لمحة عامة
رجعت منظمة التحرير الفلسطينية متأخرة إلى الأمم المتحدة بعد أن واجهت الفشل الذريع في “عملية السلام” الجارية بوساطة واشنطن من أجل تأمين حقوق الإنسان الفلسطيني. بيد أن المنظمة ما زالت تُغفل – إن لم نقل تعطل – إمكانيات اللجنة التي أسستها الجمعية العامة لتُعنى بحقوق الشعب الفلسطيني. تتناول مستشارة الشبكة لشؤون السياسات، نورا عريقات، هذه الإمكانيات وتقارنها بالدور الرئيسي الذي لعبته لجان أخرى منبثقة عن الجمعية العامة في استقلال ناميبيا وفي مناهضة نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد) في جنوب إفريقيا. وتناقش كذلك كيف أن اللجنة استبعدت مشاركة المجتمع المدني في أعقاب اتفاقات أوسلو، وتتطرق إلى التأثير الذي تخلفه الانقسامات الفلسطينية الداخلية على فعالية اللجنة. وتخلص المستشارة إلى توصيات لمختلف الفاعلين المعنيين.1
مواضيع مرتبطة
مُعرقلة منذ البداية
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1975 القرار رقم 3376 المؤسِّس للجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف (اللجنة) نظرا لجملة أمور منها انعدام التقدم على صعيد ممارسة حق تقرير المصير وحق الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم. 2
وفي غضون عام واحد من إنشائها، قدمت اللجنة مقترحا تنفيذيا إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اشتمل على خطة من مرحلتين لإعادة اللاجئين الفلسطينيين الذين شُردوا في عامي 1948 و1967 إلى ديارهم ورد ممتلكاتهم إليهم؛ كما اشتمل على جدول زمني لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ ونشر قوة حفظ سلام مؤقتة لحماية المدنيين الفلسطينيين؛ وقيام الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بالإشراف المؤقت على الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل تسليمها إلى منظمة التحرير الفلسطينية؛ ووقف كافة الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية؛ واعتراف إسرائيل بانطباق اتفاقية جنيف الرابعة؛ وإيجاد كافة الوسائل اللازمة لإرساء حق تقرير المصير والاستقلال للشعب الفلسطيني. 3 غير أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد القرار. وكرد على تلك الخطوة، قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بمأسسة دور اللجنة من خلال تأسيس شعبة حقوق الفلسطينيين ضمن الأمانة العامة للأمم المتحدة في عام 1977 من أجل تقديم الدعم الموضوعي.4
لم تكن القضية الفلسطينية فريدة بسبب التركيز الذي خصته بها الأمم المتحدة، حيث إن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أسست في السابق لجانًا أخرى بهدف حشد التأييد الدولي لإنهاء الاستعمار الأجنبي. ومن أبرز تلك اللجان اللجنة الخاصة المعنية بالفصل العنصري التي تأسست في 1962 لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا (القرار رقم 1761)، ومجلس الأمم المتحدة لناميبيا الذي تأسس في 1967 ليكون السلطة الشرعية القائمة بإدارة ناميبيا إلى أن نالت استقلالها (القرار رقم 2248). وقد حُلت هاتان اللجنتان منذ زمن بعيد وذلك بعد أن أتمتا مهمتهما. وعلى النقيض من ذلك، لا تزال اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف على رأس عملها وقد دخلت في عامها الخامس والثلاثين ولكنها ظلت غير فاعلة في تعبئة الجمعية العامة لتحدي الموقف المتعنت للأمم المتحدة (الموقف الأمريكي) المعارض لحل الصراع وفقا للقانون الدولي.
وفي الواقع، كتبت اللجنة في توصياتها الأولية لمجلس الأمن في عام 1976 ما يلي:
إذا كان مجلس الأمن غير قادر على التحرك بسبب حق النقض، فينبغي للجنة، في تقريرها اللاحق، أن توصي للجمعية العامة بأن تضطلع بمسؤولياتها وفقا لميثاق الأمم المتحدة وعلى ضوء السوابق. كما أشير أيضا إلى أنه إذا استمرت إسرائيل في رفض تنفيذ قراري الجمعية العامة رقم 194 (3) ورقم 181 (2)، فإن ذلك سيشكل خرقا لشروط قبولها عضوًا في الأمم المتحدة والتي سوف تضطر عندئذ لإعادة النظر في قبول تلك العضوية.
غير أن اللجنة نأت عن إثارة القضايا الخلافية مثل شرعية عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة نظرا لإخفاقها في الوفاء بشروط قبول تلك العضوية، وظلت اللجنة على نحو لافت حذرة في تنفيذ ولايتها. وعلى أرض الواقع، غدت وظيفتها احتفالية أكثر منها سياسية. واستنادا إلى جوزيف شيشلا، منسق شبكة حقوق الأرض والسكن – التحالف الدولي للموئل، الذي حضر اجتماعات اللجنة، فإن “اللجنة لا تعمل كهيئة سياسية ضمن الجمعية العامة. وتركيبتها تُعتبر، من ناحية، عديمة الأهمية، فليس من بين الدول الأعضاء فيها دولة بارزة مؤثرة. وليست هناك أي رغبة في أن تكون هذه المجموعة فعالة.”5
إقصاء المجتمع المدني
يُلقي جوزيف شيشلا المسؤولية الأساسية عن عدم فعالية اللجنة على منظمات المجتمع المدني التي لم تمارس ضغوطا كبيرة على الدول الأعضاء فيها، على خلاف المجتمع المدني الذي حشد التأييد ومارس الضغط على الدول الأعضاء في مجلس الأمم المتحدة لناميبيا واللجنة الخاصة المعنية بالفصل العنصري. ويضيف بأن اللجنتين الإفريقيتين كانتا “مشروعا مثمرًا” وأنه لو كان هناك فهم أفضل لإمكانيات اللجنة، لازدادت جهود المجتمع المدني لأن “لدينا معيارا ينبغي الوفاء به.”
ولكي تكون اللجنة أكثر فعالية، بحسب أمين سر اللجنة ولفغانغ غريغر، فإن على المنظمات غير الحكومية أن تبذل المزيد من الجهود لإشراك بعثاتها الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة، وإن على المنظمات غير الحكومية أن “… تأتي للتحدث، والتعبير عن وجهات نظرها، والمشاركة”.
عملت اللجنة مدة عشر سنوات تقريبا قبل أن تستعين بجهود المجتمع المدني على نحو نافع. ففي عام 1983، فتحت منظمة الأمم المتحدة أبوابها أمام المنظمات غير الحكومية للمشاركة عبر منحها “مركزا استشاريا” لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وفي العام نفسه، عقدت اللجنة مؤتمرا دوليا للسلام بشأن القضية الفلسطينة شاركت فيه منظمات من المجتمع المدني. وبعد المؤتمر، اضطلعت اللجنة بتنسيق مشاركة المجتمع المدني في صيغة هيئات إقليمية رسمية أدارت الأمم المتحدة انتخاباتها. 6 وقد اصطدم هذا الترتيب بأول عثرة في طريقه في مطلع التسعينيات عندما استخدمت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني الحيز الذي وفرته لها اللجنة لإدانة البعثات الدبلوماسية الرسمية ولومها على مشاركتها في عملية أوسلو للسلام. وعليه، أنهت اللجنة في عام 1999 علاقتها الرسمية بالمجتمع المدني في رسالة تعلن توقف الأمم المتحدة عن تنسيق الانتخابات للهيئات الإقليمية للمجتمع المدني وعن تقديم الدعم المالي.
ويفسر غريغر ذلك بقوله إن “تلك اللجان الإقليمية اتخذت مواقف تتناقض مع ولاية اللجنة… لذلك، لا انتخابات بعد الآن، ولا اجتماعات، اذهبوا إلى جنيف فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، وتعالوا إلى اللجنة لمتابعة النقاشات حول الحقوق الوطنية”.
لقد ظلت مشاركة المنظمات غير الحكومية في الأنشطة والمؤتمرات التي رعتها اللجنة مشاركة بائسة منذ انطلاق عملية أوسلو في عام 1993. ويوضح غريغر بأن مشاركة المنظمات غير الحكومية قد انخفضت بمقدار النصف بعد أوسلو، ومن بين أسباب ذلك غياب الدعم المالي، فضلا عن الصراع السياسي الفلسطيني الداخلي، بيد أن المسألة الأساسية هي أن عملية أوسلو قد قسّمت، على ما يبدو، تطلعات الفلسطينيين حيال تقرير المصير إلى مسارين: مسار سياسي ومسار آخر معني بحقوق الإنسان.
التفريق بين الحقوق الوطنية وحقوق الإنسان
يكمن التباعد بين أعضاء المجتمع المدني وبين البعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في هذا التفريق، إذ أيدت الدول الأعضاء عملية السلام في حين أيد نظرؤها من المنظمات غير الحكومية آليات المساءلة لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان. وخلافا لجهود حل النزاعات الأخرى، أرست الولايات المتحدة وإسرائيل إطارا للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني غدت بموجبه المساءلة وعملية السلام خيارين يقتضي وجود أحدهما انتفاء الآخر. وبالتالي، أحبطتا المقاربات التي كانت ناجعة في حالات جنوب إفريقيا وآيرلندا الشمالية والبلقان.
وما زاد الطين بلة هو أن واشنطن قدمت للسلطة الفلسطينية في رام الله، بعد هزيمة قوات فتح من حركة حماس في قطاع غزة في حزيران/يونيو 2007، الدعم الدبلوماسي والمالي الكثير الذي مكَّنها من التأثير في الأجندة السياسية الفلسطينية الرسمية تأثيرا كبيرا. وقد أسفر هذا الوضع عن تفاقم التوتر بين المسار الوطني الرسمي وبين مسار حقوق الإنسان، وكذلك بين المجتمع المدني الفلسطيني وبين بعثة منظمة التحرير الفلسطينية لدى الأمم المتحدة.
وللأسف، فإن النقاش حول الحقوق الوطنية في إطار الأمم المتحدة قائم على عملية السلام التي تتحكم بها الولايات المتحدة، كما لا تستند اتفاقات أوسلو ولا أي اتفاق لاحق إلى القانون الدولي الساري بما فيه قوانين الاحتلال وقواعد حقوق الإنسان؛ بل إن المفاوضات تتبنى إطارها الخاص بها كقواعد مرجعية. وعلاوة على ذلك، لا يقدم المسار السياسي أي وسائل لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان لأن منظمة التحرير الفلسطينية خاضعة للولايات المتحدة الرافضة للنهج القائم على الحقوق. وتُعلق فيليس بينيس، وهي من كبار أعضاء معهد الدراسات السياسية ومشارِكة دائمة في اجتماعات المجتمع المدني العالمي التي تعقدها اللجنة، بأن عداء منظمة التحرير الفلسطينية تم توجيهه نحو “سياسة منظمات المجتمع المدني وليس نحو تلك المنظمات بعينها، لأن منظمة التحرير الفلسطينية أرادت أن تبقي على حظوظها مع الولايات المتحدة”.
يعكس تركيز اللجنة على الحقوق الوطنية والمسار السياسي احترامها لمنظمة التحرير الفلسطينية، “الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” منذ عام 1974 حينما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 3236 ومنحتها حق المشاركة في الأمم المتحدة بصفة عضو مراقب. وفي هذا الصدد، يقول غريغر إن “للجنة ولاء لموقف منظمة التحرير الفلسطينية، وقد قررت دعم المنظمة في توقيعها على اتفاق أوسلو.”7
ومع أن الولاء لمنظمة التحرير الفلسطينية قد ظل تاريخيا يرقى إلى مستوى التضامن مع الحركة الوطنية الفلسطينية، إلا إن هذا لم يعد هو الحال منذ فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في عام 2006. وعلاوة على ذلك، ومنذ انتهاء ولاية محمود عباس الرئاسية في كانون الثاني/يناير 2009 وانتهاء فترة تمديدها لسنة إضافية، وكذلك تمديدها لأجل غير مسمى بواسطة اللجنة المركزية في منظمة التحرير الفلسطينية في كانون الأول/ديسمبر 2009، فإن السلطة الفلسطينية في رام الله والتي تهيمن عليها حركة فتح تعمل دون ولاية ديمقراطية وتعتمد اعتمادا شبه كلي على الولايات المتحدة في الحصول على الدعم المالي والشرعية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن لا حركة حماس ولا حركة فتح تمثلان الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.8
أخذت منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والعالمية مؤخرا تتهم منظمة التحرير بعدم تحمل مسؤولياتها في الأمم المتحدة لأن بعض قراراتها الأكثر حسما وأهمية قد عكست المصالح الأمريكية بدلا من التطلعات الوطنية الفلسطينية. ويتجلى ذلك بوضوح في تعامل منظمة التحرير الفلسطينية مع تقرير غولدستون حول التحقيق الذي جرى بإشراف الأمم المتحدة في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شتاء 2008/2009. ففي أواخر أيلول/سبتمبر 2009، سحب الرئيس محمود عباس التأييد الفلسطيني للتصويت على التقرير في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف من أجل إرسال التقرير للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كان من الممكن أن يلقى تحركا سياسيا كإحالة التقرير ومزاعمه حول ارتكاب جرائم حرب إلى المحكمة الجنائية الدولية. ووفقا لتقارير إعلامية نشرت في ذلك الوقت، فقد أذعن محمود عباس لضغوط أمريكية مكثفة لتأجيل التصويت على التقرير من أجل استئناف محادثات السلام الفلسطينية – الإسرائيلية.9
وعلى الرغم من غياب مجلس وطني فلسطيني فاعل، فقد عبر المثقفون والناشطون والمحامون الفلسطينيون والمنظمات الشعبية والأحزاب السياسية الفلسطينية من داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والعالم العربي ومن الشتات في مختلف بقاع العالم عن احتجاجهم، حتى إنهم طالبوا باستقالة محمود عباس لأنه عرقل تلك العملية التي كان بوسعها أن تقود في نهاية المطاف إلى إجراء محاكمات لجرائم الحرب في فلسطين، وإلى نشوء أشكال أشمل من مساءلة إسرائيل.10
لقد عملت منظمة التحرير الفلسطينية بشكل محموم من أجل احتواء الأضرار واستئناف العملية، لكن عزمها كان قصير النظر، فبعد أن أحيل التقرير من مجلس حقوق الإنسان إلى الجمعية العامة، فشلت منظمة التحرير في كسب الدعم للخروج بتسوية جادة، ويعود ذلك جزئيا إلى مراعاة أولويات السياسة الأمريكية، وبذلك عاد التقرير إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف. 11 وقد أنشأ المجلس لجنة خبراء مستقلة لتقييم مدى كفاية التحقيقات المحلية الجارية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2010، أصدر الخبراء تقريرهم الذي بينوا فيه عدم كفاية التحقيقات الإسرائيلية والفلسطينية، ولكنهم لم يقدموا توصيات موضوعية لتصويب هذا القصور، بما في ذلك إحالة التقرير للمحكمة الجنائية الدولية لغرض التحقيق. 12
وبدلا من ذلك، وبتوجيه من منظمة التحرير الفلسطينية، قامت اللجنة بمنح إسرائيل والفلسطينيين مدة ستة أشهر أخرى لمواصلة تحقيقاتهما المحلية ورفع مستواها ليجري إعادة النظر فيها من قبل مجلس حقوق الإنسان في آذار/مارس 2011. ولكن حتى أفضل التحقيقات عمقا وشمولا سوف تظل من دون جدوى في ظل غياب التوجيه من جانب منظمة التحرير وغياب الإرادة السياسية من جانب الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل تحقيق المساءلة. وإذا لم تُعطِ منظمة التحرير الفلسطينية الأولوية لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة إبان عملية الرصاص المصبوب فوق أية مكاسب سياسية أخرى، فسوف تظل العدالة هدفا بعيد المنال ولا سيما بالنسبة للفلسطينيين المقيمين في قطاع غزة. 13
مسؤولية إحداث التغيير
تكبدت الحركة الوطنية الفلسطينية المكافحة من أجل تحقيق تقرير المصير تكاليف باهظة جراء الانقسام السياسي الداخلي، حيث إنه تسبب في تعطيل عمل اللجنة الذي عانى أيضا من الافتقار إلى القوة والزخم اللذين يوفرهما المجتمع المدني العالمي. ومع ذلك فإن لدى اللجنة إمكانيات كبيرة، إذ توفر الجمعية العامة خيارات متعددة للنهوض بالحقوق الفلسطينية، مثلما يظهر ذلك بجلاء في حالة اللجنة الخاصة بناميبيا واللجنة الخاصة بجنوب إفريقيا.
إن الخيار الأبرز المتاح للجنة هو سابقة قرار “متحدون من أجل السلام”، حيث تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني/نوفمبر 1950 القرار رقم 377 الذي حمل عنوان “متحدون من أجل السلام” وذلك كرد على استراتيجية الاتحاد السوفييتي السابق في استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مشروع قرار يهدف إلى مساعدة كوريا الجنوبية في وجه العدوان العسكري الذي شنته كوريا الشمالية. وبناء على طلب من ممثلي الولايات المتحدة لدى منظمة الأمم المتحدة، أثبتت الجمعية نفسها بوصفها حامية للسلام والأمن الدوليين وفقا للمادة 14 من ميثاق الأمم المتحدة، وقررت
… بأنه إذا عجز مجلس الأمن، لانعدام الإجماع بين أعضائه الدائمين، عن أداء مهمته الأساسية في صون السلم والأمن الدوليين في أي حالة قد تنطوي على تهديد للسلم أو خرق له أو على وقوع عمل عدواني، فإن الجمعية العامة تنظر في الأمر فورا بهدف رفع توصيات مناسبة للأعضاء لاتخاذ تدابير جماعية…لحفظ وإحلال السلم والأمن الدوليين.14
وفي كلمة أمام حفل إحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني عام 2003، أشارت بينيس إلى أن الجمعية العامة استخدمت القرار رقم 377 مرتين في الماضي القريب: مرة للحث على وقف التهديدات لحياة الرئيس ياسر عرفات (قرار الجمعية العامة 10/12، 2003)، ومرة ثانية لمطالبة إسرائيل بوقف بناء جدار الضم والتوسع وتفكيكه (قرار الجمعية العامة 10/13، 2003).
وفي الوقت الحاضر تحث أطراف من المجتمع المدني الجمعية العامة على استخدام هذه السابقة من أجل إبداء المعارضة لتعنت الولايات المتحدة وإصرارها على عرقلة كل تدبير في مجلس الأمن يهدف إلى حماية الفلسطينيين، ومحاسبة إسرائيل، والتأكيد على انطباق القانون الدولي وقواعد حقوق الإنسان على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ووفقا لجينيفر لوينستاين، وهي أستاذة في جامعة ويسكونسن-ماديسون ومشاركة دائمة في اجتماعات المجتمع المدني العالمي التي تعقدها اللجنة، فإن بعثة منظمة التحرير الفلسطينية لدى الأمم المتحدة قد ثبطت هذه التدخلات. وفي رد على الكلمة التي ألقتها لوينستاين أمام مؤتمر بروكسل في عام 2007 والتي انتقدت فيها بشدة تحالف الرئيس محمود عباس مع الولايات المتحدة وإسرائيل ضد حركة حماس، وصفها ممثل لمنظمة التحرير بأنها “وقحة” وأكد إنها “لا تملك الحق في التحدث باسم الفلسطينيين”.
تقول رانيا ماضي، مستشارة مقيمة في جنيف لمركز بديل/المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين ومشارِكة منذ عهد بعيد في اجتماعات المجتمع المدني العالمي، إن هذا الموقف هو تحديدًا السبب وراء تراجع مشاركة المجتمع المدني في الاجتماعات الدولية. وتضيف رانيا ماضي التي كانت من بين ممثلين قلائل عن المجتمع المدني في اجتماعات عامي 2008 و2009، بأنه “سيكون من المفيد إشراك المجتمع المدني بصورة ديمقراطية بدلا من استبعاده من العملية”.
تمتلك اللجنة قدرة على تعبئة الجمعية العامة لتصبح بديلا حقيقيا وفعالا لمجلس الأمن الدولي، وتتوقف فعاليتها على مدى استعداد منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج عن المسار السياسي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وتحدي الجمود الذي تفرضه واشنطن في الأمم المتحدة جراء استخدامها المتكرر لحق النقض في مجلس الأمن. وعلى أقل تقدير، يتطلب ذلك أن تضع منظمة التحرير الفلسطينية حكومة وحدة وطنية، وأن توفِّق بين تطلعاتها للدولة الفلسطينية وبين واجبها في حماية الفلسطينيين من الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان.
ولربما من المفارقة أن مسؤولية إحداث هذا التغيير تقع على عاتق الجهات الفاعلة في المجتمع المدني التي استُبعدت من العملية، إذ تتمثل مهمتها في الدعوة إلى التوفيق بين مسار الحقوق الوطنية ومسار حقوق الإنسان من داخل اللجنة، بدلا من العمل من الخارج لمعارضة ما يبدو أنه استلاب للجنة من قبل واشنطن. وخلافا لذلك، فإن المجتمع المدني يخاطر بتحول الاهتمام الدولي وبصفة دائمة بعيدا عن انتهاكات إسرائيل المنهجية لحقوق الإنسان والحصانة الأمريكية الممنوحة لها، لينصب على التنافس السياسي الفلسطيني الداخلي. وفي الواقع، قد يصبح المجتمع المدني جزءا من المشكلة، بدلا من أن يُسخّر إمكانياته الحيوية لدعم القانون الدولي وقواعد حقوق الإنسان في إطار المساعي الرامية للتوصل إلى حل للصراع يقبل التطبيق.
- نشرت نسخة من هذه المقال في منشورات مركز بديل. ↩
- http://unispal.un.org/unispal.nsf/0/B5B4720B8192FDE3852560DE004F3C47 .ضمت عضوية اللجنة عند تأسيسها البلدان التالية: أفغانستان، كوبا، قبرص، جمهورية ألمانيا الديمقراطية، غينيا، هنغاريا، الهند، إندونيسيا، جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، مدغشقر، ماليزيا، مالطا، باكستان، رومانيا، السنغال، سيراليون، تونس، تركيا، جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية، يوغوسلافيا. ↩
- http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/A7D4580DA4B4F0238525611E00668F4E. ↩
- قرار الأمم المتحدة (32/40 B (2 كانون الأول/ديسمبر 1977. بالإضافة إلى تقديم الدعم الموضوعي للجنة، اشتملت الوظائف الأساسية للشعبة على تخطيط وتنظيم الاجتماعات والمؤتمرات الدولية الخاصة باللجنة؛ وإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني سنويا؛ وإعداد المطبوعات ونشرها؛ والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال القضية الفلسطينية. ↩
- حضر جوزيف شيشلا اجتماعات اللجنة في الفترة الواقعة بين 1986 و1991 ومجددا في عام 1999. ↩
- http://unispal.un.org/UNISPAL.NSF/0/6F71BD16D6273ABC052565C9005730E6. ↩
- كانت قمة الرباط لعام 1974 أول من اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، حيث اعترفت بها الدول العربية والمجتمع الدولي بتلك الصفة. ↩
- كانت قمة الرباط لعام 1974 أول من اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، حيث اعترفت بها الدول العربية والمجتمع الدولي بتلك الصفة. ↩
- http://www.haaretz.com/news/abbas-aide-deferring-action-on-goldstone-report-was-a-mistake-1.6532 ↩
- Ibid ↩
- http://mideast.foreignpolicy.com/posts/2010/10/27/whither_goldstone_did_the_pa_kill_the_uns_gaza_report. ↩
- http://www.jadaliyya.com/pages/index/177/committee-of-independent-experts_israel-investigation-bad-but-not-bad-enough ↩
- بحسب قول أحد ائتلافات منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية فلقد “تمت التضحية بالقانون الدولي وحكم القانون على مدار سنوات عديدة في فلسطين باسم السياسة، وتمت تنحيته جانبا لصالح عملية السلام. لقد جُرٍّب هذا النهج وكانت نتيجته الفشل، فلقد ترسخ الاحتلال، واستمرت المستوطنات غير المشروعة في التوسع، وتواصل حرمان الفلسطينيين من الحق في تقرير المصير؛ ولا زال المدنيون الأبرياء يعانون من العواقب المروعة. لقد حان الوقت الآن لتحقيق العدالة، وبناء السلام على قاعدة حقوق الإنسان والكرامة وسيادة القانون. وكما قال القاضي غولدستون: لا سلام دون عدالة.” ↩
- http://www.un.org/en/documents/charter/chapter4.shtml ↩