الاستمرار في عملية لا تعترف حتى بحدود عام 1967 رغم الضغوط الهائلة التي يمارسها الطرف الأمريكي عليهم لمواصلة تلك العملية (انظر التحليل المتميز الذي كتبه المؤسس المشارك للانتفاضة الإلكترونية ومستشار الشبكة لشؤون السياسات، علي أبو نعمة، حول وثائق فلسطين، ويتناول فيه تراجع إدارة أوباما عن موقف الإدارة السابقة.)

تتمثل المشكلة بالنسبة للسلطة الفلسطينية/منظمة التحرير الفلسطينية في أن الجانب الأمريكي يريدهما أن يوقعا. فالرغبة المُلحَة لدى الجانب الأمريكي لإنهاء القضية الفلسطينية برمتها تبرز جلية في سجلات العامين الماضيين. فعلى سبيل المثال، دُعي فريق المفاوضين الفلسطيني ذات مرة إلى وزارة الدفاع الأمريكية للقاء الأدميرال مايكل مولين الذي قال لعباس كما أفادت التقارير: “إن لدى العرب والمسلمين هاجس واحد يشغل بالهم: فلسطين. ولذا نحن نريد مساعدتكم في إقامة دولة فلسطينية… أنا لدي 230,000 جندي في العراق وأفغانستان، أُعيد عشرة منهم كل أسبوع إما قتلى ملفوفين بالعلم الأميركي وإما مشلولين على كراسي متحركة. وهذا مؤلم لأمريكا. ولأني أريد أن أعيدهم إلى ديارهم، فإن قيام دولة فلسطينية هو مصلحة أساسية للولايات المتحدة الأمريكية.”

إن انتفاع الإدارة الأمريكية من نشر وثائق فلسطين هو أمر وارد. فإذا نجح الغضب الفلسطيني في إطاحة عباس وعريقات والآخرين من مناصبهم، ستكون هناك فرصة لإبدالهم بقيادة تكون أكثر انصياعا ومستعدة للتوقيع حيثما تريد الولايات المتحدة.

وفي ظل انفضاح أمر هذه الانتهاكات الأخيرة لحقوق الإنسان الفلسطيني المعترف بها عالميا، كيف يمكن أن يكون رد الشعب الفلسطيني؟ هناك خمسة أمور تحضر إلى الأذهان في هذا الصدد.

  1. يجدر بالشعب الفلسطيني أن يقرأ وثائق فلسطين أو على أقل تقدير الوثائق الرئيسية من بينها لكي يعرف تماما كيف جرت عملية التفاوض. فلم يطّلع ما يكفي من الفلسطينيين على اتفاقات أوسلو، أو على الأقل الأجزاء التي كان يسهل الوصول إليها، من أجل فهم الآثار المترتبة على حقوقهم. فمن دون هذه المعرفة والاطلاع يستحيل التخطيط لوضع استراتيجيات فعالة.
  2. من الضروري أن يكون هناك تفهم وشعور بوجهات النظر المختلفة للغاية التي تعبر عنها المجتمعات الفلسطينية في لبنان والأردن والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وأوروبا والولايات المتحدة وما وراء ذلك. فبيانات الشجب والاستنكار التي يطلقها الفلسطينيون في “الخارج” ستبدو فارغة في الأراضي الفلسطينية ولدى اللاجئين ما لم تدعمها قدرة ملموسة على المساهمة والتأثير في الوضع على أرض الواقع، بما في ذلك في حاجة الشعب لأن يعيش ويحيى حياةً طبيعية ما أمكنه. وفي واقع الحال، لا يستطيع اللاجئون والمنفيون الفلسطينيون زيارة فلسطين إذا لم تُرد لهم إسرائيل و/أو السلطة الفلسطينية ذلك. لذا ثمة حاجة لقدر كبير من الإبداع والابتكار بهدف تعزيز السبل المجدية للربط بين الفلسطينيين في “الخارج” و”الداخل.”
  3. ينبغي أن تركز بيانات الرد التي تصدرها المجتمعات الفلسطينية على بضع نقاط رئيسية لا تقبل الطعن فيها (عوضا عن الشجب والاستنكارات المطولة) بحيث يلتقطها الفلسطينيون في كل مكان ويوصلون رسالتها بقوة، ومن أمثلتها:
  • قادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية الحاليون يفتقرون إلى ولاية تخولهم بتمثيل الشعب الفلسطيني في المفاوضات.
  • أثبتت عملية المفاوضات التي بدأتها اتفاقات أوسلو والجارية في ظل الاحتلال فشلها الكارثي ولا بد أن تتوقف حتى يزول الاحتلال.
  • لا بد من إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تصبح هيئة ممثلة للجميع.
  1. هناك حاجة الى التحرك على صعيد القرارين الذين تعكف السلطة الفلسطينية/منظمة التحرير الفلسطينية على عرضهما على الأمم المتحدة، إذ يدين القرار المدرج حاليا على جدول مجلس الأمن الاستيطان الإسرائيلي وهو في الواقع طريقة ذكية لوضع الولايات المتحدة على المحك. فإذا هي امتنعت عن التصويت، فانها بالكاد تبقي على الوهم بأنها وسيط مقبول. أما إذا استخدمت حق النقض “الفيتو” ضد قرار الإدانة، فسوف تُفتضح تماما.
    ومع ذلك، فإن سعي السلطة الفلسطينية/منظمة التحرير الفلسطينية إلى زيادة عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية وتتبنى قضيتها في الأمم المتحدة هو مبادرة تحتمل الخطر ولا سيما في ظل القيود على الأراضي والسيادة والتي سوف تُفرض ضمن ظروف الوهن الحالية التي يعانيها الفلسطينيون وفي ظل الدولة البوليسية الجاري بناؤها على الأرض (انظر التقرير المؤلم الذي كتبته إيسلينغ بيرن هنا). فلا بد من إيجاد الوسائل لمقاومة هذا التوجه نحو إقامة الدولة مهما كان الثمن.
  2. الفلسطينيون في المنفى قادرون (وهم بالفعل يعملون) على قلب نقطة الضعف المتمثلة في البعد المادي عن أرض فلسطين إلى نقطة قوة بوسائل عدة:

* تقديم الدعم المالي والسياسي للنضال الشعبي وحركات المقاطعة التي يؤسسها ويقودها الفلسطينيون في “الداخل” ونشر القضية الفلسطينية بواسطة الإعلام والتحدث العلني.
* العمل مع الجماعات الشعبية المتنوعة الداعمة لإقامة العدل والقائمة في الولايات المتحدة وأوروبا وأينما كانت وذلك عن طريق التركيز على مسؤولية حكوماتها عن تطبيق القانون الدولي.
* مواصلة بناء وتعزيز المنظمات المجتمعية التي من شأنها أن تحرك النُظم السياسية والإعلامية في البلدان التي يعيشون فيها لصالح الحقوق الفلسطينية.
* استخدام وثائق فلسطين في التوعية والتواصل مع حكومات البلدان التي يعيشون فيها، ومع البعثات إلى الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف وغيرهما، لإظهار أن الشعب الفلسطيني ليس مُمَثلا في العملية الدبلوماسية الراهنة وأن حقوقهم ومصالحهم لا بد وأن تؤخذ في الاعتبار.

وباختصار، لا بد من رفع الصوت الفلسطيني – عاليا وعلى نحو استراتيجي، بالتعاطف والعاطفة – كي يسمعه الفلسطينيون الآخرون ويستمدون منه الأمل ورباطة الجأش، من أجل النأي بالعالم عن التطمينات الفارغة بإقامة الدولة وتوجيهه نحو تقديم الدعم المجدي للحق في تقرير المصير والحرية والمساواة والعودة.

نادية حجاب هي الرئيسة الفخرية لشبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة" وأحد مؤسسيها. شغلت منصب المديرة التنفيذية في الشبكة في الفترة ما بين 2011 وآذار/مارس 2018. وهي...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 المجتمع المدني
أحدثت الصحوة العالمية التي أعقبت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قطيعة في الكيفية التي يُفهم بها واقع فلسطين عالميًّا. فقد كشفت إبادة غزة عن أن العنف الإسرائيلي واسع النطاق ليس استثنائيًّا ولا ردَّ فعل طارئًا، بل هو عنصر تأسيسي في المشروع الصهيوني. وما كان يُقدَّم سابقًا بوصفه "صراعًا" ينبغي إدارته، بات يُعترف به على نطاق واسع كنظام هيمنة يجب تفكيكه. وقد دشَّن ذلك تحوُّلًا بعيدًا عن اللغة التكنوقراطية لعمليات السلام، نحو مواجهة صادقة مع الحقائق البنيوية التي سمَّاها الفلسطينيون منذ زمن طويل: الاستعمار الاستيطاني، والفصل العنصري، والنكبة المستمرة. ويجادل هذا التعليق بأن الحملة الإسرائيلية الإبادية في غزة أعادت تشكيل الوعي العالمي على نحوٍ راديكالي. فحين تسير الحشود في عواصم العالم مطالبةً بتحرير فلسطين، فإنها تُفصح في الوقت نفسه عن مطالب بإلغاء الرأسمالية العنصرية، والأنظمة الاستخراجية، والظلم المُناخي، وكل أشكال الفاشية المعاصرة. وفي هذه اللحظة من الوضوح الراديكالي، تصبح فلسطين عدسةً تُكشَف من خلالها البنية العميقة للهيمنة العالمية، ومنها تتبلور آفاق جديدة للحرية الجماعية.
طارق بقعوني· 21 ديسمبر 2025
استخدمت الإمبراطوريات الأوروبية الإرساليات المسيحية لإضفاء الشرعية على غزواتها في إفريقيا وخدمة مصالحها الإمبريالية، ما أسَّس لظهور شكل سياسي من الصهيونية المسيحية. وقد اضطلع الإنجيليون البريطانيون بدور محوري في تحويل الصهيونية المسيحية من معتقد لاهوتي إلى أداة للإستراتيجية الإمبريالية، عبر الترويج لإعادة توطين اليهود في فلسطين بوصفه وسيلة لتعزيز النفوذ البريطاني. ولا يزال هذا التزاوج بين الأيديولوجيا الدينية والطموح الإمبريالي قائمًا في الحركات المعاصرة للصهيونية المسيحية، التي تُقدِّم إسرائيل على أنها تحقُّق للنبوءات التوراتية، وتُعيد تأطير الوجود الفلسطيني باعتباره عقبة أمام نظام مُقدَّر إلهيًّا. يسلَّط هذا الموجز السياساتي الضوء على سبل ترسُّخ هذه السرديات وآثارها في السياسات العامة داخل الجنوب العالمي، بما في ذلك جنوب إفريقيا. وفي هذا السياق، يعتمد النظام الإسرائيلي بشكل متزايد على شبكات الصهيونية المسيحية بهدف إضعاف التضامن التاريخي مع الشعب الفلسطيني وتعبئة الدعم للاحتلال.
Al-Shabaka Fathi Nimer
فتحي نمر· 07 ديسمبر 2025
 السياسة, الاقتصاد
في مختبر السياسات هذا، نستضيف الأستاذتين مروة فطافطة وإسلام الخطيب، وبمشاركة الميسر فتحي نمر، في جلسة تحليلية تبحث في استخدام الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في قمع وابادة الشعب الفلسطيني.