لمحة عامة
فرَضَ المتظاهرون الفلسطينيونفي الضفة الغربية وقطاع غزة والمبادرون الفلسطينيون حول العالم خطابًا مغايرًا على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كما يظهر في التحول الحاصل في خطابات رئيس منظمة التحرير محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في عامي 2011 و2012. وتزامنًا مع عودة عباس إلى الأمم المتحدة المتحدة لطلب صفة دولة مراقبة لفلسطين هذا الشهر، تتناول مستشارة الشبكة لشؤون السياسات الدكتورة ليلى فرسخ تطور مطالب المجتمع المدني الفلسطيني ومحاولات السلطة الفلسطينية لاستيعاب رسالته السياسية في حين تظل متحكمةً بمضمون المشروع السياسي الفلسطيني ومستقبل النضال السياسي الفلسطيني.
أجندة المجتمع المدني الفلسطيني
أفضت الانتفاضات العربية إلى ظهور لغةٍ سياسيةٍ جريئة في الشرق الأوسط تركز على حقوق المواطنين في الحرية والكرامة. ورغم اضمحلال قوة هذه اللغة بفعل العنف في ليبيا ومن ثم في سوريا، فإنها لا تزال نابضةً في أوساط الناشطين المتمسكين بالدفاع عن حقهم في مساءلة حكوماتهم. لقد أشعلت الانتفاضات العربية في أوساط الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال الإسرائيلي الهمجي والمستمر صراعًا دائرًا بين فئة الشباب وفئات أخرى من الشعب من جهة، وبينالقيادة والنخب السياسية من جهة ثانية، حيث يسعى كل طرف إلى تعريف معايير “الحقوق” ضمن السياق الفلسطيني والسُبل المُثلى لحمايتها.
نَزَل الفلسطينيون القاطنون في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الشارع في شباط/فبراير 2011 دعمًا للثورة المصرية. وتكونت ما باتت تُعرف بحركة الخامس عشر من آذار من جماعات شبابية، وساسة مستقلين، ومنظمات غير حكومية عديدة. وكان هدفهم آنذاك إنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس الذي أفضى إلى سيطرة الأولى على الضفة الغربية والثانية على قطاع غزة منذ العام 2007. غير أن اتفاقات المصالحة العديدة المبرمة بين فتح وحماس أخفقت في إحراز الوحدة الوطنية واستمر كل طرف في إحكام سيطرته على رقعته وإقصاء السكان بدرجة أكبر.
واصل الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة النزول إلى الشارع، وفي نزولهم تنشيطٌ وإبرازٌ لحركةٍ احتجاجية سلمية متنامية مبنيةٍ على جهود تبذلها جماعات متنوعة في المجتمع المدني مثل الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، وحملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، والمنظمات النسوية، ومجموعات دعم الأسرى، والنقابات العمالية، والأحزاب السياسية، والساسة المستقلين. وقد تركزت مطالبهم منذ أيار/مايو 2011 على ثلاث قضايا رئيسية يريدون القيادة الفلسطينية أن تنبري لها.
أولًا، هم يدعون إلى حماية الحقوق الوطنية الفلسطينية التي لا تقتصر، في نظرهم، على الحق في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وحسب وإنما تضم في المقام الأول حق العودة والحق في الحرية والمساواة. وبدا ذلك أوضح ما يكون في إحياء ذكرى النكبة وذكرى قيام دولة إسرائيل في 15 أيار/مايو 2011 حين نظّم شبانٌ فلسطينيون بالتشارك مع الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان وشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية واللجان الشعبية في مختلف قرى الضفة الغربية مظاهرات بمحاذاة نقاط تفتيش رئيسية وعلى طول جدار الفصل الإسرائيلي من أجل التأكيد على حق الفلسطينيين في العودة. وقاموا أيضًا بالتنسيق مع الفلسطينيين داخل إسرائيل، حيث نظمّوا أيامًا لاستحضار الذكرى في عدد من القرى التي دُمِّرت في عام 1948. وتشاركوا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي ودون هرمية، مع مجموعات شبابية في سوريا والأردن ولبنان سعت لدخول إسرائيل عبر حدود تلك البلدان للتأكيد على حقهم في العودة وعلى مركزية حق العودة في النشاط الشعبي.
ويتمثل المطلب الثاني في الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة واستئناف العملية الديمقراطية في النظام السياسي الفلسطيني بمختلف مفاصله. وهذا المطلَب لا يقتصر على عقد انتخابات جديدة لرئاسة السلطة الفلسطينية أو المجلس التشريعي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث دعا الحِراك الشبابي وتجمع فلسطينيون من أجل الكرامة وشباب غزة وغيرها من الجماعات الشبابية إلى عقد انتخابات جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي الشتات والفلسطينيين المواطنين في إسرائيل. وقد ظل المجلس الوطني الفلسطيني منذ اعتماده برنامج الدولتين رسميًا في عام 1988 مهمشًا سياسيًا في عملية أوسلو للسلام.
يتلقي مطلب الحركة الشبابية في الأراضي الفلسطينية المحتلة الداعي إلى إحياء المجلس الوطني الفلسطيني بالمطالب التي ما انفكت تُصدرها منذ سنوات الجماعات الفلسطينية المختلفة في الشتات العاملة على إقامة تحالفات عابرة للحدود في مسعى إلى توحيد الجسم السياسي الفلسطيني بعدما فرقته عملية أوسلو. وهي محاولةٌ أيضًا لتفعيل العمليات الديمقراطية بدءًا بالقاعدة وصولًا إلى القيادة وإعادة صوت الناخبين الفلسطينيين على اختلافهم بعد أن أسكتتهم عملية أوسلو.
يتمثل المطلب الثالث للناشطين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في إنهاء عملية أوسلو للسلام وقطع التعاون مع إسرائيل. فقد تظاهر شبان فلسطينيون من الحِراك وتجمع فلسطينيون من أجل الكرامة وجماعات أخرى اعتراضًا على المفاوضات غير المباشرة المنعقدة بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين في عمان مطلع 2012 (انظر صفحة الحِراك الشبابي على موقع فيسبوك). ونظموا أيضًا احتجاجات ضد اجتماعات مشتركة ضمت نشطاء سلام فلسطينيين وإسرائيليين في القدس ورام الله في كانون الثاني/يناير 2012، ودعوا إلى مقاومة جهود التطبيع إلى حين إحراز الحقوق الفلسطينية. وذهب العديد من الناشطين والمثقفين إلى حد الدعوة إلى تفكيك السلطة الفلسطينية بسبب فشل أوسلو في تحقيق الاستقلال واستحالة التوصل إلى اتفاق مع حكومةٍ إسرائيلية تركز على الاستعمار وتجريد السكان من ممتلكاتهم. ومنذ صيف عام 2012، أخذ الفلسطينيون يتظاهرون ضد التدابير التقشفية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية وضد بروتوكول باريس المنبثق عن أوسلو.
وفي حين أن الانتفاضات العربية، في السياق الفلسطيني، لم تُفضِ إلى إسقاط السلطة الفلسطينية، فإنها جرَّأت المطلب الشعبي الداعي إلى إنهاء عملية أوسلو للسلام وإسقاط حل الدولتين معها. ويعكف الناشطون الفلسطينيون على التأكيد على الخطاب الحقوقي الذي ترفعه حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي أطلقها ما يزيد على 170 منظمة مدنية في عام 2005، وحددت الحقوق الفلسطينية الأساسية بحق تقرير المصير، وحق إنهاء الاحتلال، وحق العودة، وحق المواطنين الفلسطينيين إسرائيل في المساواة. وبجملة موجزة، يعكف الناشطون الفلسطينيون اليوم على إعادة صياغة النضال الفلسطيني كنضالٍ مناهضٍ لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي وساعٍ لإحراز الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وليس لإقامة الدولة بحد ذاتها.
استجابة عباس والسلطة الفلسطينية
قررت السلطة الفلسطينية أن تطلب الحصول على عضوية في الأمم المتحدة للدولة الفلسطينية التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني سنة 1988، ويمكن قراءة هذا القرار كمحاولةٍ ليس لتجاوز حالة الجمود في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وحسب، بل أيضًا لمواجهة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لاتفاقات أوسلو للسلام وعدم الرضا عن حكم فتح وحماس. إن مقارنة خطاب عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2012 بخطابهسنة 2011 يكشف بجلاء مدى سعي السلطة الفلسطينية لاستيعاب لغة المتظاهرين ومطالبهم بينما تحاول التحكم بمضامين الاحتجاجات السياسية وشروط الحوار حول ماهية “الحقوق” في السياق الفلسطيني.
قدمت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 2011 طلبًا إلى مجلس الأمن للحصول على عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، غير أنها أخفقت في مسعاها لأن الطلب لم يجمع الأصوات التسعة اللازمة بسبب معارضة الولايات المتحدة. وفي 2012، قدَّم عباس طلبًا إلى الجمعية العامة للحصول على صفة دولة مراقبة غير عضو، وهو ما من شأنه أن يرتقي بصفة منظمة التحرير الفلسطينية من كونها مراقبًا دائمًا ويضعها على قدم المساواة مع الفاتيكان. وسوف تسمح الصفة الجديدة لدولة فلسطين بأن تصبح عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، وتتيح بالتالي لمنظمة التحرير الفلسطينية إمكانية الادعاء على إسرائيل لارتكابها جرائم حرب وانتهاكات أخرى بحق الفلسطينيين. غير أن الصفة الجديدة لن تحدد، بطبيعة الحال، حدود دولة فلسطين، أو علاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية، أو وسائل إنهاء الاحتلال، أو كيفية إدراك حق العودة.
لقد سعى عباس في كلا خطابيه أمام الأمم المتحدة عامي 2011 و2012 لختام “الربيع” الفلسطيني بطلب إقامة الدولة ونيل الاستقلال وتبديد التحدي الماثل أمام السلطة الفلسطينية والمطالبات بإرساء الديمقراطية. ففي كلمته التي ألقاها في 23 أيلول/سبتمبر 2011، قال عباس: “في وقت تؤكد الشعوب العربية سعيها للديمقراطية فيما عرف بالربيع العربي، فقد دقت أيضًا ساعة الربيع الفلسطيني، ساعة الاستقلال.” وفي كلا خطابيه في عامي 2011 و2012، قال عباس إن قيام دولةٍ فلسطينية مستقلة على 22٪ من مساحة فلسطين التاريخية والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمةً لها من شأنه أن يحقق عدلًا نسبيًا يعوِّض عن ظلم النكبة. وسيكون ذلك هو الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون للتوصل إلى سلام مع إسرائيل، وتحقيق التوافق مع الإجماع الدولي، منذ قرار الأمم المتحدة رقم 181 بشأن تقسيم فلسطين.
وذكَّر عباس مستمعيه من الفلسطينيين بأن الدولة الفلسطينية هذه هي ما أقره المجلس الوطني الفلسطيني في إعلان الاستقلال عام 1988، مؤكدًا بذلك على الشرعية الوطنية لمشروع الدولة الفلسطينية. وأكّد كذلك على وحدة الشعب الفلسطيني الذي يمثله كرئيسٍ لمنظمة التحرير الفلسطينية، وليس السلطة الفلسطينية وحسب، وأكّد أن منظمة التحرير الفلسطينية هي مَن تقدّم بالطلب للأمم المتحدة وليس السلطة الفلسطينية، متصديًا بذلك لِمن يعارض صلاحيته بالتحدث باسم الشعب الفلسطيني بأسره. وعرّج عباس على ذكر اللاجئين الفلسطينيين والفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال والفلسطينيين المواطنين في إسرائيل وفلسطينيي الشتات. وأكّد على حق العودة بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194 مثلما أكّد على الحق في المساواة والحرية، باعتبارها حقوقًا الدولةُ أقدر على حمايتها.
لقد سعى عباس في كلا خطابيه إلى إشراك المجتمع الدولي طالبًا منه أن يفي بمسؤوليته تجاه الشعب الفلسطيني. بل إنه جاء بشيء مبتكر إذ حاول إعادة تدويل الصراع بإرجاع دور الأمم المتحدة، فهو بذلك يقوض، إنْ لم يُنه، احتكار الولايات المتحدة لعملية السلام. وكما قال سنة 2011: “نحن نطمح ونسعى إلى دور أكبر وأكثر حضورًا وفعالية للأمم المتحدة في العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل في منطقتنا، يضمن الحقوق الوطنية الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني كما حددتها قرارات الشرعية الدولية ممثلة في هيئة الأمم المتحدة.” ولعل عباس يُلمح بذلك إلى اتخاذ قرار بالاستناد إلى استراتيجية قانونية دولية لحماية حقوق الشعب الفلسطيني، لا تختلف ربما عن تلك الاستراتيجية التي استُخدمت مع محكمة العدل الدولية في عام 2005 لمواجهة تشييد إسرائيل للجدار الفاصل داخل أراضي الضفة الغربية.
ومع ذلك، ثمة فرق في اللهجة والموقف بين خطاب 2011 وخطاب 2012. ففي الأخير، استند عباس أكثر إلى خطاب المتظاهرين الفلسطينيين. فهو لا يكتفي بوصف إسرائيل بأنها “استعمارية استيطانية”، كما في عام 2011، بل يقول إنها تطبق سياسات “الفصل العنصري” و”التطهير العرقي” في القدس الشرقية وبقية الأراضي المحتلة، وهي عبارات ظل يتجنب استخدامها حتى ذلك الحين. وبينما كان عباس في عام 2011 لا يزال يحاول مدّ يده “إلى الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي من أجل صنع السلام… [على أساس] علاقة التعاون الندية المتكافئة بين دولتين جارتين، فلسطين وإسرائيل،” نراه في 2012 يُلقي اللوم كليةً على الحكومة الإسرائيلية، والتي على حد قوله “ترفض حل الدولتين،” وتعكف على “تفريغ الاتفاق [اتفاق أوسلو] من محتواه،” ويضيف قائلًا إن إسرائيل تُضعِف السلطة الفلسطينية “وتَعِد الشعب الفلسطيني بنكبة جديدة.”
لقد استجاب عباس بذلك إلى مشاعر الغضب الشعبي إزاء أوسلو وعدم جدوى التفاوض مع إسرائيل في ظل الاحتلال وتوسع المستوطنات. وتعكس لهجته الأكثر حِدةً في خطاب 2012 استيائَه أيضًا من تعنت إسرائيل في الجولة الأخيرة من المفاوضات غير الرسمية التي جرت برعايةٍ أردنيةٍ في كانون الثاني/يناير 2012 والتي شاركت فيها منظمة التحرير الفلسطينية رغم استمرار بناء المستوطنات. وفي الآن ذاته، أكدت إسرائيل رفضَها تقاسمَ القدسَ والتخليَ عن سيطرتها على وادي الأردن، وأكدّت في الوقت نفسه عزمَها على إلحاق المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية بأي اتفاق مستقبلي، وهو مطلب إسرائيلي غير مسبوق على المستوى الرسمي من شأنه أن يقوض فرص إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. وفي خطاب 2012 أيضًا، يصف عباس الخريطة والحدود النهائية التي تعرضها إسرائيل على الفلسطينيين بأنها “معازل… خاضعة للهيمنة الكاملة لاحتلال عسكري استيطاني يعاد إنتاجه بمسميات جديدة، كالخطة أحادية الجانب لإقامة ما يسمى الدولة ذات الحدود المؤقتة.”
وفي خطابه للأمم المتحدة في 2012، أعرب عباس كذلك عن مشاعر الغضب تجاه المجتمع الدولي. فبخلاف خطابه سنة 2011 الذي دعا فيه المجتمع الدولي للاضطلاع بدورٍ في تفعيل عملية السلام، فإنه تأسّف في عام 2012 على سماح المجتمع الدولي لإسرائيل بمواصلة “الإفلات من المحاسبة والعقاب،” ممّا أعطى في واقع الأمر “رخصةً للاحتلال ليواصل سياسة الاستئصال والتطهير العرقي وتشجيعًا له ليعزز نظام الأبرتهايد ضد الشعب الفلسطيني.” ودعا كذلك المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته وتطبيق قرارات الأمم المتحدة لإقامة دولة فلسطينية ولا سيما بعد أن شَهِد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لقدرتها المؤسسية على الاستمرار.
وعلاوةً على ذلك، يذكر عباس لأول مرة أن السبيل الوحيدة للتوصل الى السلام “تفترض بادئ ذي بدء أن الاحتلال الاستيطاني العنصري يجب أن يدان وأن يعاقب وأن يقاطع من أجل أن ينتهي وأن يرحل.” ويبدو، في هذا الصدد، أنه قد استمع إلى نداء المقاطعة الفلسطينية، لأن ما قاله يتجاوز تأكيده في عام 2011 على أن الفلسطينيين لا يزالون متمسكين بالصمود والمقاومة السلمية. وسوف تبين الأيام القادمة ما إذا كان هذا الموقف الجديد سيُترجم إلى استراتيجية تتبعها السلطة الفلسطينية في إشراك الأمم المتحدة في تنفيذ حملة دولية لمقاطعة إسرائيل.
صفة الدولة المراقبة. ماذا تعني؟
ثمة تشكك في إمكانية ترجمة لغة عباس الجديدة إلى برنامج سياسي جديد، فلم يكترث الفلسطينيون حول العالم للهجته الأكثر حدةً. وقد أكدت الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في الضفة الغربية حالة الفوضى التي تعيشها السلطة الفلسطينية – وحركة فتح – وأكدت رفض الفلسطينيين للوضع الراهن. وفي الآونة الأخيرة، أثار عباس غضب الشارع الفلسطيني بتصريحه حول حق العودة والذي تنازل فيه عن حقه في العودة إلى مسقط رأسه، صفد.
سوف تنجح منظمة التحرير الفلسطينية على الأرجح في نيل عضوية دولة مراقبة في الأمم المتحدة نظرًا لدعم الأغلبية الذي تحظى به في الجمعية العامة. ولكن السؤال المطروح هو كيف ستستخدم منظمة التحرير الفلسطينية الصفة الجديدة. يُمكن لعباس أن يستعيد قدرته على وضع الأجندة إذا ما اتخذ خطوتين: أولًا، إذا قدَّم عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية ردّا خلاّقًا وقويًا على رد الفعل العنيف المتوقع من الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما على ترقية صفة منظمة التحرير الفلسطينية. وثانيًا، إذا استخدمت منظمة التحرير الفلسطينية صفتها الجديدة في اتباع استراتيجية قانونية فعالة في المحافل الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية. فإذا فعل عباس ذلك، فإنه سيتصدى لشكوك الفلسطينيين المتولدة من تجاهل منظمة التحرير الفلسطينية للرأي الاستشاري الحاسم الصادر من محكمة العدل الدولية على الصعيد القانوني، فضلاً على محاولاتها لدفن تقرير غولدستون.
وعلى أية حال، فإن مسعى المجتمع المدني الفلسطيني لنيل حقوقه سوف يزداد قوةً على الأرجح، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها على السواء، مثلما ستزداد حركة المقاطعة العالمية قوةً. وسوف يجد الفلسطينيون طرقًا جديدةً لفرض مسعاهم الرامي لإدراك الحقوق على الأجندة السياسية. وبحسب رؤية منظمة التحرير الفلسطينية، فإن السعي لنيل عضويةٍ في الأمم المتحدة كدولة مراقبة هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ حل الدولتين. وستكون مفارقةً مصيريةً لو ساهمت جهودها الرامية لإقامة الدولة في إذكاء الخطاب الحقوقي الدافع لحركةٍ تدعو إلى إقامة دولةٍ ديمقراطية واحدة “إسرائيل/فلسطين” على أرض فلسطين التاريخية كاملةً.